يسرا مطلقة في «بالشمع الأحمر». ليلى علوي أرملة في «كابتن عفت». إلهام شاهين ترصد يوميات عانس في «نعم ما زلت آنسة». هند صبري تصرخ «عايزة اتجوز» في مسلسل يحمل الصرخة عنواناً... نساء بلا رجال سمة كثيرات من نجمات الدراما المصرية لهذا العام. نساء غارقات في مشاكلهن وهموم الحياة. نساء مثقلات بالوحدة. نساء يتمردنّ على المجتمع الذكوري وصورة المرأة التابعة. نساء لم يعدنَ سنداً للرجل في بطولاته التلفزيونية. نساء يحاولن إيجاد نصفهن الآخر من دون جدوى... ربما لأن غادة عبدالرازق سرقت كل الرجال في مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» بتنقلها من زوج الى آخر على امتداد الحلقات الدرامية الموزعة على مدار الشهر الكريم. وربما لسبب أكثر جدية هذه المرة، يترجم واقع مجتمع عربي يرزح تحت وطأة شبح «العنوسة والطلاق نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وما نتج منه من ارتفاع مستوى المعيشة وتدني دخل الفرد وتزايد الأعباء على الشباب وانتشار البطالة»، كما تفيد دراسة حديثة أعدّت عن هذه الأخطار المتنامية في المجتمعات العربية. وربما يكون السبب لضرورات الأمر الواقع. أي هناك أكثر من مخرج يتيح لنجمات التلفزيون مساحة مطلقة في ادوار البطولة، لا ينافسهن عليها احد. ففي هذا الموسم، تهزّ النجمات عرش الرجال، ويتربعن على أعمال تحمل أسماءهن في صدارتها، متفوقات على البطولة الذكورية التي كرّستها على مدى سنوات أعمال تمنح دوماً الامتياز للرجل. موجة نسائية ... في الكتابة قد يكون السبب أياً من الاسباب المذكورة، لكنّ نظرة فاحصة الى كتّاب هذه الأعمال قد تأخذنا الى مكان آخر لا يمكن إغفاله البتّة. فالأسماء تتشارك سمة واحدة، في معظمها، هي كونها تعود لنساء. وبالتالي لا عجب ان تتكلم هذه المسلسلات بلسان المرأة... ولا عجب ان تدنو من حقل الألغام الذي تعيشه هذه المرأة في مجتمعات غير آمنة. من غادة عبدالعال («عايزة أتجوز») الى عزة عزت («نعم ما زلت آنسة») الى مريم نعوم ونادين شمس ونجلاء الحديني («بالشمع الأحمر»)... أسماء مؤلفات يُعلنّ موجة جديدة في الدراما المصرية مع بدء إمساك النساء بمقاليد الدراما. ومن أفضل من المرأة لتغيير الصورة النمطية التي ترسخت عنها في الدراما على مدار عقود من الإذعان لمجتمع ذكوري؟ ومن أفضل منها للتعبير عن واقعها؟ فإذا كانت الدراما السورية تفوقت على الدراما المصرية في السنوات الماضية، فذلك لأنها اعتمدت المدرسة الواقعية في الدراما الاجتماعية. وإذا كانت النساء الهدف الاول لصنّاع الدراما والسوق الإعلاني الأكبر بما انهن الأكثر متابعة لهذه الأعمال، فإن اقتراب الدراما السورية من هموم المرأة وشجونها بأدوات تلامس الواقع، ساهم في إعلاء شأنها على حساب الدراما المصرية التي ظلت غافلة عن تطور المجتمع. فلم تحاول كسر التقاليد الدرامية... ولم تطور أدواتها. من هنا، لم يستغرب احد ان يكون العمل الأكثر بروزاً العام الماضي، والأكثر استقطاباً للجوائز - حتى المصرية منها - مسلسلاً سورياً هو «زمن العار» - إذا استثنينا «باب الحارة» الذي أصبح ظاهرة تلفزيونية أكثر منه عملاً درامياً - لا مسلسلاً مصرياً كما درجت العادة على مدى سنوات طويلة. و «زمن العار» ليس إلا عمل اجتماعي يندرج في إطار دراما المرأة من خلال قصته التي تخترق صميم مشاغل المرأة ومشاكلها في مجتمع ذكوري لا يرحم الضعفاء. طبعاً، لم يكن «زمن العار» باكورة نجاحات المسلسلات السورية في العالم العربي. فالمتابع يعرف ان أعمالاً كثيرة سبقته ودقت ناقوس الخطر للدراما المصرية... كما ان أعمالاً لا تزال حالياً تدق هذا الناقوس بجرأتها في رصد الواقع. وإذا كان عدد من الكتاب السوريين طرقوا باب دراما المرأة ونجحوا في ملامسة واقعها، فإن دخول كاتبات على الخط مثل دلع الرحبي وريم حنا ورانيا البيطار كان له فضل لا يمكن إنكاره في تبلور هذا الخط. سوق تلفزيوني ما يقال عن الدراما السورية في هذا الإطار، سيتردد أكثر فأكثر حول الدراما المصرية مع اقتحام الكاتبات بقوة عالم الدراما. طبعاً، هذا الحديث لا يُلغي جهود كتّاب حاولوا الثورة على المسلسلات السائدة، إنما يؤذن لمرحلة تكون فيها للمرأة مساحة اكبر لا يمكن تحجيمها. واذا كانت الدراما العربية ذات المواضيع الجادة، ورثت تلك السينما الاجتماعية الجادة التي راجت منذ الخمسينات وحتى اواسط الثمانينات من القرن العشرين، فإن السؤال المشروع حول هذه الدراما لا يعود لماذا اليوم شرعت في منح هذه المساحة للقضايا النسائية الحقيقية... بل لماذا تأخرت حتى اليوم؟ ولا يُخفى على احد ان اية دراسة سوسيولوجية تتناول جمهور المسلسلات، لا سيما خلال شهر رمضان، ستفيد بأن النساء يشكلن العدد الأكبر من هؤلاء المشاهدين. بل لربما ستفيد دراسات اخرى، أكثر تفصيلاً، ان برامج القضايا الجدية، هي من نصيب النساء، بينما قد يفضل المشاهدون الذكور برامج الضحك والسخرية والسياسة. من هنا، قد يأتي جواب ما في الأيام او الاسابيع المقبلة، ليس فقط على واقع ان الكتابة التلفزيونية النسائية زادت اهتمامها بمشاكل المرأة على الشاشة - ينطبق هذا حتى على بعض المسلسلات اللبنانية الناجحة - بل كذلك على واقع ان مخرجاً مخضرماً، يعرف تماماً ذهنية المشاهد العربي، مثل نجدة أنزور، شاء ان يشارك في هذا الموسم الرمضاني بمسلسلين يضيئان معاً، وكل على طريقته، على قضية المرأة العربية. إذ، بعد كل شيء، إذا كان مسلسل مثل «ذاكرة الجسد» يصنف ضمن خانة «الجندر»، فإنه مسلسل عن المرأة من كتابة امرأة اقتباساً عن رواية لامرأة. أما مسلسل أنزور الآخر «... وما ملكت أيمانكم»، فلعله سيعتبر ذات يوم ابرز وأخطر مرافعة لمصلحة المرأة العربية في تاريخ الدراما التلفزيونية. صحيح ان الوقت لا يزال مبكراً لأي نقد، والحلقات لا تزال أقل من تمكين النقاد من إصدار حكم نهائي على هذا كله... غير ان المؤشرات الماثلة حتى الآن، وما بات معروفاً ومتوقعاً من اجواء المسلسلات ومواقفها ومواقعها، كل هذا يعيدنا الى بداية هذا الكلام: موسم رمضان هذا العام هو، وبامتياز، موسم المرأة، في كل حالاتها وهمومها وقوتها وضعفها... وليس هذا شأناً ضئيلاً.