من يقّدم ضمانات لمن؟ ومن يثق أو لا يثق بمن؟ ومن نقض التعهدات التي قطعها لمن؟ هل هي أزمة ضمانات حقاً كما يصرح الديبلوماسيون والسياسيون منذ نحو 18 شهراً، أم هي أزمة ثقة مفقودة بين الأطراف كافة؟ هذا هو جوهر السؤال حول الملف النووي الايراني الذي يبدو انه سيكون الورقة الأكثر جدلاً في ديبلوماسية الحوار الايراني - الأوروبي المشحون بنكهة اميركية حادة، من الآن حتى الخامس والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر المقبل. فإيران تريد ضماناً من اميركا عبر أوروبا بأنها أي واشنطن لن تقدم على ما يلغي حقها المشروع في تطوير مشروعها النووي للأغراض السلمية، على ان تقدم هي كل الضمانات اللازمة للمجتمع الدولي بعدم الاقتراب من الجانب التسليحي للملف النووي بأي شكل من الأشكال. في المقابل، فإن اميركا تريد ضمانات من ايران عبر أوروبا بأن توقف طهران كافة نشاطاتها النووية حتى السلمية منها لتقدمها بدورها الى اسرائيل، الى حين التوافق مع أوروبا حول كيفية التعامل مع طهران بشأن قدراتها النووية الجديدة التي كسرت احتكار الدول الكبرى للتقنية النووية. ولما كانت الثقة مفقودة اصلاً بين طهرانوواشنطن، وان أوروبا تلعب دور الوسيط الانتهازي والمنافق وغير القادر على الحسم، ولا التعلم من سيناريو العراق الرديء، فإن القضية النووية الايرانية ستظل عرضة للاهتزاز ومحل مساومات أروقة الديبلوماسية السرية احياناً والعلنية احياناً اخرى ورهناً بميزان القوى الذي يسمح أو لا يسمح لواشنطن للتصعيد ضد طهران. طهران من جهتها حسمت أمرها وهي تقول انها باتت مكتفية ذاتياً في كل شيء تقريباً، فيما يخص الدورة النووية بكل مراحلها، كما يقول حسن روحاني أمين عام مجلس الأمن القومي الايراني الأعلى، وبالتالي فهي تحاور وتناور وتفاوض فقط من أجل تلطيف الأجواء الدولية واستناداً الى مبدأ ان الحوار هو انجع وسائل كسب الاعتراف الدولي، وانها لا تحبذ اساليب المجابهة والمواجهة بالمرة كما يؤكد المسؤول الايراني. قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى الآن جاءت لتسجل نصف هزيمة لواشنطن ونصف انتصار لطهران. أما أوروبا، فلم تحصد سوى مزيد من الشك والريبة من الطرفين، فيما ظل البرادعي أضعف الحلقات. أما أوروبا فلم تحصد على ما يبدو سوى مزيد من الشك والريبة واهتزاز الثقة من جانب الطرفين المتخاصمين. هذا فيما يبقى البرادعي كما يفترض وهو المعني اكثر من غيره بالملف النووي للدولة محل النقاش، خارج دائرة الفعل المباشر، إما بفعل تردده أو بفعل اغراءات المنصب والوجاهة التي يسعى لتجديدهما عبر استمالة الموقف الاميركي حتى لا يصيبه ما أصاب بطرس بطرس غالي كما يعتقد بعض المراقبين هنا في طهران. وحدها العلاقة الداخلية المتينة والقوية والشفافة بين رأس القيادة الايرانية ومجموع مطبخ صناعة القرار الايراني مع مجموع القوى السياسية الفاعلة داخل المجتمع الايراني بميولها المتعددة هي الكفيلة بالإبحار بسفينة الملف النووي الايراني الى ساحل النجاة. المسؤولون الايرانيون يقولون انهم لا يثقون بالإدارة الاميركية كضامن لاستمرار نشاطهم النووي، لكنهم يقولون أن المفاوضات معهم ليست مستحيلة ولدينا سابقة في الشأنين الافغاني والعراقي، لكن بشرط ان تخضع المفاوضات لتكافؤ فرص حقيقية. وعلى ما يبدو فإنهم يحاولون انتزاع تلك"الظروف"من خلال الحوار الشامل والبناء مع أوروبا. في المقابل فإنهم يقولون أن أوروبا غير مستقرة على رأي وتناور بانتهازية مفرطة تكاد تجعلنا نفقد الثقة بها. على صعيد آخر فإن طهران تؤكد أنها لن تفرط بالحوار كمبدأ ثابت في سياستها الخارجية خصوصاً انها لا تريد اقلاق المجتمع الدولي بخصوص نياتها الحقيقية من وراء اصرارها على امتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية. غير ان العارفين ببواطن الأمور يعرفون تماماً أن الطرف الدولي، لا سيما الأميركي منه لا ثقة له أصلاً بحقيقة نيات طهران المستقبلية حتى لو تأكد من نياتها السلمية الحالية. من يجمع كل هذه الأضداد اذناً؟ هذا هو ما يحاوله فريق الديبلوماسية الذرية الحالي الذي يتزعمه حسن روحاني. فهل ينجح في ذلك؟ هذا ما ستحسمه الأشهر القليلة المقبلة والذي ستترتب عليه نتائج داخلية ايرانية واقليمية وربما دولية بالغة الأهمية ستجعل من طهران طرفاً دولياً فاعلاً ومؤثراً في أحداث عقد كامل من الزمان على الأقل أو ضحية جديدة من ضحايا لعبة الأمم التي تقودها دوائر واشنطن الامبراطورية النزعة. * كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.