تميل إسرائيل إلى قبول بيان اللجنة الرباعية الدولية في شأن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكن ليس قبل أن تعلن عدداً من تحفظاتها عليها، خصوصاً في مسألة الجدول الزمني. واتفقت تعليقات الصحف العبرية أمس على أن الخطابين اللذين ألقاهما الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الجمعة الماضي، يضعفان فرص إحراز أي تقدم نحو استئناف المفاوضات. واستعار أحد المعلقين من أغنية إسرائيلية تقول «إحباط واحد يلتقي إحباطاً آخر» ليلخص انعكاسات الخطابين على من استمع إليهما. وأعرب نتانياهو عن استعداده للموافقة بشروط على بيان «الرباعية»، وقال من الولاياتالمتحدة في مقابلة مع القناة العاشرة الخاصة في التلفزيون الإسرائيلي: «إذا دعت الرباعية الى استئناف المفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة، أعتقد أنه سيكون أمراً مهما». ورداً على سؤال عن فرص التوصل الى اتفاق من الآن وحتى نهاية العام المقبل، بقي نتانياهو حذراً، واكتفى بالقول: «إذا كانت هناك إرادة إبرام (اتفاق)، فهذا سينجح لأنه أمر واعد، وإذا لم تكن هذه الإرادة موجودة، فذلك لن ينجح». وأشار الى أن موقف إسرائيل الرسمي من الجدول الزمني الذي اقترحته «الرباعية» سيعرف في الأيام المقبلة، مضيفاً: «ينبغي أن أدرس الاقتراح واستشير المستشارين وكذلك الحكومة». وقال: «آمل في أن يتفهم الفلسطينيون في نهاية المطاف أنه لا يمكن تجاوز المفاوضات، أنه لا يمكنهم الحصول على دولة ومواصلة النزاع» مع إسرائيل. وفي تصريحات أدلى بها نتانياهو لقناة «إن بي سي» التلفزيونية الأميركية خلال برنامج «لقاء الصحافة»، قال: «الفلسطينيون يريدون دولة، لكن عليهم أن يقدموا السلام في المقابل. ما يحاولون فعله في الأممالمتحدة هو الحصول على دولة من دون أن يقدموا السلام لإسرائيل، أو السلام والأمن لإسرائيل». وأضاف: «هذا أمر خاطئ، ولا يتوقع له النجاح بل الفشل». وقال إنه تطرق إلى موضوع المحادثات من دون شروط مع عباس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي. وذكر مكتب رئيس الحكومة أن «هيئة الوزراء الثمانية» ستبحث الأسبوع المقبل موقف إسرائيل من البيان، فيما أفادت أوساط قريبة منه أنه سيوصي الوزراء بتبني البيان «الذي يشكل بوليصة تأمين» لجهة أنه «يلجم أي خطوة فلسطينية أحادية الجانب». وأعربت هذه الأوساط عن قناعتها بأن تبنّي إسرائيل بيان «الرباعية» سيضعف توجه الفلسطينيين إلى الجمعية العمومية. وقال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أمس إنه ينبغي على إسرائيل قبول بيان «الرباعية، على رغم تحفظاتي العديدة منه»، لكنه يدعو إلى المفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة. وأعرب في حديث للإذاعة الإسرائيلية عن أمله في أن يتجاوب الفلسطينيون مع دعوة «الرباعية» لإطلاق المفاوضات، وقال: «قلنا دائماً أننا مستعدون للمفاوضات، وأرجو أن يتحلى الفلسطينيون أيضاً بالمسؤولية بدلاً من الهرب منها ويشرعوا في مفاوضات جادة». وتابع أنه سيكون ممكناً التطرق في المفاوضات الى جميع المسائل «لكن الترتيبات الأمنية هي الأهم في نظر إسرائيل». وزاد أنه يأمل في أن يدرك الفلسطينيون أن مصلحتهم هي في التمحور في العملية السياسية، وأن يرجئوا التصويت على طلبهم المقدم لمجلس الأمن للاعتراف بدولتهم. وكرر ليبرمان اتهاماته عباس بإلقاء «خطاب تحريضي يؤشر إلى الاتجاهات التي اختارها»، كما اتهمه ب «الهروب من نيويورك والعودة إلى رام الله لأنه لا يريد مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة، وهذا يعني هروباً من المسؤولية» وأضاف إن عباس «يبحث عن حجج لأن لا نية له لإدارة مفاوضات من أجل تحقيق السلام». وأعرب عن ارتياحه لوقوف الولاياتالمتحدة إلى جانب إسرائيل كما تجلى، ضمن أشياء كثيرة، في خطاب الرئيس باراك أوباما أمام الجمعية العامة، وفي الجهود الكبيرة التي بذلتها الولاياتالمتحدة لتعديل بيان الرباعية، و«هو بيان ما كنت لأقول إنه يسعدني، لكنني أعتقد أنه يجب علينا قبوله لأنه يتحدث عن بدء مفاوضات مباشرة من دون شروط مسبقة». ونفى ليبرمان أن يكون طلب من الحكومة فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية في حال توجهت إلى الأممالمتحدة، لكنه أضاف أنه في حال تمرير قرار في مجلس الأمن أو الجمعية العامة (بالاعتراف بفلسطين دولة مستقلة) «فإننا سنبلغ وضعاً جديداً تماماً ستكون له انعكاسات صعبة». وأضاف: «أرجو أن تكون لديهم مصلحة في الدخول في اتصالات ديبلوماسية وإرجاء التصويت، ما من شأنه أن يتيح مواصلة الحفاظ على الأوضاع المعقولة، ميدانياً، فيما التصويت سيجر رداً». ورأى الرئيس شمعون بيريز أن بيان «الرباعية» يخلق فرصة للعودة الى المفاوضات المباشرة»، معلناً رفضه فكرة تدويل المفاوضات «لأن ذلك يعني تأثرها بضغوط خارجية». ويرى القادة الإسرائيليون الذين كانوا يخشون «تسونامي ديبلوماسياً» في الأممالمتحدة، أنهم سجلوا نقاطاً، معربين عن استعدادهم لقبول خطة «الرباعية» حتى إن كانوا لا يرون أي آفاق للسلام. وقال الأمين العام للحكومة تسفي هاوز لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن «استراتيجية نتانياهو نجحت. لقد كبح مبادرة الفلسطينيين المتمثلة في الحصول على نجاحات بصورة أحادية». واعتبر هاوزر، وهو من أقرب معاوني رئيس الحكومة، أن «ما كان يبدو وكأنه خطر تسونامي سياسي بالنسبة إلى إسرائيل أسفر عن نوع من الفراغ من وجهة النظر الفلسطينية»، وذلك بعد تقدم الرئيس عباس بطلب انضمام دولة فلسطين إلى الأممالمتحدة. وقال أحد الناطقين باسم رئيس الوزراء يعاز هندل: «من منظور العلاقات العامة حققنا نجاحات كبيرة: فالكثير من الدول يتفق الآن مع النهج الإسرائيلي، وفي مقدمه الولاياتالمتحدة». «كديما» ينتقد نتانياهو وانضم أركان حزب «كديما» المعارض إلى منتقدي عباس على خطابه، لكنهم حمّلوا نتانياهو المسؤولية عن الجمود في العملية السياسية، وانتقدوه على خطابه «المليء بالشعارات القديمة من دون مضمون ورؤية للمدى البعيد». وانتقدت زعيمة الحزب تسيبي ليفني سياسة نتانياهو تجاه الفلسطينيين، وقالت إنها تستند إلى الخطابات فقط لا الفعل والتنفيذ، وتساءلت «عما تقوم به القيادة الإسرائيلية الحالية لضمان مستقبل يحافظ على الطابع اليهودي والديموقراطي لإسرائيل». ودعت رئيس الحكومة إلى بذل أقصى جهوده لإعادة إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين، معربة عن استعدادها لدعمه في حال فعل ذلك، ومضيفة أن اقتراحها في شأن تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يزال ساري المفعول. وكررت تأييدها فكرة تجميد الاستيطان مرة أخرى». واعتبر القنصل العام السابق في نيويورك الون بينكاس في حديث تلفزيوني أن «لدى عباس الانطباع بأنه أقام الدولة، ولدى نتانياهو الانطباع بأنه منع قيام هذه الدولة. والاثنان على خطأ». إلى ذلك، أعربت قيادة الجيش الإسرائيلي عن ارتياحها للتنسيق المتواصل بينها وبين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية «الذي حال دون تصعيد ميداني» في الضفة الغربية على خلفية خطاب عباس. وأشاد الإسرائيليون بالضباط الفلسطينيين على «تعاملهم الناجح مع التظاهرات في مراكز المدن الفلسطينية ومنع المتظاهرين من التوجه نحو المستوطنات». إعلامياً، أشادت التعليقات بقدرات نتانياهو الخطابية، وإن انتقد العديد منهم «انجراره وراء خطاب أبو مازن». وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع أن خطابي نتانياهو وعباس وُجِها إلى الرأي العام الداخلي، «وكانا خطابينْ قاسييْن ومريرين مشبعيْن بالجدل والسجال، فاقديْن أي بشرى ... كلاهما لم يأتِ (إلى نيويورك) لتقريب احتمالات التوصل إلى اتفاق إنما لإلقاء التهم». وكتب المعلق في الشؤون الحزبية في «هآرتس» يوسي فرطر إن نتانياهو «ألقى خطاباً تضمن وصفاً قاتماً وحتى مرعباً عن وضع إسرائيل إزاء التحديات ... لا أحد مثله يتقن وصف مخاوف الإسرائيلي العادي والأخطار الأمنية الكامنة له... لقد بث رسالة كلها إحباط ويأس». وأضاف أن السطر الأخير من خطابي عباس ونتانياهو هو استئناف الحرب الباردة بين الفلسطينيين وإسرائيل».