تقتضي أي مناقشة ذات معنى للصناعة النفطية العراقية ان تعالج ثلاث قضايا. اولاً، حقيقة ان العراق يملك قدرة نفطية هائلة لا يزال يتعين تطويرها. ثانياً، تركت السياسات الداخلية والحروب والنكسات الاقتصادية خلال العقود القليلة الماضية تأثيرها على الصناعة النفطية، ما يقود الى استنتاج لا مفر منه بأنه لا بد للمرء ان يعالج اولاً النتائج المترتبة على هذه القضايا قبل الشروع بتطوير قطاع نفطي جديد ومتجدد الحيوية. ثالثاً، ستعكس السياسة النفطية العراقية في المستقبل بالضرورة الاوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد في السنوات القليلة المقبلة، بالاضافة الى الاستقرار السياسي في الشرق الاوسط عموماً. القدرة النفطية يعتبر العراق احد البلدان الغنية بالنفط والتي جرت فيها أقل عمليات للتنقيب، ومع ذلك فإنه يملك بعض الأحواض الرسوبية الأغنى في العالم - اذ يأتي في المرتبة الثانية بعد السعودية. وهناك في الواقع حوالي 526 تركيباً جيولوجياً تم اكتشافها وحددت مواقعها ورسمت خرائط لها وصُنّفت باعتبارها ذات امكانات محتملة. لكن اعمال الحفر لم تشمل سوى 125 تركيباً فقط، اي حوالي 20 في المئة من العدد الكلي المكتشف حتى الآن. لذا فإن اجزاء كبيرة من البلاد لا تزال غير مستكشفة وتنتظر التنقيب والتطوير. وعلى وجه التحديد، لا يوجد في الوقت الحاضر سوى 15 حقلاً مستثمراً من مجموع 73 حقلاً جرى اكتشافها. وتتضمن البقية: - 11 حقلاً جديداً في الجنوب تبلغ قدرتها الانتاجية 3 مليون برميل في اليوم. - 11 حقلاً في الشمال تبلغ قدرتها الانتاجية حوالي 500 ألف برميل في اليوم. - ثلاثة حقول اخرى في وسط العراق تبلغ قدرتها الانتاجية 300 ألف برميل في اليوم. - والقدرة على انتاج 900 ألف برميل في اليوم من مستودعات نفطية جرى تطويرها جزئياً في الحقول المنتجة حالياً. بمعنى آخر، يملك العراق القدرة على انتاج 7،4 مليون برميل في اليوم من حقول مكتشفة جاهزة بالفعل للتطوير. ووفقاً للمعلومات المتوافرة قبل آب اغسطس 1990، بالاستناد الى الدراسات الخاصة بالتنقيب والحفر والاحتياطي المتوافرة آنذاك، يقدر احتياطي النفط العراقي المثبت ب 112 بليون برميل، بينما يقدّر النفط الموجود في باطن الارض بحوالي 250 بليون برميل. لكن لم يجر منذ ذلك الحين اي مسعى جدي لتحديث هذه الارقام. وهي في الواقع ارقام اولية بطبيعتها لان العمل كان في اغلب الاحيان متقطعاً بسبب المشاكل السياسية، واصبحت التكنولوجيا المستعملة بالية الآن. وعلى رغم ان النفط اُكتشف في 1927، فان القدرات الكامنة لم تُستكشف الى حدودها القصوى بالمقارنة مع بلدان اخرى في الخليج إلاّ بعد سنوات طويلة على ذلك. وحتى عام 1961، كان الاحتياطي المثبت يقدر ب 34 بليون برميل. ولم تبذل شركات النفط العالمية و"شركة النفط الوطنية العراقية" جهداً يذكر في مجال التنقيب خلال الستينات. وكان هذا النشاط محدوداً خلال الثمانينات - بسبب الحرب العراقية الايرانية - وتوقف عملياً منذ 1990. بالاضافة الى ذلك، لم يكن اي هناك اي حفر أفقي او عميق، ولم تجر سوى كميات محدودة جداً من عمليات الحفر الاتجاهي في حقول مختارة. وكان الحقن بالماء الوسيلة الوحيدة لادامة الضغط، بينما لم يجرّب استخدام الحقن بالغاز الاّ في حقل واحد فقط. بالاضافة الى ذلك، ما تزال مناطق كثيرة غنية بالنفط تم اكتشافها في الحقول المنتجة الحالية في انتظار ان يجري تطويرها وتقويمها، واقتصر الانتاج على بعض المناطق الغنية من المستودعات النفطية، ولم يشمل الانتاج اياً من المناطق الغنية الأعمق. ولم تشمل اعمال التنقيب بعد الصحراء الغربية والجزء الشمالي الغربي من البلاد حيث توجد مؤشرات جيولوجية واعدة. التنقيب والتطوير كان العراق خلال الفترة 1968-1990 يعتمد على جهوده الوطنية لتطوير قدرته النفطية، باستثناء عقود الخدمة الثلاثة التي وقعها مع "إلف" الفرنسية حقل بزركان و"بتروبراس" البرازيلية حقل مجنون و"او إن جي سي" الهندية قطاع في الصحراء الغربية. وتم انهاء هذه العقود بشكل ودي في اواخر السبعينات. واقتصر التعاون مع الشركات العالمية بعد ذلك على المؤسسات الهندسية والانشائية والخدمية. وفي مطلع التسعينات، قرر العراق تسريع انشطة تطوير الحقول عبر جهود شركة النفط العراقية والشركات الدولية. وجرى الشروع بمفاوضات مع شركات عالمية في شباط فبراير 1990 للمشاركة في عقود اعادة شراء BUYBACK لزيادة القدرة الانتاجية الى 6 ملايين برميل يومياً. وتعرقل هذا الجهد إثر غزو الكويت في آب اغسطس 1990. وبعد وقت قصير على حرب الخليج الثانية، في منتصف 1991، دعا العراق شركتي "إلف اكيتان" و"توتال" الى التفاوض بشكل احادي بشأن اتفاقات شراكة في الانتاج لحقلي مجنون وبن عمر الضخمين اللذين تبلغ قدرتهما الانتاجية الاجمالية اكثر من مليون برميل يومياً. وكان هذا الجهد، الذي أدى الى توقيع مذكرات تفاهم من دون التوصل اطلاقاً الى اتفاقات كاملة، جزءاً من حملة الحكومة لاستعادة الصلات مع العالم الخارجي بعد العزلة القاسية التي نجمت عن غزو الكويت. واعقب ذلك مؤتمر نفطي كبير في بغداد في آذار مارس 1995. وتوّجت هذه الحملة في منتصف 1997 بتوقيع عقود تطوير وانتاج مع كونسورتيوم روسي تقوده شركة "لوك اويل" لانجاز المرحلة الثانية من حقل غرب القرنة 600 ألف برميل يومياً ومع شركة "سي إن بي سي" الصينية بشأن حقل الاحدب. واُلغي العقد الخاص بشركة "لوك اويل" في كانون الاول ديسمبر 2002، ولكن العراق وافق في كانون الثاني يناير 2002. في غضون ذلك، في مطلع 2000، جرى تعديل عقود التنقيب والتطوير لتعكس بدرجة اكبر الاتفاقات من نوع اعادة الشراء BUYBACK. بالاضافة الى ذلك، وقع العراق مذكرات تفاهم عدة بشأن حقول اصغر مع عدد من الشركات من بلدان صديقة، من ضمنها الجزائر وتونس وفييتنام وسورية. كما وقع العراق بعض الاتفاقات في كانون الثاني يناير الماضي مع شركات روسية القطاعان 4 و9. واوكلت مهمة تطوير حقل الرافدين الذي تبلغ قدرته الانتاجية 100 ألف برميل يومياً الى شركة "سوييزنفتغاز" الروسية، ووقع بالأحرف الاولى اتفاق مع شركة روسية لتطوير حقل بن عمر. لكن ينبغي ان يلاحظ انه لم تنفذ اي اعمال على الارض لأي من من الاتفاقات المشار اليها اعلاه، بما في ذلك الاتفاقات مع "لوك اويل" و"سي إن بي سي"، ما عدا جمع معلومات واعداد تصميمات اولية. ويمكن لشرعية هذه الاتفاقات ان تصبح موضع مراجعة في حال قيام نظام جديد. وفي الوقت الذي يرى البعض انها ملزمة لانها وقّعت من قبل حكومة معترف بها، يعتقد آخرون انها كانت سياسية تماماً، وانتهكت العقوبات التي تفرضها الاممالمتحدة. واعتقد، لأسباب كثيرة، ان كل هذه العقود سيتم مراجعتها على اساس كل حالة على حدة. والارجح ان العثور على اسباب تبرر اعتبار هذه العقود باطلة لن يكون مهمة صعبة. وبدلاً السعي الى التحكيم في محاكم دولية، ربما يكون من الافضل للشركات ان تسعى الى تسوية عبر مفاوضات مباشرة مع تلقي الدعم من حكوماتها. ان المصالح الاقتصادية للعراق، والقدرات التقنية والمالية - بالاضافة الى اعتبارات سياسية - ستقرر مصير هذه الاتفاقات. ويمكن لهذه العملية ان تستغرق بعض الوقت، ما سيعيق التقدم المحتمل لمشاريع جديدة في ما يتعلق بتوزيع حقول ومناطق للتنقيب والتطوير. القدرة الانتاجية والتصديرية كما جرى التوضيح اعلاه، كانت خطط العراق في مطلع التسعينات تهدف الى رفع القدرة الانتاجية والتصديرية الى حوالي 6 ملايين برميل يومياً بحلول 1996 عبر الجهود المشتركة للشركة الوطنية وشركات نفط عالمية. ولا يزال هذا الهدف قابلاً للتحقيق، في حوالي 2010، في مرحلة ما بعد صدام، وبعد فترة من الاستقرار. وسيقتضي هذا البرنامج الانشطة التالية: { حفر حوالي 2000 بئر على امتداد فترة 10 سنوات. { اقامة منشآت نفط وغاز ل25 حقلاً جرى تقويمها. { توسيع القدرات الحالية لثمانية حقول. { واعادة بناء المنشآت السطحية لثلاثة حقول اخرى على امتداد فترة 5-10 سنوات. ويُنصح بقوة ان يستمر تطوير الحقول المنتجة الحالية، التي تبلغ قدرتها حوالي 5،3 ملايين برميل يومياً، من قبل شركة النفط الوطنية، مع مساعدات تقنية وخدمية من شركات عالمية. ويمكن للعقود الخاصة بالحقول المكتشفة التي لم يجر تطويرها ان توقع مع شركات نفط عالمية وشركات نفط وطنية بموجب شروط اتفاقات مشاركة في الانتاج اواتفاقات BUYBACK معدّلة او اتفاقات تطوير وانتاج. وستكون ترتيبات BUYBACK المعدّلة لفترة محددة، وبتخصيص نسبة مئوية معينة للمشاركة المحلية، مع التزام محدد للمتعاقد كي ينجز هدفاً انتاجياً خلال فترة زمنية محددة، بما في ذلك خطة تطوير متعددة المراحل. وسيتم منح القطاعات التسعة في الصحراء الغربية ومنطقة الشمال الغربي على اساس المخاطرة بالعقد. وكما جرى الاشارة اعلاه، فان العقود الموقعة بالفعل ستخضع للمراجعة لتقرير مدى مصلحتها الاقتصادية للبلد. ووفقاً للمعطيات الرسمية العراقية، ستكون النسبة الاعلى من الاحتياطي المثبت الذي سيجري انتاجه من النوع الثقيل 26 ْ أى بي آي وأقل من ذلك، ما يمثل 48 في المئة من الاجمالي. وسيشكل النوع المتوسط/القياسي 27-37 ْ أي بي آي نسبة تصل الى 43 في المئة، اما ال7 في المئة المتبقية فانها ستكون من النفط الخام الخفيف جداً 38 ْ أي بي آي، واكثر. وينبغي ان يؤخذ بالاعتبار عامل آخر هو الاستفادة من الكلفة المتدنية في ما يتعلق باكتشاف وتطوير وتشغيل الحقول العراقية. فالنفط العراقي ربما يكون الأرخص في العالم، ما سيشكل عنصر جذب لشركات النفط العالمية بالمقارنة مع مشاريع اخرى في بلدان مجاورة. وحسب اعتقادي فان الكلام عن رفع الانتاج والقدرة التصديرية الى 8 ملايين برميل يومياً هو امر سابق للأوان، ومثل هذه الخطوة ستكون غالية جداً في ما يتعلق باكلاف رأس المال ومتطلبات التشغيل. ويمكن للعراق، في وقت ما في المستقبل، ان يدرس هدفاً للانتاج يبلغ حوالي 8 ملايين برميل يومياً، ولكن فقط بعد الوصول الى الهدف السابق الذي يبلغ 6 ملايين برميل يومياً، أي ليس قبل 2010. خطط القدرة الانتاجية قبل 1990 القدرة الانتاجية في 1990 8،3 مليون برميل يومياً القدرة الانتاجية وفق ما هو مخطط ل1991 2،4 مليون برميل يومياً القدرة الانتاجية وفق ما هو مخطط ل1993-1994 0،5 مليون برميل يومياً القدرة الانتاجية وفق ما هو مخطط ل1995-1996 0،6 مليون برميل يومياً خطط القدرة التصديرية قبل 1990 القدرة التصديرية في 1990 25،4 مليون برميل يومياً 65،1 مليون برميل يومياً عبر تركيا، 6،1 مليون برميل يومياً عبر السعودية، 4،2 برميل يومياً عبر مرافيء الخليج. القدرة التصديرية وفق ما هو مخطط ل1991 65،5 مليون برميل يومياً القدرة الانتاجية وفق ما هو مخطط ل1993 0،6 مليون برميل يومياً القدرة الانتاجية والتصديرية الحالية القدرة الانتاجية الحالية 8،2 مليون برميل يومياً القدرة الانتاجية الممكنة في 2004 0،3 مليون برميل يومياً القدرة التصديرية الحالية 4،2 مليون برميل يومياً القدرة التصديرية الممكنة في 2003 0،3 مليون برميل يومياً خيارات السياسة النفطية في المستقبل: المبادىء هناك حقائق معينة تتخلل الصناعة النفطية العراقية ويوجد ما يقرب من الاجماع بشأنها بين خبرائها النفطيين: { الموارد الطبيعية ينبغي ان تبقى تحت السيادة الوطنية للدولة. { الصناعة النفطية ينبغي ان تبقى خاضعة للسلطة المركزية، سواء بقي العراق دولة موحدة او اصبح دولة فيدرالية. اما كيفية توزيع عوائد النفط فهذه مسألة اخرى. ويتوقع ان تخصص نسبة اعلى من العوائد الى المحافظات بعد كل ما عانته من حرمان في ظل النظام الحالي. { المهمة الاولى للسلطات النفطية ستكون اعادة القدرة الانتاجية، التي تضررت بسبب الحروب والعقوبات وممارسات التشغيل السيئة، الى وضع سليم. وسيتطلب ذلك الكثير من الجهد والاموال والمساعدات التقنية. وستبرز الحاجة في موازاة ذلك الى تطوير القدرة الانتاجية وتأمين منشآت التصدير لها، بما في ذلك اعادة فتح منظومة انبوب النفط العراقي - السعودي واعادة تأهيل منشآت التصدير العراقية في الخليج. ولا ينبغي ان يستبعد احتمال حدوث تراجع في انتاج العراق في مراحل مبكرة. وستكون الشركات العاملة في مجال الخدمات والهندسة والحفر والانشاء بين اولى الشركات التي ستبرز الحاجة اليها لتقديم المساعدات، قبل وقت ابكر بكثير بالمقارنة مع شركات النفط العالمية. { ستكون هناك حاجة خلال السنوات الاولى القليلة لتخصيص مبالغ كبيرة لاعادة تأهيل وتحديث قطاع النفط. ويقدّر ان ذلك سيستغرق مدة لا تقل عن سنتين من الجهد الدؤوب بدون إعاقة، بالاضافة الى حوالي 3 بلايين دولار لاعادة قدرة الانتاج النفطي للعراق الى مستواها قبل آب اغسطس 1990 الذي بلغ 5،3 مليون برميل يومياً. { ستكون هناك حاجة الى الكثير من الجهد للقيام بتحديث اولي واعادة تأهيل لقطاعي الانتاج والتوزيع والتسويق. فلم تكن هناك استثمارات تذكر في هذين القطاعين خلال العقدين الماضيين. وفي الوقت الذي تم فيه شراء معدات جديدة بموجب برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للامم المتحدة، لم يتم ادخال اي انظمة تكنولوجيا جديدة. وسيكون الاستثمار ضرورياً لتحديث المصافي ومشاريع معالجة الغاز والمشاريع البتروكيماوية لتلبية الشروط البيئية والتجارية الجديدة. وسيتعيّن توفير الصيانة للبنى التحتية ذات الصلة، بما فيها توليد الطاقة والتوزيع والاتصالات والموانيء ..الخ، وتطويرها. { ينبغي ان تكون هناك فرص متكافئة لشركات النفط العالمية للمشاركة في الصناعة النفطية، سواءً بشكل فردي او على اساس كونسورتيوم. وسيكون هناك طلب كبير على التكنولوجيا والاستثمار - الى حد يتخطى بكثير ما يمكن تعبئته محلياً سواءً من قبل القطاع العام او الخاص، خصوصاً انه ستكون هناك حاجة كبير للاموال لتمويل البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. { يتوقع ان تكون هناك ضغوط خارجية حكومات وشركات استثمارية اجنبية وداخلية سلطات محلية وجماعات سياسية للتأثير على عملية صنع القرار النفطي. لذا من المهم ان يجري منذ البداية تبني نظام شفاف وتثبيت ممارسات مقبولة مهنياً والسماح لعملية اتخاذ قرار عقلانية وكفية من قبل خبراء النفط العراقيين. { يُفترض ان الغالبية الساحقة من الموظفين الحاليين الذين يديرون حالياً الصناعة النفطية ستواصل القيام بذلك. ولن تمس التغييرات سوى كبار صناع القرار. { ينبغي ان لا تقتصر الأنشطة في الصناعة النفطية على قطاع الانتاج. اذ ينبغي ان توجه ايضاً الى قطاعات الغاز والبتروكيماويات في مجال التوزيع والتسويق والبنى التحتية الاخرى ذات الصلة: الكهرباء والماء والموانىء والسكن وغيرها. { ستكون هناك حاجة عاجلة لتدريب الموظفين. فقد غادر البلاد كثيرون من الموظفين ذوي المهارة العالية، ما تسبب بحدوث فجوة تقدر بجيل او حتى جيلين. ومنع امكان الوصول الى تقنيات حديثة او جرى تقييده. { لدى العراق، بما يملكه من احتياطي نفطي هائل، مصلحة اساسية في إطالة عمر استخدام النفط في الاقتصاد العالمي الى ابعد ما يمكن والحفاظ على حصة الهيدروكربونات في سلّة مصادر الطاقة. ويعني هذا ان المصلحة الوطنية للعراق تكمن في الحفاظ على عضويته في "اوبك"، وضمان اسواق نفط مستقرة، وسلامة العرض والاسعار التي تشكل عوامل مساعدة للمنتجين والمستهلكين على السواء. ان مصلحة العراق لا تكمن في وجود اسواق مضطربة او اسعار مرتفعة جداً أو رخيصة جداً. وينبغي التعامل مع موضوع تحديد الحصص والتمسك بنظام "اوبك" بحذر وتفهم من داخل المنظمة وليس من خارجها. وبما ان العراق سيحتاج الى وقت قبل ان يتمكن من زيادة قدراته، فإنه لا داعي لهذه القضية ان تسبب مشاكل. خيارات السياسة النفطية في المستقبل: خطوات ضرورية بالاضافة الى هذه المباديء توجد خطوات معينة يتعين النظر بها قبل ان يتم الشروع بالعمل بهمّة. وقد اظهرت التجربة انه لا توجد اي طرق مختصرة للالتفاف حول هذه الخطوات. وسيؤدي التأخر في احداها الى جر البقية معها. وتتضمن هذه العوامل: { سيادة الاستقرار والهدوء السياسي بعد تغيير النظام. وينبغي التشديد على انه في حال العراق لا نتحدث عن مجرد تغيير حكومة، بل صوغ عقد اجتماعي جديد لبلد عانى الكثير من الألم والمعاناة على مدى حوالي ربع قرن. { حوار بين العراقيين حول السياسة النفطية الجديدة. اذا افترضنا ان النظام الجديد سيتسم بشيء من الديموقراطية فإن هذا سيعني انه ينبغي ان يكون هناك نقاش حول السياسات النفطية المستقبلية.، وهو موضوع مركزي في الحياة السياسية في العراق. ويمكن للمرء ان يتخيل ان مصالح وايديولوجيات متنافسة وآراء مهنية مختلفة حول المسار الذي يتعين تبنيه لاعادة تنشيط القطاع النفطي ستؤثر على مثل هذا النقاش. { في الحقيقة، يمكن حتى توقع ان يشكك بعض المهنيين في جدوى زيادة القدرات الانتاجية بشكل مفتوح وغير محدود من دون تقويم مناسب للطلب العالمي وتأمين منفذ مضمون الى السوق باسعار معقولة. فلن يكون في مصلحة العراق بالتأكيد ان ينغمس في حرب اسعار. { تحديد واضح لصلاحيات وحقوق شركة النفط الوطنية وشركات النفط العالمية. ويمكن للمرء ان يفترض بثقة ان خبراء النفط سيلعبون دوراً مهماً، لكنهم سيريدون ان يعرفوا مقدماً ماذا ستكون مكانة ودور شركة النفط الوطنية، بالاضافة الى علاقتها مع شركات النفط العالمية. لذا من الضروري، في نظام منفتح على الحوار، ان يُبنى اجماع وسط المجتمع المدني بشأن النظام النفطي الذي ينبغي للبلاد ان تتبناه. وأي محاولة لفرض مثل هذا النظام عبر اصدار مرسوم لا يمكن الاّ ان يؤدي الى تعقيد الامور وتعطيل التوصل الى قرار حاسم وخلق وضع غير مؤاتٍ لكل الاطراف المعنية. وقد يكون احد الاقتراحات ان تستمر "شركة النفط الوطنية العراقية" في امتلاك وتشغيل الحقول المنتجة الحالية. وسيُمنح تطوير حقول جديدة الى شركات نفط عالمية مع اعطاء شركة النفط الوطنية وشركات خاصة محلية الخيار في ان تشارك وفقاً لامكاناتها المالية. { التقارير التي افادت بأن افراداً من بعض جماعات المعارضة يحاولون ان يضمنوا عمولات وشراكات مع شركات نفط عالمية مقابل خدمات داخل نظام جديد ينبغي ان تُهمل كلياً ولا تلقى التشجيع. انها مسؤولية الطرفين ان يضمنا الاّ ينتعش الفساد. { ينبغي التعامل مع عقود التطوير الموقعة او التي وقّعت بالأحرف الاولى او جرى التفاوض بشأنها منذ 1991، على اساس كل حالة على حدة، مع إمكان الموافقة عليها او مراجعتها او الغاءها تبعاً لشروط الاتفاقات. وهذا الموقف ضروري لان هذه الاتفاقات مُنحت على اساس سياسي وليس اقتصادي بحت. مع ذلك، واخذاً في الاعتبار الواقع السياسي، سيكون احد السيناريوات المحتملة ان يجري تشجيع اصحاب العقود الحالية على ان يوحدوا جهودهم مع شركات خاصة محلية وشركات نفط عالمية اخرى وان يؤسسوا اتحادات كونسورتيوم جديدة تقوم بتوفير التمويل والتكنولوجيا والادارة. ومثل هذه الشراكات الجديدة ستعزز موقع الحكومة العراقية الجديدة بتوسيع وتعزيز علاقاتها الدولية وتمنح الصناعة النفطية للبلاد فرصاً افضل مما يتوافر في الوقت الحاضر. { عقد مؤتمر اقتصادي دولي بشأن العراق لمعالجة الدين المتزايد وطلبات التعويض والعقوبات قبل ان تبدأ اي استثمارات كبيرة بالتدفق. فشركات النفط العالمية لا تحتاج الى استقرار سياسي نسبي وتشريعات وعقود نفطية فحسب بل تحتاج الى انظمة نقدية ومالية ايضاً. سيكون هذا صعباً في العراق في ظل التضخم المنفلت والديون وطلبات التعويض التي تبلغ حوالي 250 بليون دولار. وبغض النظر عن حجم عائدات النفط المتوقعة، لن يتمكن العراق من إدامة نفسه اقتصادياً من دون مساعدات مالية دولية، ناهيك عن اعادة تأهيل وتطوير صناعته النفطية وغيرها من القطاعات. وينبغي ان يجري النظر بشكل عاجل وجدي، على المستويين العالمي والاقليمي، باجراء مراجعة لكل الدعاوى والديون وطلبات التعويض من العراق. { ستكون هناك حاجة ملحة ل"قانون نفطي" جديد لتسهيل اقامة مشاريع مشتركة مع الشركات الدولية. وعلى نحو مماثل، سيتعيّن اجراء مراجعة لكل القوانين والضوابط التي جرى تمريرها خلال العقود الثلاثة او الاربعة الماضية. { المفاوضات مع شركات النفط العالمية. اظهرت التجربة ان المفاوضات مع شركات النفط العالمية ستستغرق الكثير من الوقت والجهد. وهذا ضروري لضمان ان يكون هناك تخطيط كافٍ لتأمين إعادة اطلاق هادئة وناجحة للصناعة النفطية العراقية. لكن ما لا يقل اهمية لتأمين نجاح قطاع النفط العراقي في المستقبل هو التعامل مع قضايا جيوسياسية. فهذا ضروري لتحقيق انطلاقة سريعة وهادئة للصناعة النفطية، بالاضافة الى الحد من المخاطر السياسية والكلفة المالية. وهناك ثلاث قضايا تكتسب اهمية كبرى هنا. اولاً، ان يجري منذ البدء انشاء القواعد اللازمة التي تضمن التنافس والشفافية وتكافؤ الفرص في الصناعة النفطية. وتُظهر التجربة في بلدان كثيرة في العالم الثالث ان الفساد وكذلك التدخل السياسي المفرط هما ابرز العوامل المعيقة لتطوير الصناعة النفطية المحلية. وبالنسبة الى عراق المستقبل هناك ايضاً المخاوف الواسعة الانتشار بان هذه حرب تدور على النفط. فمن الضروري تبديد هذه الفكرة واغتنام الفرصة لبناء نموذج يمكن ان يُقتدى به في اماكن اخرى. ثانياً، يُفترض كما نأمل ان يتمتع العراق بمرحلة انتقالية مستقرة في اتجاه وضع تعددي وديموقراطي. فالاضطرابات المدنية لن تشيع الفوضى وتغرق البلاد في اوضاع مضطربة فحسب بل انها ستعرقل بالتأكيد اي خطط جدية لاعادة بناء البلاد وخصوصاً صناعته النفطية. وأي شكل من الاحتلال العسكري سيُبقي البلاد في حال اضطراب دائم وستنجم عنه عواقب خطيرة. ثالثاً، القضيتان اللتان هيمنتا على السياسة في الشرق الاوسط على امتداد العقود الماضية هما النزاع العربي الاسرائيلي والنفط. فاذا كنا نريد ان ندمج صناعة النفط الشرق اوسطية بفاعلية اكبر في النظام الاقتصادي المعولم، وان نضمن افضل منافع للسكان والاقتصاد المحلي، بالاضافة الى التعامل بجدية مع شركات النفط العالمية، سيكون من الضروري ان ننعم بالسلام في المنطقة. وهذا لا يمكن ان يتحقق إلاّ بتسوية عادلة وشاملة للنزاع العربي - الاسرائيلي. يحتوي الشرق الاوسط، وفقاً لكل المقاييس، على اكبر احتياطي نفطي في العالم. ولا يمكن اطلاقاً استبعاد النفط من اي استراتيجيات تتعلق بحاضر هذه المنطقة المتفجرة ومستقبلها. تولى السيد عصام الجلبي منصب وزير النفط في العراق في الفترة بين آذار مارس 1987 وتشرين الاول اكتوبر 1990حين تم الاستغناء عن خدماته وتقاعد عن العمل الحكومي. والنص من محاضرة القاها في المؤتمر السنوي لمعهد كمبردج لأبحاث الطاقة والذي غقد في هيوستن - تكساس في 10 شباط فبراير الجاري. ويُنشر النص بالتغاون مع نشرة "ميدل ايست ايكونوميك سرفي" ميس.