اشتهرت الممثلة البريطانية كيت بيكينسيل عالمياً بفضل مشاركتها في الفيلم الهوليوودي الناجح"بيرل هاربور"الذي روى فترة مهمة من الحرب العالمية الثانية. وحققت كيت اولى خطواتها السينمائية في العام 1993 عندما اكتشفها الممثل والمخرج البريطاني كينيث براناه فوق خشبات مسارح لندن ومنحها دوراً رئيساً في فيلم"ضوضاء كبيرة من اجل لا شيء"المقتبس اساساً من مسرحية شهيرة لشكسبير. وعرض الفيلم في المهرجانات الدولية حينذاك ونال إعجاب النقاد والجمهور وحقق ايرادات لا بأس بها إلا انه لم يطلق بيكينسيل الى سماء النجومية، ربما لأنها كانت ضمن مجموعة كبيرة من الممثلات شاركن في هذا العمل وبالتالي لم تلمع احداهن بشكل مفرد على رغم المستوى المتفوق في الأداء الذي حازه الشريط في شكل عام. واستمرت بيكينسيل في مشوارها المسرحي مؤدية اجمل الأدوار الكلاسيكية في لندن اضافة الى ظهورها في افلام متوسطة المستوى، مثل"صيد السمك"و"أيام الديسكو الأخيرة"و"الكأس الذهبية"و"بروكداون بالاس"وبعض المسلسلات التلفزيونية البريطانية الناجحة، الى ان استعان بها السينمائي الهوليوودي مايكل باي لتجسد شخصية ممرضة يقع في غرامها احد جرحى الحرب العالمية الثانية في"بيرل هاربور". وشاء حظ بيكينسيل ان يباع الفيلم في العالم كله تقريباً وينال نجاحاً اينما عرض ما جعلها بين ليلة وضحاها فنانة مطلوبة تتقاضى اكثر من مليون دولار أجراً للفيلم الواحد. ومن الأفلام الحديثة التي ادت بيكينسيل بطولتها"أندرورلد"و"فان هيلسينغ"، وهما من النوع المبني على الخيال والإثارة المخيفة ما جعل النقاد يتوقعون ظهور نجمة سينمائية جديدة في دنيا الرعب، مثلما كانت عليه الممثلة باربارا ستيل في ستينات القرن الفائت، الى ان جاء فيلم"الطيار"ليكسر هذه الصورة ويكشف عن فنانة قادرة على العطاء في ميادين متعددة ومختلفة كلياً، إذ تؤدي بيكينسيل فيه دور النجمة الراحلة آفا غاردنر احدى ألمع بطلات الشاشة على المستوى العالمي والتي لا تزال حتى الآن حية في قلوب عشاق الفن السابع. ولدت بيكينسيل الإنكليزية في العام 1973 من ابوين ممثلين، لكن التمثيل لم يكن في الأساس هاجسها الأول في الحياة، على رغم ان شقيقتها هي ايضاً ممثلة مسرحية التحقت بالجامعة حيث درست الفلسفة واللغتين الروسية والفرنسية على امل ان تصبح معلمة او كاتبة روائية، خصوصاً ان مؤلفاتها الشعرية وهي بعد طالبة جامعية نالت جوائز. لكن يبدو ان فيروس الدراما الذي اصاب عائلة بيكينسيل لم يعف كيت التي راحت وهي بعد في الثامنة عشرة من عمرها تنقطع عن تعليمها الفلسفي لمصلحة الدراما الكلاسيكية. وسرعان ما عثرت على ادوار صغيرة ثم متوسطة الحجم في مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية ومسرحيات فوق الخشبات اللندنية قبل ان يلتقيها كينيث براناه ويعرض عليها احد ادوار فيلمه"ضوضاء كبيرة من اجل لا شيء". عاشت بيكينسيل حكاية حب شيقة مع مايكل شين وأنجبت منه ابنة عمرها الآن خمس سنوات، ثم انفصلت عنه وخاضت تجربة الوحدة العاطفية الى ان التقت المخرج السينمائي لين وايزمان اثناء تصوير فيلم"أندرورلد"فأحبته وتزوجت منه في العام 2004 . ولمناسبة الحفل الافتتاحي لفيلم"الطيار"في باريس التقت"الحياة"كيت بيكينسيل في هذا الحوار. كيف تعيشين نجاحك السينمائي العريض بعد عشر سنوات من العمل في مهنة التمثيل؟ - سعدتُ جداً بحصولي على بطولة فيلم"بيرل هاربور"الأميركي لأن هدفي كفنانة هو الانتشار أولاً خارج الحدود المحلية، وهو امر صعب طالما انني محبوسة في اطار المسرح اللندني والسينما البريطانية طبعاً، وأيضاً السينما الأوروبية عامة لأنها نادراً ما تتعدى المستوى المحلي. ويفرحني انني حققت هذه النقطة. وبالنسبة الى نجاحي عموماً فهو يجعلني اشعر بأنني طفلة تحولت احلامها الى واقع وتجد نفسها مشهورة بين ليلة وضحاها وكأن معجزة ما تحققت بعدما طال الانتظار. لكنك تنتمين الى عائلة تزخر بالممثلين ما يعني انك على دراية بمشقات هذه المهنة، أليس كذلك؟ - إنني فعلاً على دراية تامة بنوعية الصعوبات التي تعترض طريق اي ممثل او ممثلة، خصوصاً ان عائلتي ليست مكونة من نجوم بل من فنانين عاديين جداً يمارسون مهنتهم بروح مهنية متفوقة، لكنهم لا يتقاضون الملايين ويختارون المسرح وسيلة للتعبير عن فنهم فضلاً عن السينما والتلفزيون. لكنني أعتقد بأنني طبيعية في هذه المسألة، فقد حلمت منذ قررت التحول من فيلسوفة الى ممثلة بأن ابواب المجد ستنفتح امامي بسرعة لأنني ارغب في ذلك بشدة ولأنني امرأة طموحة اكره الحلول الوسطى وإذا شاركت في مسابقة ما احب الفوز بها بشكل سريع وبتفوق ملموس. وماذ تعلمت من تجربتك اذاً؟ - تعلمت القناعة والتذرع بالصبر ثم الاعتراف بأن الباب مفتوح لي ولكن لغيري ايضاً. أنت تليقين جداً بدور الراحلة آفا غاردنر في فيلم"الطيار"، فهل لعب مظهرك دوره بشكل اساسي في حصولك على الدور؟ - أنا لا أعتقد ذلك لأنني في الحقيقة، ومع الأسف، لا أشبه آفا غاردنر تضحك، ولكن الذي حدث هو تقمصي شخصيتها في أدق التفاصيل وقيامي بملاحظة حركاتها وطريقتها في الكلام وتعبيرات وجهها من خلال أفلامها، ثم الدخول في الدور تدريجاً عبر توجيهات المخرج مارتن سكورسيزي التي جاءت مكملة لما تخيلته شخصياً في شأن شخصية آفا غاردنر. والشيء الوحيد الذي أستطيع قوله بخصوص مظهري هو ان سكورسيزي كان يبحث عن ممثلة سمراء حلوة وذات مزاج حار. وأنا على رغم كوني انكليزية أتميز بهذه الصفة الأخيرة، غير انني سمراء جداً، ثم يقال انني حلوة، فحصلت على فرصة الوقوف أمام الكاميرا والخضوع للاختبار الخاص بالدور، وموهبتي هي التي صنعت الحدث في ما بعد. ما هي نظرتك الى فيلمي"اندرورلد"و"فان هيلسينغ"اللذين لعبت فيهما البطولة النسائية وقيل عنك انك"أحلى مصاصة دماء"في سينما الرعب وانك ستتخصصين في هذا اللون؟ - أنا أشكر الذين كتبوا انني حلى مصاصة دماء، وكلمة"أحلى"هي التي تبقى في ذهني لأنني لست مصاصة دماء بطبيعة الحال. أما عن حكاية التخصص فهي كادت أن تحدث بالفعل لولا تدخل القدر في شكل العبقري مارتن سكورسيزي وعدم تأثره بهذين الفيلمين وقيامه بتخيلي في دور آفا غاردنر من أجل فيلم"الطيار". ومن المعروف في عالم السينما ان المخرجين يميلون الى الاستعانة بالممثلين في أدوار تشبه ما سبق وقدموه من قبل، خصوصاً اذا كانت أفلامهم قد نجحت، وبما أن"أندرورلد"و"فان هيلسينغ"عرفا الرواج كان من الطبيعي أن أتلقى العروض المشابهة لهما وهذا ما بدأ في الحدوث فعلاً إلا أن"الطيار"أنقذني من الفخ. وهل تتوقعين الحصول على دور آفا غاردنر من جديد أو غيرها من نجمات هوليوود الراحلات بفضل نجاح"الطيار"؟ - أتمنى ألا يحدث ذلك وألا تختلط شخصيتي بممثلات أخريات في نظر الجمهور، حتى وان كن من مستوى آفا غاردنر. عكس المسرح بدأتِ فوق المسرح في تسعينات القرن الفائت فهل تشعرين بأنك مدينة له بشيء من نجاحك؟ - أعتقد بأن هناك مبالغة في هذا الكلام، وأنا على رغم تعلمي الكثير من خلال تجربتي المسرحية لا أعتقد بأن نجاحي يتعلق بما فعلته فوق الخشبة. ربما انني استمد من عملي المسرحي بعض المقومات التي تجعلني أمثل الآن أي دور يعرض عليّ بطريقة معينة فضلاً عن غيرها، ولكنني في النهاية أعترف بأن التمثيل أمام الكاميرا يتطلب عكس ما يحتاجه المسرح تماماً. وأنا أدركت مع مرور الوقت ما الذي يجب تفاديه في السينما بالنسبة الى ما اعتدت القيام به كل ليلة في العمل المسرحي، وأقصد بذلك البطء في الأداء والتمعن في التفاصيل حتى يفهم المتفرج الحبكة جيداً ويتأقلم مع عقلية ومزاج الشخصيات الموجودة أمامه، ثم الأداء بصوت مرتفع وممارسة الحركات الكبيرة باليدين والتمادي في التعبيرات بالوجه. وكل ذلك لا يفيد في السينما أو التلفزيون إذ ان المطلوب هو السرعة والتخفيف من حدة المشاعر والحركة. مثل نيكول كيدمان هل تنوين الاستمرار في السينما أم انك تعتبرين الشاشة بمثابة مرحلة تجلب لكِ النجومية ما قد يسمح لك بمعاودة العمل المسرحي فارضة شروطاً جديدة وجاذبة جمهوراً أكبر ربما في نيويورك مثلاً؟ - أنا أنوي، بلا أدنى شك، الاستمرار في السينما، ولكن من دون التنازل عن العمل المسرحي إذا تلقيت ما يثير اهتمامي من عروض في هذا الميدان، وأنا لست مستعدة للتضحية بدور سينمائي ولا أجر سينمائي من أجل العمل في مسرحية متوسطة المستوى. أنت تذكر المسرح في نيويورك وهو فعلاً يجذبني الى أبعد حد، لكن بشرط أن أمارسه مثلما فعلت نيكول كيدمان قبل نحو خمس سنوات عندما تولت بطولة مسرحية"بلو روم"في لندن أولاً ثم في نيويورك، وكانت البطاقات بيعت قبل الافتتاح ببضعة شهور في المدينتين وتقاضت كيدمان عن عملها أعلى أجر مسرحي نسائي حتى الآن عن كل سهرة. وأنا أرغب في الوصول الى القمة والتربع فوق عرشها، فالمكانة الثانية غالباً ما تضايقني ولا تقنعني بالمرة لأنها لا ترضي طموحي حتى وان كنت، مثلما ذكرته سالفاً، قد اكتسبت بعض القناعة على مدى الأعوام. مقياس المال يبدو ان طموحك المادي يلعب دوره بطريقة أساسية في تحديدك مستقبلك؟ - أنا أعير المال أهمية قصوى ترتبط جذرياً بالعمل في حذ ذاته وأشعر بقيمة موهبتي ومجهودي وبقيمتي الفنية في نظر جمهوري من خلال المبلغ الذي أتقاضاه عن كل دور أمثله، فالمال عندي مقياس المكانة الاجتماعية، وأنا حريصة جداً على رفع مستوى مكانتي كلما تقدمت في العمر وفي الحياة. هل أنت سعيدة في حياتك الزوجية الحديثة العهد؟ - أنا امرأة عاشقة وزوجة سعيدة وأم ترى جمال العالم في عيني ابنتها وممثلة تتذوق طعم نجاحها، والنقطة السوداء الوحيدة في حياتي هي فقداني والدي أخيراً، وأشكر السماء على كوني محاطة بعطف عائلتي وإلا لانتهى بي الأمر في مستشفى الأمراض العصبية من شدة الحزن.