في الوقت الذي يسعى فيه التكتل جاهدا لصياغة دستور جديد قبل انضمام 10 دول لعضويته العام القادم يعقد قادة دول الاتحاد الاوروبي الخمس عشرة اليوم قمة يتوقع أن تشهد مواجهة حاسمة، بعد عام رهيب إثر الانقسامات المريرة حول الحرب في العراق والغضب الناتج عن ضرب ألمانياوفرنسا عرض الحائط بميثاق استقرار منطقة اليورو والخلافات بشأن اقتراح تأسيس مقر عسكري للاتحاد الاوروبي. وبالرغم من الحاجه الملحة والواضحة لدستور جديد للاتحاد الموسع ، الا ان مفاوضات الدستور أدت إلى صراع عنيف على السلطة بين الاعضاء مع سعي الدول الصغيرة إلى الحد من نفوذ جيرانهم الاكبر، اذ لا يمثل ظهور ألمانيا جديدة أكثر ثقة عاملا مساعدا فمع وجود المستشار الالماني جيرهارد شرودر في مقعد القيادة تخلت برلين عن دورها القديم في الاتحاد الاوروبي كعامل تهدئة وصراف رواتب. ويقول شرودر الذي يصف سلوكه الجديد المفعم بالثقة (بالطريق الالماني) بلا مواربة إن برلين تريد مزيدا من السلطات نظرا لتعداد سكانها البالغ 82 مليون نسمة ومرتبتها كثالث قوة اقتصادية في العالم بعد الولاياتالمتحدة واليابان، مصرا في تحالف قوي مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك على رؤيته للاتحاد الاوروبي المتضمنة في مسودة دستور ستطرح للمناقشة النهائية خلال القمة التي تستمر يومين. إلا أن المحور الفرنسي-الالماني أزعج بعض الاعضاء الحاليين والمرشحين لعضوية الاتحاد في العام القادم، حيث حذر وزير الخارجية البولندي فلودميرز سيموسيفتش من أن النظام المقترح للتصويت سيتيح سيطرة فرنساوألمانيا ودولة ثالثة على الاتحاد الاوروبي. وقال سيموسيفتش إن نظام (الاغلبية المزدوجة) سيسمح بتمرير القرارات التي تحصل على دعم 50 في المئة من دول أعضاء تشكل 60 في المئة من سكان الاتحاد، مما سيدعم قوة ألمانيا داخل الاتحاد بشكل كبير. وفي إصرار على ألا تصبح في المرتبة الثانية، أكدت بولندا وأسبانيا ضرورة الابقاء على نظام التصويت الذي أقر في قمة نيس بفرنسا عام 2000 والذي أعطى كل منهما 27 صوتا داخل التكتل بالتساوي تقريبا مع ألمانيا التي حصلت على 29 صوتا فقط رغم أنها ضعفهما في الحجم. وحذر شرودر وشيراك ورئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني الذي ترأس بلاده الاتحاد الاوروبي حاليا من أنهم سينسحبون من أي اتفاق في بروكسل يعتبرونه معاهدة ضعيفة. ويتصاعد ضغط برلينوباريس حاليا على مدريد ووارسو للانضمام إلى معسكرهما. وقال شيراك في مؤتمر صحفي مع شرودر في باريس أمس الاول (لا يمكن أن تعرقل دولة أو اثنتان ما يعتبره كل الآخرين تقدما .. آمل أن تسير أسبانيا وبولندا نحونا - ولكنني لست متأكدا من أنهما ستفعلان ذلك). وفي تصريحات للحد من التوقعات قال برلسكوني إنه لا يرى أن فرصة قمة بروكسل في التوصل إلى اتفاق لا تزيد على 55 بالمائة، غير أن حقوق التصويت ليست هي القضية الوحيدة، فالدول الاصغر حجما في الاتحاد الاوروبي تطالب بالاحتفاظ بممثليهم في المفوضية الاوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد. ووفقا لقوانين الاتحاد الاوروبي الحالية يمثل كل دولة صغيرة عضوا واحدا مقابل عضوين للدول الكبيرة في المفوضية. إلا أن مسودة الدستور تنص على تقليص عدد أعضاء المفوضية إلى 15 بالاضافة إلى 10 أعضاء مراقبين لا يحق لهم التصويت. وأكد شرودر وشيراك وبرلسكوني الحاجة إلى مفوضية مبسطة لتسريع عملية اتخاذ القرار. إلا أن الدول الصغيرة ترفض ذلك بقوة ويبدو أنها ستصر على تلبية مطالبها. ومن القضايا الساخنة الاخرى التي ستطرح خلال القمة خطط الاتحاد الاوروبي الدفاعية المستقلة، فالدول غير الاعضاء في حلف شمال الاطلسي (الناتو) مثل النمسا وفنلندا وأيرلندا والسويد يعارضون دعوات إدراج بند عن الدفاع المشترك في المعاهدة التي يخشون أن تضعف وضعهم الحيادي. ورفض اقتراح فرنسي بترك البند في موضعه مع ترك خيار عدم المشاركة للدول الاربع إلا أن الدبلوماسيين يرجحون التوصل إلى صفقة تضمن الوضع الحيادي للدول الاربع في قمة بروكسل. ويتركز النقاش حول ما إذا كان الاتحاد بحاجة لتضمين إعلان في الدستور بشأن الارث المسيحي لاوروبا، اذ تقود بولندا الكاثوليكية المعسكر الداعي إلى الاشارة للعقيدة المسيحية بصورة بارزة تدعمها في ذلك أسبانيا وإيطاليا وأيرلندا فيما تعارض فرنسا العلمانية والدنمارك ذلك شأنهما شأن معظم دول شمال القارة الاوروبية. ومن المقرر أن تستمر أعمال القمة يومين غير أن محادثات زعماء الاتحاد استمرت في المرة الاخيرة التي حاولوا فيها إقرار معاهدة رئيسية- قمة نيس عام 2000- لخمسة أيام إضافية. وتشير التقارير الالمانية إلى أنه في حالة فشل قمة بروكسل ستكون هناك محاولة أخرى أوائل العام المقبل حيث يأمل شيراك وشرودر أن يضع توسيع الاتحاد الاوروبي الوشيك في الاول من أيار/مايو مزيدا من الضغط على بولندا وأسبانيا للتراجع عن موقفيهما.