عندما أعلن عن حركة المقاومة الاسلامية "حماس" عام 1987 لم يكن هناك وجود كبير للحركة في الأردن، وكشفت مجريات الأحداث وتداعياتها في ما بعد أن حركة "حماس" نشأت ونشطت في فلسطين أساساً، وفي دول الخليج خصوصاً الكويت، وفي أوروبا وأميركا. وحدثت بعد ذلك تطورات مهمة وكثيرة جعلت الأردن أهم ساحة للعمل الاسلامي الفلسطيني، منها التحول الديموقراطي الذي حدث في الأردن عام 1989 وما أتاحه من فرص نسبية للعمل والتحرك بحرية، وزيادة أهمية الحركة الاسلامية في الأردن والمواقع السياسية التي اكتسبتها بسبب هذه الديموقراطية في البرلمان والحياة العامة والسياسية وتطور علاقتها ايجاباً بالدولة الأردنية، ثم نشوء أزمة الخليج الثانية التي كشفت أن عدداً كبيراً من قادة "حماس" كانوا يقيمون في الكويت وأنهم انتقلوا للاقامة في الأردن. وحدث تطوران مهمان عام 1994 غيّرا جذرياً في موقع "حماس" في المعادلة الفلسطينية - الأردنية - الاسرائيلية، فقد شكلت السلطة الوطنية الفلسطينية التي مثلت إدارة ذاتية للفلسطينيين بموجب اتفاق أوسلو الذي وقع عام 1993، ووقع الأردن معاهدة السلام مع اسرائيل معاهدة وادي عربة. لقد أدى هذان الحدثان الى سلسلة تداعيات وتغييرات مهمة جداً، فقد انتقل مركز التأثير والفعل الفلسطيني الى فلسطين ولم يعد في الخارج كما كان طوال عقود العمل الفلسطيني منذ عام 1948، وكان طبيعياً أن يتحول مركز التأثير والأهمية في العمل الاسلامي الفلسطيني الى الداخل أيضاً. وبدا واضحاً منذ ذلك الحين أن الحركة الاسلامية في فلسطين تكتسب مزيداً من الزخم والأهمية، وأن اختلافاً كبيراً بدأ يحدث بين "حماس" الداخل و"حماس" الخارج، وكانت ثمة فرصة كبيرة ومهمة لحركة "حماس" أن تشارك في الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت عام 1995، وتندمج في الحياة السياسية والعامة في فلسطين وتشارك في وضع يشبه الى حد ما الحركات الاسلامية في الدول العربية والاسلامية، لكن قيادة "حماس" في الخارج التي كانت تملك المال والقرار والتأثير اختارت مقاطعة الانتخابات ودخلت أيضاً في مواجهة عسكرية مع اسرائيل، وحدثت سلسلة من العمليات الانتحارية نفذتها عناصر من حركة "حماس"، أو جناحها العسكري "كتائب القسام" أعلنت "حماس" عام 1987 عن نفسها كجناح عسكري لجماعة الاخوان المسلمين، ثم أخذت صفة حركة سياسية مستقلة عن الاخوان، وأعلن عن كتائب القسام جناحاً عسكرياً لها. وأدت الخيارات العسكرية، اضافة الى الرسوخ والشرعية التي اكتسبتها السلطة الفلسطينية بفعل الانتخابات وأجهزة الشرطة والادارة والتأييد الاسرائيلي والعربي والدولي، أدت الى حملة تصعيد وملاحقة لحركة "حماس" في كل مكان، وكان الأردن الذي دخل في معاهدة سلام مع اسرائل عام 1994 ورتبت الدولة لانتخابات نيابية عام 1993 قللت كثيراً من أهمية الحركة الاسلامية الأردنية، كان جزءاً من مشروع عربي ودولي عبر عن نفسه في مؤتمر شرم الشيخ عام 1996 يسعى لانهاء المقاومة العسكرية ودعم السلطة الفلسطينية وتحقيق حال من الاستقرار والرضا عن الكيان الفلسطيني الناشئ. وطلبت الحكومة الأردنية من رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق وعضو المكتب السياسي المقيم في الأردن عماد العلمي مغادرة الأردن وهما لا يحملان الجنسية الأردنية، أما الذين يتمتعون بالجنسية الأردنية فقد تعرضوا لملاحقة وتضييق ومحاولة لمنع نشاطهم السياسي والإعلامي، وحدث في الوقت نفسه أن اكتشف نشاط تنظيمي واتصالي وربما عسكري لحركة "حماس" في الأردن، ووظف ذلك الاكتشاف في سلسلة اعتقالات وملاحقات استمرت طوال عام 1996. ثم كانت محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي ل"حماس" عام 1997 والتي أدت الى صدمة وهزة إعلامية لاسرائيل، وأعطت حركة "حماس" زخماً سياسياً وإعلامياً وتعاطفاً شعبياً ورسمياً، وأفرج بسببها أيضاً عن الشيخ أحمد ياسين مؤسس وقائد حركة "حماس" الذي كان معتقلاً لدى اسرائيل منذ سنوات طويلة. الحالة اليوم تبدو بالنسبة ل"حماس" جديدة وتحمل كثيراً من العناصر والمتغيرات، ومن ذلك: 1- انتخاب حزب العمل الذي دخل في ترتيبات نهائية بتأييد مصري واضح اضافة بالطبع للتأييد العربي والأميركي والدولي. 2- زيادة أهمية ودور "حماس" الداخل بعد خروج الشيخ أحمد ياسين من المعتقل وسلسلة جولاته واتصالاته ومبادراته التي يقوم بها منذ الافراج عنه. 3- توقف العمل العسكري لحركة "حماس"، الأمر الذي يفقد قيادة "حماس" الخارج مبرر وجودها وأهميتها، اضافة الى الدور المتنامي الذي اكتسبه الداخل وتحول العمل الى سياسي وعام يقوم عليه أهل الداخل ولا يملك الخارج من أوراقه الا القليل. 4- حال ضعف وتآكل تعيشها "حماس" في الخارج كشفت عنها خلافات داخلية في الحركة وأخبار وتحقيقات وتسريبات اعلامية أفقدت قيادة الخارج صدقيتها وأهميتها. 5- اشارات الى دخول سورية في اتفاق أو ترتيب مع اسرائيل تدل اليه المعطيات الإعلامية، ومسارعة الجبهتين الديموقراطية والشعبية لترتيب أوضاعهما مع السلطة الفلسطينية والرحيل عن دمشق. وأصبح واضحاً ان دمج "حماس" في الحياة السياسية والعامة في فلسطين هو مطلب فلسطيني وعربي ودولي واسرائيلي بالطبع، خصوصاً حزب العمل، وكانت قيادة "حماس" الخارج بما تملكه من نفوذ وتمويل وعمل عسكري ومعادلة عربية ودولية وتطرف اسرائيلي ليكودي هي الحاجز الرئيس والمهم أمام هذا الاندماج، ولما تغيرت المعادلة كلها بجميع عناصرها أصبحت قيادة "حماس" الخارج زائدة عن الحاجة، ومهدت هي بيديها لنزع ما تبقى لها من أهمية وتأثير، وفي السياسة وربما في الحياة لا صداقة دائمة ولكن مصالح دائمة، وكان وجود "حماس" في الأردن مصلحة ولم يعد كذلك لأي طرف من أطراف المعادلة بما في ذلك "حماس". * كاتب أردني.