"مستقبل جهاد"وپ"فهم جهاد"كتابان جديدان لا يرويان سيرتي الذاتية، فليس فيهما ما يستحق ان يروى، وإنما يطرحان موضوع الجهاد مرة اخرى فهذا موسمه. الكتاب الاول عنوانه الكامل"مستقبل جهاد أي الجهاد: استراتيجيات الارهابيين ضد أميركا"، من تأليف وليد فارس، وهو لبناني الاصل يقيم في الولاياتالمتحدة، وله مواقف يمينية في السياسة اللبنانية لا اعتراض لي عليها لأن من حقه ان يفكر كما يريد، الا انها تلزمه بطرف واحد، مما يجب ألا يغيب عن ذهن قارئه، إضافة الى حقيقة انه بعيد من أي اتصال مباشر بالارهاب وأصحابه، او أي تجربة ميدانية في الموضوع. الكتاب الثاني هو"فهم جهاد أي الجهاد مرة اخرى"من تأليف ديفيد كوك، وهو استاذ مساعد للدراسات الدينية في جامعة رايس، يقدم شرحاً موضوعياً ويحاول ازالة سوء الفهم المحيط بالجهاد في الاسلام. وقد سرني في ما قرأت عن الكتاب ان مؤلفه يشرح ان الجهاد لا يعني"حرباً مقدسة"، فالواقع ان هذه العبارة عادت الينا بعد ترجمتها حرفياً عن الانكليزية، مع ان الترجمة الانكليزية هي لكلمة"جهاد"فضاعت الكلمة بين اللغتين. أتوقف هنا لأقول انني لم أقرأ الكتابين السابقين بعد وكتباً اخرى سأقدمها الى القراء اليوم، لعل القادر منهم يختار منها ما يريد، فالذي حدث هو انني كنت أقرأ العدد الاخير من مجلة"نيويورك ريفيو أوف بوكس"التي تعرض الكتب الجديدة كما يدل اسمها، ولفتني في العدد اعلانات عن كتب تحمل اسمي وكتب اخرى، فطلبتها من الناشر، او عبر"أمازون"، بعد ان راجعت عروضاً منشورة لها ورأيت انها تستحق القراءة. سأقرأ كتاب وليد فارس وربما عدت الى القراء بشيء عنه مع ان عرض الناشر له لا يشجع ابداً، فهو يقدم الكاتب كخبير في الارهاب، مما يذكرني بكل الخبراء المزعومين، ثم يقول ان الكتاب يجيب عن اسئلة مهمة من نوع: كم ستطول هذه الحرب؟ وهل الولاياتالمتحدة آمنة على نفسها في الداخل. الجواب الوحيد الصحيح على مثل هذه الاسئلة ان لا احد يعرف، فالارهابيون انفسهم لا يعرفون، وسواء كانت الولاياتالمتحدة مستعدة او لا مسألة فيها نظر افضل ان اسمع عنها ما يقول اركان الحكومة والاجهزة الامنية، لأن ما يخفون لن يعرفه استاذ جامعي او"خبير". بالمقارنة ديفيد كوك لا يدخل في كتابه"فهم الجهاد"مدخلاً لا مخرج منه، فهو يكتفي بعرض المعاني العملية والنظرية للجهاد من النصوص ذات العلاقة. ومن الواضح ان الكتاب هذا موجه الى القارئ الغربي لا عربي او مسلم يعرف دينه. كان هناك كتاب آخر هو"العدو البعيد: لماذا اصبح الجهاد عالمياً؟"من تأليف فواز جرجس، وهو خبير حقيقي في الموضوع يشرح ان القاعدة لا تمثل جبهة موحدة، او جهاداً، ضد الغرب المسيحي، فهي في الواقع لا تمثل سوى اقلية داخل الحركة الجهادية واستراتيجيتها موضع انتقاد من غالبية الاسلاميين الذين يريدون تغيير المجتمعات الاسلامية لا شن حرب على بقية العالم. ربما كان افضل ما في مادة الكتاب المعلومات المباشرة من الجهاديين التي جمعها فواز جرجس، فهو ليس خبيراً بپ"الريموت كونترول"يعيد صوغ مادة منشورة، وانما يقدم مادة جديدة وتحليلاً عميقاً يوجه القارئ في الاتجاه الصحيح. وجدت بين الذين عرضوا الكتاب السابق البروفسور فريد هاليداي، الاستاذ في جامعة الاقتصاد في لندن إل إس آي، وهو لا يحتاج الى تقديم فقد قرأت له اكثر ما كتب منذ"الجزيرة من دون سلاطين"عن ثورة ظفار، ولاحظت نضج تفكيره، وهو ينتقل ببطء من اليسار الى الوسط. كانت هناك دعاية لكتاب جديد من تأليف فريد هاليداي عنوانه"مئة اسطورة عن الشرق الاوسط". وفي حين ان ديفيد كوك صحح اخطاء عن مفهوم الجهاد، فإن هاليداي يصحح اخطاء اكثرها سياسي، من النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني، الى غزو العراق والنزاع على افغانستان بعد الاحتلال السوفياتي. وهو طبعاً لا يهمل المواضيع الجدلية الاخرى من حقوق المرأة في الاسلام الى النفط ودوره في نزاعات الشرق الاوسط، او غياب هذا الدور. مجلة عرض الكتب ضمت كتابين آخرين اريد ان اقارن بينهما: الاول"الحرب الصائبة؟ نقاش المحافظين عن العراق"، والثاني"القاعدة الآن: فهم ارهابيي يومنا هذا". محرر الكتاب الاول هو غاري روزين، وهو يضم مقالات كتبها بعض المفكرين المحترمين وأخرى كتبها متطرفون معروفون من المحافظين الجدد انصار اسرائيل في الادارة وحولها. وقد طلبت الكتاب وسأعود اليه، الا انني لا احتاج ان أقرأه لأعرف رأي دعاة الحرب مثل روبرت كاغان ووليام كريستول وديفيد بروكس وماكس بوت وتشارلز كراوتهامر وريول مارك غيرشت، فهؤلاء جميعاً وآخرون دافعوا ولا يزالون عن حرب مدمرة قتلت ألفي اميركي وأكثر من مئة ألف عراقي خدمة لاسرائيل، حتى لو لم تدرك الادارة الاميركية ذلك. الكتاب الثاني من تحرير كارين غرينبرغ، ويبدو من اسماء المساهمين اكثر موضوعية فمع وجود بعض المتطرفين من نوع غيرشت، فهناك اسماء محترمة مثل غرينبرغ نفسها، وجيسيكا ستيرن ويسري فوده وسلامة نعمات وأوكتافيا نصر وآخرون. انا اقرأ لأن عملي يفترض فيَّ ان أقرأ، وسأقرأ ما استطيع من الكتب هذه، الا ان القارئ يملك الخيار.