Jean-Pierre Chevnement. Pour L'Europe Votez Non! من أجل أوروبا صوّتوا لا! Fayard, Paris. 2005. 194 Pages. في 29 أيار مايو المقبل ينتظر فرنسا - ومعها الاتحاد الأوروبي بأسره - استحقاق انتخابي مهم. ففي ذلك اليوم سيدلي الفرنسيون بأصواتهم على الاستفتاء بصدد مشروع دستور الاتحاد الأوروبي. الموقف من مشروع هذا الدستور كان أحدث انقساماً في أوساط أحزاب اليمين والوسط واليسار. وها هو اليوم يحدث انقساماً أخطر في أوساط الشعب الفرنسي نفسه، إذ تشير جميع استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن الى انقسام عمودي في موقف الفرنسيين يضع نصفهم في مواجهة النصف الآخر مع ترجيح بنقطتين أو ثلاث لأنصار ال"لا"على أنصار ال"نعم". جان بيار شوفنمان، وزير الدفاع السابق والمرشح السابق أيضاً لرئاسة الجمهورية والعميد المتميز الشخصية ل"حركة المواطن الجمهورية"المنشقة عن اليسار التقليدي، يبدو مصراً على الالقاء بكل رصيده - وهو الى حد كبير رصيد معنوي - لصالح"معسكر الرفض"من خلال هذا الكتاب السجالي الذي أعطاه عنواناً انتخابياً:"من أجل أوروبا صوتوا لا!". نقطة انطلاق شوفنمان هي انه ينبغي التمييز بين أوروبا وبين الدستور الأوروبي. ففي نظره ان انصار ال"نعم"- وفي مقدمهم الرئيس شيراك وزعيم الحزب الاشتراكي المعارض فرنسوا هولاند - يلعبون لعبة"غير شريفة"اذ ان كل تكتيكهم يقوم على الايحاء للفرنسيين بأنهم إن صوتوا ضد الدستور الأوروبي يكونون قد صوتوا ضد أوروبا نفسها. والحال ان العكس هو الصحيح في نظر شوفنمان: فمن اجل أوروبا بالذات، لا ضدها، ينبغي ان يصوت الفرنسيون ضد الدستور الأوروبي. ما هي مآخذ شوفنمان على هذا الدستور؟ هناك اولاً مأخذ شكلي. فقد كان نابليون يقول - ونابليون رجل تشريع بقدر ما هو رجل حرب - ان الدستور، اي دستور، لا بد ان يكون"قصيراً وغامضاً"، ويلاحظ شوفنمان ان الدستور الأوروبي لا يلبي سوى شرط واحد من المطلب النابليوني: الغموض. اما من حيث الطول فهو اطول دستور من نوعه في العالم: 445 مادة، وملحقان، و345 بروتوكولاً، و34 بياناً تأويلياً، اي ما مجموعه عدة مئات من الصفحات! لكن بصرف النظر عن هذا الجانب الشكلي، فان مشروع الدستور الأوروبي يبدو في نظر شوفنمان مضاداً لمشروع بناء أوروبا المتحدة على اربعة مستويات. اولاً، على مستوى العقيدة الاقتصادية. فالليبرالية الرأسمالية مرفوعة في مشروع الدستور الأوروبي الى مستوى"الأسطورة التأسيسية". ففي حين تغيب كلمة المواطن او تكاد، تحضر كلمة"المصرف"في المشروع 176 مرة، وكلمة"السوق"88 مرة، وكلمة"التجارة"38 مرة، وكلمة"المزاحمة"29 مرة. وفي لوقت الذي يصمت فيه المشروع او يكاد عن حرية تنقل اليد العاملة داخل دول الاتحاد، فانه يطلق الحرية تامة لتنقل الرساميل. وفي الوقت الذي يُهمَل فيه او يكاد دور القطاع العام، هذا ان لم"يؤبلسه"، فانه يعتبر ان القطاع الخاص هو محرك التاريخ. والواقع انه حتى هذا التعبير يبدو في نظر شوفنمان في غير محله. فالعقيدة الاقتصادية التي يصدر عنها الدستور الأوروبي هي بالاحرى عقيدة"نهاية التاريخ"، وهذا بقدر ما يصر على ان يحبس أوروبا المستقبل في السجن المؤبد للأرثوذكسية الليبرالية غير القابلة للتجاوز تاريخياً. وليست المسألة مسألة تجاهل للتاريخ فقط بل كذلك للجغرافيا. فهاجس صانعي الدستور الأوروبي - وفي مقدمهم"الليبرالي جداً"جيسكار ديستان - هو اطلاق حرية تنقل الرساميل داخل أوروبا المتحدة من دون ان يقيموا اي اعتبار لواقع ان هذا الحراك الرأسمالي تحت إمرة الدولار الأميركي والشركات المتعددة الجنسيات، وان الرساميل الأوروبية لا تنتقل في الواقع داخل أوروبا. فبين عامي 1980 و2000 ارتفع حجم التوظيفات الفرنسية في الخارج غير الأوروبي من 24 الى 433 بليون دولار، وحجم التوظيفات الالمانية من 45 الى 442 بليون دولار. وهذه الهجرة الرساميلية تتجه في الغالب نحو بلدان جنوب شرقي آسيا واخيراً نحو الصين المرشحة بدءاً من العام 2025 لأن تكون هي - لا أوروبا المتحدة - القوة الاقتصادية الثانية في العالم، والواعدة بالتالي بأن تحقق ما عجزت أوروبا عن تحقيقه حتى الآن: اعادة بناء التعددية القطبية للعالم في مواجهة الأحادية القطبية الأميركية السائدة اليوم. ثانياً، على مستوى العقيدة الاستراتيجية. فعلى صعيد الدفاع والسياسة الخارجية يصدر مشروع الدستور الأوروبي عن"عقيدة أطلسية"لا عن عقيدة أوروبية. ففي المادة 41 من الفصل الاول ينص مشروع الدستور حرفياً على ان سياسة الأمن والدفاع الأوروبي المشترك يجب ان تبقى متوافقة مع السياسات المرسومة ضمن اطار الحلف الاطلسي للدول الاعضاء فيه، ويعترف بالتالي بأن الحلف الاطلسي هو اداة الدفاع الجماعي للدول الأوروبية الاعضاء فيه. والحال ان شوفنمان يلاحظ ان تسع عشرة دولة من دول الاتحاد الأوروبي هي اعضاء في الحلف الاطلسي، وان هذا الحلف قد جرى توسيعه مؤخراً ليضم في عضويته دول الكتلة السوفياتية السابقة في أوروبا الشرقية والبلطيقية مثل بولونيا ورومانيا وبلغاريا واستونيا ولاتفيا وليتوانيا. والحال ايضاً - وكما يلاحظ شوفنمان - ان جميع هذه الدول لا تحلم، حتى وهي تتحدث عن أوروبا، الا بأن تكون أميركية. وقد ظهر ميلها هذا واضحاً عندما سارعت جميعها، بالاضافة الى كرواتيا ومقدونيا والبانيا، الى نشر رسالة مشتركة رسمية في 5 شباط فبراير 2003 تعلن فيها تأييدها اللامشروط لسياسة الولاياتالمتحدة الأميركية التي كانت تتهيأ يومئذ لغزو العراق. وفي الوقت الذي يكيل فيه شوفنمان او يكاد لهذه الدول - ومعها انكلترا بطبيعة الحال - تهمة العمالة للولايات المتحدة، فانه لا يتردد في ان يصف مشروع الدستور الأوروبي بأنه"مشروع لاستتباع الاتحاد الأوروبي بأسره للولايات المتحدة". ثالثاُ، على مستوى العقيدة الديموقراطية. فالدستور الأوروبي هو نموذج لدستور فوقي رسمته الحكومات لا الشعوب الأوروبية، ولا يرسي الأسس لا لمواطنة أوروبية حقيقية، ولا لما سماه هابرماس"وطنية دستورية". فالمواطن الأوروبي مُقلّص في مشروع الدستور الى مجرد ناخب ولكن حتى حقه الانتخابي محدود للغاية ومقصور على اختيار ممثليه في البرلمان الأوروبي. وفي الوقت الذي يلاحظ فيه شوفنمان ان الديموقراطية في مشروع الدستور الأوروبي"ديموقراطية مخدرة"، فانه يضيف ايضاً انها"ديموقراطية مشلولة". فالدستور الأوروبي يشترط الاجماع لتعديل اية مادة من مواده. ولقد كان مثل هذا الإجماع ممكناً عندما كان عدد دول الإتحاد الإوروبي اثنتي عشرة دولة. أما عندما ارتفع هذا العدد الى 25، أو حتى الى 33 كما هو متوقع في العام 2008، فإن الإجماع يغدو مستحيلاً. وبذلك يكون الاتحاد الأوروبي قد ألزم نفسه بدستور مؤبّد لا تقبل مواده التعديل تبعاً لتبدل الحاجات. أضف الى ذلك ان الدستور قد التزم بمبدأ المساواة بين الدول الأعضاء مع ان بعضها، مثل مالطا واللوكسمبورغ، يقل تعداد سكانها عن نصف مليون نسمة، وبعضها الآخر مثل فرنسا وبريطانيا والمانيا يزيد تعداد سكان كل منها على ستين مليون نسمة. وقد حاول الدستور ان يتخلص من هذا المأزق عن طريق اعتماد مبدأ الغالبية المعززة أو الأقلية الكابحة عن التصويت. وهكذا اشترط لإقرار القرارات غالبية 55 في المئة من الدول، اي 15 من اصل 25، على ألا يقل عدد سكانها عن 65 في المئة من مجمل سكان الاتحاد الأوروبي، اي 293 مليون نسمة على الأقل. والحال ان 14 دولة من دول الاتحاد الأوروبي لا يزيد مجموع سكانها على 50 مليون نسمة. وإذا أضفنا اليها خمس دول أخرى يناهز تعداد سكان كل منها 10 ملايين نسمة، فهذا معناه ان هذه الدول التسع عشرة لا تستطيع ان تشكل غالبية معززة لأن مجموع سكانها البالغ نحو مئة مليون نسمة لا يصل الى العتبة المطلوبة. كذك فانها لا تستطيع ان تشكل اقلية كابحة. فصحيح ان الدستور اشترط لتكوين مثل هذه الاقلية المعطلة لاقرار القرارات اتفاق أربع دول على الاقل لكنه اشترط ايضاً الا يقل تعداد سكانها عن 35 في المئة من مجموع سكان الاتحاد الأوروبي اي 158 مليون نسمة. وهكذا يكون مشروع الدستور قد جمع بين ثلاث نقائص: فهو قد منع الدول ذات الحجم السكاني الكبير من تشكيل غالبية معززة بحكم قلة عددها كما منع الدول ذات الحجم السكاني الصغير من تشكيل مثل هذه الغالبية رغم كثرة عددها، في الوقت نفسه الذي حرمها من تشكيل اقلية كابحة بحكم صغر حجمها السكاني. رابعاً وأخيراً، على مستوى العقيدة القانونية. فالمشروع اعطى اولوية مطلقة للدستور الأوروبي المشترك على الدساتير القومية المنفصلة. وهذه الاولوية تلغي في نظر شوفنمان مبدأ سيادة الأمة الذي هو المبدأ التشريعي لكل الديموقراطية الحديثة. وهو يضرب على ذلك مثالاً واحداً، لكنه مقنع والحق يقال. فهو يلاحظ ان المادة 70 من مشروع الدستور قد أعطت الحرية للمواطن الأوروبي"لاظهار دينه بصورة فردية او جماعية، في المجال العام او الخاص، بالعبادة او التعليم او الشعائر والطقوس". والحال ان مثل هذه المادة تبيح لخصوم العلمانية في الداخل الفرنسي ان يحتجوا بالدستور الأوروبي لكي يطالبوا بالغاء القانون الفرنسي الصادر حديثاً عن حظر علامات الانتماء الديني في المدارس العامة. وهذا شيء اذا حصل سيكون كارثة على العلمانية الفرنسية وفتحاً للباب على مصراعيه امام"تطييف"المجتمع الفرنسي على الطريقة الأميركية. لهذا كله يختم شوفنمان بالقول: ان اتحاداً أوروبياً لن يكون شراً، بل خيراً. ولماذا الدستور أصلاً؟ فالدستور، اي دستور، هو تعبير عن السيادة القانونية لشعب ما، والحال انه لا وجود ل"شعب أوروبي"فكيف يوجد، إذاً، دستور أوروبي؟