شدد وزير التخطيط السوري عصام الزعيم على ان القطاعين العام والخاص هما الركيزة الاساسية للاقتصاد السوري ما "سيجعل الاقتصاد يمشي على قدميه". وقال في حديث الى "الحياة" انه تبنى مشروعاً بكلفة بليون دولار اميركي لمكافحة البطالة. ولاحظ ان الظروف لم تنضج بعد لاستحداث السوق المالية. واشار الى ان الاصلاح الاقتصادي مس بعض الفئات. وتحدث عن تمويل البرنامج الوطني لمكافحة البطالة الذي سيكلف بليون دولار وقال: "نخطط للحصول على خمس المبلغ 200 مليون دولار كهبة والباقي من القروض الميسرة". وعن التعاون الاقتصادي مع العراق قال: "ان التبادل مع العراق بلغ حدود 500 مليون دولار وسيرتفع الى بليون دولار مستقبلاً". يعتبر الوزير عصام الزعيم احد ابرز الوجوه الاصلاحية في حكومة السيد محمد مصطفى ميرو. وهو "يحارب على اكثر من جبهة"، ويركز على علاقة شديدة بين التخطيط السياسي والاستراتيجي والاقتصادي. ويرأس وفد سورية الى مفاوضات الشراكة مع الاتحاد الاوروبي، ويلعب دوراً في مشروع "الاصلاح - التحديث" الذي اطلقه الرئيس بشار الاسد. وبعد مرور سنة على وجوده في الحكم يقدم الزعيم استشرافا للمستقبل ويقوم ما تحقق في الفترة السابقة من خطوات. وفي ما يأتي نص الحديث: جئت في اطار مشروع تحديثي لاجراء عدد من الاصلاحات الاقتصادية، ما هي اهم الخطوات التي انجزت العام الماضي؟ - جئت الى الحكومة بهدف المساهمة في مجهود الاصلاح والتطوير لكن من دون ان تكون حُددت تماماً طبيعة هذه المساهمة في هذا المجهود. وبتعييني وزيراً للدولة لشؤون التخطيط حددت هذه المسؤولية في المقام الاول في مجال التخطيط، لكن بما ان التخطيط الاقتصادي هو جزء من اهتمامات اي وزير اصبحت احد الوزراء المعنيين مباشرة بعملية الاصلاح والتطوير الاقتصادي. هذه العملية طبعاً كان لا بد من تحديد سماتها المميزة. ما هي السمات المميزة لعملية الاصلاح والتجديد؟ ما هي الثوابت التي تحكمها واهدافها وشروط تحقيقها؟ الاصلاح والتجديد اي اصلاح تريد سورية؟ - ان القضية الاولى كانت وضع عملية الاصلاح والتجديد في اطار التعددية الاقتصادية باعتبارها منهجاً معتمداً للدولة، اي ان الاصلاح والتجديد هما تطوير للتعددية الاقتصادية. هذا التطوير قام بشكل اساسي ولا يزال على توسيع حيز القطاع الخاص، فالتعددية الآن وسعت لصالح القطاع الخاص في القطاع المصرفي وذلك بالسماح بإحداث مصارف خاصة ومختلطة، اي ان القطاع المصرفي لم يعد حكراً على الدولة. كذلك وسعت التعددية للقطاع الخاص في المجال المالي حيث تم وضع مشروع قانون لاحداث سوق مالية تنظم عملية تعبئة الاسهم وتنشط تعبئة رؤوس الاموال. كما دخل القطاع الخاص ميداناً مهماً هو الاتصالات وكانت الاتصالات حكراً على الدولة، لكن التعددية عدلت لصالح القطاع الخاص وفتح قطاع الاتصالات للمشاركة الخاصة وتم توقيع عقد "بي. او. تي." مع شركتين غير سوريتين هما "انفستكوم" و"اوراسكوم" للهاتف النقال. من ناحية ثانية يجري تطوير شركة في قطاع الانترنت تقوم بالمبادئ نفسها وتتوزع بين القطاع العام والخاص المحلي والاجنبي، على ان تكون غالبية الاسهم للقطاع الخاص وان لا تتجاوز حصة الدولة نسبة 25 في المئة. اذاً تم توسيع ثلاثة قطاعات: المصارف والمال والاتصالات، لكن طبعاً هذا ليس نهائياً ولا ندري اين يتوقف التوسع في التعددية لصالح القطاع الخاص. ماذا عن القطاع المصرفي الحكومي؟ - في هذا المجال، كان ولا يزال لدينا رأي بأن من المهم جداً ان نعد الاصلاح اعداداً جاداً وان نعطي الوقت اللازم لذلك وان يكون الوقت مفتوحاً. في القطاع المصرفي مثلاً كان هناك خياران متمايزان يمكن ان يكونا متكاملين وهما: اصلاح النظام المصرفي القائم وتطويره وادخال المصارف الخاصة والجديدة، ونحن من اصحاب الرأي بأنه لا بد من إعطاء الاولوية لاصلاح النظام المصرفي القائم وتطويره مع الترخيص لمصارف مشتركة. وخطت الدولة خطوات كبيرة في عهد الحكومة الحالية باتجاه توضيح معالم القطاعات المختلفة حيث انها انهت التشابكات المالية، لكن لا بد من تطوير القطاع المصرفي وفق "برنامج طوارئ" او "برنامج ديناميكي" يتجاوز الانماط التقليدية للدولة ويتجه الى الناس مباشرة. اي ان اصلاح النظام المصرفي مطلوب لانه يحدد نجاح الاستثمار خصوصاً الاستثمار المحلي ولانه يساعد على تعبئة الموارد. لذلك ارى انه قبل ان نفتح السوق للمصارف الخاصة والاجنبية، يجب ان نعطي الاولوية لاصلاح القطاعين العام والخاص. بمعنى آخر كلما خطونا خطوة تجاه النظام المصرفي نكون حققنا اهداف الاصلاح والتطوير. لذلك لا يجوز ان نعتمد على برامج تقليدية لاصلاح النظام المصرفي، يجب ان تكون هناك برامج طارئة للملكية تعطي صلاحيات كبيرة للمسؤولين عن برنامج الاصلاح المصرفي وتعطي امكانات جديدة للاستثمار والاجور والرواتب، وتعطي نظاماً مصرفياً جديداً بديلاً عن النظام الحالي وتخلق مناخاً مصرفياً جديداً. هذا كله في اطار تغيير ما هو قائم، ولا بد من تغيير ما هو قائم. واعطي هذا الاولوية على ادخال مصارف خاصة واجنبية. السوق لم تنضج بعد ماذا عن سوق الاوراق المالية؟ - أرى ان السوق المالية اداة مناسبة لاستقطاب المدخرات وتوزيعها على تعزيز امكانات تمويل الشركات، لكن المدخرات محدودة. يعني المدخرات التي يمكن ان تأتي بها السوق المالية محدودة، لماذا؟ لأن الشركات المساهمة التي تستطيع ان تستقطب المدخرات محدودة للغاية والشركات الصغيرة لا يمكن ان تقوم بنشاط السوق المالية الحالية. والشركات الرابحة وصاحبة الاداء الجيد، تستقطب مزيداً من الاموال وهذا يساعد على مزيد من التوسع، لكننا لسنا في هذه الوضعية حالياً. اذن، لم تنضج الظروف كفاية لاحداث السوق المالية لكن احداث هذه السوق ضرورة لتعبئة الموارد كما هو اصلاح النظام المصرفي وايجاد نظام مصرفي فعال، وقد يستغرق تنفيذ هذه القرارات بالنسبة للسوق المالية والمصرفية بعض الوقت وتكون الظروف اكثر استجابة لما هو الآن. اعود الى مسألة اولى وهي قضية ان هناك علاقة شديدة بين السياسي والاستراتيجي والاقتصادي. فاذا كانت مواجهة التعددية واعادة صياغة هيكل التعددية مسألة في صلب مسألة محددة لعملية الاصلاح والتجديد في المقابل هناك علاقة بين السياسي والاقتصادي. ليست سورية في وضع بلد عربي آخر بعيد عن فلسطين. سورية تواجه احتلالاً اسرائيلياً وسورية تعتبر فلسطين قضية لا تنفصل عن قضاياها. بالتالي فإن لسورية دوراً ومهام سياسية وقومية وطنية وقومية. هذه المعطيات لا يمكن ان تجعل الاقتصادي امراً محايداً. يعني إذا انا فتحت سوق اوراق مالية من دون ان اتخذ التدابير اللازمة، يمكن ان تدخل اموال غير مرغوب بها، رؤوس اموال اسرائيلية مثلاً. وكذلك الامر بالنسبة للمصارف ايضاً. لكن سُمح في مشروع قانون المصارف الخاصة لرأس المال الاجنبي بالعمل؟ - نعم مسموح لرأس المال الاجنبي... التوزيع سيكون 25 في المئة للدولة و75 في المئة للقطاع الخاص 49 في المئة منها للقطاع الاجنبي او العربي. اي ان ال 26 في المئة المخصصة للسورية زائد ال 25 في المئة التي تمثل حصة الدولة تمثل 51 في المئة من رأس مال اي مصرف. اي تم اتخاذ تدابير للتحكم بهذه المسألة، يعني بمشروع القانون لا يجوز لأي جهة ان تملك اكثر من 5 في المئة. لكن يمكن ان تدخل رؤوس الاموال الاجنبية تحت قطاعات، وتحت اسماء عدة. خيار المحافظة على القطاع العام هل صحيح ان مشروعي قانوني الاوراق والمصارف سيقران الشهر الجاري؟ - نعم، ما اردت ان اقوله انه اذا كان الاصلاح والتجديد يستوجبان توسيع مجال التعددية وتطويرها لصالح القطاع الخاص في التعددية الاقتصادية، فان الاصلاح والتجديد يستوجبان ايضاً الربط الصحيح بين الاقتصادي والاستراتيجي وبين الاقتصادي والسياسي والقومي والوطني. هذا ربط ضروري، واضرب مثلا: نحن نريد ان نقيم تعددية، نحن نريد ان نتجه الى السوق، هل نعزز التعددية ام نلغيها؟ اقتصاد السوق بشكل مطلق والغاء التعددية؟ اقتصاد السوق بشكل نسبي بما يمكنه ان يتعايش مع التعددية؟ يعني هل نتخذ نموذجاً يتصف بتعايش قطاع الدولة مع القطاع الخاص ومع العمل الغالب لآليات السوق؟ هل نتخذ فقط اقتصاداً يقوم على اقتصاد السوق ويصب في القطاع العام؟ واضح ان الخيار الذي اخذت به سورية واقرته القيادة السياسية هو خيار المحافظة على القطاع العام مع توسيع القطاع الخاص. كنت احد الذين سافروا الى دول عدة بينها مصر وتونس وماليزيا والهند والصين لإجراء دراسات مقارنة مع نماذج اخرى. في اي نموذج تسير سورية؟ - هذا موضوع مطروح. واعتقد ان ما هو مطلوب ايضاً الحاجة الى حوار هادئ ومعمق لا يدخل في الجزئيات ولا يدخل في التفاصيل لكنه يتناول الأسس ويتناول الثوابت. حوار حول دور الثوابت وعلاقتها باعادة التأهيل والتطوير. كما قلت هل نبقي اقتصاداً مختلطاً ام نقيم اقتصاد سوق فقط؟ لم يحسم بعد؟ - حسم على المستوى السياسي لكن يجب ان ينعكس هذا اقتصادياً. يعني يجب ان ينعكس في التدابير الاقتصادية. حسم على المستوى السياسي ونعتبر ان هذا الحسم يعكس مصالح البلاد ومصالح الجماهير كما حسبته القيادة السياسية. لكن هذا الحسم يحتاج لأن يُفهم ويوضع ويطبق في عملية الاصلاح والتجديد في مختلف جوانبها القطاعية ونواحيها. مثلاً: على المستوى الكلي طورنا قانون الاستثمار لعام 1990 بالقانون رقم 7 عام 2000، وعدلنا قانون تهريب واخراج الاموال في القانون 24 باتجاه الحد من تدابير زجرية وتسهيل التطور الاقتصادي. واعددنا مشروع مصارف خاصة ومشتركة ومشروع السوق المالية. كل هذه التدابير من شأنها ان تعزز الاستثمار الخاص. لكن السؤال هل قمنا بما فيه الكفاية من تدابير كافية على الصعيد الآخر: الأجور، المرتبات، القوة الشرائية، الضرائب على الدخل المحدود القطاع العام. حصل جزء منه برفع الرواتب العام الماضي؟ - حصل جزئياً. واعتقد ان تدخل الرئيس بشار الاسد هو العامل الاساسي لما حصل. يعني تدخله كان مهماً وحاسماً في زيادة الاجور. وتدخله كان مهماً في التأكيد على التوازن الاجتماعي والتأكيد على ايجاد الوظائف ومكافحة البطالة والتأكيد على رفع القدرة الشرائية، لكن حتى الآن اصلاح القطاع العام لم يتقدم كثيراً والحكومة واعية لهذه المسألة وملتفتة الآن لهذا الجانب. هناك حاجة ماسة لتطوير القطاع العام، نحن قلنا لا لتخصيص القطاع العام وانا شخصياً كنت مؤمناً ولا أزال على رأيي لأني اعتقد ان مصلحة التنمية في سورية تستوجب ان يسير الاقتصاد على قدمين. ان يسير على ساقي الاقتصاد العام اقتصاد الدولة والاقتصاد الخاص وان يتكامل القطاعان وان يتعاون الساقان على جعل الاقتصاد يمشي على قدميه. وشكلت لجنة بهذا الخصوص وأعدت دراسات منها ورقة اعدها نائب الرئيس عبدالحليم خدام تضمنت آراءً مهمة جداً. وهناك دراسة اعددتها بالتعاون مع السيد محمود سلامة والسيد ايوب رزوق واقترحنا فيها الحفاظ على القطاع العام وتطويره وتوسيعه بما يؤمن ربحيته واستقلاليته وحسن مساهمته في الاقتصاد الوطني، والتوجه العام هو نحو هذا. لكن هناك حاجة الى عمل كبير في هذا المضمار لتنفيذ هذه الافكار وتحويلها الى واقع، وهناك حاجة لإعداد برنامج الاصلاح الاداري للقطاع العام وبرنامج الاصلاح المالي ونظام الانتاج ونظام التسويق واعادة تأهيل واعادة توزيع القوى العاملة في القطاع العام والترابط مع برنامج توجيه الاستثمار في القطاع العام. وهناك حاجة لتحديد واضح لصورة القطاع العام المصلح، كيف سيكون القطاع العام بعد اصلاحه. اولاً... كبنية انتاجية ماذا سيضاف اليه من مرافق ومن خطوط انتاج وكيف ستكون درجة الترابط القطاعي داخله ودرجة الترابط بين الصناعات ذات المفهوم الصناعي الواحد ودرجة الترابط بين الصناعات المختلفة في القطاع العام الصناعي؟ هذه المسألة لم تتحدد بعد وتحتاج الى مجهود وتحتاج الى استثمار ايضاً. وبالنسبة الى النظام الاداري في هذا القطاع وما سيكون عليه، فمثلاً : هناك صيغ عدة لتحسين اداء القطاع العام، بعد اصلاحه من خلال تطوير ادارته. مثلاً ذُكرت قضية ادخال شركات اجنبية لتدير القطاع العام لكن ليست هذه الصيغة الوحيدة، هناك صيغ عدة تأتي قبل ادخال اطراف اجنبية يمكن ان يقوم المسؤول عن القطاع العام بعد تحقيق الاستقلال والمسؤولية على مستوى المؤسسة والشركة الواحدة بادارة القطاع ادارة اقتصادية تفصل بين الملكية والادارة يعني ان الملكية تبقى عامة لكن الادارة تطبق قوانين وقواعد محددة، اذا فشلت فهي تتحمل نتائج الفشل وتنفصل عن ادارة القطاع واذا نجحت فهي تتعزز موقعاً وتعطى مزايا عالية. وهناك امكانات للدخول في شراكات مع شركات عامة اخرى او خاصة محلية او عربية او اجنبية. نقل عنك بان جميع الاصلاحات ستُنجز في السنوات الثلاث المقبلة؟ - وضعت ذلك في مشروع خطة خمسية بالاتفاق مع رئيس الوزراء وستكون خطة ثلاثية ثم ستتطور الى خطة خمسية. لماذا خطة ثلاثية؟ لأننا قدرنا هذه الفترة بأنها فترة كافية ومناسبة لإنجاز عملية الاصلاح الاقتصادي، يعني اذا تابعنا بالوتيرة نفسها والدأب نفسه يمكن ان ننجز. اولاً، لا يجوز ان تطول المدة كثيراً يجب الا تكون طويلة جداً، لأنها كلما طالت انهكت الاقتصاد واخرت عملية النمو. فإنهاء العملية يعني الانتقال بعدها الى النمو ونحن نريد ان ننتقل الى النمو الفعال. ثانياً، هناك مهام محددة معروفة وفي ضمنها نرى بأن من الممكن اذا عبئت الجهود والموارد ان تتم الدراسة. يعني هناك جوانب تتعلق بالقطاع المالي والمصرفي، وهناك جوانب تتعلق بالتجارة الخارجية وهناك جوانب تتعلق بالتخصص الصناعي وهياكل الاقتصاد الوطني، وهناك جوانب تتعلق بالجوانب الاجتماعية وجوانب قوة العمل. اقول بعد ثلاث سنوات كي انبه من يعتقد انه يمكن ان ينجز هذه المسألة في بضعة اشهر. يعني من يريد ان ينهي مسألة الاصلاح الاقتصادي في بضعة اشهر قد يكون حسن النوايا ويريد الانتقال، لكن هذا التوجه لا يكفي ولا يسمح باعداد الحلول المناسبة بعمق وتأن وبعد تدقيق. في المقابل كما قلت لا اعتقد ان الاصلاح الاقتصادي يجب ان يطول، وقد طال في بعض الاقطار العربية ولم يعد هذا بالنفع لان الاصلاح الاقتصادي هو فترة انتقالية وتغيير للهياكل وتغيير للسياسات وتغيير الهياكل والسياسات فترة تؤدي الى هدر الاستثمار الخاص كما انها لا تسمح اقتصاديا بالاستثمار العام. انها فترة تتسم بميل الاستثمار الى الانحدار وميل التشغيل الى الانحدار وبالتالي ميل الاقتصاد الى الانكماش. وهذا اتجاه يجب ان نردعه بوسائل فعالة. لكن ايضاً باعطاء مدة زمنية واقعية للاصلاح الاقتصادي. لذلك انا قلت ثلاث سنوات لان سنة واحدة قد لا تكفي ولأن خمس سنوات او عشر سنوات فترة طويلة وغير مناسبة للاقتصاد الوطني. هل فترة اسبوعين او ثلاثة اسابيع او شهر كانت كافية لاعداد دراسات استشرافية للاقتصاد السوري للسنة 2020، كما حصل مع الحكومة؟ - لا، طبعاً لا. اصلا لم ننجز هذه الدراسات ولا نزال في البداية. هناك من يعتقد ان الدراسات الاستشرافية غير الفكرية. ولا نلتقي مع اصحاب هذا الرأي. نحن نعتقد ان الظروف العالمية هي من التنوع والتعقيد وانها تتغير بسرعة لم يسبق لها مثيل بحيث اننا نحتاج لأن نستشرف المستقبل عندما نبت في الحاضر وفي الحدود متوسطة الاجل. لا يمكن ان نحل القضايا متوسطة الاجل من دون الاخذ في الاعتبار متطلبات الاجل الطويل. اذا اخذنا على سبيل المثال موضوع النفط، نحن نحتاج ان ندرس آفاق النفط والغاز في سنة 2020. هذا مهم جداً. الخيبة لكن المواطن لم يشعر الى الآن بالاصلاحات التي حصلت، وهناك "خيبة" لدى السوري لان القرارات لم تصل الى الشارع. ما هو تفسيركم؟ - يجب ان ننظر الى المجتمع كفئات مختلفة. ونعتقد ان هناك مسألة اساسية هي علاقة الثوابت بالاصلاح الاقتصادي. اي ما اسميه علاقة الوطني وعلاقة الاجتماعي. اذ نحن بحاجة ان نجدد الحلف الاجتماعي والحلف الوطني الذي قام في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد الذي اتاح لسورية ان تتحول الى قوة اقليمية تدافع عن المصالح العربية دفاعاً نعتز به. نحن بحاجة الى تطوير هذا الحلف في الظروف الجديدة. والواقع ان الاصلاح الاقتصادي مس بعض الفئات ومس فئات مختلفة واشكالا مختلفة. عندما زادت الاجور في الشهر التاسع من العام الماضي مست اصحاب الاجور العاملين في الدولة. وعندما اتخذ القانون رقم 7 تعديل القانون رقم 10 وقوانين عدة اخرى مس هذا التغيير القطاع الخاص. الاسثمارات الخارجية لكن الاستثمارات الخارجية لم تأت الى سورية؟ - كانت شرطا لازماً لكنه غير كاف. والاستثمار المحلي سينشط اكثر بكثير مما هو الآن عندما تزال العقبات امامه. مكافحة البطالة مثل ماذا؟ - عندما يحصل اصلاح النظام المصرفي. اذ انه سيحل الاشكال وستكتمل حلقة الاصلاح. ما دمنا اردنا الاصلاح المصرفي سنتوجه الى اكمال حلقة الاصلاح وبالتالي تفعيل نظام الاقراض وتفعيل الاستثمار ايضاً. فالتدابير مست فئات مختلفة لكن هناك حاجة دائماً لأن تكون هناك تدابير متكاملة ومتوازنة. فبالنسبة الى القدرة الشرائية نحن لا نستطيع ان نحقق زيادات كبيرة لان الانتاجية في الاقتصاد الوطني منخفضة. لكن لا بد لنا ان نبرمج رفع الانتاجية ورفع الاجور ايضاً في مرحلة لاحقة. كما اننا نستطيع ان نخلق فرص العمل. واتوقع ان يوافق رئيس الجمهورية على قانون لانشاء "الهيئة الوطنية للبرنامج الوطني لمكافحة البطالة" الذي سيؤدي الى ايجاد فرص عمل لمئات من الالاف خلال بضع سنوات. ما هي طبيعة هذا المشروع؟ - هذا مشروع يُقدم للمواطنين اموالاً اما هبات او قروضاً ميسرة. القروض تمثل 80 في المئة مما سيُصرف من اموال في هذا البرنامج. والهبات تمثل 20 في المئة. هذا البرنامج يهدف الى تأهيل الناس وتمكينهم من اقامة مشاريع اما للتشغيل الذاتي الصغير او لتشغيل عدد قليل من الناس في اطار مؤسسات صغيرة. هذا يراوح بين الانشطة الزراعية والصيد وانشطة صناعية الى انشطة خدماتية. 200 مليون دولار هبات ما هو رأس مال المشروع الوطني؟ - الفكرة ان يصل الى بليون دولار اميركي او خمسين بليون ليرة سورية. هذا طبعاً على مدى سنوات وبتمويل داخلي وخارجي. وسنبدأ الآن حملة من اجل الدعم المالي له من خلال دول وجهات مانحة، لكن الدولة ايضاً قررت ان ترصد له اموالاً فور ان يصبح البرنامج هيئة قائمة على الصعيد القانوني. كهبات ام كقروض؟ - ننوي الحصول على خمس المبالغ بصفة هبات واربعة اخماس هي قروض ميسرة. اقصد التمويل الخارجي؟ - التمويل الخارجي سيكون على شكل هبات من جهات مانحة متعددة الاطراف وثنائية تشمل الاتحاد الاوروبي وربما اليابان وربما الاممالمتحدة وجهات اخرى. سندخل في مفاوضات وننوي ان نتباحث مع "البنك الاسلامي للتنمية" في هذا المجال. ونبحث مع الصناديق العربية امكانات مساعدتنا في هذا البرنامج ايضا. ستعقد جولة مقبلة لمفاوضات الشراكة مع اوروبا في ايار مايو المقبل، وحان وقت تقديم الجانب السوري اقتراحات بديلة لاتفاق الشراكة؟ - ليس تماماً بهذا الشكل. اذ حصلت اربع جولات سابقة قبل تشكيل الحكومة السورية الحالية. وجرت الجولة الخامسة اخيرا، لكن الجولات السابقة لم تتوصل الى نتيجة كبيرة من الناحية العملية. واهم ما فيها هو انها توصلت الى بعض الافكار العملية بالنسبة لترتيبات المرحلة الانتقالية، لكنها لم تتمكن من ان تعكس هذا بشكل تطوير وطني لبنى الصناعة والزراعة والاقتصاد. المشكلة الكبيرة هي اننا عندما نتفق مع الاتحاد الاوروبي لا بد ان نذهب اليه ونحن قادرون على التحدي. هذا يعني انه يجب ان نقوم خلال فترة زمنية محددة بمجهود رفع قوتنا الصناعية وقوتنا الزراعية وقوتنا التبادلية. لكن هذا امر لم يجر بشكل كاف في الماضي. يعني كنا نذهب الى المفاوضات لكن لم نعد انفسنا ولم نطور الصناعة القائمة ولم نطور المنشآت الصناعية، لم نطور منشآت القطاع الزراعي بشكل يسمح لنا بتقرير اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي. نحن في حاجة الى مثل هذه التهيئة. هذا الاعداد يتطلب اولا ان نحدد كيف يجب ان تكون صورة صناعاتنا، تكون صناعاتنا عندما ندخل في الشراكة. بماذا ستختلف عن صناعتنا الحالية؟ اذن، ما هو التغيير المطلوب في الصناعة حتى يمكن ان ندخل في الشراكة في اتفاقية حرية التبادل. لم يحصل ذلك بعد؟ - ينتظر الاتحاد الاوروبي منا ان نقول له ماذا نريد منه من اجل تفعيل اعادة التأهيل، اي هذه هي الحلقة الاخيرة لكن لا بد من الحلقات السابقة في الاول. لا بد ان نحدد ما هي صورة الصناعة التي نريدها عندما ندخل في الشراكة الاوروبية. ندخل فعلاً. لا نوقع انما ندخل فعلاً مع ان هناك بين التوقيع والدخول فترة انتقالية. عندما نحدد هذه الصورة نقول ما هي متطلبات الوصول الىها ما هي الاستثمارات المطلوبة. ما هي الفروع الجديدة التي نحن بصدد تحديثها وماهية اعادة هيكلة وقوة الصناعات القائمة. الوصول الى هذه الصورة ماذا يتطلب من اموال. وماذا يتطلب من كفاءات، وماذا يتطلب من تطوير مؤسساتي وادارات؟ عندئذ نذهب الى الاتحاد الاوروبي ونقول نحن نطلب منك كذا. وماذا عن المستوى التفاوضي - التقني؟ - بالنسبة للشراكة ان الاعضاء في مفاوضات الشراكة اناس يحتلون مواقع عملية في الادارة ومسؤوليات تنفيذية ولا بد ان يقوموا بمهامهم وفي الوقت نفسه يجب ان يقوموا بهذا العمل التفاوضي. في المقابل في الاتحاد الاوروبي جهاز فاوض دولاً عدة ويتفاوض الآن معنا ويملك باعاً طويلاً ويملك جهازا متخصصاً. فالمسألة بالنسبة اليه مسألة روتينية لكنها ليست مسألة روتينية بالنسبة لنا. الاتفاق سيتم وان تم في هذا الصيف ام في الصيف المقبل او في وقت ما سيتناول المستقبل. الاتفاق هو كيف سيكون المستقبل وكيف سيشارك الاتحاد الاوروبي سورية في تغيير الصناعة السورية مثلاً وتطويرها وبالتالي كيف ستكون العلاقة السورية - الاوروبية بعد عشر سنوات مثلاً على الاقل. اذن، نحن نعد حلفاً للمستقبل. وبالتالي عندما نعد حلفاً للمستقبل سيمتد على عشرات السنين. هل هي مسألة جوهرية ان نوقع في حزيران يونيو المقبل او نوقع في آخر السنة ام نوقع في صيف السنة المقبلة. اعتقد ان بضعة شهور او ستة شهور او حتى ثلاثة ليست قضية بذات اهمية، لكن من المؤكد اننا نحن سنبذل قصارى جهدنا كي ننجز هذه المهام بأسرع ما يمكن. وهذا جزء من سياستنا العامة. الحدود الجمركية ما هي القضايا التي ستبحث في الجلسة المقبلة؟ - سنبحث معهم موضوع الترتيبات المطلوبة لازالة الحدود الجمركية في مجال الصناعات الوطنية ومنتجاتنا الزراعية وما هي الترتيبات المالية وسنتفاوض على القطاعات قطاعاً قطاعاً ونتفاوض في كل قطاع وزمرة من زمر المنتجات. هناك زمر المنتجات الزراعية تختلف عن الصناعية وهناك زمر من المنتجات الغذائية المصنعة. الموضوع الزراعي لا يزال مشكلة؟ - طبعاً، نحن نريد تحويل التبادل في الاساس الى تبادل في الاشخاص وفي السلع وفي الاموال. وعملية التبادل المطروح هي التبادل بالسلع ورؤوس الاموال وليس بالاشخاص هذا اولاً. وثانياً التبادل الزراعي جزء من التبادل العام، لكن لدى الاتحاد الاوروبي سياسة حمائىة بما يخص الزراعة. فمن هذه الناحية يجب ان نصل الى ترتيب يأخذ في الاعتبار تشدد الاوروبيين في موضوع التبادل الزراعي، وقد يكون من مصلحتنا ان نكون متشددين في قطاع الصناعة مثلما هم متشددون في قطاع الزراعة ريثما يقرون تحرير الزراعة، وريثما نستقر نحن على تحرير صناعتنا، وبالتالي فاننا سنُعد لترتيبات انتقالية قد تطول بضع سنوات، لكن المهم لهذه الترتيبات ان تكون متوازنة لاننا لا نريد ان نطلب من الاوروبيين كل شيء ولا نعطيهم شيئاً كما لا نريد ان نقدم تنازلاً مطلقاً في شأن السلع الزراعية وهي بالنسبة لنا مهمة من دون ان نطلب منهم بعض التنازلات. هل هناك تقديرات لحجم المساعدات المالية المتوقعة من الاوروبيين؟ - ليس لدينا تقارير واضحة لكن الاتحاد الاوروبي يسعى لأن يقدم المعونات ويهتم بتقديم المعونات وهناك برامج معونات وقروض من "بنك الاستثمار الاوروبي". لكن كل هذه الموارد ليست كبيرة للغاية عندما نقارن في هذا الاطار ما يقدمه الاتحاد الاوروبي بما قدمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة معه الى دول اخرى في اطار التعاون الاقتصادي. اليمن مثلاً تلقى من المعونات اضعاف اضعاف ما ستتلقى سورية في اطار الشراكة. التعاون الاقتصادي مع العراق كيف ترى مستقبل العلاقات السورية - العراقية اقتصاديا وسياسيا؟ - نعتقد ان سورية على الصعيد السياسي بينت بوضوح انها ضد الحظر المفروض على العراق وضد الاعمال التي تجري ضد العراق وليس هذا بغريب على سورية. ونحن متضامنون مع الشعب العراقي في هذا المضمار ونسعى معه ومع القوى العربية الاخرى من اجل ازالة هذه الانتهاكات الظالمة التي الحقت افظع الاضرار بالشعب العراقي. وندرك اهمية العراق بالنسبة لنا واهمية سورية له اذ نربط العراق بشواطئ المتوسط وهو يربطنا بالخليج ونحن والعراق نشكل تكاملا في قطاعي النفط والغاز وكياناً متكاملاً في قطاع الاقتصاد بصورة عامة. وقعنا اتفاقا للتجارة الحرة مع العراق قبل ان نعقد اول اتفاق للتجارة الحرة مع السعودية. والاتفاق مع العراق يعكس المصالح المشتركة فنحن جيران وهذا له مترتباته. اي بلدين متجاورين لا بد ان تكون لهما مصالح مشتركة. هذا منطق الاشياء. عملياً عندما يتعاون بلدان متجاوران ويوحدان آلية عملهما الاقتصادي وعندما يتكامل العراق وسورية في مشاريع اقتصادية متبادلة المنافع فان العراق يصبح على شواطئ المتوسط ونحن نصبح اكثر على مقربة من الموارد الاخرى. ما هو مستقبل هذا التعاون؟ - يساعد اولاً في تخفيف الحظر عن الشعب العراقي لانه يتيح تزويد العراق بعدد من السلع الغذائية والاستهلاكية والاخرى. وفي المقابل فاننا نستفيد من هذا في تنشيط انتاجنا واقتصادنا. والعراقيون متحمسون لهذا ويجدون فيه مصلحة متبادلة. ولا نزال نحترم الاتفاقات الدولية ونحن متمسكون بها. وما يُشاع عنا ليس صحيحاً لأننا ندرك اهمية التزام القانون الدولي. في الوقت نفسه فإننا نرى ان هناك قوانين ليست عادلة ونطالب بتعديلها ونسعى لتعديلها، ونقول هذا صراحة كما ان هناك تدابير تتخذ تحت ستار القانون الدولي. هل هناك تقديرات لقيمة التبادل التجاري بين البلدين؟ - تجاوز التعاون الى الآن نصف بليون دولار. وهناك آفاق اكبر ستفتح في المستقبل القريب بحيث سيصل الى بليون دولار. هذا أمر ممكن جداً.