كان سوء الحظ وراء انهيار حوار بدأته السلطات المغربية مع جماعة"العدل والإحسان"الاسلامية في نهاية التسعينات من القرن الماضي. وقتها كانت الجزائر تعاني من استشراء ظاهرة التطرف وكان المغرب ينأى بنفسه عنها قبل ان تنتقل اليه العدوى في أيار مايو 2003 في الدار البيضاء. لم يكن الوضع في المغرب استثناء، غير أن معطيات على قدر كبير من الأهمية حالت دون انتشار العدوى بشكل كاسح، استناداً الى مرجعيات روحية وجهات سياسية. وهو ما جعل أكثر التيارات الاسلامية نفوذاً، ومن بينها حزب"العدالة والتنمية"المشروع وجماعة"العدل والإحسان"المحظورة وفصائل أخرى، تضاف الى قوائم المنددين بالعنف واستخدامه في الصراع على السلطة. اللافت في المرحلة الانتقالية التي عاشها المغرب انها اتسمت بميول راسخة نحو الاعتدال والواقعية، مع ان تجارب مماثلة تشير الى أن فترات كهذه تعجل في ظهور التناقضات وانفجارها على امتداد مساحات أشمل. فثمة حرص على العبور بسلام من ضفة الى أخرى ساعد المغاربة على بلورة الاختيارات التي يلتقون حولها، حتى وان زادت خلافاتهم حول درجة جرعات الاصلاحات المطلوبة. هل كان استثناء أن ينفلت متطرفون في اتجاه استخدام سلاح التفجيرات وأعمال عنف من خارج مكونات المشهد السياسي الذي دأب على الركون الى منطق التعايش، أم أن غفلة السلطات والأحزاب والجماعات الاسلامية مكنت اولئك المتطرفين من اشهار حرب التطرف ضد الجميع؟ في أي حال، يكاد الوعي بمخاطر الانفلات أن يكون هماً مشتركاً بين الجميع، فالتزامات"العدالة والتنمية"كحزب ذي مرجعية اسلامية بالصراع داخل الساحة السياسية أفضل من بقائه على الهامش، وغداً سيكون في وسع جماعة"العدل والإحسان"أن تفيد بدورها من الشرعية السياسية لدى ارتضائها الانتقال الى العمل كحزب سياسي. وليس هناك ما يحول دون تفعيل مجالات وآليات التجربة السياسية، إذ يصبح في إمكانها أن تتعزز بمشاركة الجميع، شرط الاذعان الى القوانين. على خط انفتاح يفترض أن يكون متبادلاً يتردد أن السلطات المغربية شرعت في حوار مع كوادر وشيوخ السلفية الجهادية المعتقلين على خلفية الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء وأحداث إرهابية متصلة بها. والخطوة في حد ذاتها مبادرة ايجابية، حتى وإن كان هدفها يتوقف عند تصحيح تجاوزات ارتكبت اثناء اعتقال ومحاكمة المتورطين المشتبه فيهم من غير الضالعين مباشرة في أعمال العنف. ومع أن البُعد القانوني لاحتواء التجاوزات يكمن في معاودة اللجوء إلى القضاء على أعلى مستوياته أو طلب الإفادة من العفو الملكي، فإن ما هو أبعد من طرح اشكالات قانونية أن مجرد اشهار شيوخ السلفية الجهادية براءتهم يعني أنهم ينبذون العنف. في حين أن الرغبة في تحسين أوضاعهم داخل السجون أو تمكينهم من فرص معاودة الاندماج خارج أسوار المعتقلات تنم عن لقاء محتمل عند منتصف الطريق. وكما انبرت المراجع الرسمية العليا نحو ايلاء عناية أكبر لمعاودة هيكلة وتنظيم الحقل الديني والالتفات إلى اشكالات الافتاء ودمج النساء العالمات في دور التوعية والارشاد عبر تحويل المساجد إلى مدارس لتلقين المعرفة، فإن تنقية الأجواء في العلاقات مع التنظيمات الإسلامية المعتدلة التي تنبذ العنف والتطرف من شأنها ان تعزز هذا التوجه، أقله من الناحية السياسية، فيما أن تجاوز الأخطاء المتبادلة في التعاطي مع ردع المتطرفين، الذي لم يكن خالياً من تجاوزات، يفسح في المجال أمام بناء علاقات ثقة جديدة. ما حدث يجب أن يوضع في الخلف، والأفضل أن يكون حراس الأمن العام والاستقرار وصون العقيدة من أي لبس غير بعيدين عن المشهد الذي انبثقت منه بعض الأخطاء التي صار في الإمكان تجاوزها. نشر في العدد: 16674 ت.م: 28-11-2008 ص: 15 ط: الرياض