توسعت حلقة الاحتجاج على ما فعلت رئاسة جورج دبليو بوش بالولاياتالمتحدة وشملت قيادات ورموز رائدة في الحزب الجمهوري أعلنت هذا الاسبوع أنها لن تتمكن من دعم المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية وأنها مضطرة لدعم المرشح الديموقراطي جون كيري. هذا تطور خطير على سعي بوش الى البقاء في البيت الأبيض، لكنه تطور صحي للحزب الجمهوري. فهذه قيادات محترمة لم يكن سهلاً عليها الوقوف ضد الحزب الذي انتمت اليه. هدفها ابلاغ بوش ورجاله من الصقور والمحافظين الجدد واليمين الديني وزمرة المتطرفين ان لا أمل لأميركا بهم ولا خلاص لها الآن سوى برحيلهم. ارتفاع صوت هذه القيادات احتجاجاً قبيل انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في نيويورك يساعد آلاف الجمهوريين الصامتين الذي قرروا ضمناً أنهم لن ينتخبوا جورج بوش. والقاسم المشترك في صرخة الاحتجاج هو الاستعداد لابعاد الحزب الجمهوري عن البيت الأبيض الى حين تحريره من قبضة التطرف العقائدي والهوس الديني، والسياسة الخارجية المسترجلة. فلقد سمح جورج دبليو بوش لنفسه بأن يؤخذ رهينة على أيدي حفنة متغطرسة، فقررت جهات مهمة في"الطبقة الحاكمة"من الحزب الجمهوري التخلي عن الرجل الذي فرض على أميركا أن تدفع فدية ركوبه قطار الارتهان. الفارق بين الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي في هذه المعركة الانتخابية هو ان الأول يحتفي بوحدة نادرة في صفوفه والثاني يواجه انقساماً نادراً. واقع الأمر ان الانقسام حول السياسات جذري داخل الحزبين، لكن الديموقراطيين في شغف الى وحدة تطيح رئاسة بوش فيما بعض الجمهوريين في قلق من التفاف تقليدي على مرشحهم يكلف الحزب الجمهوري مستقبله. فمعركة الجمهوريين عميقة ومعقدة، انها معركة عقائدية حيناً، ومعركة شخصيات حيناً آخر. الرئيس الجمهوري الذي يشبّه جورج دبليو بوش به أحياناً، رونالد ريغان، منع المحافظين الجدد من الاملاء عليه، وقطع الطريق عليهم عندما حاولوا ارتهانه. دبليو لم يفعل ذلك. دبليو، كشخصية، وقع أيضاً في ظل نائبه ديك تشيني الذي تحكّم بالادارة الأميركية وحكمها عملياً، في رأي العديد. وتشيني شخصية تكاد تكون مكروهة شعبياً، انه محط أكثر من تهمة، من التورط مع شركات الى صنع سياسات تخدمها. دبليو، كقائد القوات الأميركية، خاض حروباً صنعها رجال في وزارة الدفاع لغايات في غير المصلحة الأميركية. تمسك بوزيره دونالد رامسفيلد حتى وهو يغض النظر عن فضائح سجون رهيبة. انبهر بأمثال وكيل وزير الدفاع، بول وولفوفيتز، الى درجة جعلته شبه تلميذ امام الاستاذ المتعصب المتلذذ باختطاف عقل رئيس سمح لزمرة متطرفة من الابتزازيين لاسرائيل ان تورط الولاياتالمتحدة في حروب دينية عبر توأمتها في"حرب على الارهاب"هي أصلاً لخدمة اسرائيل. جورج دبليو بوش قد لا يعني ان الكثير من الأميركيين غاضب عليه ليس فقط بسبب حرب العراق وانما أيضاً بسبب حربه المعلنة على الارهاب بطريقته ولأسبابه. بوش، الذي في عهده تم تقويض الدستور الأميركي وحدثت تجاوزات للحقوق المدنية بصورة لا مثيل لها، قد يستغرب الاحتجاج على هذه الممارسات لأنه يعتقد بأن"حرب الارهاب"تعطيه صلاحيات فوق القوانين الاعتيادية. فهو ينظر الى نفسه كرئيس الحرب ورئيس"الخير"بقرارات الهية. مؤتمر الحزب الجمهوري في"ماديسون سكواير غاردن"سيحاول إبعاد جورج دبليو بوش عن هذا الانطباع الذي يلاحقه. وإذا كان في البرنامج السياسي أي دليل على نبرة المؤتمر، سيتكرر ذكر ارهاب 11 أيلول سبتمبر في كل فرصة كمدخل للاطراء على جورج دبليو بوش كرئيس"اثبت العزم"على حماية الأمن القومي الأميركي و"مصمم"على مواجهة التحديات الآتية، باستباقية. الحزب الجمهوري يريد أن يقول في مؤتمره ان 11 أيلول 2001 غيّر العالم وقلب مقاييسه وأن جورج دبليو بوش هو القائد"الضروري"في هذه الحقبة من التاريخ. يريد الحزب ان يدعي في مؤتمره ان حرب العراق"انجاز"حققه بوش لأنه"مثال الاصلاح"في المنطقة، كما جاء في البرنامج السياسي. لكن موضوع العراق سيلاحق الحزب على هوامش المؤتمر حيث ستنطلق التظاهرات في شوارع نيويورك احتجاجاً على الحرب من ناحية خوضها كما من ناحية التضليل في الطريق اليها. فالعراق لا يزال أحد أهم الاعتبارات في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن ساحته قد تقرر الأحداث هل ان بوش باق في البيت الأبيض أو مودع له. مؤتمر الحزب الجمهوري سيبرز السياسة الخارجية من منطلق الأمن القومي الأميركي. ولأن السياسة الخارجية الأميركية تحتل حالياً موقعاً مهماً نادراً جداً في الانتخابات الرئاسية، سيصوّر الحزب الجمهوري مرشحه قائداً يفهم العالم ويعرف كيف يخاطبه، بود أو بحزم. المشكلة ان الانطباع عن جورج دبليو بوش يرسمه متكلاً على آخرين، مثل مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، التي تشرح له العالم وتفسره له. كما ان حرب العراق سجلت لبوش مخاطبته العالم بازدراء وإملاء وجعلت أميركا معزولة ومكروهة عالمياً بفضله. بعض المعنيين بحملة انتخاب بوش يدرك خطورة خسارة القيادات والكفاءات في الحزب الجمهوري، ويحاول هؤلاء منذ فترة تطمينها بأن الادارة الثانية لن تكون كالأولى. يقولون ان الاعتدال سيحل مكان التطرف، وأن الوسط سيستعيد مكانته في الحزب بعدما هيمن اليمين المتطرف في الادارة الأولى. يوحي هؤلاء بأن رامسفيلد وفريقه سيغادر في حال انتخاب بوش مجدداً، ويطلقون الاشاعات بأن وزير الخارجية كولن باول باقٍ في الادارة الثانية، وبصلاحيات وامكانات. المشكلة ان قلة تصدّق التعهدات هذه، وان أزمة الثقة بجورج بوش أعمق. فإلى جانب المخاوف من بقاء ديك تشيني، الرجل الثاني الحاكم، هناك من عقلية بوش وعواطفه لدى الكثير من الجمهوريين والمستقلين. مؤتمر الحزب الجمهوري لن يغير ذلك ما لم يحدث انقلاب في ذهن بوش نفسه والحلقة المحيطة به. وعلى أي حال، لم يعد مستقبل بوش حصراً في أيدي المهنيين المكلفين العمل على انتخابه. انه رهن الأحداث، كما هو رهن تأثير الزمرة المحيطة به التي تخطط سراً لكيفية ضمان هيمنتها على هذا الرئيس"الهدية"اذا انتخب لولاية ثانية. معركة بوش اليوم أصعب مما كانت عليه في أي وقت مضى منذ بدء الحملة الانتخابية. لذلك تزداد وساخة الاعلانات السياسية في التلفزة. فالناخب الأميركي يتأثر بعمق بمجرد اشاعة أو انطباع. وهذا النقص بالذات قد ينقلب على أي من المرشحين للرئاسة.