لو كنا نرى الآخرين كما يرون أنفسهم لما قامت مشكلة في العالم. تذكرت هذه الملاحظة وأنا أقرأ عن كتاب جديد ضم فيه الصحافي ديفيد روز بعض أغرب الاعلانات التي نشرتها مجلة"لندن ريفيو أوف بوكس"الراقية جداً للراغبين في إقامة علاقات خاصة جداً مع آخرين. أذكر أنني كنت أقرأ صغيراً إعلانات في صحف ومجلات عربية عن هواة المراسلة، كانت عادة تقول شيئاً من نوع: هوايتي المراسلة. وجمع الطوابع. من أنصار فريد الأطرش. وربما كانت هناك رغبات أخرى وراء إعلانات هواة المراسلة العرب، إلا أنها مكتومة، وهو ما لا يحتاج اليه القارئ الغربي أو القارئة، فهو يعبر عن رغباته في شكل صريح، أو فاضح، وهي عادة رغبة واحدة تدور حول الجنس. أجد هذه الإعلانات مثل دعاية السيارات، فالرجل الوسيم الثري الشاب، والحسناء النحيلة الطويلة، لا يحتاجان الى الإعلان عن نفسيهما، ومع ذلك يبدو ان جميع المعلنين هم أبولو وأفروديت، وسأصدق هذه الدعايات عندما أجد سيارة من مستوى الدعاية لها. مع ذلك هناك من يصدق، فالإعلانات الشخصية رائجة، والمهارة في"البزنس"ليست أن تبيع شيئاً عندك لشخص يحتاج إليه، ولكن أن تبيع ما ليس عندك لمن لا يحتاجه، وفي النهاية، رزق الهبل على المجانين، كما يقولون في مصر. ويبدو ان أرقى المجلات الفكرية على جانبي المحيط الأطلسي يجتذب أذكى نوع من المعلنين عن أنفسهم. وقد اشتهرت مجلة"نيويورك ريفيو أوف بوكس"باعلاناتها، الى درجة أن مجلة"ناشونال لامبون"الساخرة نشرت تحقيقاً هاذراً يضم صوراً كاريكاتورية من إعلانات المجلة الأدبية مثل: - طبيب نفسي يهودي أرثوذكسي، يعرف كيف يعيش، بحاجة الى امرأة تشاركه قرحة نازفة. - رجل متزوج وغير سعيد، مهذب لطيف، يريد علاقة تجلب له العار. - قصيرة حمراء الشعر، تاجرة الماس، تبحث عن زواج دائم، ومستعدة لدفع أجرة التاكسي. - طالب خجول من بروكلن، يستعمل نظارات طبية، من عائلة محافظة يريد علاقة مع فدائيين أعتقد بأن المقصود ان المرأة التي تقبل به تكون فدائية. وسأكتفي اليوم بمثل ما سبق، مما يمكن نشره، فكثير من هذه الاعلانات فاضح بالمفهوم الشرقي. وهناك عادة ركن خاص للشاذين والشاذات مع انهم طبعاً لا يرون في أنفسهم شذوذاً، والاسم المقبول، او الصحيح سياسياً، لهم هو"احاديو الجنس". مجلة"لندن ريفيو اوف بوكس"تعكس روح النكتة الذكية عند الانكليز، وقد قرأت: - عمرك ليس مهماً، شكلك ليس قضية. لكن حسابك في البنك لا أريد المزاح في شأنه، فأنا امرأة طماعة. - كهل قصير أصلع سمين دميم، 53 سنة، يريد امرأة ضعيفة النظر قوية الرغبة الجنسية. - الرومانسية ماتت، كذلك والدتي. رجل، 42 سنة، وارث يبحث عن امرأة... - غانية في المطبخ، طاهية في غرفة النوم. امرأة اختلطت عليها الاولويات، 37 سنة، تبحث عن رجل يعرف كيف يعد سلاطة. - نرجسي، 32 سنة، اذا كنتِ في جمالي، مع انني اشك في ذلك، يمكن ان تراسليني. - محاضرة في الأدب الكلاسيكي، 53 سنة، تتمنى لو ان عندها شكل المغنية بيونسي، تريد جندياً، أو رجلاً عاقلاً يقيم ضمن الطريق الدائري للعاصمة لندن. - رجل عمره 32 سنة يريد مقابلة امرأة دون السبعين لمواجهة الحقيقة المرة عن الرهن على منزله. يجب أن تكون مالكة بطاقات"كريدت"صالحة. - 5 أيلول سبتمبر هو ذكرى طلاقي، أيضاً 17 تشرين الأول نوفمبر، و12 كانون الثاني يناير، و8 آذار مارس، و21 حزيران يونيو. استفد من عطلة الصيف واتصل بي لتجد امرأة قليلة الصبر تحب الفلوس. - لا تتكلم لأنك ستزيد احتقاري لك. ولا تخلع البنطلون. امرأة خائبة الأمل تريد التعرف الى رجل. قف في الطابور وفاوض. - أي شيء تقولينه قد أنقله الى محاميّ. اذا لم تكوني زوجتي الاولى اتصلي بالعنوان التالي... أحب السهر والانتقام. أتوقف هنا لأقول إن وراء كل الإعلانات السابقة وألوف مثلها الاعتقاد بأن هناك فرقاً بين امرأة وأخرى، او بين رجل وآخر. ورأيي ان الرجل المتزوج الذي وضع إعلاناً، واستأجر صندوق بريد ليتلقى الردود عليه، ثم انتهى بعلاقة مع امرأة متزوجة، سيكتشف خلال سنة انه أقام علاقة سرية مع زوجته. قرأت مرة دراسة طبية تقول ان الغرام يصمد أربع سنوات الى خمس على أبعد تقدير، ثم يتحول الى صداقة او عِشْرة او انتقام. ولم أعد أذكر تفاصيل الدراسة، الا انني أكاد أكون واثقاً من انها أظهرت ان الغرام يصمد حتى خمس سنوات خارج مؤسسة الزوجية، لأن الزواج ضربة قاضية. ولو ان قيساً تزوج ليلى او روميو جولييت لكنا قرأنا نهاية سريعة للغرام الذي يذهب بالعقول، او الأرواح. مع ذلك أقول لكل رجل يصر على أن"يلعب بديله"ان يختار امرأة اسمها مثل اسم زوجته، حتى لا يخطئ يوماً، وتسمع زوجته اسماً غير اسمها، خصوصاً اذا كان يتكلم في منامه. بعضهم يفشل مهما حاول، وقد سمعت عن رجل لم يكن له حظ مع النساء، وجرب حظه مع الرجال، الا انهم رفضوه ايضاً. غير ان القاعدة هي ان يجرب الرجل او المرأة حتى يعثرا على يائس بائس مثلهما، يقبل المعروض عليه وهو يعلم انه دون مستوى الدعاية له، فالكذبة تحتاج الى اثنين، واحد يحكيها والآخر يصدقها.