«Big 5 Construct Saudi» ينطلق اليوم ويستمر لأسبوعين    زراعة عسير تُطلق «خيرات الشتاء» في أبها    هل تستحوذ أمريكا على 50% من المعادن النادرة في أوكرانيا ؟    القبض على باكستاني في جدة لترويجه (الشبو)    «سلمان للإغاثة» يدشّن المرحلة الثالثة من مشروع دعم الأمن الغذائي في الخرطوم    يوم الحسم في بطولة البادل بموسم الرياض    غضب في الهلال من تقنية الفيديو    السعودية والقضية الفلسطينية موقف داعم منذ عشرات السنين    سعود بن نهار يستأنف جولاته التفقدية للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    السعودية وصندوق النقد الدولي يطلقان غدًا مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    من الدرعية إلى جدة.. ولدت حكاية الفورمولا إي في السعودية    البرازيل تتعهد بالمعاملة بالمثل رداً على رسوم ترمب    وزير الداخلية يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    "البيئة" ترصد هطول أمطار في (8) مناطق عبر (95) محطة    أمير جازان يزور معرض جازان للكتاب 2025 " جازان تقرأ " ويطلع على فعاليات المعرض    التراث الثقافي من المحاكاة إلى التطوير    مفتاح حل المشاكل    الشام وخطوة الاتصال اللحظي أو الآني    الذوق العام تطلق مبادرة "ضبط أسلوبك" بالتزامن مع تسوق شهر رمضان المبارك    المنتدى السعودي للإعلام يصنع التأثير في عام التأثير 2025    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    أمير الباحة يعزّي الزهراني بوفاة ابنه    جامعة الأمير سلطان تحصل على الاعتماد الأكاديمي لبرامج الطيران من مجلس الاعتماد الدولي (AABI)، لتصبح بذلك أول جامعة سعودية في الشرق الأوسط    «الداخلية»: ضبط 22,663 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    القيادة تهنئ رئيس جمهورية صربيا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    التبادل السادس.. تسليم 3 رهائن إسرائيليين في خان يونس    «برايتون» يكسر عناد «تشلسي»    فريق سومي لي يتوج بلقب بطولة صندوق الاستثمارات العامة للسيدات وجينوثيتيكول تتصدر الفردي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على تباين    فندق شيدي الحجر في العلا يفتح أبوابه للضيوف    بشكل علمي.. اكتشف مدى نجاحك في العمل من لونك المفضل    الأشراف آل أبو طالب يحتفون بيوم التأسيس في صامطة    جمعية «صواب» بجازان تختتم دورة «التسويق الإلكتروني»    مناحل بيش تحصد ثلاث ميداليات ذهبية جديدة وميدالية بلاتينيوم في باريس    سهرة حجازيّة مميزة في دار فرنسا بجدة    اليونيفيل تطالب بتحقيق "فوري" بعد إحراق مركبة تابعة لها في بيروت    وزير الخارجية الأردني يؤكد على موقف بلاده الثابت في رفض تهجير الفلسطينيين    مجلس إدارة "أوبن إيه.آي" يرفض عرضا من ماسك بقيمة 97.4 مليار دولار    %72 من الشركات السعودية تستعين بحلول الذكاء الاصطناعي    متوسطة العلاء بن الحضرمي تحتفل بيوم التأسيس    «العودة» إلى رتبة لواء    سيدات القادسية إلى نهائي كأس الاتحاد السعودي    تحت رعاية الأمير مشعل بن محمد.. تكريم رواد التطوع في حفلٍ مجتمعي بالرياض    رابطة العالم الإسلامي تُدين جريمة الدهس بميونخ    وزير الرياضة: نتطلع لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية" نيوم 2029″    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن آل سعود يزور معالي الشيخ علي بن شيبان العامري    القبض على شخصين بالقصيم لترويجهما «الإمفيتامين»    السعودية تشيد بالمكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين الأميركي والروسي    إمام وخطيب المسجد الحرام: اتركوا أثراً جميلاً في وسائل التواصل.. لتبقى لكم بعد مماتكم    «سلمان للإغاثة» يختتم 3 مشاريع طبية تطوعية في دمشق    (رسالة مريض ) ضمن مبادرة تهدف إلى تعزيز الدعم النفسي للمرضى.    اعتزال الإصابة    جودة الحياة في ماء الثلج    في يوم النمر العربي    العنوسة في ظل الاكتفاء    محمد بن فهد.. ترحل الأجساد وتبقى الذكرى    أيهما أسبق العقل أم التفكير؟    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوش ونفق العراق المظلم
نشر في الحياة يوم 28 - 10 - 2006

للتاريخ حلقات مترابطة ممتدة في جوف الزمن. لقد وقف بنا التاريخ في عام 1991 ليطوي صفحة القطبية الثنائية ويفتح صفحة جديدة، القطب الأميركي الأوحد، لتبدأ هيمنة أميركا وسيطرتها على النظام العالمي برمته، ولما شعرت أن الجو قد خلا لها باضت وأفرخت، وبدأت تستعرض قوتها في الحروب والغزو، فغزت أفغانستان والعراق وتم احتلالهما، كما مارست تهديد القوى الوطنية العربية في مقابل تدعيم الدولة العبرية.
على رغم ذلك فان هذه القوة تستطيع الصمود أمام التحولات التي بدأت آفاقها تلوح في عالمنا الجديد، على مستوى القارات، فظاهرة التحول ملموسة في كل مكان في العالم ومن داخل أميركا نفسها، تتمثل في الاعتداءات على الحريات في بلد يدعي حماية الحريات.
الإدارة الأميركية في بلد معقل الديموقراطية وحامية حقوق الإنسان كما تدعي، زجت بالمئات في المعتقلات من دون محاكمة، فضلاً عن التنصت والتجسس من دون الاعتماد على نص في القانون او الدستور الأميركي، تلك الاجراءات استفزت مشاعر المواطن الاميركي حيث أدت الى المساس بخصوصية حياته الى حد تفتيش البيوت في غياب أصحابها من دون إذن قضائي وفقاً لقانون أصدره الرئيس بوش عام 2002 بحجة مواجهة الإرهاب.
وفي 17 تشرين الأول أكتوبر 2006 ألحق بوش قانونه السابق بقانون جديد وقعه في احتفال كبير في البيت الأبيض حضره كبار المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وقال ان وكالة الاستخبارات ستحتفظ بحق اعتقال او احتجاز معتقلين في الخارج تطبيقاً لبرنامج"السجون السرية".
وهذا القانون على رغم حظره التعذيب والمعاملة الوحشية وهو مفهوم قانوني مطاط يعد وصمة عار في تاريخ الدستور والقانون الأميركي وضربة موجعة للحريات وحقوق الإنسان واتفاق جنيف، ففيه خروج فاضح على قوانين وإجراءات المحاكمات المتبعة في الولايات المتحدة، ولقي انتقادات شديدة حتى من داخل أميركا نفسها، لكونه يعطي الحق للمحاكم العسكرية باستجواب من ترغب في استجوابه ويمثل كبحاً واعتداء متعمداً على كل الحريات التي كفلها الدستور والقوانين الأميركية.
ان ملامح تحولات التاريخ الجديد تبدو واضحة في خريطة العالم في أكثر من نقطة ساخنة مشتعلة بنيران الحروب منها الوضع الملتهب في العراق الذي تحول الى كابوس يزلزل الاحتلال الأميركي حتى انه صار يبحث عن وسيلة للهرب، من دون إراقة ماء الوجه، كما حدث في فيتنام، فلا يكاد يمر يوم من دون نزيف بشري ومادي يقض مضاجع البنتاغون.
ان التقارير تقول ان الذين لقوا حتفهم من العراقيين بلغ 665 الفاً منذ احتلال العراق، وهو رقم مخيف يؤكد فظاعة الحرب الشريرة على هذا البلد، وعلى رغم ان الرئيس الأميركي شكك في هذا الرقم الا ان حجم الكارثة التي حلت بالعراق على يد القوات الاميركية والبريطانية كبير جداً بكل المقاييس.
وهذا ما جعل قائد القوات البريطانية التي استولت على جنوب العراق بأهله ونفطه يخرج عن صمته، ويعلن ان على القوات البريطانية مغادرة العراق في اقرب وقت، تجنباً لتعرضها لكارثة محققة. وانضم قائد القوات البريطانية في أفغانستان الى قائد الجيش في انتقاده لرئيس الحكومة توني بلير، وزاد الطين بلة نشر صحيفة"ذي غارديان"الأسبوع الماضي استطلاعاً للرأي اظهر ان 61 في المئة من الشعب البريطاني يؤيد سحب القوات البريطانية في أسرع وقت حتى وان لم تتمكن من إكمال مهمتها، ولم يؤيد بلير سوى 31 في المئة. هذا يبرز حجم المأساة التي تواجه بوش وبلير في العراق وأفغانستان خصوصاً بعد ان عادت"طالبان"ونظمت صفوفها واستعادت الكثير من قوتها، وبدأت تنزل ضربات موجعة بالقوات المحتلة.
ومن الأصوات التي ارتفعت تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وزير الخارجية الاميركي السابق جيمس بيكر وهو الديبلوماسي والمستشار المخضرم والدينامو المحرك لحملة بوش الانتخابية التي ساهمت في وصوله الى البيت الأبيض، إذ طالب الإدارة الأميركية ومعه مستشارون آخرون مقربون من بوش بسحب القوات الأميركية من العراق خلال شهور، بل وطالبوا بوش بمغازلة سورية وإيران للتعاون معهما بهذا الصدد، للإسهام في الخروج من"المستنقع"العراقي.
فبيكر قال الأسبوع قبل الماضي في مقابلة مع محطة تلفزيون"بي بي سي"ان اللجنة التي يرأسها والتي شكلها الكونغرس وتدرس سبل الخروج من المأزق العراقي"لا تملك حلاً سحرياً للأزمة"، والسناتور الديموقراطي لي هاملتون الذي يرأس اللجنة مع بيكر قال في البرنامج التلفزيوني نفسه:"نعترف جميعاً بصعوبة المشكلة"، اما جون كيري الديموقراطي الذي كان منافساً عنيداً لبوش على الرئاسة ويهيئ نفسه لمنازلة جديدة على الرئاسة فقد كان في نقده أكثر وضوحاً، إذ اكد ان بوش ضلل الشعب الأميركي في حربه على العراق، وان عليه الانسحاب من العراق، وهذا تحليل سليم، فأميركا بقيادة بوش أدخلت نفسها في نفق مظلم في العراق وأفغانستان، فشلالات الدماء وكوارث المذابح تشهد بها شوارع مدن العراق وأفغانستان، والمقابر الجماعية أصبحت شيئاً مألوفاً مثلها مثل الأشلاء الممزقة والجثث المتناثرة.
هذا ما جعل رجل البيت الأبيض في حرج شديد مع فشل سياسة إدارته في العراق وقبلها في أفغانستان، ومع هذا الضغط المستمر على الرئيس بوش لم يكن أمامه من خيار سوى قبول اللجنة التي شكلها الكونغرس، لعل فكر السيد بيكر يتفتق عن حل سحري ينقذ أميركا الامبراطورية من شبح الهزيمة الذي أصبح فعلاً يحاصر بوش، في بلد أصبح مقطع الأوصال يسبح فوق بحر من الدماء.
ولم يعلن القائدان البريطانيان وكل من جيمس بيكر والديموقراطيين هاميلتون وكيري ما أعلنوه من فراغ، فالعراقيون طال انتظارهم تحت الاحتلال وذهبت الوعود من حرية وديموقراطية ورفاهية أدراج الرياح! والقوات الأميركية والبريطانية تغوص في وحل العراق، وأصبحت تواجه كارثة حقيقية أفدح من ورطة فيتنام!
وليس هذا فحسب فان القوات الغازية التي جاءت من اجل النفط وليس الديموقراطية أصبحت في نفق مظلم، بعد أن أعلنت فشلها في جلب الأمن والاستقرار، وجلبت بدلاً منه الضياع وإشعال نيران النعرات والانقسام العرقي والمذهبي، وأعلنت الحرب الأهلية عن نفسها، وانشطرت بلاد الرافدين فعلاً الى دويلات، وما رفع العلم الكردي في الشمال وتصويت النواب تأييداً لقانون الفيديرالية الا تأكيد لتمزيق هذا البلد، الذي رعت الإدارة الأميركية احتمال تقسيمه قبل رحيلها، وهذه هي سياسة الاستعمارالخبيث قديماً وحديثاً.
والتاريخ الذي لا يرحم يعيد نفسه على ارض الرافدين. الإدارة الأميركية بمحافظيها الجدد نفخوا في ديكتاتورية صدام وقبضته السلطوية على الحكم، واستطاعوا إغراء الكثيرين بغزو العراق. واليوم، تواجه أميركا وحلفاؤها مأزقا داخل العراق فأميركا غير قادرة على الخروج وبوش، على رغم تسميته ما يجري في العراق بالوضع المأسوي، أعلن جهاراً انه لن يغادره حتى تستقر الأمور! وانه وضع مع قادة الجيش استراتيجية للسيطرة على الوضع خلال 18 شهراً. والحلفاء تنقصهم الشجاعة لطلب إنهاء الاحتلال.
إنها بداية النهاية لمرحلة القطب الواحد وسيطرته بقوته على العالم، فالتحولات السريعة التي نراها تبشر بعالم جديد وحلقة تاريخية حضارية وثقافية مختلفة، ونحن في عالمنا العربي نملك أدوات التغيير وقوى الانفلات من قبضة القطب الأوحد، فكل ما يوحدنا يعتبر أداة لهذا التغيير. وما يوحدنا كثير، منه الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ المشترك، فجميع وشائج التغيير موجودة، لكنها تختلط وتتشابك وتتمزق. ويوم نترك التشتت والتمزق والفرقة نصبح رقماً لا يمكن تجاوزه، يملك القدرة على التمرد على سيطرة القطب الواحد. فقط نحن في انتظار نهضة عربية وعسى ألا يطول الانتظار.
* مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي لدراسات استشارات الطاقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.