في دورة البرامج التي بدأت أخيراً على بعض الفضائيات العربية شغلت البرامج ذات الحقوق الغربية حيزاً لا بأس به. ف"الكرسي" على قناة أبو ظبي و"وزنك ذهب" بحلته الجديدة مع النجم المصري نور الشريف، و"سوبر ستار" على قناة "المستقبل"... برامج ظهرت على الشاشة مع حملات ترويجية كبيرة. وهذه البرامج ليست جديدة. ف"من سيربح المليون" و"GREED" و"يا ليل يا عين" و"قصة كبيرة" و"الحلقة الأضعف" و"الفخ" و"حلها واحتلها"... برامج غربية اشترت المحطات العربية حقوقها من بلدانها الأم، فشكلت ظاهرة في العالم العربي احبها المشاهدون، وتنافست عليها المحطات، وخلقت نجوماً باتوا على كل لسان. وهكذا اختفت برامج وظهرت برامج شبيهة... وموجة هذه البرامج تجعلنا نتساءل: إلى متى ستبقى البرامج الغربية تسيطر على إعلامنا العربي؟ وهل تشبهنا بالغرب يحتم علينا تقليده حتى في برامج الألعاب والتسلية؟ هل اختفت الإبداعية العربية وهل من مكان لأفكار إبداعية شابة؟ هل أحب المشاهد العربي هذه الألعاب دون سواها؟ أم إن موجة البرامج المعلبة باتت موضة تتصارع عليها المحطات العربية وتفرضها فرضاً على المشاهد؟ البعض يرى هذه البرامج عنصراً مساعداً لتلوين الثقافة العربية والبعض الآخر يراها وسيلة لاكتساب الخبرة الكافية وقسم ثالث ضاق ذرعاً بها وببعدها عن حياتنا العربية... نقص في الخبرات اللازمة ترفض ريتا خوري مقدمة برنامج "الحلقة الأضعف" المتوقف الذي شكل محطة مهمة ضمن هذه البرامج إطلاق صفة معلبة على هذه البرامج إذ إنها تضعها في قفص الاتهام على رغم أنها تفوقت في كثير من الأحيان على البرامج المحلية. وترجع خوري سبب إقبال المحطات العربية على هذه البرامج الى أسباب عدة: أولاً، عدم اهتمام التلفزيونات العربية بالصورة مهملة دورها الفعّال في شدّ المتفرج. ففي البرامج العربية يصعب على المشاهد التركيز على الصورة التي تنقل مشوّهة مفتقرة لجمالية. من هنا تأتي أهمية البرامج الغربية التي تفرض ثقافة معينة للصورة تحدد من خلالها ديكوراً معيناً وإضاءة معينة ووضعية معينة للمقدّم والمشاركين تضفي على جو البرنامج أناقة وترتيباً. ثانياً، عدم وجود الخبرة الكافية في الفضائيات العربية بسبب حداثة عهدها فالأقدم بينها لا يتجاوز عمرها العشر سنوات. أما المحطات الغربية فبحكم حجم جمهورها وقدمها وخبرتها، استطاعت وعبر الوقت التي تعمل فيه أن تتطور وتطور أفكارها وأساليبها فتعطي نماذج جيّدة ومقبولة. ومن هذا المنطلق يكون من الطبيعي أن تستفيد المحطات العربية من الخبرات الغربية وسيكون من الطبيعي أن تقدم هذه المحطات في وقت لاحق وبعد اكتساب الكفاءة المطلوبة وتحديد الهوية، برامج جيدة من المستوى نفسه أو متفوقة على البرامج الأجنبية. وترى خوري أننا نعتمد على الغرب في كثير من المجالات لذا لن يكون من المستغرب أن نعتمد على الغرب في استيراد أفكار برامجه. وتؤكد خوري أن هذه البرامج قد لا تتطابق مع طبيعة الحياة الاجتماعية والثقافية التي نعيشها في العالم العربي إلا أن "من سيربح المليون" و"الحلقة الأضعف" يعكسان واقع عصر يرتكز بشكل أساسي الى العنصر المادي والربح السريع والوقت المحدد. كما ان هذه البرامج التي لا تتطابق كثيراً مع حياتنا سلطت الضوء لا بل فضحت بعض العيوب الموجودة في هذا المجتمع من التصنع إلى الخوف من قول الحقيقة والهرب من الانتقادات... في حين كان سر نجاح هذه البرامج في الغرب قائماً على العفوية والصراحة المطلقة والراحة في التعبير الموجودة في شخصية المشترك الغربي. عدم القيام بالإعداد الجيد بالنسبة إلى مدير تلفزيون أبو ظبي علي الأحمد المشاهد هو الحكم الأول والوحيد. فالبرامج المنتقاة من التلفزيونات الغربية تختار بشكل أساسي وفق ذائقة الجمهور العربي إذ بات من الصعب أن يفرض على هذا الجمهور ما يتعارض مع ذوقه. فضلاً عن الذائقة، يؤكد الأحمد أن البرامج الغربية تخضع دائما لأبحاث عدة تتعلق بسيكولوجية المشارك ومدى قبول فكرة البرنامج عند المشاهدين وعناصر الصورة التلفزيونية وبحوث التسويق واختيار نوعية الأسئلة التي تبعد عن الرتابة. وبسبب افتقار العالم العربي الى بحوث مماثلة يقدم التلفزيون أو مدير الإنتاج من دون تردد على شراء البرنامج الغربي، فهو أضمن من النواحي كافة. إضافة إلى ذلك، ساهم افتقار العالم العربي الى هذا النوع من البرامج في افتقاره الى خبرات شخصية ومواد أساسية تساعد في إضافة بعض التميّز على هذه البرامج. فمواد أساسية وخبرات معينة تم الاستعانة بها من تلفزيون BBC في تنفيذ برنامج "الكرسي" الذي يقدّمه اللبناني ابراهيم بوب أبو جودة. ويؤكد الاحمد أن تشجيع البرامج الغربية لا يلغي الأفكار الإبداعية في العالم العربي ومن هنا يكمن حرص قناة أبو ظبي على تقديم برامج ذات هوية عربية مثل "من هو" و"القافلة". غير أن اختيار البرامج لا يبنى على هويتها إنما على رأي المشاهد بها فكل قناة ملزمة بتقديم اكبر عدد من البرامج المنوعة ذات النوعية الجيدة ما يجبرها على البحث عن الأنسب والأفضل والأكثر تطوراً بغض النظر عن الهوية خصوصاً إن لم يتعارض ذلك مع القيم والتقاليد الموجودة في العالم العربي. يبقى عنصر أخير ولكن أساسي يتحكم في انتقاء البرامج "المعلبة" هو عنصر الإنتاج. ففي العالم العربي، الإمكانات المادية محدودة وعناصر المخاطرة والمراهنة لا تسمح بخوض تجارب إنتاجية غير مضمونة في حين يستطيع المنتج في المقابل شراء برامج غربية جاهزة خضعت لتجارب تسويقية وطعّمت بعناصر تشويق وإثارة وإبداع تحتم تقبل المشاهد لها واقتناع المعلن بها. الجمهور هو الحكم يبقى الحكم النهائي للجمهور. رفض البعض فكرة البرنامج وأثنى البعض الآخر عليها، رأى بعضهم أن فكرة تقريب البرامج العالمية للمشاهد العربي من طريق تقديمها باللغة العربية خطوة إيجابية وجد بعضهم في شخصية المقدمين بعض التقليد وفي شكل البرنامج ابتعاد عن الحياة الاجتماعية، وبعضهم فضل متابعة برامج عربية في المضمون والشكل.