رفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الكونغرس الاثنين الماضي مشروع موازنة مالية عقدية (2011 إلى 2020) بعجوزات تصل قيمتها الإجمالية إلى 8.5 تريليون دولار لا سبيل لتغطيتها سوى بالاقتراض داخلياً وخارجياً، لكنه اقترح تشكيل لجنة مال مشتركة من أعضاء حزبه الديمقراطي ومعارضيه الجمهوريين لدرس إمكان إعادة التوازن إلى الموازنة بحلول منتصف العقد، مستثنياً تكلفة فائدة متعاظمة على دين عام ستدفعه العجوزات التراكمية إلى نحو 19 تريليون دولار في نهاية العقد. وجاء اقتراح تشكيل لجنة المال بمثابة تغيير مفاجئ في موقف أوباما الذي أعلن في خطاب حالة الاتحاد عزمه إصدار قرار تنفيذي لتشكيل لجنة بديلة، رداً على رفض مجلس الشيوخ قبل أيام قليلة وبغالبية ضئيلة (53 إلى 46 صوتاً) اقتراحاً ديمقراطياً جمهورياً مشتركاً في هذا الاتجاه. ونجم الرفض عن مخاوف شيوخ جمهوريين وليبراليين من أن تحاول اللجنة المقترحة ضبط عجوزات الموازنة من طريق زيادة الضرائب على أفراد الطبقة المتوسطة وخفض مستحقات برنامجي الضمان الاجتماعي والصحي. وفيما حاول الزعماء الديمقراطيون تهدئة مخاوف المعارضين بالتزامهم عرض أي توصيات تخرج بها اللجنة المقترحة على التصويت، شدد أوباما على أن تأجيل إجراءات مكافحة العجوزات إلى المدى المتوسط والبعيد بسبب ظروف الاقتصاد الأميركي، لم يمنع موازنته العقدية الجديدة من الشروع في خفض النفقات، مشيراً إلى اقتراح تجميد الإنفاق الاختياري لمدة ثلاث سنوات لتوفير 250 بليون دولار وحجب الإعفاءات الضريبية عن شركات النفط ومديري الصناديق الاستثمارية إضافة إلى فرض «رسم المسؤولية» على المصارف. لكن أوباما استثنى موازنة الدفاع من تجميد النفقات ورفع مخصصاته بنسبة تزيد على 2 في المئة (وبنسبة 7 في المئة في حال العمليات والصيانة) لتصل إلى 738 بليون دولار، أي 19.2 في المئة من موازنة للسنة المالية 2011 التي تبدأ في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل. وأعلن «الاستمرار في إرساء قاعدة جديدة لنمو مستدام،» لافتاً إلى تضمين الموازنة «أضخم استثمار في الطاقة النظيفة في التاريخ» وزيادة مخصصات التعليم وصولاً إلى هدف العودة إلى امتلاك «أعلى نسبة من خريجي الجامعات في العالم بحلول 2020». وأوضح مدير مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض بيتر أوزاك أن مشروع الموازنة يعول على انتعاش الاقتصاد الأميركي لخفض عجز الموازنة من نحو 10.6 في المئة من الناتج المحلي للسنة المالية الحالية إلى 5.1 في المئة في 2012، لافتاً إلى أن تحسن إيرادات الضرائب من 14.8 إلى 18 في المئة وتراجع تقديرات الإنفاق من 25.4 إلى 23.2 في المئة، من شأنه أن يخفض قيمة العجز من 1.556 بليون دولار إلى 830 بليوناً في الفترة ذاتها. ويأمل أوباما بتحقيق وعد انتخابي يهبط بالعجز المالي إلى 4 في المئة من الناتج المحلي، إلى 727 بليون دولار (ويخفض فعلياً العجز العقدي التراكمي بمقدار 1.2 تريليون دولار) في السنة المالية 2013، وهي السنة الأخيرة من ولايته الأولى، بالامتناع عن تمديد الخفوضات الضريبية التي سنها الكونغرس عامي 2001 و2003 باستثناء شريحة يزيد دخلها السنوي على ربع مليون دولار إضافة إلى حجب الإعفاءات الضريبية عن شركات النفط وفرض رسم المسؤولية على المصارف. ولاحظ أوزواك أن رغبة أوباما في تشكيل لجنة المال يرتبط بالهدف التالي لجهود مكافحة العجز والمتمثل في استعادة توازن الموازنة المالية في 2015 واقتصار العجز على عبء الفائدة المستحقة على الدين العام. ولم يأخذ مشروع الموازنة ما يمكن أن تحققه اللجنة المقترحة، إلا أن نجاحها أو فشلها في مهمتها لن يحول دون تضاعف عبء الفائدة على الدين العام من 250 بليون دولار في السنة المالية 2010 إلى 570 بليوناً في 2015، أما نجاحها في هذه المهمة المثيرة للجدل فمن شأنه أن ينعكس إيجابياً، وإن هامشياً، على مسار تكلفة الفائدة التي توقعت الموازنة بوضعها الحالي أن تستمر بالزيادة لتصل إلى 787 بليوناً في 2020 ويقترب حجمها التراكمي من 5.8 تريليون دولار في العقد الثاني من الألفية الثالثة. وبلغت تقديرات الإنفاق للسنة المالية 2011 في مشروع الموازنة نحو 3.8 تريليون دولار مرتفعة 3 في المئة بالمقارنة بسنة 2010 وساهم قصور تقديرات الإيرادات في تسجيل العجز الأضخم من نوعه للسنة المالية الثانية على التوالي.