على خلاف التوقعات، لم تر حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية النور. وعلى رغم نشوئها عن الاحتلال الإسرائيلي وغياب الدولة الفلسطينية، ترتبط الأزمة الرئاسية الفلسطينية بقرار"حماس"المشاركة في الانتخابات الاشتراعية. ولكن حركة"فتح"مسؤولة، أيضاً، عن هذه الأزمة. فهي ترفض التنازل عن السلطة، وترى أن السلطة تخصها من دون غيرها من الأحزاب الفلسطينية. وجليّ ان محمود عباس يتعمد إطاحة السلطة، وهو رئيسها وممثلها أمام المجتمع الدولي. وتعزز انقلابات عباس على السلطة موقف الفائزين بالانتخابات الاشتراعية. والحق أن حركة"حماس"لم تكن يوماً حركة تحرر وطني دينية. فهذه الحركة نشأت في أثناء الانتفاضة الأولى، في 1987. وكانت جناح جماعة"الإخوان المسلمون"العسكري. ورأت الجماعة، يومها، أن بقاءها يرتبط بمشاركتها في مقاومة الاحتلال. وأيّد الشيخ أحمد ياسين، مرشد الجماعة السابق بغزة، الانخراط في المقاومة، وإنشاء هذا الجناح العسكري والبنى غير السياسية على يد الجيل الشاب في جماعة"الاخوان المسلمون". وأدرك ياسين موازين القوى، وارتاب منها، وفضل النأي بجماعته من العمل العسكري والسياسي غداة جولته الناجحة في العالم الإسلامي، في 1998. ولم تكن مشاركة"حماس"في انتخابات تشريعية فلسطينية تجربة جديدة يخوضها ياسين. فپ"الاخوان المسلمون"الاردنيون شاركوا في العملية السياسية، ونأووا بأنفسهم عنها، في آن واحد. وقسم هؤلاء الادوار بين جناحي جمعيتهم. فتولت جمعية الاخوان الشؤون الدينية في حين انصرفت"جبهة العمل الاسلامي"الى العمل السياسي. وفي الانتخابات، رشحت هذه الجبهة عدداً قليلاً من المرشحين. وضمنت، تالياً، الإسهام في الاقتراع على قوانين تربوية وأخرى ترعى العادات، من دون تحمل المسؤولية عن قرارات السلطة التنفيذية. وعلى خطى"الاخوان المسلمين"الاردنيين"، أنشأت"حماس""حزب الخلاص"، في 1995. ولكنها سرعان ما عدلت عن خطوتها هذه، ومنعت"حزب الخلاص"من المشاركة في اول انتخابات السلطة الذاتية. فپ"حماس"قاطعت انتخابات من شأنها تكريس مؤسسات ولدت من اتفاق أوسلو. ولم تكتف"حماس"بالمقاطعة، بل طلبت من بعض المرشحين المستقلين، وبينهم رئيس الوزراء الحالي اسماعيل هنية، العدول عن ترشحهم. وعلى خلاف"الاخوان المسلمين"الأردنيين، وعلى رغم إلمامهم بحجم شعبيتهم المتنامية، لم تحدد"حماس"عدد مرشحيها، ولم تضبط عددهم. ولم يصدر مرشحو"حماس"عن حزب منصهر ومتجانس على غرار"جبهة العمل الإسلامية"الأردنية الاخوانية. فجرت الأمور على غير ما اشتهت الحركة. وفازت"حماس"بالغالبية المطلقة في المجلس التشريعي الفلسطيني. وباتت مسؤولة عن المؤسسة التشريعية الفلسطينية، على رغم رفضها أسس هذه المؤسسة الديبلوماسية والسياسية. والحق أن"حماس"تشكو من فراغ سدة رئاستها بعد وفاة قائدها الشيخ أحمد ياسين، في 2004. ولم تقم هذه الحركة وزناً لما يترتب على انتهاجها سياسة اسماعيل هنية. ولا شك في أن"حماس"لن تعترف بحق اسرائيل في الوجود. فعلى خلاف"فتح"، وهذه حركة تحرر وطني استطاعت الاعتراف باسرائيل في سبيل قيام دولة فلسطينية، تعجز"حماس"عن القيام بمثل هذه الخطوة. فهي جمعية دينية لا تساوم على أرض اسلامية. ولا يسع"حماس"تجاوز مبادئ"وثيقة الاسرى"الصادرة في حزيران يونيو الماضي. وتشترط هذه الوثيقة انسحاب القوات الإسرائيلية الى حدود ما قبل 1967، للاعتراف بوجود اسرائيل. ولكن المجتمع الدولي يشترط اعتراف"حماس"باسرائيل لإنشاء حكومة وحدة وطنية. ويخطئ من يظن أن عودة السلطة الى"فتح"، في انتخابات جديدة، من شأنها تذليل المشكلات الراهنة. ولا ريب في ان السبيل الى الخروج من هذه الأزمة هو انهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإنشاء دولة فلسطينية. ولكن إنهاء هذا الاحتلال يفترض العودة عن سياسات انتهجت طوال عقود. وعلى المجتمع الدولي حمل الإسرائيليين والفلسطينيين، سياسياً وعسكرياً ومالياً، على القبول بمثل هذه التسوية. ومن شأن حل"فتح"وپ"حماس"السلطة الفلسطينية التمهيد لهذه التسوية، ووأد الحرب الأهلية بينهما، وحمل اسرائيل على الامتثال لواجباتها الدولية كقوة احتلال، والتزام مبادئ تزعم الدفاع عنها. عن جان - فرانسوا لوغران باحث في مركز الأبحاث العلمية الوطني الفرنسي، "لوفيغارو" الفرنسية، 23 / 11 / 2006