الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    البرلمان العربي يدين حرق كيان الاحتلال لمستشفى بقطاع غزة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    وزير المالية اليمني ل«عكاظ» الدعم السعودي يعزز الاستقرار المالي لبلادنا    التركي فاتح تريم يصل إلى الدوحة لبدء مهامه مع الشباب    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلامي المصري هاني السباعي يروي قصة تأسيس "الجهاد" ودور عبدالسلام فرج في الوحدة مع "الجماعة" واغتيال السادات . الظواهري هو الأمير الأول ل"جماعة الجهاد"... و"الجماعة الإسلامية" إختراع قديم ل"الإخوان" 1 من 4
نشر في الحياة يوم 01 - 09 - 2002

يروي الإسلامي المصري هاني السباعي في هذه الحلقة معلوماته عن تأسيس "جماعة الجهاد" بقيادة الدكتور أيمن الظواهري والوحدة التي حصلت مع "الجماعة الإسلامية" وقادت الى اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في العام 1981. ويستند السباعي في جزء من روايته هذه الى أحاديث استقاها من الظواهري نفسه. ويشير تحديداً الى اختلافات جوهرية بين "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" وهي التي تجلّت أخيراً في تراجع "الجماعة الإسلامية" عن بعض السياسات التي كانت تتبناها عندما استطاع عبدالسلام فرج، صاحب كتاب "الفريضة الغائبة"، ان يوحّدها مع جماعة الدكتور الظواهري.
"جماعة الجهاد"
ظهرت جماعات جهادية عدة بدءاً من حقبة الستينات. لكن "جماعة الجهاد" تحديداً ظهرت على يد الدكتور ايمن الظوهري. وقد سمعت ذلك منه شخصياً. سألته: ما الذي أثّر فيك لتكوّن هذه الجماعة؟ ما الذي دفعك الى تأسيس هذه المجموعة، وقد كنتم لا تزالون فتياناً في الثانوية العامة في مدرسة المعادي؟ قال لي إنه تأثر أول ما تأثر بكتابات سيد قطب وحادثة الحكم بإعدامه 1966. تأثر بمشروع هذا الرجل قطب من خلال القراءات والكتابات البليغة والوضوح في تشريح الواقع. وصف الدكتور أيمن سيد قطب بأنه مثل الطبيب الشرعي الذي يشرّح الجثة بمهنية وتقنية عالية وكأنه يعرفها بأدق تفاصيلها.
... إذن بدأ هذا المشروع تأثراً بسيد قطب وبشيء آخر حكاه لي الدكتور وهو انه كان يذهب الى مكتبة جده شيخ الأزهر القديم الشيخ الاحمدي الظواهري ويقرأ في الكتب القديمة. يقرأ نتفاً من هنا ونتفاً من هناك ويقلّب الكتب. من خلال قراءاته هذه تعمّق عنده روح التديّن. وبما انه من أسرة ثرية ميسورة فكان يستطيع ان يشتري كتب سيد قطب. بيئة الدكتور كانت بيئة ثقافة. فالدكتور عبدالوهاب عزام باشا الذي كان سفيراً في باكستان، هو الذي ترجم شعر الشاعر الشهير محمد إقبال الى اللغة العربية، وكان يتحدث لغات عدة وهو الذي شرّح شعر المتنبي في ديوان شهير له، وله كتابات عديدة. وكان الدكتور ايمن يتكلم عنه كثيراً ويحبه.
سألت الدكتور أيمن كيف أسس جماعته، وقلت له ان الناس تحكي ان الذي أنشأها هو نبيل البرعي ومعه المهندس اسماعيل طنطاوي وبعض الإخوة الآخرين وأنت كنت بينهم. فرد بالحرف الواحد: أنا الذي كنت أميراً على هذه المجموعة بمن فيهم الدكتور سيد إمام صاحب كتاب طلب العلم. قال ان المجموعة التي تشكّلت في ناحية المعادي، ضمّت طلبة في الثانوية كانوا يذهبون الى المسجد معاً كونهم يعرفون بعضهم بعضاً من المدرسة. في تلك الفترة اجتمعوا وكوّنوا أول خلية لنواة جماعة صغيرة واختاروه الظواهري أميراً للمجموعة الصغيرة التي ضمت الدكتور أيمن ونبيل البرعي واسماعيل طنطاوي والدكتور سيد إمام وغيرهم. كانوا في الثانوية العامة في المعادي، ومعظمهم من أبناء هذه المنطقة الراقية. قال لي الدكتور ان تأسيس المجموعة حصل في العام 1968، وانهم كانوا يذهبون في تلك الفترة الى مسجد الكيخيا في منطقة عابدين بالقاهرة. كان هناك مسجد لجماعة أنصار السنّة، وهي جماعة تركّز على التوحيد وتهتم بالعقائد وتحارب البدع والقبور والطواف حولها.
كان الدكتور أيمن يتردد على مسجد "أنصار السنة" ويلتقي ورفاقه هناك حيث يستمعون الى الدروس الدينية ويحضرون حلقات التجويد. كانت تلك البداية: جلسة يقرأون فيها القرآن ويتعلمون التجويد على يد أحد المشايخ، ثم من يحترف منهم القرآن وتجويده يُعلّم إخوانه. ثم يقرأون كتب التفسير. وبعد ذلك بدأوا يقرأون كتباً طُبعت في "المكتبة السلفية" مثل كتب إبن تيمية الذي أثّرت فتاويه فيهم تأثيراً كبيراً، بحسب ما قال لي الدكتور.
كانت تلك الجماعة جماعة الظواهري بسيطة لا يتجاوز منظورها كيف ننظر في أمر ديننا وكيف يحصل الخلاص. وكانت هزيمة الحرب الشهيرة في 5 يونيو حزيران 1967 عزّزت اقتناع اعضاء المجموعة بضرورة العمل من أجل التغيير. فقد قال لي الدكتور انهم شعروا في تلك الفترة، وهم لا يزالون في سن الشباب، بالخجل والعار على هذه الفضيحة، وكانوا يقرأون لبعض الناس الصالحين الطيبين الذين قالوا ان السبب في كل هذه الخسارة هو غياب الشريعة عن الحكم.
كل هذه العوامل أثّرت تأثيراً كبيراً في اتجاه تبني مشروع إسلامي. لكن كيف يتم تنفيذ هذا المشروع في ظل هذه الدولة المتوحشة الكبيرة التي لها مؤسسات وجيش وقوات أمن ومؤسسات، لم يكن ذلك قد تبلور بعد.
وفاة عبدالناصر
وكانت وفاة الرئيس جمال عبدالناصر بمثابة الإنطلاقة للتيار الإسلامي والفرج الذي أتى "الإخوان المسلمين" الذين كانوا يعانون محنة السجون. بعد وفاته بدأت فترة اصطُلح على تسميتها "الانفتاح". وكانت فعلاً فترة انفتاح عام في السبعينات، لكنه كان فوضوياً. فكّر أنور السادات في كيف يبني شعبيته ويتخلص من خصومه. فهؤلاء يستطيعون تحريك الشارع بتظاهرات قد تقود الى ثورة تطيحه بين عشية وضحاها. فوجد ضالته في الإسلاميين. وهؤلاء كانوا "الإخوان المسلمين" لأنهم كانوا القوة الكبيرة المحرّكة للناس لكن مشكلتهم ان معظمهم يقبع في السجون. فأفرج عنهم وترك لهم الحرية ليفعلوا ما يشاؤون. بدأ الإخوان بالعمل على التحكم من كوادر المجتمع والتغلغل في الجامعات والنقابات. ألّفوا كتباً في التنديد بعبدالناصر وكشف مصائب نظامه. بدأت مظاهر الشارع تتغيّر. كانت الستينات فترة "الهيبيز" والفوضوي، لكن فجأة بدأ ظهور الحجاب والنساء المنقبات واللحى والقمصان البيض للرجال.
وهكذا قاد الإخوان المد الإسلامي في تلك الفترة. لكن السادات كان واضحاً في انه لم يرد ان يدخل "الإخوان" الى الجامعات المصرية بوصفهم جماعة "الإخوان المسلمين". لذلك اخترعوا إسماً جديداً هو "الجماعة الإسلامية" في الجامعات، أو ما يسمى "إتحاد الطلاب". دخلوا اتحاد الطلاب عبر اسم "الجماعة الإسلامية"، لتكون مقبولة للنظام ولا يصطدموا به إذا أصرّوا على إسم "الإخوان المسلمين". أصدرت "الجماعة الإسلامية" كتباً ومنشورات مثل "صوت الحق" و"صوت الجماعة الإسلامية"، وانتشرت اتحاداتها الطلابية في كل الجامعات، وكان لكل جامعة أو كلية "أمير"، وكان "امراء الجامعات" يعقدون اجتماعاً كل يوم خميس، غالباً ما يحصل في القصر العيني بكلية الطب في القاهرة. هذا كان في الوجه البحري. أما في الوجه القبلي، فكان إسم "الجماعة الإسلامية" هو أيضاً الذي اتبعه "الإخوان" وعملوا من خلاله في جامعة أسيوط.
جماعة الجهاد
وكانت مجموعة الدكتور أيمن منشغلة آنذاك فترة السبعينات في التدريس وتجنيد الأفراد وتوسيع العضوية. وهم كانوا في تلك الفترة يركّزون على الجيش ويبحثون عن الضباط لأنهم يعرفون ان الجيش هو أسهل ورقة للتغيير بدون اهدار دماء. وفي هذا الإطار، تعرّف الدكتور على عصام القمري رحمة الله عليه. هناك ضباط إسلاميون دخلوا الى الجيش كضباط عاديين ولكن حصل لهم تحوّل إسلامي بعد دخولهم القوات المسلحة. أما عصام القمري فإنه يختلف عن هؤلاء. فهو نجح في الثانوية العامة بمجموع عال لكنه قال لوالده انه يريد ان يدخل الكلية الحربية ليقتل رئيس الدولة ويخطط للقيام بإنقلاب. دخل الجيش من أجل هذا المشروع. التزامه سبق دخوله الجيش. وهو لم يتزوّج، إذ كان عازفاً عن موضوع الزواج ويقول ان الزوجة ستضرّني لأنها ستكون أداة ضغط عليّ. لما خطط للهرب من السجن بعد اعتقاله في الثمانينات قال له أحد الأخوة: أريد ان اهرب معك، قل لي متى ستهرب. فرد عليه: إذا أردت ان تهرب معي، "سرّح" طلّق زوجتك عندما تأتي لزيارتك في المرة المقبلة. وهكذا لا يمكنهم ان يعتقلوها للضغط عليك بعد فرارك. ... وقد قُتل القمري رحمة الله عليه وهو على هذه الحال غير متزوج.
التدريب
إذن كانت الجماعات الجهادية تظهر لكن لم يكن هناك رابط عضوي في ما بينها. استغلت الجماعات المختلفة مناخ الهدوء وكان اعضاؤها يذهبون الى صحراء دهشور في منطقة دهشور بعد الهرم للتدرب على الرماية والسلاح وبعض الأمور البسيطة الأخرى القتال. كان التدريب يتم قرب القاهرة خصوصاً في دهشور وطفت الخطاطبة، في حين كان التدريب في الصعيد يتم في المناطق الجبلية.
كان يتم تدريب الناس على اساس استخدامها في المستقبل. لم تكن هناك نية للاصطدام من النظام في شكل مباشر. فنظرية الدكتور الظواهري تختلف عن الآخرين. الآخرون اصطدموا مع النظام فعلاً وكوّنوا بسرعة عملاً، لكنه كان يرى ان هذه الطريقة لن تحل المشكلة، لأنه حتى وإن نجحتَ في عملية فإن هناك عقبات أخرى ستعترض طريقك. فأنت لست متغلغلاً في الجيش وليس لك مؤيدين في المناصب الحساسة فيه. فإذا قمت مثلاً بإنقلاب فستجد نفسك محاصراً مثلاً من الحرس الجمهوري او القوات العادية وتدخل في صراع معهم وتفشل، حتى وإن انضم اليك بعض الكتائب والألوية. فالمسألة ليست مجرد إنقلاب. لا بد ان يحصل إعداد وتغلغل قوي في المؤسسة العسكرية.
عبدالسلام فرج وقتل السادات
واستمرت الجماعات التي تحمل أفكاراً جهادية تعمل في شكل منفرد حتى أواخر السبعينات تقريباً. في 1979 حصل تحالف بينها فتوحدت، وهي التي كانت مسؤولة عن قتل السادات.
حصل التوحد في وقت كان المنحنى التصاعدي في الصراع بين الإسلاميين والسادات مستمراً في الارتفاع. فبعد زيارته اسرائيل وبعد كامب ديفيد، استفز السادات مشاعر الأمة مرة ثانية بعد الثورة الايرانية في 1979 باستضافته الشاه. ووسط هذه الإجواء كان فصيل من المؤمنين بالأفكار الجهادية يخطط لقلب النظام ويرى ان الأمور تسير في مصلحته. فهو يستفيد من هذا المناخ لتجنيد الناس وتأكيد صحة فكرته في شأن الرجل السادات.
شعر السادات بأن الأجواء لا تسير لمصلحته وان الشارع يمكن ان ينقلب ضده، فاستخدم وسائل الإعلام التي استعملت مصطلح الخمينية على الثورة الايرانية. وبدأ الكلام عن الخمينيين وكيف انهم يسبون الصحابة، واستُخدم موضوع المذهبية كون مصر سنية وايران شيعية.
في هذا الوقت حصلت حادثة الزاوية الحمراء، إحدى مناطق القاهرة. بدأت صراعاً على قطعة أرض بين المسلمين والنصارى. سوّر المسلمون قطعة الأرض وأقاموا فيها مكاناً لتعليم القرآن والصلاة. وكان هناك كمال عياد، وهو نصراني يملك رشاشاً آلياً ويسكن أمام قطعة الأرض. تضايق من هذا المنظر، فنزل وأطلق النار على الأولاد الذين يدرسون هناك فقُتل بعضهم. هاج الناس البسطاء وظهرت فتنة طائفية. بدأ الكلام عن ان النصارى المسيحيين يقتلون المسلمين داخل المسجد.
ذهبتُ يومها الى مسجد النذير حيث وقعت الحادثة. وكان يشبه ساحة معركة عسكرية: البيوت محروقة، ترتفع عليها شعارات مختلفة من كل طرف. المحلات محطمة ومحروقة. قوات الأمن منتشرة في كل الطرق المؤدية الى الزاوية الحمرا، كأنها قاعدة عسكرية. صلّينا هناك وبتنا في المسجد. كانت الناس تأتي من كل مكان: حتى من أسيوط وأسوان. كانوا يأتون الى "الملحمة الكبرى". كانوا يريدون حماية المسجد.
الذين قاموا بالأحداث كانوا اشخاصاً عاديين. بعضهم كان يجلس في المقهى يشرب الشيشة فسمع ان النصارى يقتلون المسلمين، فهب للدفاع عنهم. وامتدت الأحداث الى منطقة الوايلي، وكانت بالغة الشدة. وزير الداخلية في ذلك الحين كان النبوي اسماعيل. وقد تدخلت وسائل الإعلام في الموضوع وكتبت ان هناك دولة داخل الدولة وان النصارى يُقتلون. قلبوا القصة: كانت الحكاية ان كمال عياد هذا هو الذي بدأ بإطلاق النار، فما كان من وسائل الإعلام إلا ان قلبت الموضوع وبيّنت ان قوات الأمن غضّت الطرف وتركت المسلمين يقتلون المسيحيين ويحرقون بيوتهم. في النهاية تبيّن ان المسلمين عندما دخلوا المنازل للإنتقام، لم يجدوا سوى النساء والأطفال فلم يمسّوا بهم. دخلوا البيوت فعلاً ليقتلوا إنتقاماً للقتلى المسلمين، لكنهم لم يجدوا سوى النساء والأطفال. وأنا ما زلت أذكر هذه الأحداث جيداً.
استخدمت الدولة بعض العلماء لتهدئة الوضع. فأحضرت المرشد العام للإخوان المسلمين الشيخ عمر التلمساني وبعض الدعاة. ولكنك كنت تشعر وانت تعيش الأحداث ان هناك يداً خفية تحرّكها ولها رغبة في إثارة الموضوع بهذه الطريقة. إذ كادت الأمور تمتد وينفلت زمام الأمور من الدولة بعد حصول استفزازات في بعض المدن.
الجماعات الجهادية كانت موجودة في تلك الفترة وكان بعض أطرافها موجوداً في تلك الأحداث. قالوا: بما ان العملية تحتاج الى تسليح، والدولة تتركنا بدون حماية، والنصارى معهم أسلحة ويخزّنونها في الكنائس وبعضهم كان معه خناجر - إذ دخلوا على قسيس في شقته فوجدوا معه خنجراً وتبيّن لهم انه يلعب كاراتيه. يا مصيبة! - فقالوا: بما ان الدولة تشجع النصارى، يجب علينا ايضاً ان نتسلح وندعو الناس الى التسلح.
توحد الجماعات
في تلك الاجواء وقبلها تلاقت الأفكار والإرادات بين الجماعات الجهادية. إذ ظهر محمد عبدالسلام فرج، عليه رحمة الله، بعدما قبضت السلطات آنذاك على تنظيم في الاسكندرية يدعى تنظيم "الجهاد" من بين قادته البارزين ابراهيم سلامة، رحمة الله عليه. وكان اعضاء هذا التنظيم يعرفون الدكتور أيمن وكانت لهم علاقة مع نبيل نعيم وعصام القمري، عليه رحمة الله. وعلى رغم كشف التنظيم، لم يُعتقل محمد عبدالسلام فرج وحصل ان عُيّن مهندساً في جامعة القاهرة. وكان مسكنه قريباً من بولاق وتزوج من هناك.
فرج رجل ظُلم حياً وميتاً. ظلمه أقرانه وأخوانه وأتباعه. هو الذي أحيا فيهم أفكاراً. الكتب كانت موجودة أمامهم. لكنه هو الذي قرأ وبحث وخرج بكتاب "الفريضة الغائبة" الشهير. إذ كان يدعو الى الجهاد على أساس انه الفريضة الغائبة وان ما ترك قوم الجهاد إلا ذلّوا. واستشهد بمجموعة من الأدلة الشرعية. والجديد عنده أيضاً انه رد على الجمعيات الخيرية والمؤسسية التي كانت تثير شبهات تتعلق بقضية تبني مشروع قضية الجهاد. قال لهم: عندما يأتي موسم الحج تذهبون الى الحج وتقرأون في فقه الحج. وإذا جاء رمضان تقرأون في فقه رمضان. وفي الزكاة تقرأون عن الزكاة. أما الجهاد، فلا تتكلمون عنه على رغم ان الحكم الإسلامي غير مطبق والسلطة مغتصبة. كانت هذه الأمور موجودة في ذهن بعض الناس، لكنها لم تكن مجمّعة في كتاب مثل كتابه الصغير "الفريضة الغائبة".
تعرّف عبدالسلام فرج الى أخ يدعى شعبان عبدالعاطي من بولاق. وعرّفه هذا الى كرم زهدي، وكان هذا مسؤول "الجماعة الإسلامية" في الصعيد. والجماعة الإسلامية في تلك الفترة لم تكن بالمعنى الإصطلاحي الحالي المعروف بعد قتل السادات. كان الأخوة في الصعيد لهم نظام يختلف عن النظام في الوجه البحري. كانت عندهم فكرة تغيير المنكر بالقوة، وكانت لهم مشاكل كثيرة مع النصارى هناك. لكن لم يكن اسمهم "الجماعة الإسلامية" بالمعنى الرائج الآن. يقول بعضهم الآن في كتاباته، للأسف، ان الجماعة الإسلامية تأسست بهذا الإسم. لكن هذا الإسم إختراع قديم ل"الإخوان المسلمين" اعتمدوه ليدخلوا الجامعات ومن ضمنها جامعة أسيوط والمنيا. لكن إخواننا في "الجماعة الإسلامية" أرادوا ان يرثوا الإسم لأنه كان إسماً معروفاً ومشهوراً.
تقابل محمد عبدالسلام فرج مع الاخوة هؤلاء الجماعة الاسلامية في الصعيد، ثم تعرف الى طارق الزمر ونبيل المغربي جماعة الجهاد في القاهرة، وعرض فكرته لإقامة "الدولة الإسلامية". مثّل ذلك جديداً لا يذكره إخواننا الذين يتحدثون عن تاريخ الحركة الإسلامية الجهادية، خصوصاً الذين تتدخل عندهم العاطفة والولاء القبلي. فالجماعة الإسلامية، مثلاً في الصعيد أو الوجه البحري ومناطق أخرى، كانت تضم جماعات حسبوية. لم يكن في تصورهم مشروع إقامة دولة إسلامية. محمد عبدالسلام فرج طرح جديداً هو إقامة دولة إسلامية متكاملة. الإخوة في الجماعة الإسلامية يقولون إننا كنا جماعة، لكنها كانت عبارة عن مجموعة من الأشخاص يقومون بنشاطات في الجامعات مثلاً او يدعون النساء الى ارتداء الحجاب ومنع الاختلاط ويقومون بمشاكل مع النصارى في مناطقهم. لم تكن مسألة قيام الدولة قائمة في تصورهم. أقصى ما كانوا يعملون عليه هو تطبيق بعض المفاهيم الإسلامية في المناطق التي ينشطون فيها. فجاء عبدالسلام فرج وتكلم عن مشروع لإقامة الدولة وطرح الشبهات المثارة حوله ورد عليها. استدل بحادثة تاريخية لا اعتقد ان أحداً في الحركة الإسلامية قبله لجأ اليها. طرح موضوع التتار، وطبّقها على واقعنا. فالتتار كانوا أسلموا لكنهم لم يطبّقوا الإسلام بل جاؤوا بقانون من عندهم سمّوه الياسق. كُتب إبن تيمية عن هذا الموضوع كانت موجودة، لكن أحداً لم يُطبّقها على واقعنا حتى قام بذلك عبدالسلام فرج. وكل كتابات الحركة الجهادية المتوافرة الآن تُعتبر بمثابة "عيال" على كتاب "الفريضة الغائبة". إذ لم تأت بجديد عليه، بل بتوسعات فقط.
استطاع فرج من خلال عمله هذا استقطاب شباب كثيرين. وهو كان يقيم الحجة بنفسه، فهو صاحب المشروع. فأقنع كثيرين بمشروعه وبينهم عبود الزمر - الذي كان التزم قبل سنة من مقابلته مع فرج. إذ التزم عبود الزمر عام 1978، واللقاء بينهما تم سنة 1979.
ثم التقى الأخوة في مجموعة الصعيد: من أسوان واسيوط وقنا، وكوّنوا ما يُسمى ب"مجلس الشورى" وهو الذي اتحد مع مجموعة عبدالسلام فرج المُشكّلة. تلاقت المجموعتان مع بعض. الرجل فرج كان مؤدباً ومتواضعاً ولم يشأ ان يقول لهم إنني الأمير، على رغم ان هذا هو وضعه في الواقع. ولو لم يكن ذلك صحيحاً، فلماذا استأذنه خالد الإسلامبولي وعرض عليه هو بالذات فكرة قتل السادات. عندما سُئل خالد الإسلامبولي، رحمة الله عليه، في التحقيقات وقالوا له: لماذا ذهبت الى محمد عبدالسلام فرج بالذات؟ أجابهم: لأن الرجل فقيه. كان الناس يأتون اليه من الصعيد والمناطق الأخرى. فلو ان أحداً غيره كان هو المسؤول، لكانوا ذهبوا اليه وليس الى عبدالسلام فرج.
فرج كان الأمير العام والمسؤول عن كل التخطيطات التي جرت في تلك الفترة. مثلاً الأسبوع الذي سبق مقتل السادات: فرج هو الذي جلب إبر النار الخاصة برشاشات العسكريين المشاركين في العرض العسكري الذين نفّذوا الهجوم على الرئيس المصري. وهو الذي جاء بالقنابل. خالد الإسلامبولي لم يأت بشيء من الداخل داخل الجيش، إذ قال لفرج انه لا يستطيع ان يُدخل شيئاً الى مكان العرض العسكري، فالمخابرات تمنع ذلك. فأحضر فرج كل ما كان يحتاجه منفذو العملية ذخيرة حيّة.
والذين قُبض عليهم في الوجه البحري وعُثر عندهم على الأسلحة المُخبّأة، لم يكونوا من الصعيد. كل الذين اشتركوا في العملية كانوا من الوجه البحري. لم تفشل عملية قتل السادات على رغم ان نبيل المغربي قُبض عليه وعُذّب لكنه لم يقل ان السادات سيقتل في 6 اكتوبر، على رغم انه كان يعرف بالعملية. فهو الذي رسم خطة إذاعة البيان بعد قتل السادات من مبنى الإذاعة والتلفزيون، وهو الذي جنّد لهذه الغاية المذيع في الإذاعة والتلفزيون محمد البلتاجي رحمه الله والذي كان يُفترض ان يقرأ البيان. قابله هو ومحمد عبدالسلام فرج في منشية البكري واقتنع بأفكار فرج وكتب له البيان الذي كان سيلقيه عبر الإذاعة والتلفزيون. وقد عُذب حتى الموت، رحمة الله عليه، بعد ذلك في سجن الاستئناف.
دخول الظواهري على الخط
هذا يُبيّن لنا ان فرج لعب دوراً محورياً في توحيد الجماعات وخطة اغتيال السادات. وكان في تلك الفترة ان دخل على الخط أيضاً الدكتور أيمن. إذ ظهرت مجموعة يقودها سالم الرحال والتقى افرادها مع إخوة يعتقنون الافكار نفسها وطلبوا التعرف على عبدالسلام فرج. وتقابل الدكتور أيمن مع عبود الزمر، وناقشه في بعض الأمور، إذ كانوا يخشون ان يحصل رد فعل عكسي كبير من السلطة ويخشون انكشاف التنظيم. وتسلّم الدكتور صندوقاً يحوي قنابل وصواريخ "آر بي جي" واخفاه في عيادته قبل ان ينقله الى بيت الشيخ نبيل البرعي.
كل هذه الخيوط تداخلت مع بعضها. وكان هذا التوحيد العام الظاهري كله بسبب الغليان الذي تعيشه مصر في تلك الحقبة. فالسادات كان يشن حملة على العديد من العلماء. فوصف الشيخ حافظ سلامة - وهو بطل من أبطال المقاومة في مدينة السويس ونال وسام الطبقة الأولى - بأنه "الجدع المجنون بتاع السويس". وقال عن الشيخ المحلاوي "أهو نايم زي الكلب" في السجن. وظل يوزع الشتائم لكل من ينتقده. فحصل غليان في المقابل. فقرر الناس الجماعات ان لا بد من التخلص منه، خصوصاً بعد أصدر السادات "5 قرارات سبتمبر 1981" اعتقال 1536 شخصاً وتضمنت اسماء بعض الاخوة. ثم حاول الأمن ان يقبض على محمد عبدالسلام فرج، فأصيب في رجله وفر. وكان يقود دراجة نارية "موتوسيكل" ويفر من مكان الى آخر. لكنه استطاع على رغم ذلك ان يوحد كل هذه المجموعات ويزرع فيها فكرة مشروع الدولة الإسلامية.
وعلى رغم كل التضييق الذي كانت تقوم به الدولة، لم تعرف بكل هذه المشاريع. وظلت الجماعات تُجنّد اعضاءها في تلك الفترة وتدربهم. ومعظم الذين تدربوا، بمن فيهم شباب الصعيد، كانوا يأتون إما الى عبود الزمر لكي يدربهم أو عباس شنن في بولاق أو نبيل المغربي. معظم الذين تولوا التدريب كانوا من الوجه البحري. وقضية مقتل السادات كانت تقريباً محصورة في الوجه البحري. جماعة الصعيد كانت تعرف بها لكنها لم تشترك فعلياً فيها.
عندما ظهرت فكرة خالد الاسلامبولي وعرضها على محمد عبدالسلام فرج تردد الأخير في البداية في الموافقة عليها وخشي ان تؤدي الى كشف التنظيم. لكنه وافق في نهاية الأمر. استشار في البدء المسؤول العسكري وهو عبود الزمر وكان مقدماً في المخابرات فرفضها لأنها ستكشف التنظيم وهو لا يريد ذلك لأنه يعتقد باستمرار المشروع على الاقل خمس سنوات ليجمع اكبر عدد من الشباب. لكن حصل إصرار على استغلال هذه الفرصة العرض العسكري لقتل السادات على أساس ان المنفّذين سيُقتلون بدورهم. إذ قال خالد الاسلامبولي الحراس سيقتلونه هو وعطا طايل حميدة - صديق عبدالسلام فرج من أيام الثانوية - وعبدالحميد عبدالسلام وحسن عباس، وبالتالي لن يُكشف التنظيم. وعلى هذا الاساس، وافق عبود الزمر في نهاية الامر ومشى في الخطة. وهكذا نُفّذت العملية ونجحت بقتل السادات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.