نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    حكومة نتنياهو تناقش التسوية.. و20 غارة إسرائيلية على بيروت    يايسله يطلب تعاقدات شتوية في الأهلي    موعد مباراة النصر القادمة بعد الفوز على الغرافة    العراق يشهد اجتماعًا ثلاثيًا حول أهمية الحفاظ على استقرار وتوازن أسواق البترول العالمية    مجلس الوزراء يقر ميزانية 2025 ب 1.184 تريليون ريال    برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يقر الميزانية العامة للدولة لعام 2025    التعليم تسلط الضوء على تمكين الموهوبين في المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع    تنفيذ 248 زيارة ميدانية على المباني تحت الإنشاء بالظهران    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    السعودية تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    بوريل يطالب إسرائيل بالموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان    مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    فصل التوائم.. أطفال سفراء    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    ألوان الطيف    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مجرد تجارب.. شخصية..!!    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    خادم الحرمين يوجه بتمديد العمل ب"حساب المواطن" والدعم الإضافي لعام كامل    التظاهر بإمتلاك العادات    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي المصري خالد إسماعيل يسائل الاستبداد
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2011

حالة استلاب جماعية تلك التي يطرحها الروائي المصري خالد إسماعيل في روايته «أرض البني»، الصادرة عن دار «ميريت» في القاهرة، ينبئ عنها ذلك التصدير الدال الذي وضعه بين يدي نصه، والذي يحيل فيه إلى كاتب مصري قديم (إبو - وير) واصلاً الماضي بالحاضر، جاعلاً من اللحظة الراهنة محطاً لتحولات حادة في بنية الواقع: «تأمل العامل يبحث – من دون جدوى - عن عمل، لأن أعداء البلاد أفقروا صناعتها، والحاصد لا يملك ما حصد، وتأمل صاحب الأرض تعسره الحاجة، والغريب يملأ كرشه»، ولا يلعب التصدير هنا دوراً مجانياً، ولكنه – وبالأساس - جزء مركزي من بنية السرد. تنقسم الرواية إلى أقسام ثلاثة: (فهيمة بت محارب - خديجة بت معوض - لطيفة بت البوري)، تشغل جميعها حيزاً يكاد أن يكون متساوياً من المتن السردي (نحو 50 صفحة في كل قسم)، وتتحدد عناوينها بأسماء لسيدات من المكان (قرية في محافظة سوهاج في جنوب مصر)، ثلاث نسوة جنوبيات إذ يعبرن عن تمثيلات واعية ومنتخبة للناس داخل المكان الروائي Novalic Place، ف «فهيمة/ الجدة» بمثابة الجذر الذي تفرعت منه الحوادث والشخوص، و «خديجة بت معوض» الخالة التي تدفع بالحدث السردي إلى الأمام عبر شبكة العلائق الاجتماعية المرتبطة بها، و «لطيفة بت البوري» هي الفتاة الثائرة على منظومة الاستبدادين السياسي، والديني في البلدة، والتي تحمل في جوهرها ذلك المعنى العميق للرواية، من حيث سعيها إلى خلخلة البنى الرجعية وتقويضها. ويبرز المكان هنا بصفته فضاء وسيعاً لانفعالات البشر وهواجسهم، بخاصة أننا أمام كاتب يراكم تجربته الجمالية عبر ثماني روايات جلها يدور في المكان ذاته (سوهاج)، فالحفر في المكان أحد أهم السمات المميزة له، وعلى رغم أن العنوان في «أرض النبي» يحوي مؤشراً دالاً على مكان جغرافي محدد، مرتبط في الوجدان الجمعي ببلاد الحجاز، إلا أن المكان المركزي في الرواية كان قرية في الجنوب المصري، لنكتشف خدعة النص الأولى، عبر كتابة مناط الجدارة فيها بساطتها الآسرة، وعمقها النافذ، وجسارتها اللافتة في إدانة الأنساق الماضوية، والتصورات الجاهزة عن الحياة والعالم.
رهانات الواقع
تتسرب رهانات من الواقع إلى الرواية، قد تتمثل حيناً في شخوص حقيقيين، أو في أحداث فعلية، أو عبر تسجيل لمقطع من تاريخ الحركة الوطنية، وبدا هذا الأمر واضحاً من خلال حضور أسماء لسيدات من رموز الحركة اليسارية: لطيفة الزيات وفتحية العسال وفاطمة زكي، أو ذكر حادثة زيارة الزعيم سعد زغلول والوفد المصري إلى جنوب مصر، أو حادثة تمرد عمال السكة الحديد في صيف 1986، وبما يمكننا من القول إن الرهان على الواقع هنا كان رهاناً على محاولة استخلاص الجوهري من الأشياء وصوغه جمالياً.
جذور وشخصيات
للشخوص هنا جذور يتتبعها الكاتب، ويصر على نسج الصلات في ما بينها، مازجاً ما بين الواقعي والمتخيل، فالراوي/ البطل «حمزة» المستسلم لامرأته البائسة (رضا) لم يكن هكذا، بل كان «شاعراً» يوماً ما، متصلاً بواقعه غير منفصل، ومن ثم يصبح لقاؤه بالفتاة المناضلة «لطيفة بت البوري» بمثابة الاستعادة للروح الغائبة. والممرضة الجميلة (نجوى زهران) التي اختارت مهنتها طوعاً تعد امتداداً لأمها التي شهدت فترة المقاومة الباسلة لأهالي السويس: «وجاء إخوتها مرات عدة في زيارة استهدفت تعريف أهالي البلد بأن «نجوى» ليست مقطوعة من شجرة، بل هي «ممرضة» اختارت هذه المهنة لأنها تحبها متأثرة بأمها التي كانت ممرضة في مستشفى السويس العام في الفترة التي أعقبت هزيمة 5 حزيران (يونيو)، وظلت في المدينة على رغم القصف والغارات الصهيونية وشهدت فترة الحصار بعد العبور في تشرين الأول (أكتوبر) 1973».
لا يستكمل الكاتب حكايته دفعة واحدة، بل يراوغ في ما بينها، فيأتي أحياناً على ذكر شخوص هامشيين، ثم نرى الإشارات تتوالى عنهم، لينتقل بعد ذلك إلى حدثه المركزي، فعلى سبيل المثال حين يفرد مقطعاً سردياً لحادثة استنفار «لطيفة البوري» للقدرات الإبداعية الكامنة لدى الراوي «حمزة»، ينحو السرد تجاه الحكي عن الزوجة البائسة «رضا سليمان» والتي كانت سبباً في إصابة الزوج بيأس مطبق قبل لقائه بلطيفة.
ثمة حوادث فرعية تتقاطع مع خط القص الرئيس، وفق علاقة مفادها «جدل الاتصال والانفصال»، فالحكاية الفرعية الخاصة بمقتل العمدة «غالب العبيدي» وتقديم الشاب التافه «حمادة قرقوعة» كبش فداء لآخرين، ومحاولة إلصاق «خديجة بت معوض» التهمة بعم الراوي «السيد» عبر إطلاق الشائعات، إنما تنبئ (الحكاية) عن عالم متوتر بالأساس، تشغله الثارات، وتحركه الشائعات، تلك التي كانت سبباً في ازدياد الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين داخل المكان «بلدة بني عيش»، واتساع الفجوة بين عالمي «جامع التوحيد»، و«جمعية حاملي الصليب الأرثوذوكسية» لنصبح أمام مقابلة بين تيارين متعصبين، أحدهما سلفي، والآخر كنسي، ويجعل كلاهما الهوية الدينية بديلاً عن الهوية الوطنية. لذا، فالمقطع التالي للحكاية الفرعية السابقة (مقتل العمدة غالب العبيدي) يختص بالإشارة إلى المستشار الرجعي «غراب الخولي» نذير الشؤم، والمفجر المباشر للتعصب الطائفي في الرواية: «في ظرف شهرين، أقيمت فيلا «المستشار المتقاعد غراب الخولي»، وظهر أولاده البيض الوجوه، الطوال القامات، لكل واحد منهم سيارة صغيرة يتحرك بها».
يمد الكاتب الخطوط على استقامتها، فتبدو النهاية مبررة فنياً نتيجة حالة التعصب الطائفي التي رصدتها الرواية داخل المجتمع المصري، فإحراق المكتبة والاغتيال المعنوي ل «الكورال» مؤشر دال على عالم مدفوع برغبة حميمة في الثأر من الحياة ذاتها، طرفاه قوى التعصب: (الشيخ إبراهيم مخلوف والمستشار غراب الخولي في مقابل القس صليب ميخائيل وأخته عايدة)، لتصبح «بني عيش» مكاناً للموت، أو للعيش في الماضي، حيث طرح ما هو ماضوي واطراح ما هو آني.
إنها رواية مفعمة بروح السخرية التي تُخلف المرارة. مروياتها كثيرة، وصيغة الحكي الشفاهي حاكمة، وآلية التوالد الحكائي حاضرة بقوة، لتتناسل الحكايات، وتتفرع في أبنية دائرية يسلم بعضها إلى بعض، يقف خلفها سارد رئيس Main Narrator لديه وعي حاد بالمكان الروائي، وبالعالم المحكي عنه، ويمسك بزمام الحكي في النص، يمكن تلمس ملامحه تماماً، لديه وضوح بالغ في رؤية العالم، يختار التجاور صيغة للحياة، ويرفض تديين الواقع، لكنه لا يُظهر ذلك عبر مقولات أيديولوجية زاعقة، أو حوارات تقليدية مباشرة، بل عبر انحياز جمالي تبرزه مواقف السرد داخل الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.