ماذا يجري داخل حركة "فتح"؟ هذا السؤال يتقدم على كل الاسئلة الان، ليس لان "فتح" هي التنظيم الاكبر وحزب السلطة والعمود الفقري للحركة الوطنية الفلسطينية فحسب، بل لان هذه الصفات ترتب على الحركة مسؤوليات جسيمة تدفع الكثيرين الى القول ان المآخذ على الاداء الفلسطيني، سواء التفاوضي او الاداري، تعود الى ما يجري داخل "فتح". وفي توصيف ما يجري، تقر غالبية من "فتح" بوجود أزمة داخل الحركة، أبرز مظاهرها المشاكل التي واجهها أحمد قريع أبو علاء في تشكيل حكومته، وهروبه باتجاه حكومة طوارئ فيما سعى الرئيس ياسر عرفات ابو عمار، عبر اعلان حال الطوارئ، الى تجاوز المجلس التشريعي غالبية نوابه من فتح وحرمان اعضائه من فرصة حجب الثقة عن الحكومة. وسبقت ذلك استقالة حكومة محمود عباس أبو مازن بعد خلافات مع الرئيس. أحد أوجه الازمة ايضا حرب البيانات والتخوين بين اعضاء الحركة، ومنها التظاهرة التي خرج فيها الالاف في غزة يهتفون لوزير الشؤون الامنية السابق، عضو المجلس الثوري ل"فتح" محمد دحلان، وهاجموا خلالها اعضاء في اللجنة المركزية، ثم ما تردد عن قرار بملاحقة عضو اللجنة الحركية حسين الشيخ على خلفية حرب البيانات، وهي مسألة نفاها الشيخ لاحقا. وتشتد وتائر الازمة بازدياد وطأة الضغوط السياسية على عرفات والسلطة، وتخف حدتها مع تراجع هذه الضغوط وظهور أفق سياسي. في هذا السياق يمكن قراءة الخلافات على تشكيل الوزارة وتعيين وزير الداخلية، اذ عندما كان الجمود السياسي سيد الموقف وكانت الضغوط على اشدها من اجل تقليص صلاحيات الرئيس لمصلحة وزير الداخلية، عرقل عرفات تعيين اي وزير داخلية. واستتباعا، فان اي حلحلة في موقف عرفات، تعكس حلحلة في الوضع السياسي. في هذا التحقيق، تحاور "الحياة" خمسة من قيادات حركة "فتح"، هم عضوا اللجنة المركزية صخر حبش وعباس زكي، وثلاثة من أعضاء اللجنة الحركية والمجلس الثوري هم وزير الشؤون الامنية السابق محمد دحلان، والنائبان حاتم عبد القادر وحسين الشيخ. والحوار، بطبيعة الحال، يتناول جذور الازمة، وحقيقة غياب برنامج سياسي ونضالي وتنظيمي منهجي واضح يتوافق عليه الجميع. وايضا حقيقة الخلافات في موضوع اجراء انتخابات داخلية وعدم عقد المؤتمر العام السادس منذ نحو 14 عاما. جذور الازمة يتفق المسؤولون الخمسة الذين حاورتهم "الحياة" على وجود "ازمة" داخل "فتح"، وإن كان عضو اللجنة المركزية صخر حبش يفضل ان يسميها "خلافات". وفي اسباب هذه الازمة، يتضح وجود استقطابين قويين، احدهما يضع الازمة في اطارها الذاتي أولا، وبالتحديد تغييب النهج الديموقراطي وما نجم عن ذلك من خلل في تركيبة الحركة بسبب تقادم القيادات وعدم تجديدها وعدم عقد المؤتمر السادس أو اجراء انتخابات. واذ يقر اصحاب هذا التيار بمحدودية القدرة على التحرك لعقد المؤتمر في ظل التصعيد الاسرائيلي، فانهم يطالبون بتشكيل لجنة تحضيرية على الاقل. وهم ايضا يقرون بوجود خلافات على نهج اوسلو، لكنهم يصنفونها في المرتبة الثانية. اما التيار الاخر، فيعزو الازمة اولا الى العامل الموضوعي، وتحديدا نهج اوسلو وتصاعد العدوان الاسرائيلي ومحاولات شطب القيادة الفلسطينية لخفض السقف السياسي. وفي الوقت نفسه، يعتبر اصحاب هذا التيار ان اتفاق اوسلو افرز فئات لا تلتفت الا الى مصالحها الاقتصادية المرتبطة اساسا باسرائيل. واذ يملك كل فريق مسوغاته وما يبرر مطالبه، وما يدافع به عن نفسه، فإن الجانبين يتقاطعان عند حدود المحافظة على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، تارة باسم الحفاظ على السقف السياسي عاليا، وتارة اخرى باسم الحفاظ على المسيرة الديموقراطية. ويعزو النائب المقدسي حاتم عبد القادر الازمة الى "صراع بين عقليتين ونهجين سياسيين اديا الى ارتباك في اداء الحركة، وانعكسا على اداء السلطة". ويبدأ بالقول ان "للازمة وجوها متعددة، بعضها له طابع شخصي وبعضها يأخذ منحى سياسيا محددا، وبعضها الاخر يأخذ معنى جغرافيا او اجتماعيا، وهذه الوجوه تتقاطع بوجود اكثر من تيار في فتح". ويوضح: "ثمة تياران: تيار اوسلو الذي يحاول التعامل مع الطموحات السياسية في ضوء الممكن اسرائيليا واميركيا، وهذا التيار يهتم الى حد ما بمصالح شخصية وفي مقدمها مصالح اقتصادية او سياسية او فئوية ضيقة". اما التيار الاخر ف"ما زال يحمل الجذور القديمة لفتح ويحاول قدر الامكان ان يحافظ على ما تبقى من التراث النضالي والسياسي والاخلاقي للحركة باعتبار ان لدى هذا الفريق قناعة بأن فتح هي الباروميتر الذي من خلاله يمكن قياس صحة الوضع الفلسطيني". لكنه يستدرك ان الازمة الداخلية الناجمة عن "غياب الديموقراطية" تتقدم على ما سواها، و"الدليل فشل ابو علاء في تشكيل حكومة موسعة. الباخرة الوزارية اصطدمت بجبل من المستوزرين داخل فتح". وهو يرى ان لا مخرج من الازمة من دون اجراء "انتخابات وترسيخ النهج الديموقراطي". من جانبه، يعتبر وزير الشؤون الامنية السابق محمد دحلان ان الازمة "ليست جديدة وبرزت على السطح مع بروز ازمة سياسية وداخلية في العمل الفلسطيني السياسي والعمل الحركي الفتحاوي". ويلاحظ امرين: الاول انه مرت على المنطقة حربان وعملية سلام وانتفاضتان من دون ان يجري نقاش جدي ومعمق داخل الاطر الفتحاوية، والثاني ان "اي حركة او حزب او مؤسسة او دولة لا يكون فيها نمط ديموقراطي وانتخابي ضمن القانون، تفقد قيمتها وهيبتها تدريجا". وهو يعزو الازمة الى عدم اجراء انتخابات منذ تلك التي جرت في تونس عام 1989، ويطالب "بعقد المؤتمر السادس في اي وقت تسمح به الظروف". ويتحدث دحلان ايضا عن انصراف اعضاء الحركة الى البحث عن ادوار، ويقول: "لا ارى دورا بارزا لفتح في ادارة الحياة اليومية للتنظيم والانتباه والتفرغ للحركة"، و"المركزية غائبة عن دورها في فتح بالمطلق. معظم اعضائها منتبهون للبحث عن وزارة او موقع هنا او هناك، مع العلم ان موقع المركزية اهم من كل الوزارات". اما عضو اللجنة الحركية حسين الشيخ، فيرى ان "اي ازمة في فتح هي تعبير عن حالة الازمة العامة للمشروع الوطني الفلسطيني. من دون ادنى شك ان الحركة تعيش حال مخاض". ويضيف: "بعد عودة القيادة الى ارض الوطن بعد اوسلو، كان من الاجدى ان تعمل على اعادة هيكلة اطر حركة فتح على أسس ديموقراطية وتجديد الدم فيها والحفاظ على ديمومتها وبقائها كرائدة للكفاح الوطني وسيدة للمشروع بحكم أنها على رأس السلطة. لا يعقل ان تعود القيادة الى ارض الوطن ولا تعقد المؤتمر العام للحركة ... وهذا خلق ازمة حقيقية بحكم تدافع الاجيال في الحركة. الجيل الشاب والكادر الذي نما في اوساط الحركة الوطنية وتحديدا كادر الداخل داخل الاراضي المحتلة، محروم من التقدم في اطر الحركة القيادية، والسبب في ذلك هو غياب الديموقراطية". وهو يطالب بعقد المؤتمر العام "اولا لدمقرطة الحركة. وثانيا لاعادة النظر بهياكلها واطرها. وثالثا لدراسة البرنامج السياسي للحركة واعادة صياغته بما يتلاءم والتطورات السياسية المحلية والاقليمية والدولية". ويقول "للاسف هذا المطلب الكادري ما زال يصطدم برفض القيادة او برفض قيادة الحركة متذرعة بأن الظروف لا تسمح بذلك". ويعترف عضو اللجنة المركزية عباس زكي بوجود "ازمة عميقة داخل فتح"، يعزوها أولا الى نزول "سقف الحركة الى الحلول التسووية" وانخفاضه الى "مستوى الاراضي المحتلة عام 1967 وتجاهل قضية اللاجئين، ثم انخفاضه اكثر الى مستوى اوسلو ... واكثر الى خريطة الطريق التي تبدأ بالاشتباك الداخلي". وهو يعتبر ان "اكبر خطر يواجهنا ان يشعر الكادر الفتحاوي انه لا مانع ان يكون موظفا لدى السلطة والاحتلال. الاحتلال يجب ان يجلو، واي تعامل معه كوضع طبيعي يشكل شللا وليس طليعة سياسية". ويتحدث زكي ايضا عن فترة ما بعد التسوية، فيقول: "اصبحت هناك سلطة، لكن بدلا من ان تكون فتح صاحبة المشروع مسؤولة عنها اصبحت السلطة مسؤولة عن فتح، وبالتالي اصبحت علاقات الفرد الذي يذهب من التنظيم ليصبح وزيرا، مع سلطة وليدة وليس التنظيم الاصل". ويشير زكي الى الخلل في الحياة التنظيمية في "فتح"، فيقول: "جل المشكلة هو غياب التقيد بالنظام الاساسي وعدم تطبيق اللوائح الداخلية لانها لم تعد مؤهلة لاستيعاب ما استجد من تطورات على صعيد الحركة بل والقضية عموما. 2- غياب المحاسبة وعدم مساءلة من اوغلوا في الفساد او اعتدوا على حرمات الحركة او اساؤوا استخدام المال العام، ما فتح المجال امام الكسب غير المشروع وبروز المحاور والشللية مدفوعة الاجر سلفا لاستخدامها في تمزيق ما تبقى من ارتباطات وتعزيز الشللية. 3- غياب مدارس الكادر وضعف دور المكاتب الحركية للاتحادات والنقابات المهنية. 4- انعكاس الممارسات الخاطئة والارتجال والتخبط للعاملين في السلطة على سمعة الحركة وتاريخيتها، وانعكاس حال الشلل والهبوط في مؤسسات منظمة التحرير على حركة فتح باعتبارها العمود الفقري للمنظمة. 5- انتصار الفكرة الصهيونية او تشبيب الحركة الصهيونية بوصول المتطرفين في قيادة ارييل شارون الى الحكم، والانسجام الاميركي معه بعدم مكافأة من حمل يوما السلاح بوجه اسرائيل. وبالتالي العمل دونما هوادة لاطاحة الحرس القديم، وابرز مثال على ذلك محاولات التخلص من الرئيس ياسر عرفات وملاحقة مكثفة لناشطي الانتفاضة بهدف تصفيتهم". ويتفق صخر حبش مع زكي في الاسباب السياسية للازمة، ويقول: "الازمة تتلخص اننا شاركنا في مشروع وطني فلسطيني ليس عليه اتفاق حقيقي هو اتفاق اوسلو، لكن وجدنا ان المصلحة الوطنية تقتضي بأن نتجمع في هذا الاطار، وبالتالي، الخلافات السياسية موجوده لكنها خلافات فكرية حول الاتجاهات الاساسية للحركة. الحركة متماسكة". وهو يتحدث عن ازدواجية الانتماء كأحد اسباب الازمة، قائلا: "اصبنا بالضعف نتيجة ازدواجية الانتماء، فالسلطة الفلسطينية بما فيها من ايجابيات لم تنعكس على فتح، اما السلبيات فانعكست على الحركة. ونحن نعاني من ذلك، لكن في تقديري ليس لدينا جميعا مشكلة ولاء للفكر الفتحاوي وهو فكر التحرر الوطني. لدى الناس طموحات مشروعة واخرى غير مشروعة، ولدينا قانون حسب النظام هو المركزية الديموقراطية، فقد يعتقد بعضهم ان الخلافات في قمتها، لكن في دقيقة يغلب قانون المحبة علينا ويوحدنا لان فلسطين هي الشيء الوحيد الذي يجمعنا". امكانات عقد المؤتمر مما تقدم، يتبين ان الجيل الشاب في "فتح"، ممثلا بأعضاء اللجنة الحركية والمجلس الثوري عبد القادر، دحلان، الشيخ، يطالب بعقد المؤتمر السادس للحركة واجراء انتخابات، فما الذي يحول دون ذلك؟ يجيب زكي بأن المطالبة بعقد المؤتمر "كلمة حق يراد بها باطل"، اذ "لا توجد جغرافية عربية او داخل فلسطين يمكن ان تجمع كادر فتح"، اضافة الى "الصعوبة البالغة في ان يكون هناك تواصل او حياة تنظيمية داخل اطارات الحركة، خصوصا القيادة التي اصبحت منقسمة في الخارج والداخل"، كما ان ترتيب وضع الحركة بات صعباً "في ظل غياب فرسانها الحقيقيين" ف"قسم منهم لاجئ سياسي في اوروبا، وقسم كبير داخل السجون الاسرائيلية، وقسم منهم على هامش الحياة". لكنه يضيف: "اعتقد باننا قادرون باذن الله ومن خلال وقفة جدية وعملية نقدية ورؤية لتدافع الاجيال واعطاء الكفاءات دورها في كل الاتجاهات، ان نبدأ بداية جديدة. انا لا اقول عقد مؤتمر بل تشكيل لجنة تحضيرية عليا تعيد النظر في ادبيات المؤتمر، بما فيها ادخال التعديلات المطلوبة على النظام الاساسي واللوائح الداخلية بما يتلاءم ومواجهة مهام الوضع الراهن وتعزيز دور القيادة الجماعية ووضع الحركة في حال استنفار بعقد مؤتمراتها الداخلية المحلية، وهذا مقدور عليه، وتهيئة الكوادر المؤهلة لمناقشة ادبيات اللجنة التحضيرية تمهيدا لانجاح المؤتمر". ويزيد: "انا ضد احتكار المواقع والحد من طموح الجيل الجديد وكل اشكال الشللية التي تحول دون حياة تنظيمية صحيحة". ويتابع: "قلت ان عقد المؤتمر ضرورة ويجب ان يتم، لكن للاسف اننا في ظرف لا يستطيع خلاله ابن الضفة لقاء ابن غزة وعقد مؤتمر الان سينحصر على حملة التصاريح الاسرائيلية". ويقر حبش ايضا بوجود تقصير في موضوع عقد المؤتمر العام، ويقول: "اخطأنا انه في ظل المجلس الوطني كان يجب ان يعقد المؤتمر". ويضيف: "تقديري انه كان هناك تقصير في مسألة عقد المؤتمر في الوقت الذي كان ممكن عقده". ويزيد: "مع ازمة نتانياهو والنفق تأخرنا بعدما كنا عملنا 146 مؤتمرا في المناطق ومؤتمرات في تسعة اقاليم تقريبا، اي كنا جاهزين قبل الانتفاضة الاخيرة لعقد المؤتمر، لكن هذا التقصير الحقيقي". لكنه يضيف: "اليوم نسمع اصواتا تريد عقد المؤتمر، نتمنى ان يستطيع اي شخص ان يصل الى جنين. ظروف الوضع والحديث عن المؤتمر هي كلمة حق يراد بها باطل". وعن امكان عقد المؤتمر بال"فيديو كونفيرينس"، يقول: "ممكن، لكن هناك فرق بين مؤتمرات علنية وسرية، وبين مؤتمرات حركات ثورية تعتبر نفسها حركات تحرر وطنية". ويزيد: "قلت بالامس اننا نبحث مع الاخ ابو عمار تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر السادس بحيث تكون خلاقة وتستطيع ان تجد حلولا خلال سنة او سنة ونصف السنة، ووضع برنامج يمكن ان يعطي لكل ذي حق حقه". من جانبه، يعترف عبد القادر بأن الظروف الميدانية واللوجستية تحول دون عقد المؤتمر في ظل الاجتياحات والعدوان الاسرائيلي، لكنه يعتبر ان هذه المسألة تشكل اولوية للحركة بمجرد انفراج الوضع الميداني. وفي الوقت نفسه، يوجه اللوم الى اللجنة المركزية، قائلا: "كان بالامكان، لو كان هناك حسن نيات في اللجنة المركزية، عقد المؤتمر قبل الانتفاضة وبعد دخول السلطة". ويضيف: "هناك تيار معارض داخل المركزية لاجراء الانتخابات، هذا التيار يظهر عكس ما يبطن، لكنه غير متشجع في حقيقة الامر وغير مكترث بالانتخابات، حتى الرئيس عرفات غير متشجع للانتخابات، وانما اصبحت اللجنة تمارس دور الوصاية على فتح حتى اشعار اخر ... وهذا يفسر الترهل في هياكل الحركة نتيجة عدم وجود دماء شابة في عروقها وانعدام الخيار الديموقراطي والمشاركة في اتخاذ القرار لدى الغالبية العظمى من كوادر فتح". اما الشيخ، فيعتبر ان الظروف الميدانية "عمرها ثلاث سنوات. والسؤال هو لماذا لم يعقد المؤتمر في فترة الاستقرار التي عاشتها السلطة؟ هذه ذريعة واهية. من ناحية اخرى، الادعاء بأن اميركا واسرائيل تريدان التآمر على القيادة التاريخية ادعاء باطل. لا يجوز تعليق الخلل الداخلي على شماعة الاطراف الخارجية. هناك خلل داخل فتح يجب معالجته بعيدا عن التفكير دائما بعقلية المؤامرة والحديث عن مؤامرة خارجية للهروب من دفع استحقاق داخلي في فتح. برأيي عقد المؤتمر والتجديد والتغيير في فتح مطلب داخلي بعيدا عن المطالب الاميركية والاسرائيلية. ومحاولات الهروب من هذا الاستحقاق تحت ادعاء ان هناك مؤامرة اميركية اسرائيلية برأيي تأكيد على ان هناك من يريد ان يتهرب من استحقاقات تاريخية وموضوعية وطبيعية في التطور الطبيعي للاحزاب السياسية". ويوجه الشيخ اللوم الى "جيل في القيادة يرفض عقد المؤتمر متمسكا بمواقعه وبامتيازاته ونفوذه ولا يريد ان يدخل معترك العمل الديموقراطي ويريد ان يبقي على الحالة السائدة لان له مصالح شخصية". ويعود الشيخ فيطالب القيادة "بتشكيل لجنة تحضيرية حتى تتهيأ الظروف لعقد المؤتمر. فانا ادرك ان الظروف الراهنة لا تسمح بعقده بحكم القيود الاسرائيلية". ويرد دحلان على من يقول ان الظرف غير مناسب للانتخابات بالقول: "هذا سبب منطقي، لكنه لا يشكل ذريعة. نعم الاحتلال سبب لانه لا يسمح لنا باجراء الانتخابات، لكن ايضاً هذه ليست حجة ولا ذريعة. بامكاننا اتباع كل الوسائل لعقد المؤتمر، ونحن لا نقول ان المؤتمر يجب ان يبدأ غداً، لكن على الاقل إعطاء اشارات للكادر الميداني الذي يشارك في هذه الانتفاضة بدمه وامكاناته ومستقبله على المستويين الفردي والجماعي، بأن هناك أملاً بعقد المؤتمر وهناك فرصة للمنافسة واعطاء كل شخص الفرصة الكافية للتعبير عن رأيه وموقفه في اختيار قادته". ويعزو دحلان عدم عقد المؤتمر الى ان "اللجنة المركزية تعارض ذلك لانها ربما تعتقد انها ستفقد مواقعها". ويضيف: "اعتقد انه يمكن ان تجري الانتخابات اذا توافرت ارادة لدى اللجنة المركزية بان تعد لجنة او هيئة تبدأ بالاعداد للمؤتمر. اما ان تستمر الامور بهذه الطريقة فهي كارثة وتقتل روح المنافسة داخل الحركة في مقابل الاطر الاسلامية الاخرى التي تنمو على حساب فتح". مما تقدم يلاحظ ان ثمة توافقا بين الجميع على اهمية عقد المؤتمر، واقرارا بصعوبة عقده في المرحلة الراهنة بسبب الاحتلال، وايضا اعترافا بأن المخرج في الوقت الراهن يكون بتشكيل لجنة تحضيريه، اذن ما الذي يمنع تشكيل اللجنة الان؟ يبدو ان القيادة الشابة توجه اللوم الى المركزية، والمركزية تتهم الاحتلال، ويبقى ابو عمار خطا أحمر. أزمة تنظيمية: الحركية العليا مصير اللجنة الحركية العليا يشكل وجها آخر للخلاف التنظيمي بين القيادات الشابة والمحاربين القدامى في حركة "فتح". عن ذلك يقول عبد القادر: "أحد أوجه الخلاف استبدال الحركية العليا بلجنة التعبئة. مثلا مروان البرغوثي كانت قوته في انه امين سر لجنة فتح ورئيس اللجنة الحركية العليا، لذلك هو جزء من الصراع على ضوء الحركية العليا باعتبارها تمثل جيلا شابا موجودا في الداخل وقاد الانتفاضة الاولى. النظام الداخلي لا يعترف بالحركية، ويعتبرها حالة طارئة نشأت في الانتفاضة الاولى في حالة الفراغ التنظيمي. ونحن متمسكون بها، وهذا كان خلافا بين مروان وبين المركزية". من جانبه، يقول الشيخ ان هذه المسألة "جزء من الخلاف والصراع بين الاطر الوسيطة التي لها علاقة بالميدان، وبين الاطر القيادية العليا في الحركة. هناك فجوة كبيرة بين القيادة المركزية للحركة والاطر الميدانية تغطيها الاطر الوسيطة مثل مرجعية فتح في الضفة وغزة. هذه المرجعية يتمثل فيها الكادر الحركي الوسيط الذي له علاقة مباشرة بالميدان. لذلك جزء من القيادة المركزية يقف معترضاً على اداء هذه المرجعيات لانها تغيب دور الاطر المركزية وتكشف الخلل الكبير في العلاقة ما بين الاطر المركزية والميدانية وتكشف الفجوة الكبيرة بينها". وفي السياق نفسه، يقول دحلان: "ثمة محاولات دؤوبة ودائمة لالغاء اللجنة حتى يأخذوا من الاخ مروان هذا الموقع، وهذا شيء معيب لان مروان شكل رمزا لهذه الانتفاضة ودفع ثمنا شخصيا ووطنيا، وما زال يعاني داخل زنازين الاحتلال، ولم تتوقف المؤامرات عليه سواء قبل اعتقاله او بعده. لكن بدأت الامور تنكشف، ولا يستطيع اي شخص ان ينتزع من مروان او غيره ممن دفعوا حياتهم في هذه الحركة، حقهم في ان يكونوا في الموقع الملائم، وانا اعتقد ان الاخ مروان من حقه ان يكون عضو لجنة مركزية، فما المانع؟ من قدم وضحى اكثر منه؟ اما هذه الطرق الالتفافية من بعض اعضاء المركزية للمحافظة على مناصبه وامتيازاته، فهذا كلام لا يجدي ولا يلقى قبولا في أوساط الحركة". ويشرح حبش خلفيات ازمة الحركية، ويقول: "انا المسؤول عن لجنة الطوارئ وعملت مع الحركية العليا وهي اطار ولد في ظل الانتفاضة وكان متشعبا وبدأ قبل عودتنا من تونس، وكان المسؤولون عنه امناء سر الاقاليم وكانوا مرتبطين بالرجوب بصفته مسؤول الامن الوقائي. واصبحت اقاليم فتح كلها اقاليم امن وقائي. وعندما عدنا، لم يكن مقبولا ان تكون اجهزة الامن هي التنظيم، لذلك تقرر تشكيل هذه اللجنة الحركية العليا. لدى عودة مروان، وهو عضو مجلس ثوري منتخب، اصبح في اعلى مرتبة تنظيمية. وفي عام 9419 قرر مروان توسيع اللجنة، وابو عمار بارك له، فأصبح امناء سر الاقاليم تابعين لمروان وليس للامن الوقائي. وواصل اعضاء في الامن حضور الاجتماعات ... لكن نتيجة الخلافات على الارض وقبل ان تشرف اللجنة المركزية على الموضوع، اصبحت القضية مفتوحة بحيث ان اللجنة الحركية التي المفروض ان تسير الامور في الاقاليم اصبحت تضم 54 عضوا، وهذا تناقض مع دورها الحقيقي الذي لعبته، لذلك حرصنا على ان تعاد امور تشكيل الحركية من خلال انتخابات في الاقاليم أشرف عليها معنا البرغوثي واللجان الفرعية في الاقاليم. هذه اللجنة عندما تقرر ان يكون هناك مكتب تعبئة وتنظيم في الوطن، وهذا قرار مجلس ثوري، وتم حل لجنة الطوارئ، قرروا تشكيل هذه اللجنة يشرف عليها ابو عمار ولها مفوض هو هاني الحسن ومعه اعضاء في المركزية واخوة فاعلون في العمل التنظيمي. في لحظة من اللحظات استلمها الاخ الحسن، فكانت هناك خلافات داخل الحركية، فتم انشاء ما سمي بالمرجعية. وفجأة اجروا انتخابات لم تكن قانونية لان الانتخابات لكي تتم يجب ان تكون في اطار ذي طبيعة واحدة، فلا يجوز عقد انتخابات في اطار المركزية والمجلس الثوري، لان بعضها يأتي بالتعيين والاخر بالانتخابات، وهذا خلق مشكلة، فقلنا ان الشيء الوحيد هو استيعاب الكل كلجنة من خلال لجنة مركزية على مستوى الوطن حتى لا يبقى عندنا غياب الوحدة". لكنه يختتم انه "يجب ان يعطى الكل حقه وان توزع المهام بحيث تكون الالية للعمل". ويعتبر زكي ان "غياب دور المجلس الثوري كجهة عليا عند انعقاده وكبرلمان رقيب على اللجنة المركزية، وكصلة ما بين المؤتمر العام واللجنة المركزية، اوجد هذا البون الذي يتحدثون عنه بين القيادة والقاعدة". يتبع غداً