بين عدوان تموز يوليو 2006 على لبنان، والذي يعيش اللبنانيون تداعياته حتى هذه الساعة، والعدوان المستمر على غزة منذ أواسط كانون الأول ديسمبر 2008، ثمة شبه كثيف على رغم الاختلاف الجغرافي. والشبه قائم، ليس فقط في المقاومتين الصامدتين،"حزب الله"وپ"حماس"، بل في الامتدادات الوطنية والإقليمية والدولية لما يجرى في حسابات كل من المعتدي والضحية على حد سواء. وليست هذه العجالة لتدعي إمكان الإضاءة على كل هذه الامتدادات بسبب تعقيداتها وارتباطاتها العضوية، بمقدار ما تنزع الى البحث في ما أشير إليه، قبل أسبوعين من انطلاق العدوان على غزة واستكمل من ثم ولم يزل، ومفاده أن تطويع المقاومتين تمهيد لتصفية القضية الفلسطينية عبر فرض حظر العودة على فلسطينيي الشتات التوطين من ناحية، وأن الضمانة الوحيدة لمواجهة هذه التصفية كامن في الإبقاء على سلاح المقاومتين كما هو، بغض النظر عن المنطق الدولتي المؤسساتي الشرعي من ناحية أخرى. فتُمسي الدولة في خدمة المقاومة في هذا السياق لا العكس. مع هشاشة هذه المعادلة، بل خطورتها في نسف النسيج الوطني الوحدوي، لحساب أنسجة متقابلة."إنقلاب غزة"وپ"مأساة أيار/ مايو بيروت"نموذجان في هذا السياق. ويتبدّى ملحاحاً واجب توصيف المسائل التي تُسقط"حق العودة"، والتي لا يمكن للسلاح المقاوم وحده الدفاع عنه، من دون تجاهل أن"البندقية المعنوية"انزلقت في التصويب على من احتضنوها، بل حتى على من كانوا أساساً في قيامها، فابتهج العدو. من هنا واجب تفكيك الالتباس الاستراتيجي بين"السلاح الضمانة"وپ"حق العودة"، انطلاقاً من أربع لاءات تأسيسية، من دون إغفال عنصر القوة في السلاح إن بقي في خدمة منطق الدولة. 1 - لا عودة من دون وحدة وطنية كل انقسام وطني في لبنانوفلسطين تحديداً ترتاح إليه إسرائيل. ففي صميم قيامها الإفادة من التناقضات، ودفع الوحدة الوطنية الى وحدات متنافرة. ثمة توصيفات أطلقها بعضنا مثل"الممانعين"وپ"المستسلمين"وپ"الصقوريين"وپ"المعتدلين"وپ"الوطنيين"وپ"العملاء"، أسهمت في تكريس التفوّق الإسرائيلي بوحدة رؤيته للدفاع عن اغتصابه أرض فلسطين وتهجير شعبها، على ترهُّل رؤيتنا بانقساماتنا. تعدُّد الرؤى حول قضية مركزية عبر قراءات متأنية ومعمقة حول أفضل الخيارات لإنقاذها، يجب ألا يتحوّل تهويلاً وتحريضاً وتخويناً. 2 - لا عودة من دون دولة فلسطينية لا قيمة للقرار 194 إن لم تقُم دولة فلسطين بحسب القرار 181. وقيام دولة فلسطين على النحر الدولي المتمادي له، تارة عبر التواطؤ مع إسرائيل في قضم الأراضي، واستمرار الاستيطان، والتفرُّج على إنشاء الجدار العنصري الفاصل، وطوراً عبر تعجيز إعلان الدولة بتأخيرات متتالية، لكن الأجدى ألا يلازمه اغتيال داخلي عبر فرض سلطة أمر واقع في قطاع غزة بمواجهة سلطة دستورية في الضفة، لترسم السلطتان في الجغرافيا خيار دولتين لدولة مؤجلة، فيبني المفاوض والمقاتل الإسرائيلي أجندته على قاعدة أن الأَولى بمكان حل تقطُّع أوصال الدولة بالخيارات الفلسطينية المتصادمة، قبل توسّله إيقاف تقطيع أوصالها الجغرافية. إسرائيل تستند الى عمق جيو - سياسي ونحن نعاندها بالمنابر. في هذا الإطار. ورجوعاً الى حق العودة، هل يُمكن لأي لاجئ فلسطيني العودة إذا لم تقُم دولة فلسطين؟ دولة فلسطين ضمانة ثانية. 3 - لا عودة من دون جهد ديبلوماسي المقاومة الميدانية، على فاعليتها، تحتاج جُهداً ديبلوماسياً فلسطينياًولبنانياً وعربياً في عواصم القرار العالمي. لذا لا بد من أن ننتقل من هامش رد الفعل، الى متن الفعل. فبدل الانكباب على توصيف خيانة التوطين، يجب تبني نهج توصيف حق العودة قاعدة للعدل الدولي، مع استعادة نصوص الاتفاقات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بالقرار 194، والتي تلزم إسرائيل من جهة. كما منهجة العمل المفاوض من خلال طرح هذه المسألة تحديداً متلازمة والقرار 181 من جهة ثانية. الى البناء على ما تمّ الاتفاق عليه في المفاوضات، لا سيما في ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان من حيث خصوصية وضعه، وتفهّم المجتمع الدولي لذلك. اختراق جدي في هذا المحور يجب القيام به مع الإدارة الأميركية الجديدة. القبضات المرفوعة الحناجر المدوية فقط تبقى أعجز عن التأثير، كذا التمحور الشعاراتي. الجهد الديبلوماسي ضمانة ثالثة. 4 - لا عودة من دون تلاقي الشرعيات نشأت إسرائيل بالقوة، بالتهجير. ضربت ولم تزل عرض الحائط مبدأ الشرعية. شرعيتها العنهجية العسكرية. أما مقاومتها، فمن المفيد أن تتركّز على ترسيخ توحد رؤية الشرعيات الوطنية والعربية والدولية، وإلا نُبرر لها تجاوز هذه الشرعيات. ربما إماطة اللثام عن هذه الضمانات الأربع تُزيل الغموض المتعمّد السائد بعض الخطاب السياسوي، الذي يُصرّ على أن السلاح ضمانة لحق العودة، لغاية ما في نفس أكثر من يعقوب. وفي هذا السياق كان جوهرياً وجريئاً توجيه الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان، منذ ما قبل عدوان غزة، إذ أشار الى حق اللاجئين الفلسطينيين بحياة كريمة حتى عودتهم بحسب القرار 194، وأتبعه قبل أيام من بدء عدوان غزة، ومن الجنوب، برفض أن يكون لبنان منصة لإطلاق الصواريخ، فدعوته بعد خَرق توجيهه الى ضرورة تنفيذ مقررات طاولة الحوار الوطني 2006 والقاضية بمعالجة الوجود الفلسطيني في لبنان، وفي إحدى بنود هذه المعالجة نزع السلاح"الفلسطيني"خارج المخيمات، وضبطه وتنظيمه داخل المخيمات تحت سيادة الدولة اللبنانية كمرحلة أولى. وقد تواءم هذا التوجيه مع ما كانت الحكومة اللبنانية أطلقته منذ العام 2005 بتشكيلها، لجنة الحوار اللبناني ? الفلسطيني يرأسها الديبلوماسي المخضرم السفير خليل مكاوي، على رغم الإرهاب المستورد والمفبرك في مخيم نهر البارد والذي انتصرت عليه الشرعيتان اللبنانيةوالفلسطينية معاً، الشروع في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين بمسؤولية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا والدول المانحة، وإقرار رفع التمثيل الديبلوماسي لممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت بالمبدأ الى مستوى سفارة، وبقيت مسألة السلاح عالقة. حتماً آن أوان وضعها على الطاولة وترتيبها، ما يُمهد لتسيُّد الشرعية ووضع ضوابط وطنية جامعة للاستراتيجية الدفاعية، وإلا تستمر لعبة الرهانات والمقايضات على حساب لبنانوفلسطين و... حق العودة. * كاتب لبناني نشر في العدد: 16724 ت.م: 17-01-2009 ص: 29 ط: الرياض