وصف الزعيم الروحي للتيبت الدالاي لاما قمع السلطات الصينية لتظاهرات التيبيتيين في لاسا، والتي بدأت في العاشر من الشهر الجاري بالتزامن مع الذكرى ال49 لنفيه الى الهند، بأنها"إبادة لحضارة التيبت"، وهو ما سعت اليه الصين منذ ان ضمت البلد المستقل السابق الى أقاليمها عام 1951. لم يخفِ الدالاي لاما يوماً خشيته من الهجرة المتنامية لاتنية"هان"الصينية الى التيبت، باعتبارها ركيزة"الإبادة الثقافية"المنشودة، علماً أن بكين نفسها تحدثت عن أعمال عنف كثيرة استهدفت ممتلكات"الهان"خلال الأحداث الأخيرة في لاسا عاصمة التيبت. وتكرر السلطات الصينية أن نسبة أبناء"الهان"لا تتجاوز عشرة في المئة، لكن التيبيتيين في المنفى يؤكدون أن نسبتهم تخطت 50 في المئة حالياً، ومعظمهم قدم من إقليم سيشوان، حيث يعيش 120 مليوناً من"الهان"في مساحة لا تتجاوز حجم فرنسا، في ظل أوضاع اقتصادية متردية. وكان الزعيم الصيني السابق دنغ كزياوبينغ برر عام 1987 إرسال أعداد كبيرة من"الهان"بأن"التيبت مأهولة بالكاد، ولا يكفي شعبها البالغ مليوني نسمة حينها مليونين ونصف مليون حالياً لإنجاز مهمة تطوير مساحتها الشاسعة". ووصف المهمة بأنها"ذات أبعاد وطنية"لخدمة المنطقة، فيما اعتبرها"الهان"فرصة جيدة لتحقيق مكاسب مادية لا تتوافر داخل الصين، خصوصاً أن هيكلية الأجور في البلاد تربط قيمتها بعامل ارتفاع موقع العمل عن سطح البحر، ما يجعل جبال الهيمالايا في التيبت الأعلى أجراً في الصين. كما ان التيبت تشكل المكان الأكثر نقاءً، في الصين حيث يتوفى 25 في المئة من السكان متأثرين بأمراض رئوية ناتجة من التلوث الحاد في أنحاء الدولة الشيوعية. كذلك عزز زحف"الهان"وضع بكين التيبت في صلب رؤيتها لحلم الأرض الصينية الكبرى الموحدة الذي شكل هدف جميع قادة البلاد، لكن عبر انتهاكات تفوق"امبريالية"الغرب الذي يزعمون مواجهته، إذ أطاح الصينيون نفوذ الأديرة البوذية، وقوضوا الحرية الدينية والحقوا أضراراً كبيرة بثقافة التيبت، كما أعادوا توزيع الأراضي بشكل عشوائي. ودفع الصينيون ثمناً باهظاً لالتزامهم واجب"تحرير التيبيتيين من العبودية"، والذي شكل الشعار الرئيس لاجتياحهم التيبت انطلاقاً من أن نسبة 95 في المئة من سكان التيبت عملوا لدى الرهبان والأديرة قبل عام 1951، كما ان نسبة مماثلة عدت أمية. وبلغ حجم الإنفاق الصيني في التيبت بين عامي 1951 و1994 نحو 4,2 بلايين دولار، وناهز 600 مليون دولار عام 1996، أي اقل ب200 مليون دولار عن إجمالي المساعدات الأميركية لقارة أفريقيا كلها في العام ذاته. ويؤكد خبراً أن استثمارات الصين في قطاع التعليم التيبيتي اكبر منه في أراضيها. وهنا يطرح السؤال نفسه على التيبيتيين حول من سيؤمن الأموال الضخمة لبلادهم في حال استقلت عن الصين، علماً ان نظام الضرائب شبه معدوم في التيبت، اذ تعفي الصين المزارعين من الضرائب، وتمنح تسليفات بفوائد مخفضة لرجال الأعمال، فيما تنعدم الجمارك على البضائع المستوردة من نيبال المجاورة. ولعل ذلك يفسر تراجع الدالاي لاما في السنوات الأخيرة عن المطالبة بالاستقلال لحساب نيل حكم ذاتي ثقافي يعني بالدرجة الأولى تغليب العقائد البوذية على الاشتراكية الصينية المعادية لأي ديانة، وثانياً إطلاق الأفكار الأميركية التي أبدى التيبيتيون دائماً إعجابهم بها، في مجتمع يخضع لنفوذ سلطات تعتبر الإمبريالية الأجنبية العدو الأكبر لها. ويرى التيبيتيون أن التعاون مع الأميركيين سيضعهم على طريق الحداثة التي يفتقدونها في بلادهم النائية، ويضمن تحقيق أهدافهم السياسية، على رغم أن تجربتهم الأخيرة مع الأميركيين، والتي تعود الى عام 1950 حين دربت وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أي ميليشيات تيبيتية وسلحتها اعتبرت سيئة، إذ أثارت غضب الصينيين الذين اجتاحوا التيبت، واجبروا الدالاي لاما على الرحيل الى الهند.