أبدى عدد من الخبراء المصرفيين العراقيين ارتياحهم لنتائج جولة المبعوث الأميركي جيمس بيكر، المكلّف ملف الديون العراقية، في عدد من الدول المعنية في هذا الشأن. وأعربوا عن أملهم في أن تُسهم الخطوات التي حققها في التخفيف من العبء الثقيل للديون على الاقتصاد. وأكدوا أن ما يتطلع إليه العراقيون في المرحلة الراهنة هو التوصل إلى "الإلغاء التام والنهائي لملفي الديون والتعويضات" اللذين اسهما في استنزاف قدرات العراق الاقتصادية وعرقلا جهود التنمية فيه. أغرقت الحروب والمشاكل الكثيرة التي خلفها نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين البلاد بعشرات البلايين من الدولارات، تشكل الديون والتعويضات، التي لا يقوى الاقتصاد العراقي على سدادها وهي تشكل جانباً رئيسياً من تداعيات الحروب والسياسات السابقة. ولم تعد مسألة رفع الحصار الاقتصادي، الذي أنهك العراقيين طيلة سنوات، ذات معنى ما لم تشمل تغييراً جوهرياً وشاملاً في السياسات الاقتصادية التي كانت سائدة سابقاً، وبما يكفل معالجة الأعباء الحادة والخطيرة للديون والتعويضات، التي ستؤدي في حال تمسّك بعض الدول الدائنة بموقفها الرافض لإلغاء الديون أو شطب جانب كبير منها إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة من جولة المبعوث الأميركي. ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال لاقتصاد قريب من حافة الانهيار أن يتولى سداد الالتزامات الدولية والنهوض بالتنمية الاقتصادية في آن ما لم يتم التخلي عن إحداهما. ويقول المدير العام لقسم الإحصاء والأبحاث في البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح ل"الحياة" إن "عقدة الديون والتنمية في العراق بدأت تأخذ طريقها الى الحل من خلال الاتفاق على إلغاء جزء من الديون القديمة كمرحلة أولى ستعقبها مرحلة ثانية سواء عن طريق نادي باريس أو عبر وسيلة أخرى لتخفيف عبء الدين الباقي الذي ينبغي على العراق سداده في حال إصرار بعض الدائنين على مطالبه لتحصيل ديونه". وأضاف ان "أقساط الدَيْن ستكون في كل الأحوال مريحة جداً وميسرة وربما لا تُضاف اليها أي فوائد أو ما يطلق عليها اسم الفوائد العقابية". موضحاً أن إعادة جدولة الديون ستسير في اتجاه متوافق ومنسجم مع إعادة إعمار العراق وبنائه من جديد من دون أية كلفة تُذكر على التنمية، وأكد أن أعباء الديون وأقساطها الباقية، أو ما يُسمى بخدمة الدين، قد لا تُشكل عبئاً ثقيلاً على التنمية الاقتصادية في العراق في حال إلغاء الجزء الأكبر من الالتزامات الخارجية المترتبة عليه. ويتوقع أن تكون معادلة التنمية الجديدة في العراق متسارعة بشكل يمنح العراق القدرة على تأسيس الرفاهية والتطور واكتساب القوة الاقتصادية التي تؤهله لمواجهة التزاماته الدولية و"أن إعفاء العراق من الديون والتعويضات سيسمح في زيادة قدراته على التكوين الرأسمالي الناجم عن الإضافات الفعلية على الطاقة المنتجة في الاقتصاد العراقي علاوة على توفير المزيد من مستلزمات التنمية التي تسهم في اغلاق فجوة التمويل التي عرقلت نهوضه وقوضت ازدهاره". ويقول صالح: "إن الشيء الجديد الذي حصل بعد التغيير في العراق هو أن المجتمع الدولي أخذ على عاتقه، ومنذ مؤتمر مدريد الذي عقد في تشرين الأول أكتوبر الماضي، معالجة أعباء الديون العراقية والتسريع بمنح الفرصة للتنمية الاقتصادية أن تأخذ دورها المتزايد في العراق من خلال المنح والقروض الميسرة التي تعهد بها المانحون". ويشدد على أن ما يتطلع اليه الشعب العراقي هو إلغاء الديون والتعويضات كافة كونها عوامل تُهدد قدرة العراق الاقتصادية وتُسهم في زيادة تخلفه إذا لم تعالج مستقبلاً، ويعتبر أن من غير المنطقي تحميل الشعب العراقي "تبعات ومساوئ النظام السابق" مؤكداً أن مطالبة الدول الدائنة للعراق بسداد ديونه وتعويضاتها ستعرّض تطلعات العراقيين إلى طريق تعتريه الكثير من العقوبات والعراقيل. ويقول الخبير في مصرف الرشيد علي مسلم رشيد ل"الحياة" إن وجود أحد أعضاء مجلس الحكم العراقي إلى جانب مبعوث الرئيس الأميركي المكلف ملف ديون العراق "سيترك أثراً إيجابيا على مستوى توفير قناعات لدى الدول الدائنة بدور وأهمية العراق في حل ومعالجة هذا الملف". ويشير الى أن المفاوض العراقي يستطيع أن يطرح نفسه بصيغة تختلف عما يطرحه المفاوض الأميركي في مجال توضيح الأمور التي أدت إلى أن تترتب في ذمة العراق ديون طائلة، وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية الخراب والدمار الذي لحق بالعراق. وعن انعكاسات خفض الديون العراقية وتأثيراتها المحتملة في الاقتصاد يقول الخبير المصرفي: "في الوقت الذي تحالف العالم لنصرة الشعب العراقي وإزاحة الديكتاتورية التي خيمت على أجواء العراق حري بالمجتمع الدولي أن يعلن تضامنه لتقديم كل الدعم المادي والمعنوي للشعب العراقي، والبدء في جهود إعمار البلد وتنمية مرتكزاته الحضارية التي تعرضت للتدمير المستمر سنوات طويلة". وسيظهر التأثير الإيجابي لهذا الخفض جلياً في قيمة العملة العراقية في ميدان التداول، والى ارتفاع كبير في سعر صرفها إزاء العملات الدولية، كما سيُخفف من الأعباء التي تقع على اجمالي الناتج القومي فضلاً عن تنظيم توزيع الدخل الوطني بما ينعكس إيجاباً على المجتمع العراقي.