كثرت في الآونة الاخيرة الخطط السلمية الرامية الى انهاء الصراع في الشرق الاوسط وتحقيق السلام بين اسرائيل وجيرانها الذين تحتل اراضيهم وتنتقص من حقوقهم منذ حرب 1967 على الاقل. فبعد تبني خطة "خريطة الطريق" الدولية، سمعنا بوثيقة "ايالون - نسيبة"، نِسْبَةً الى عامي ايالون الذي كان رئيساً للاستخبارات الاسرائيلية وسري نسيبة رئيس جامعة القدس، ثم جاءت خطة او "مبادرة" او "تفاهمات" او "وثيقة جنيف" التي سيجري التوقيع عليها في الاول من كانون الاول ديسمبر في جنيف والتي وزع نصها في اسرائيل والاراضي الفلسطينية وساهم في التوصل اليها عدد كبير من الشخصيات الفلسطينية والاسرائيلية في مقدمها وزير الاعلام الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه ووزير العدل الاسرائيلي السابق يوسي بيلين. وقبل بضعة ايام، اعلن حزب العمل الاسرائيلي خطة سلام هو الآخر تتطابق الى حد كبير مع الافكار التي اقترحها الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون بعد فشل المفاوضات في قمة كامب ديفيد تحت رعايته قبل اسابيع فقط من انتهاء ولايته الرئاسية الثانية. وقد نسمع قريباً ب "خلطات" اخرى متنوعة من مقترحات السلام، ولكن لا معنى ولا فائدة لكثرة "الخلطات" و"الطبخات" السلمية ما دام ارييل شارون في سدة الحكم في اسرائيل، اذ انه يخادع ويناور ويتظاهر بان لديه خطة سلمية لا يمكن لاي ساذج ان يصدق من بنودها سوى اعترافه بأن الدولة الفلسطينية التي قد "يتكرم" بالسماح بقيامها لن تسيطر، سيطرة محدودة، إلا على اقل من اربعين في المئة من مساحة الضفة الغربية التي سيشطر الجدار اراضيها ويقسم بعض بلداتها وقراها ويلحق اراضيها الزراعية الخصبة بالجانب الغربي منه الجدار، ما يجعلها تحت سيطرة اسرائيل. واذا كان "الجدار الفاصل" وسيلة مادية وحشية لفرض "حقائق"على الارض وفق الطريقة الاسرائيلية البشعة، فان الوسيلة الاخرى غير القانونية، بل الاجرامية بدرجة مساوية، هي بناء المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية، وهو ما شجع عليه شارون دائماً، داعياً اليمينيين المتطرفين من امثاله الى الاستيلاء على التلال واستيطانها. ان تعبير وزير الخارجية الاميركي كولن باول امس عن تفاؤله بإمكان تنشيط الجهود السلمية وقوله ان "خريطة الطريق" لا تزال حية يعنيان ان واشنطن تنوي مواصلة الجهود لتحقيق السلام. ولكن شارون لن ينفذ التزامات جوهرية تنص عليها "خريطة الطريق" من اهمها وقف النشاط الاستيطاني، اي وقف توسع اسرائيل على حساب الفلسطينيين وارضهم. وما لم تقف الولاياتالمتحدة بحزم في وجه مجرم الحرب شارون، فإن السلام في الشرق الاوسط سيظل بعيد المنال. ومع ان من المفيد جداً تداول الاقتراحات السلمية في شكل خطط و"تفاهمات" و"ثائق" غير رسمية، فان من العبث الجري وراء هذه الخطط ما دام شارون ممسكاً بزمام السلطة السياسية في اسرائيل. ان على معسكر السلام في اسرائيل ان يبدأ جدياً العمل لازاحة شارون عن منصبه، واقناع غالبية الاسرائيليين بضرورة هدم جدار الفصل العنصري واخلاء المستوطنات والعودة الى حدود 4 حزيران يونيو 1967 اذا ارادوا استتباب السلام والامن لهم وللفلسطينيين على حد سواء.