حذر رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي المصرف المركزي الاميركي الان غرينسبان أعلى سلطة تشريعية في الولاياتالمتحدة من أن الاقتصاد الأميركي لن يستعيد عافيته ما لم يتم حل التأزم الجيوسياسي المتعلق بالمسألة العراقية، ونبه الى مخاطر الاختلالات المالية منتقداً المبادرة الضريبية وسياسة الانفاق لإدارة الرئيس جورج بوش التي كشفت أخيراً خططاً لإحداث زيادات كبيرة في الانفاق العسكري والأمني، واعترف بتحميل الموزانات المالية عجوزات ضخمة طوال الأعوام الخمسة المقبلة على أقل تقدير. استعرض غرينسبان أمام الكونغرس التطورات الدراماتيكية التي واجهت الاقتصاد الأميركي في النصف الثاني من العام الماضي، مشيراً بشكل خاص الى مسلسل الفضائح المحاسبية وآثارها السلبية في ثقة المستثمرين في بيانات الشركات وكذلك تفاقم أزمة أسواق المال المستمرة منذ بداية سنة ألفين، وتضاؤل فرص قطاع الأعمال في اللجوء الى أسواق رأس المال لتمويل انفاقه الاستثماري الذي يعتبر أحد أهم محركات النشاط الاقتصادي. وأكد في تقريره نصف السنوي الى لجنة الشؤون المصرفية التابعة لمجلس الشيوخ عن وضع الاقتصاد أول من أمس على أن التأزمات السياسية ولا سيما المتعلق منها بالمسألة العراقية، التي تصاعدت حدتها أواخر العام "أضافت الى الغموض الذي تراكم في الأعوام الثلاثة الأخيرة وشكل حواجز مرعبة حالت دون قيام استثمارات جديدة من شأنها تمكين الاقتصاد من استئناف تمدده الحيوي". وأوضح غرينسبان أن استمرار ضعف الانفاق الاستثماري للشركات ساهم في تذبذب أداء الاقتصاد في العام الماضي، اذ تقلبت نسب نمو اجمالي الناتج المحلي بين خمسة في المئة في الفصل الأول و0.7 في المئة في الفصل الأخير. ولفت الى أن تعاظم المخاطر الجيوسياسية يجعل من الصعب استشفاف المسار الذي يمكن أن يسلكه الاقتصاد السنة الجارية وان شدد مع ذلك على أن زوال هذه المخاطر سيكون من شأنه تشجيع الشركات على استئناف نشاطها الاستثماري ويتيح للاقتصاد النمو بوتيرة أسرع. وفي خروج متوقع عن مهام منصبه كمهندس للسياسة النقدية في واشنطن، لم يستبعد غرينسبان أن تكون متاعب الاقتصاد أشد عمقاً من مخاطر شن حرب متوقعة على العراق، لكنه سجل اعتراضاً شديداً على السياسة المالية للبيت الأبيض منتقداً خطة الخفض الضريبي المعدلة التي اقترحها الرئيس جورج بوش أخيراً باعتبارها "سابقة لأوانها" وسبباً رئيسياً لتحميل الموازنات المالية عجوزات متعاظمة. واقترح بوش تسريع بنود رئيسية في خطته الضريبية التي أقرها الكونغرس العام الماضي، لكن الخطة المعدلة التي قدر البيت الأبيض أعباءها بزهاء 670 بليون دولار في 10 سنوات واجهت معارضة اشتدت حدتها بعدما كشف البيت الأبيض في موازنته المقترحة للسنة المالية 2004 التي رفعها الى الكونغرس أن العجز المتوقع للسنتين الماليتين المقبلتين فقط سيزيد على 600 بليون دولار من دون أخذ نفقات الحرب على العراق أو أعباء الخطة الضريبية في الاعتبار. واعتبر غرينسبان تخصيص زهاء 420 بليون دولار في الموازنة الجديدة للدفاع والأمن أحد المطالب التي فرضتها مأساة أحداث 11 أيلول سبتمبر عام 2001، لكنه نبه المشرعين في لجنة الشؤون المصرفية الى ضرورة العودة الى الانضباط المالي محذراً بشدة من خطورة العجوزات المالية ليس على النمو الاقتصادي فحسب، بل على أسعار الفائدة، مفنداً بذلك تأكيدات معاكسة صدرت عن مكتب الموازنة في البيت الأبيض. ورأى مراقبون في موقف غرينسبان انتكاسة مبكرة لخطة بوش التي اقترحها باعتبارها الوسيلة الأمثل لحفز الاقتصاد على النمو بعد الركود الضحل الذي تعرض له في الفصول الثلاثة الأولى لسنة 2001 والأداء المتوسط للسنة الماضية، بينما تجاهلت أسواق المال الحدث واستمرت مؤشراتها في التراجع.