ضجت منطقة "بورت دو فرساي" الباريسية أمس بهتاف نحو 60 ألف شخص توافدوا اليها من المناطق الفرنسية المختلفة للمشاركة في المؤتمر الاستثنائي الذي كرس وزير الداخلية نيكولا ساركوزي مرشحاً لحزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" اليمين الحاكم الى رئاسة الجمهورية. وتوج المؤتمر الاستفتاء الداخلي على ترشيح ساركوزي في غياب أي منافس له، وحصل في اعقابه على أصوات 69.6 في المئة من أعضاء الحزب الذي يرأسه، ويبلغ عددهم نحو 316 ألفا. وحقق ساركوزي بذلك خطوة مهمة على طريق الحلم الذي يراوده منذ بداية حياته السياسية قبل 30 عاما تقريباً، والذي عمل لأجله بصورة دؤوبة منذ فوز الرئيس جاك شيراك بولايته الرئاسية الثانية العام 2002. وتناوب على الكلام خلال المؤتمر رؤساء وزراء سابقون، منهم ادوار بالادور وجان بيار رافاران ووزراء حاليون وسابقون. وشدد جميع هؤلاء على أهمية وحدة الصف في مواجهة مرشحة الحزب الاشتراكي المعارض سيغولين رويال. لكن صوتاً بارزاً واحداً غاب عن هذا المؤتمر، هو صوت الرئيس جاك شيراك الذي لم يوجه رسالة الى المؤتمر. كما غابت عن المؤتمر الفرنسية الاولى السيدة برناديت شيراك، بما يوحي ان التفاف الاسرة الديغولية حول ساركوزي لم يكتمل بعد. والمعروف ان شيراك امتنع حتى الآن عن تأييد ترشيح ساركوزي لخلافته، كما تعمد التزام الغموض حول احتمال إقدامه على خوض الانتخابات مجدداً أملاً بولاية رئاسية ثالثة. وتخللت المؤتمر لحظات لافتة، أبرزها وصول رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان الى مقر المؤتمر، حيث استقبله ساركوزي، محاطاً برافاران، وسط هرج ومرج ساد الصحافيين والمصورين الموجودين في المكان. ولم يدل دو فيلبان الذي عانى من منافسة ساركوزي له ومن مزايداته عليه في المراحل الدقيقة التي واجهها منذ توليه رئاسة الحكومة، بأي مداخلة أمام المؤتمر. ولم يبق في المؤتمر أكثر من 35 دقيقة، في ما وصف بأنه زيارة لياقة خاطفة. وشكلت الكلمة التي ألقتها وزيرة الدفاع ميشال اليو - ماري، بدورها محطة لافتة، خصوصاً انها بقيت تلمح الى احتمال ترشيح نفسها للرئاسة، حتى يوم الجمعة الماضي قبل ان تعلن عزمها عدم القيام بذلك حرصاً على الوحدة. وسبقت انضمام اليو - ماري الى ساركوزي، خطوة مماثلة لرئيس الحكومة السابق آلان جوبيه الذي يعتبر بمثابة الإبن الروحي للرئيس الفرنسي. ولم يظهر على ساركوزي ما يشير الى ان غياب صوت شيراك عن المؤتمر، ينغص عليه فرحته. فبدا شديد الارتياح والثقة بالنفس لدى اعتلائه المنصة الضخمة التي زينت بألوان العلم الفرنسي وبعبارة"معاً كل شيء ممكن"، لإلقاء أول خطاب له بصفته مرشحاً رسمياً. وشكل الخطاب الذي استغرق حوالي ساعة وربع ساعة من الوقت جردة شاملة للواقع الحالي القائم في فرنسا وتفصيلاً للواقع الذي يريد نقلها اليه. فلم يغفل أي فئة اجتماعية، فوزع الوعود على الجميع من شباب وطلاب ونساء ومهمشين ومعاقين وعاملين، مشدداً على ضرورة رد الاعتبار الى العمل والانخراط في النشاط الاقتصادي. وبعدما شدد على"ان من يريدون اخضاع النساء لا مكان لهم في فرنسا، وأن تعدد الزوجات لا مكان له في فرنسا"، دعا الجميع الى"المشاركة في ثقافة فرنسا وحاضرها استناداً الى الحرية والمساواة والفخر بالهوية". وتعهد"ان يكون الرئيس الذي يضفي اخلاقاً على الرأسمالية والرئيس الذي يعمل لأجل ديموقراطية مثالية لا تشجع أحداً على التصويت للتطرف". وكان لافتا الموقف الذي اعلنه ساركوزي من مسألة قبول عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي، خلال عرضه لسياسته الخارجية، اذ قال:"اريد ان اقول انه لا بد ان تكون لأوروبا حدود، وانه ليس لكل دول العالم المؤهلات للانضمام الى الاتحاد الاوروبي بدءا بتركيا التي لا يوجد لها مكان داخل الاتحاد الاوروبي. وبتوسيع اوروبا بلا حد نجازف بتقويض الوحدة السياسية الاوروبية. وهذا شيء لا أوافق عليه".