بما أن باريس تمثل العاصمة التشكيلية للفن العراقي فقد درس فيها أغلب الرواد ما بين جواد سليم وفائق حسن فقد شهدت في السنوات الأخيرة وفاة بعض هؤلاء، وبعضهم متزوج من فرنسيات كفائق حسن الذي أوصى بحرق جثته بعد وفاته عام 1992، وكذلك أرداش عام 2000. يعترض البعض في بغداد معتبرين هذه الوصايا هندوسية وغير شرعية. شاكر حسن آل سعيد ابتدأت قائمة الموت بالرائد شاكر حسن آل سعيد مواليد 1925 بعد تدهور متسارع في صحته وهبوط فاعلياته الذهنية. ابتدأ بشراكته لجواد سليم عام 1951 بتأسيس"جماعة بغداد للفن الحديث"قبل أن يستقل ببيانه التأملي عام 1966 الذي قاده الى التبشير بالحروفية الصوفية أو بالأحرى عقيدة"البعد الواحد"، هي التي حقق فيها عرفانياً"تنزيه"الأثر والجدار، ضمن صبوته في إعدام البعدين الثاني والثالث ونزوعه الجوهري نحو المطلق. وعلى رغم انه يعتبر من أبرز الموثقين في المحترف العراقي والمنظرين لنقده الفني بخاصة بعد تفرغه في"وحدة التوثيق في دائرة الفنون الجميلة"، فإن مؤلفاته ال17 لا يخلو أكثرها من التصوفية التهويمية أو الباطنية. لكن تأثيره الفني كان عميقاً في الجيل التالي ما بين"منمالية"مهدي مطشّر، وإشارات عبدالكريم رسن. لا شك في أن دراسته الباريسية هيأت له الاطلاع على أنواع التجريد"الغنائي"بما فيه ذلكالذي يعتمد على الاشارة الغرافيكية مثل ميشو، وعلى التجريد"الموادّي"الذي يقع بين ألبرتو بوري وتابييس. اسماعيل الشيخلي الرائد الثاني في سلّم الوفيات هو زميله الرائد اسماعيل الشيخلي مواليد 1924. تتلمذ على يد فائق حسن ثم أصبح مساعداً له في التدريس بالأكاديمية، ثم أصبح زميله بعد تحصيله الفني في"بوزار"باريس قبل أن يتسلم مسؤولية رئاسة القسم التشكيلي. وما إن عُيّن في اليونسكو حتى تهيأت له فرصة العودة والاقامة من جديد في باريس، حتى نهاية التسعينات. عرف بتكويناته التعبيرية الملونة والتي تمثل جماهير تجمعات النسوة الملفحات بالعباءات. ظلت فراغاته مسكونة بهذه الكائنات الطقوسية الشعبية المتحلقة حول المزارات والمراقد المقدسة، وكأنها كربلائيات من الحداد والابتهال الأبدي. تتراوح أعماله بين التنويطات اللونية الموسيقية، وتنميطات دوائر الرؤوس والأجسام، بالطريقة التي استقاها جواد سليم من تقاليد رسوم المخطوطات المنمنمات. اسماعيل فتاح الترك قد يكون غياب اسماعيل فتاح الترك مواليد البصرة 1934 مثل الصدع الأكبر، ليس فقط بسبب أهميته الفنية التي ورثها عن أستاذه جواد سليم وإنما أيضاً بسبب كثافة حضور شخصيته الانسانية. ورث عن أستاذه عدم الفصل بين الكتلة النحتية للهامة البشرية الملحمية، والقدرة على الرسم الحاسم. مستمداً من روحه النهضوية وانفتاحه على التجارب العالمية ابتداء من جياكوميتي وانتهاء بايبوسكوبي مروراً بهنري مور، على التجارب العالمية ابتداء من جياكوميتي وانتهاء بايبوسكوبي مروراً بهنري مور، وذلك على رغم عمق جذور ذاكرته النحتية الرافدية، بخاصة الرؤوس السومرية والأكادية الشاردة في المطلق بدهشة سحرية. بدأ تاريخه بعد عودته من دراسة النحت في روما من توقيعه على بيان"نحو الرؤيا الجديدة"عام 1969 الذي حرره ضياء عزاوي والتزم به الاثنان في العروض الى جانب مهر الدين والجميعي، الناصري وسمرجي. ولا شك في أن عبقرية زوجته ليزا مواليد 1941 - أوسلو كانت دافعاً فنياً، بخاصة أنها اكتسبت الجنسية العراقية، ولم يعوض عن غيابها لديه سوى نجاحاته المتعاقبة في زرع ساحات بغداد بالنصب التي كان يفوز بجوائزها من مثال: الواسطي ? الفارابي ? الرصافي ? أبو نواس، ولكن النصب الذي رفع شهرته والذي اعتبر رمزاً ثانياً لبغداد بعد نصب التحرير لجواد سليم هو"الشهيد". شاركته في هذا الانجاز منذ عام 1981 كوكبة من كبار المعماريين والانشائيين، ويمثل قلباً مشطوراً من ألوان سيراميك فيروز التركواز، وباستعارة من أقواس وقباب طرز العمائر الروحية المحلية، سواء العباسية منها أم الشيعية. ينتسب ايحاؤه التقابلي أو الثنوي الديناميكي الى اسلوب فتاح الترك، ويقابل في تماثيله ذات الهياكل الجيولوجية المتهافتة الرجل بالمرأة، والولادة بالموت، والمعنى الميثولوجي ب"النصبية"الحداثية، والألم باللذة، والتعري بالتقنع، محاولاً في تمفصلاته النحتية إيلاج السالب بالموجب والعكس بالعكس. تعكس هذه الذهنية ثراء شخصيته ونفاذ تأثير ملامحه الوجودية وضحكته العريضة الشبقة الى الحياة والحب. تزوج منذ سنوات قريبة من شابة يافعة لم يمهله القدر في استنفاد محبته لها. تعرفت على ثراء روحه في بغداد منذ عام 1989، بمناسبة شراكتي في مؤتمر المجمع الموسيقي العربي، جمعتنا جلسة سمك على دجلة لا تنسى. وساعدني على تصوير محتويات المتحف من ذخائر الفن المعاصر العراقي، هي التي لم يبق منها إلا ما يحفظه أرشيفي اليوم. ثم تهيأ لي الاجتماع به مرتين وخلال عامين متتاليين في الدوحة على مائدة الشيخ حسن آل ثاني، الصديق الكريم للفنانين العراقيين. أطلعني في المرة الأخيرة على نحت عملاق كان ينجزه في محترفات مؤسسة الشيخ حسن، يمثل جمهرة من العمالقة الموحدي الهيئة واللباس، ناهيك عن عدد من النصب النحتية الاستثنائية، كان يأمل عرضها في معهد العالم العربي، ولم تتحقق أمنيته، كما أطلعني على أعماله التصويرية وسجاجيده التي تمثل جزءاً من مجموعة الشيخ، موشومة بتحولات ملونة على وجه أو قناع سومري ملغّز. كانت ضحكته تنافس ابتسامة العزاوي على رغم انتهاك السرطان لجسده اللعوب. صادف في حينه وجود علاء بشير أيضاً. ثم سافر الى أبو ظبي ولبث لا يغادر فراش المرض حتى قرر في أيامه الأخيرة السفر والعودة الى ضالته بغداد. ما إن وصلت طائرته حتى أطل من نافذتها برضى وصيته الأخيرة. وسقط في غيبوبة أبدية بعد أقل من ساعة من هبوط الطائرة. غطى مصاب الترك على غياب شاكر حسن قبله بستة أشهر وعلى وفاة خالد القصاب بعده بيوم. وهو من الرواد المجايلين لعمالقة التأسيس الانطباعي، كان طبيباً من أكبر موثقي هذه المرحلة، خصوصاً انه كان شريكاً في معارضهم منذ 1951، كان يقضي أيامه بين عيادته في ساحة التحرير ومحترفه القريب في منطقة المنصور. أقاموا في محترفه معرضهم الأول وشارك في تأسيس جمعية الفنانين العراقيين عام 1956. كان سكرتيرها وكان محترفه مقرها الدائم. نهى الراضي ثم وصل منجل السرطان الى روح الفنانة الديناميكية نهى الراضي مواليد 1941 بعد شهر، هي التي تقاسم نشاطها الاقامة بين بغداد وعمان وباريس وبخاصة بيروت ما بين 1971 و1975 سنوات عملها في التعليم في الجامعة الأميركية لتدريس الخزف والسيراميك. وكانت أمضت طفولتها في رحاب الهند وتخييلات أنسجتها عندما كان والدها سفيراً هناك لتنتقل بعدها الى لندن. تفسّر تعددية الأمكنة هذه وعلاقتها بالذاكرة الأثرية المحلية بسبب أختها، خصوبة آفاق إشاراتها وأشكالها سواء في الخزف أم التصوير الذي تحولت اليه في الفترة الأخيرة. دلال مفتي ثم ماتت النحاتة الرهيفة دلال مفتي بعد أن أنهكها المرض في لندن. ارتبط تألقها باسم زوجها الناقد العراقي المرحوم بلند الحيدري. كانت محبوبة مثله. تشغل مسؤولية رئاسة جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين في بريطانيا، وكانت ناشطة في استقبال المعارض قبل مرضها الذي أقعدها سنة كاملة خارج منزلها برعاية الأصدقاء.