قدر وزير الصناعة السوري الدكتور عصام الزعيم اجمالي الاستثمارات المبرمجة للقطاعين الخاص والعام في السنوات الخمس المقبلة بنحو 25 بليون دولار، لافتاً الى ان 6،14 في المئة منها ستكون من مصادر تمويل خارجية. وقال الزعيم في حديث الى "الحياة" ان القيادة السياسية السورية قررت منذ بداية انطلاق عملية الاصلاح "استبعاد التخصيص نهائياً لاعتبارات امنية واقتصادية واستراتيجية"، لكن دون ان يعني ذلك "التراجع عن اعطاء دور اكبر للقطاع الخاص". وكشف انه اقترح على الحكومة برئاسة الدكتور محمد مصطفى ميرو الغاء ست شركات تابعة للقطاع العام واستبدالها بمراكز للتخطيط تشرف على 104 شركات حكومية تضم حوالى 75 الف عامل، مؤكداً أن مشروع الاصلاح لا يتضمن الاستغناء عن أي عامل. وقال: "لا تخصيص ولا تسريح لكن اعادة هيكلة ضمن اطار اصلاح القطاع العام". وأشار الى وجود قرار ل"تبطيء تنفيذ بعض القوانين الاصلاحية لاعداد الارضية اللازمة"، مؤكداً ان "تسهيل اجراءات الاستثمار والاقتراض تضعف البيروقراطية وهي ظاهرة مرضية تعني افراطاً في السلطة والادارة". وقبل تسلمه حقيبة الصناعة، شغل الزعيم وزارة التخطيط اثر عودته من المهجر. وهنا نص الحديث: قيل ان مشروع الاصلاح الاقتصادي تضمن آراء متناقضة وحرصاً على عدم المساس بمصالح البيروقراطية، ما هو المقصود بالاصلاح الاقتصادي؟ - المقصود بالاصلاح الاقتصادي هنا ليس اي اصلاح يمكن ان يتم في سياق تنفيذ السياسات الاقتصادية. الحاجة الى الاصلاح اساسية وحيوية ومتجددة اياً كانت الاقتصادات الوطنية والدول، لكن المقصود هو الاصلاح من منظور تحديد دور كل من الدولة والقطاع الخاص في العملية الاقتصادية. بل واكثر من هذا تحديد مسألة القيادة الاستراتيجية واليومية للعملية الاقتصادية والتنموية. هناك نموذج للاصلاح اصبح سائداً في العالم وتحقق تدرجاً خلال العقدين الماضيين وتحدد نشؤه بوقوع البلدان النامية في مأزق المديونية على نحو اضطرها الى الأخذ بهذا النموذج الاول. هل تقصد نموذج البنك الدولي؟ - صاغ هذا النموذج خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتكرس بانهيار المعسكر الاشتراكي ومحاولة اعادة توحيد العالم وفق نظام السوق. هذا النموذج محدد اليوم في صيروريته واطاره العالمي والاقليمي بالعولمة الجديدة التي يمكن تلخيصها بتحرير التبادل السلعي وتحرير حركة رأس مال مع الاخذ باقتصاد السوق، وهذا ليس نموذجنا في سورية. تلك الاصلاحات تطبق في اطار اعادة جدولة الديون بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومن خلال تقليص الموارد العامة يجري تقليص الرواتب والاجور او تجميدها. ومن خلال تقليص الموازنة الاستثمارية للدولة يجري تقليص فرص العمل الجديدة، ومن خلال التخصيص يجري تقليص فرص العمل القائمة. هل ستأخذ سورية بهذا النموذج؟ - هناك نماذج اخرى تشكلت ويمكن ان تترسخ وتتطور بصورة مختلفة بالاستناد الى مفهوم الاقتصاد المختلط الذي تستمر الدولة من خلاله في قيادة العملية الاقتصادية. لكن قيادة الدولة في هذا النموذج تتخذ خصائص جديدة اهمها التخطيط الاستراتيجي الذي يستهدف تحقيق الارتقاء الصناعي والنهوض الاقتصادي عبر مراحل زمنية متتابعة ويحل وظائف التنسيق والتوليف بين الدولة والقطاع الخاص محل الرقابة والردع الاداري والروتين البيروقراطي ويعطي مكاناً معترفاً به ودوراً تكاملياً لكل من القطاعات العام والخاص والمشترك بينهما والتعاوني الذي يجسد مبادرات المجمعات الاهلية. ويعمل القطاع العام، الى جانب تفعيل القطاع الخاص، وفق نظرة تكاملية. لقد حددت عوامل تاريخية وموضوعية الخيار السوري للنموذج الثاني، اذ ادى رفض الرئيس الراحل حافظ الاسد بوعي رفيع وشجاعة واقتدار الانصياع الى النموذج الاول برفضه اعادة جدولة الديون الخارجية السورية، من جهة، واعتماده التعددية الاقتصادية ثابتا رئيسياً من الثوابت الوطنية من جهة ثانية. لذلك فإن الاصلاح الحالي ينهج منهجاً يعتمد على تطوير التعددية بالتلازم مع تفعيلها وفقاً للخصوصية الوطنية ومتطلبات التنمية الوطنية أولاً، والأخذ بالحسبان الوقائع المستجدة العالمية اجمالاً والاقليمية تخصيصاً ثانياً. لكن لماذا ظهرت اشارات متناقضة في مشروع الاصلاح الحكومي؟ - لقد عملنا كفريق عمل في جهد مكثف ووضعنا مشروع البرنامج الذي هو الآن قيد التعليق والمناقشة. ان اهم ما يميز البرنامج انه يجمع بين الحاجة الى اعادة الهيكلة وتغيير السياسات او تطويرها والمحافظة على النمو وتصعيد معدله بشكل لا يقلل اهمية التأكيد على البعد الاجتماعي في نشاط الدولة. لكن وضوح الخيار لاينفي الاختلاف في الرأي، فتعدد الآراء ظاهرة طبيعية وصحية بل انها مفيدة للغاية عندما يتعلق الأمر بتطوير برنامج بأهمية تاريخية ويتناول بأهدافه المجتمع بأثره والاجيال الحاضرة والمقبلة. إن تطوير أي برنامج يتميز عن النماذج الجاهزة يحتاج الى اجتهاد ويقبل الاختلاف بل يغتني به، وهو اختلاف لايتنافى اطلاقاً مع وحدة الموقف ووحدة التزام الثوابت الوطنية السياسية والاقتصادية المعتمدة. الاصلاح متعدد الجوانب، يبدأ بالموائمة بين النمو السكاني والتنمية الاقتصادية ويشمل الاصلاح في القطاعات المختلفة. أي أن هناك ايضاً الاهتمام بمؤشرات الاقتصاد الكلي وبالقطاعات الحيوية كما ان هناك ربطاً اساسياً بين الاصلاح الاقتصادي والبعد الاجتماعي. هل المقصود ان مصالح بعض جماعات الضغط لم ولن تمس؟ - ان الاصلاح الاقتصادي يستهدف اعطاء الحرية للعمل امام القطاع الخاص وتفعيل النظام المصرفي واعطاء فرص الاقتراض من المصارف للمستثمرين. ومن هذه الناحية فهو في الحقيقة يحدث تطوراً ايجابياً. بامكان اي مستثمر لديه مشروع استثماري مقبول من حيث الصياغة والفائدة الاقتصادية، ان يحصل على قروض مصرفية من خلال برنامج الاصلاح المصرفي. هذه كلها تضعف البيروقراطية. تبسيط الاجراءات بالنسبة للاستثمار تضعف الاجراءات البيروقراطية. تسهيل الحصول على القروض يساعد على تساوي الفرص بين جهات القطاع الخاص والمستثمرين الجدد. واصلاح نظام التعليم يتم على اساس التأكيد على الطابع التأهيلي التدريبي والتعليمي والتأكيد على المضمون العلمي والتكنولوجي الحديث. هذا كله ليس من صالح البيروقراطية. لست معك في ان المشروع وفر البيروقراطية. البيروقراطية ظاهرة موجودة مرضية لانها تعني افراط في السلطة والادارة. لكن البرنامج لم يحاول توفيرها وتركها قائمة ومتواصلة فقط، وإنما بالعكس كان التوجه العام في الاصلاح هو التطوير وليس لصالح أي جمود. ما تفسيرك ان قرارات اصلاحية صدرت لكنها لم تنفذ الى الآن؟ - مثلاً؟ قانونا المصارف الخاصة والجامعات الخاصة؟ - يتطلب اعداد الاطر القانونية والادارية والتنظيمية والاجرائية وقتاً لا بد منه. ويتوقع ان يتم تفعيل هذا القوانين قبل نهاية السنة الجارية أي في غضون أشهر قليلة. اذن، هناك قرار ببطء التنفيذ؟ - نعم، لان هناك جملة من التدابير والشروط يجب توفيرها، مثلاً موضوع تفعيل نظام التجارة بعد تطوير هذا النظام - اقصد قانون التجارة - وتفعيل مجلس النقد والتسليف واعادة مراجعة دور مصرف سورية المركزي وتحديد العلاقة وتفعيلها بين مصرف سورية المركزي والمصارف بصورة عامة. النشاط المصرفي يعني حرية دخول الاموال وخروجها بشكل تام. قانون العمل ونظام العمل ونظام الاجور والنظام الاداري في سورية بالنسبة للعاملين يجعل من الصعب التأقلم مع معطيات المصارف الحديثة، ففيه جملة من الامور تتطلب معالجة واعتقد انه جرت معالجة كثير منها. جرت معالجة بعض الجوانب وتجري معالجة البقية واعتقد ان القرار يتخذ والتنفيذ سيأتي. التنفيذ تأخر، لكن في هذا التأخير حكمة في رأيي، اذ حيث يتوقع ادخال الاصلاحات بعد تأمين متطلباتها وتقدير نتائجها. هناك فرق بين اصدار قانون او اعلان مبادئ. الدولة قررت هذا، لكن اصدار قانون يعني التنفيذ فيما لم تكن الشروط الموافقة لهذا القرار متوافرة وبالتالي جرى التأني في هذه المسألة. ينطبق الامر ذاته على التعليم الخاص. في البداية كانت هناك اشارات بأن اتجاه الدولة نحو التخصيص، لكن جرى لاحقاً تشديد على دور القطاع العام ورفض التخصيص؟ - لست متفقاً مع هذا الرأي حيث ان القيادة السياسية استبعدت تخصيص القطاع العام منذ البداية، في الوقت الذي سعت وتسعى فيه لاعطاء دور اكبر للقطاع الخاص. الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي هو جزء من برنامج اشمل يربط بين الاصلاح والتطوير وبين التغيير الهيكلي والتنمية. التوجه السوري يستبعد التخصيص اولاً، ويستبعده لاسباب موضوعية ومنطقية ومتعلقة بالواقع وحصيلة تطورات تاريخية واعتبارات استراتيجية وامنية، اعتبارات اقتصادية محضة. اي، الحاجة الى تجنب اي انخفاض في مستوى الدخل بل الى رفع مستوى الدخل. الحفاظ على التعددية والتوازن الاجتماعي والجمع بين التنمية والاهتمامات الاجتماعية للدولة - هذه الاعتبارات جعلتنا نستبعد التخصيص ونقول بأن هناك تكاملاً بين التنمية في القطاع العام والتنمية في القطاع الخاص. لم نتراجع اطلاقاً عن تشجيع القطاع الخاص وتنميته ونعتقد انه يجب ازالة العقبات امام القطاع الخاص، ونواصل دعمه وتشجيعه. ويعني تطوير هذا القطاع تعزيز القدرات الوطنية الانتاجية والتصديرية وتعزيز زيادة فرص العمل. في الوقت نفسه نقول أن هذا التطوير لا يمكن ان يحقق متطلبات التنمية الدنيا ولذلك لابد من دور القطاع العام وهذا امر تاريخي حصل في الدول الاخرى العديدة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى قبلها في اليابان وهذا التطوير في القطاع العام هو تطوير مطلوب. نحن نريد ان نستثمر عبر القطاعين العام والخاص ونعتبر ان حيز التوسع لدى القطاع العام كبير وحيز التوسع لدى القطاع الخاص كبير ايضاً. هل تعني ان الحفاظ على دور القطاع العام لن يكون على حساب القطاع الخاص؟ - كلا، فإن تقدم القطاع العام مطلوب في حد ذاته ويساعد في تقدم القطاع الخاص بما يجعل كلا منهما وكلاهما ضرورين لتحقيق التنمية والنمو. نحن نخطط ونحقق التكامل بين القطاعين في سياساتنا الانمائية. هل هناك اتجاه لإلغاء بعض مؤسسات القطاع العام؟ - الاتجاه المطروح لدينا هو اصلاح القطاع العام وتطويره. وفي هذا الاطار نتجه الى الغاء بعض مؤسسات القطاع العام الصناعي واستبدالها بمراكز للتخطيط والتأهل والتحديث التكنولوجي والانتاجي وتحديث الادارة الاقتصادية لتكون مرتبطة بالوزارة وتشكل في النهاية جزءاً منها. الواقع ان القيادة السياسية أعطت توجيهات عن طريق رئاسة مجلس الوزراء بتطوير النظام القانوني الذي يحكم نشاط المؤسسات العامة الصناعية في البداية والمؤسسات العامة الاخرى عموماً. جرى هذا العمل في اطار اللجنة الاقتصادية، اذ طلب مني القيام بعمل تطبيقي بتوجيهات اللجنة الاقتصادية. انتهينا الى مسودة جديدة منقحة هي الآن امام اللجنة الاقتصادية وسيبت فيها قريباً. ولدى اقرار هذه المسودة المعدلة سترفع الى مجلس الوزراء لاقرارها تمهيداً لنيل المصادقة من القيادة السياسية. وهذا التطوير في النظام القانوني للمؤسسات العامة الصناعية يؤكد على المبادئ التي اقرتها القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم وهي اولاً، التأكيد على مبدأ الاداء الاقتصادي في المؤسسات العامة وهذا يكون بالتفاعل مع آلية السوق. ثانياً، تغيير شروط تمويل هذه المؤسسات ونشاطها ومحاسبتها من خلال تحويلها الى شركات عامة تملك ادارة كل واحدة منها صلاحيات واسعة جداً وتخضع في الوقت نفسه لمبادئ المحاسبة الصارمة العادلة وتعمل بمنتهى الشفافية. اذا كان انجازاً ناجحاً فتكون له مكافأة مجزية، واذا كان فاشلاً او مقروناً بسوء ادارة فتكون المحاسبة صارمة. الى جانب هذا طبعاً، تبسيط الاطار الذي تتعامل فيه هذه الشركات ومنحها المرونة المطلوبة في العمل. وبالتالي نظرنا في موضوع المؤسسات واقترحنا، واللجنة الاقتصادية تميل الى الاخذ بهذا الرأي، ان تلغى المؤسسات التي تشرف حالياً على الوزارة ولدينا حالياً ست مؤسسات عامة هي "المؤسسة العامة للصناعات النسيجية"، "المؤسسة العامة للصناعات الغذائية"، "المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية"، "المؤسسة العامة لصناعة الاسمنت"، "المؤسسة العامة لصناعة السكر" و"المؤسسة العامة للصناعات الهندسية". هل ستلغى المؤسسات وتبقى الشركات؟ - تستبدل بها، كما ذكرت بمراكز تتمتع بوضع خاص مع ارتباطها بوزارة الصناعة وتقوم بدور يتضمن صفة اساسية هي التخطيط الاستراتيجي وتطوير السياسات وتحقيق عمليات التأهيل والتدريب واعادة التأهيل وعمليات ادخال التقنيات الجديدة واستخدامها في الشركات، وتطوير نظم الادارة والمحاسبة وتطوير نظم التسويق. ما هو عدد الشركات التابعة لهذه المؤسسات؟ - هناك 104 شركات لكن هذا المشروع يتضمن ايضاً امكانية دمج عدد منها والية محددة لذلك من اجل تحقيق مزيد من الاداء الاقتصادي وتخفيف الاعباء الادارية والاكلاف الانتاجية وتعظيم فرص الربح الاقتصادي. ما هي خصائص اصلاح القطاع العام؟ نحن كما قلت بالنسبة للقطاع العام لا نخصص لكننا لا نبقى في الوضع الراهن اطلاقاً. نخرج منه الى وضع جديد يتصف بالقدرة على الاداء الاقتصادي وترشيد استخدام الموارد ونقوم بفصل الادارة عن الملكية. وهذا يعني ان الملكية تبقى عامة ولا تُناقش هذه المسألة، والادارة خاصة لكن لا يعني هذا ان نكون شللاً للقطاع الخاص. هناك تخصيص في المفهوم الاداري، بمعنى الادارة تصبح هي مسؤولة، لا يستعمل تعبير التخصيص حتى لا يساء فهمه. الادارة - كأشخاص - هم مسؤولون ولا يجسدون الملكية العامة، هم يجسدون مسؤوليتهم كمجموعة ادارة. هذا الشيء الذي نعني به بشكل اساسي الفصل بين الادارة، كما ان الفصل بين الادارة والملكية يعني ايضاً صيغاً اخرى اي ان يدار القطاع العام بأسلوب القطاع الخاص. ادارة القطاع العام يدخل فيها ايضاًً اشراك القطاع الخاص والقطاع المشترك، لكن بصفة اساسية المسؤولية تصبح مشخصة بالادارة. هل يعني هذا الاصلاح ودمج عدد من الشركات الاستغناء عن عمال؟ - لا، المبدأ المعتمد، بدون جدال ولا لبس فيه، هو انه لم يجر ولن يجري تسريح اي عامل. اذاً، لا تخصيص ولا تسريح لكن اعادة هيكلة ضمن اطار اصلاح القطاع العام حيثما تبدو إعادة الهيكلة اقتصادياً ضرورية ومفيدة. الحفاظ على العمال لكن بتدوير القوى العاملة لتحقيق الفعالية الاقتصادية. نعلم ان لدينا فائضاً في قوة العمل. لو كنا نريد الاكتفاء باصلاح القطاع العام بشركاته القائمة لكنا امام مأزق هو ان عدداً من العاملين يفوق الحاجة. لكننا ننوي تطوير القطاع العام الصناعي وتوسيعه ايضاً وليس فقط اصلاحه، ما يمكننا من اعادة تأهيل القوى العاملة الزائدة وتحويلها الى مصانع جديدة ووحدات جديدة التي سيصار الى اقامتها في اطار تحسين الاداء الاقتصادي في القطاع. طرح سابقاً، في اطار مفاوضات الشراكة مع الاتحاد الاوروبي، ان اصلاح القطاع العام الصناعي في حاجة الى ستة بلايين دولا اميركي. هل هذا صحيح؟ - طرح هذا الرقم قبل ان اتسلم وزارة الصناعة. الحقيقة هناك مسألة حاجة القطاع العام الصناعي الى مصادر استثمار لتمويل التوسع الضروري في فروعه وصناعاته خصوصاً ان الاستثمار العام الصناعي تراجع خلال العقدين الماضيين ولم يتحقق عملياً الا في فرع الغزل القطني. لا شك ان احدى السمات الاساسية للاصلاح الاقتصادي في استراتيجية التنمية في سورية هي تفعيل قطاع التنمية الصناعية واعطاؤه زخماً لم يتمتع به خلال العقدين الماضيين او العقود الماضية، لكن توسيع الصناعة التحويلية لا يتم دفعة واحدة اذا اردت ان تستثمر في مشروع يحتاج لسنوات عدة. ووفق الانظمة والقوانين السائدة في اقامة المشاريع في سورية فإن تنفيذ مشروع جديد يمر بمراحل عدة، اولها اعداد دراسة جدوى اقتصادية ثم الاعلان عن المشروع واستدراج العروض وطرح مناقصة لتنفيذه. وتجري مقارنة ومفاضلة بين العروض قبل ان يؤخذ باحدها وافضلها، وكثيراً ما يتطلب الامر الاعلان المتكرر قبل اختيار الجهة المنفذة والبدء في التنفيذ. وبالتالي المسألة تأخذ وقتاً وتبرمج على سنوات عدة. ان تفعيل الصناعة التحويلية وتطويرها ورفع دورها في الانتاج الوطني والصادرات يتطلب استثمارات لايستهان في حجمها، لكن الموارد المتاحة لسورية تتيح لنا بصفة عامة تمويل الجزء الاعظم والاكبر من حاجات الاستثمار في الصناعة. لكن في الواقع ان هناك جزءاً محدوداً من الاستثمارات المبرمجة في الخطة الخمسية التاسعة سيتم تمويله من مصادر خارجية معظمها عربي وهي لاتشكل سوى 6،14 في المئة من الاستثمارات، اي 184 بليون ليرة سورية الدولار 50 ليرة سورية تقريباً. ما هو اجمالي الاستثمارات؟ - اجمالي الاستثمارات للقطاعين الخاص والعام 1260 بليون ليرة 25 بليون دولار على امتداد خمس سنوات منها 265 بليوناً للصناعة التحويلية، و145 بليوناً للقطاع العام و120 بليوناً للقطاع الخاص. يشار الى ان حصة القطاع العام من اجمالي الاستثمارات هي 868 بليوناً و392 بليوناً للقطاع الخاص. ليست هناك حاجة لمبالغ استثمارية ضخمة دفعة واحدة في سنة واحدة وما هو متاح في سورية من الموارد يسمح بهذا. وعلى سبيل المثال، حصل قطاع النقل في الموازنة الاخيرة على 20 بليون ليرة. هناك امكانية تمويل لكن طبعاً ينبغي ان ندرك ان هناك فرقاً بين التوسع والتاهيل. وطبعاً اعادة التاهيل مطلوبة وتدخل مع استراتيجية التوسع. طبعاً اي استراتيجية تنمية وتوسع تبدأ اولا في استخدام الطاقات المتاحة واعادة التأهيل وتتطلب بالدرجة الاولى استخدام الطاقات المتاحة. إعادة التأهيل مربوطة من جهة بتحديات منطقة التجارة العربية الحرة وبمفاوضات الشراكة الاوروبية. وكنت اتمنى كاقتصادي وكوزير صناعة ان تكون هناك موازنة تدعم عملية تحرير التبادل بين الدول العربية في منطقة التجارة العربية الحرة مثلما هو قائم بالنسبة الاتحاد الاوروبي، لكن للأسف ما يتاح هو فقط في اطار الاتحاد الاوروبي. ما هو المطروح؟ - يطرح الاوروبيون برنامجا تأشيرياً لثلاث سنوات يشمل مختلف القطاعات، وبالنسبة للصناعة يشمل سبعة ملايين يورو - بالنسبة لاعادة هيكلة وزارة الصناعة. اما بالنسبة لاعادة تاهيل الصناعة ككل نعتقد ان احتمالات الدعم يجب ان تقاس بما تحقق في حالة دول شقيقة مثل تونس او مصر قبلنا، اذ نالت ما يراوح بين 250 و450 مليون يور. اذا اخذنا بالاعتبار عدد السكان وحجم الاقتصاد نقول اننا نحصل على عدة مئات من الملايين اذا احسنا ادارة المفاوضات واذا احسنا وضع السياسات التي تسمح لنا بنجاح المفاوضات. أي سياسات؟ - ان نضع برنامجاً وطنياً للتأهيل واستراتيجية وطنية للتاهيل وفي ضوئها نطلب الدعم. كان هناك توجه خاطئ في الفترة الماضية هو مطالبة الاوروبيين بتمويل برنامج شامل لتأهل الصناعة السورية وتمويل موازنة ضخمة لإعادة تأهيلها. ما هو اصح واكثر منطقية ان نحدد استراتيجية التأهيل وحاجات التأهيل ثم برنامج التأهيل ومتطلباته المالية وفي هذا الاطار نطلب الدعم الفني والمالي ومن جهات مختلفة ومن الاتحاد الاوروبي. هل انتم راضون عما انجزتم في مشروع الاصلاح؟ - لقد بذلنا جهداً جماعياً في اطار لجنة الصياغة، فضلاً عن اللجنة الموسعة، لكنني اشعر من جانبي وكما لاحظ عدد من المعلقين ان هناك جوانب من البرنامج تحتاج الى مزيد من التطوير لتكون خصائص الاصلاح المتناولة فيها اكثر وضوحاً ومحددة زمنياً ومبرمجة مرحلياً. لا شك ان أي مجتهد في مشروع كمشروعنا يلحظ عندما ينتهي من انجاز عمله جوانب قصور في حاجة الى تطوير، فكيف اذا استفاد كما نسعى حالياً من ملاحظات الاخرين ومقترحاتهم. لذلك فإننا سنعاود بذل الجهد لادخال تعديلات او تحسين البرنامج في ضوء مايتوافر لنا من اراء ومقترحات.