وفاة ديوجو جوتا مهاجم ليفربول    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    لجنة الصداقة السعودية التركية في مجلس الشورى تعقد اجتماعًا مع نظيرتها التركية    تدخل عاجل في طوارئ مستشفى الملك خالد يُنقذ حياة سبعيني بالخرج    استقرار أسعار الذهب مع ترقب المستثمرين توجهات خفض أسعار الفائدة    مدير شرطة عسير يقلد عايض القحطاني رتبة «رائد»    ارتفاع إشغال الفنادق وتراجع الشقق المخدومة مع نمو في التوظيف السياحي    ولي العهد يهنئ رئيس جمهورية بيلاروس بذكرى استقلال بلاده    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    توقيع اتفاقيات بنحو 27 مليار دولار بين القطاع الخاص في السعودية وإندونيسيا    5 مصابين في هجوم روسي على أوديسا    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    استشهاد 22 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    "بيئة الطائف" تطلق فعاليات لتشجيع الممارسات الزراعية السليمة والمستدامة    أبانمي ترعى برنامج عطاء الصيفي بمشاركة ٢٥٠ يتيم    الأهلي يكشف شعاره الجديد ويدشّن تطبيقه ومنتجاته    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    التعليم: 500 مليون ريال مبادرات وشراكات لدعم التدريب    في أولى مواجهات دور ال 8 لكأس العالم للأندية.. الهلال يواجه فلومينينسي بآمال التأهل نصف النهائي    صراع قوي في ربع نهائي مونديال الأندية.. نهائي مبكر بين بايرن وباريس.. وريال مدريد يواجه دورتموند    أطلقت مشروع (تحسين الأداء المالي للأندية).. "الرياضة" تنقل أعمال لجنة الاستدامة المالية إلى رابطة المحترفين    القبول في الكليات العسكرية للجامعيين.. الأحد المقبل    الإطاحة بمشعل النار في محمية طويق الطبيعية    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    أمطار على جنوب وغرب المملكة الأسبوع المقبل    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    شدد على أهمية الانخراط في تسوية سياسية عادلة.. المبعوث الأممي يدعو اليمنيين لإنهاء الحرب    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    روسيا: فرصة لتسريع نهاية الحرب.. أوكرانيا تحذر من تبعات تأخير الأسلحة الأمريكية    "الغذاء والدواء": جميع المنتجات تخضع للرقابة    حرس الحدود ينقذ مواطنًا من الغرق    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    تكريم عائلة المشجع المكمل ل«المليونين» في المونديال    منتخب الصالات يقيم معسكراً في البوسنة    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    المخدرات الموت البطيء    الوهيبي ل«الرياض»: أتمنى استضافة المملكة للمخيم الكشفي العالمي    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلة العنف الاجتماعي بالعنف الاصولي . نشوء تنظيمات الجهاد والجماعات الإسلامية
نشر في الحياة يوم 23 - 05 - 2000

} عم الحديث في الفترة الاخيرة عن نهاية ما يسمى بحركات العنف الاصولي وتراجع دور الاسلام السياسي.
ويستند الكلام على مراقبة انحسار ردود فعل تلك المنظمات على التطورات الجارية في المنطقة بسبب الحصار المضروب حولها ونجاح الانظمة في تضييق المجال الحيوي لتحرك تلك الاتجاهات المتطرفة.
لا شك في ان الانظمة المضادة لتلك الحركات نجحت من طريق القوة في كسر شوكة ظاهره العنف من دون ان تنجح في الغاء اسبابه المتمثلة في استمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية واتساع الفجوة الاجتماعية وازدياد الخلل في توزيع الثروة الوطنية.
والسؤال متى بدأت ظاهرة العنف الاجتماعي التي عبّرت عنها حركات الاسلام السياسي او "العنف الاصولي" باسلوبها الخاص الذي مزج بين القلق الفكري والتوتر السياسي.
تختلف الآراء في تحديد الفترة الزمنية التي نشأت فيها تنظيمات الجماعات الإسلامية، فهناك من يعود بها إلى الخمسينات، وهناك من يحددها في مطلع الستينات، وهناك من يؤخرها إلى السبعينات.
يرجح الباحث هشام مبارك في كتابه "الارهابيون قادمون" أن أولى حلقات خط الجهاد نشأت في مصر عام 1960 "بتشكيل مجموعة من الشباب المسلم الذي تأثر بكتاب الفتاوى للفقيه الإسلامي ابن تيمية، وترجع النشأة إلى محاولات الشاب نبيل البرعي ... لاقناع المحيطين به من الشباب المتدين بأفكار معلمه ابن تيمية وفتاويه". وتمحورت فكرته حول موضوعة الجهاد ص 141. ونجح في تنظيم حلقة ضمت مجموعة من الطلاب أبرزهم طلال الانصاري واسماعيل طنطاوي وأيمن الظواهري واقتصر نشاطها على التعمق في الفكر الإسلامي ولم تنشط سياسياً إلا في مطلع السبعينات.
ويرجح استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسنين توفيق إبراهيم أن بدايات "التطرف الديني" ظهرت في "السجون والمعتقلات خلال الستينات، وذلك نظراً لعمليات التعذيب الجسدي والمعنوي التي تعرض لها المعتقلون من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين في تلك الفترة التي دفعت بعض شباب الجماعة إلى تبني أفكار سيد قطب عن الجاهلية والتكفير والعنف والجيل القرآني" شؤون الأوسط، العدد 50 آذار/ مارس 1996. بعدها تطورت الأفكار وتبلورت في تنظيمات متخاصمة في مطلع السبعينات. وأخذ التيار المتشدد يعلن عن نفسه "بشكل سافر اعتباراً من عام 1974 عندما قامت في ذلك العام الجماعة المعروفة اعلامياً بجماعة الفنية العسكرية بمحاولة لقلب نظام الحكم عن طريق اقتحام الكلية الفنية العسكرية. وعام 1977 قامت جماعة "المسلمون" المعروفة اعلامياً ب"جماعة التكفير والهجرة" باختطاف الشيخ الذهبي وقتله" شؤون الأوسط، العدد 50.
وتكاد تجمع معظم الدراسات على أن بداية فكرة العنف تأسست وسط الجماعات في السجون المصرية في مطلع الستينات خلال فترة ما يعرف بالمحنة الثانية التي بدأت في العام 1965 عندما تعرضت حركة الاخوان إلى حملة اعتقالات انتهت باعدام سيد قطب. وهناك من يعتبر أن النواة الأولى لفكرة العنف تأسست قبل ذلك، عندما ألف قطب كتابه "معالم في الطريق" في فترة المحنة الأولى وتسربت فصوله من السجن في العام 1962.
وعندما افرج الرئيس جمال عبدالناصر عن قطب بعد وساطة قام بها الرئيس العراقي عبدالسلام عارف عن العام 1964 باشر قطب بتأسيس تنظيم مستقل عن حركة الاخوان. ويقال إن بداية فكرة التنظيم الجديد انطلقت من السجن أيضاً في العام 1957 عندما "التقى أحمد عبدالمجيد مع علي عشماوي واتفقا على ضرورة تجميع الاخوان مرة أخرى" مبارك، صفحة 65. آنذاك لم تكن أفكار قطب الخاصة تبلورت في صيغة بديلة أو مناقضة لأفكار المؤسس حسن البنا لكنه أخذ يغيّر من برنامج القراءات التربوي الذي كانت تتبعه حركة الاخوان فحذف رسائل حسن البنا وأبقى على واحدة فقط وهي "رسالة العقائد" وأضاف إلى البرنامج رسالة العبودية وكتاب "الايمان" لابن تيمية، واربعة كتب لأبي الأعلى المودودي، وستة كتب لسيد قطب، وخمسة تتحدث عن مخاطر الصهيونية والاستعمار.
آنذاك تطور الانقسام على أفكار سيد قطب، ورد تيار المرشد العام حسن الهضيبي على أفكاره وبلورها في كتاب مضاد صدر تحت عنوان "دعاة لا قضاة". وأهم ما في الأمر ان افكار الهضيبي كتبت في السجن أيضاً.
بعد خروج قطب من السجن 1964 عمد إلى تأسيس مجموعة مستقلة عرفت لاحقاً باسم "تنظيم 1965" أشرف على تربيتها بالتعاون مع علي عشماوي والشيخ عبدالفتاح إسماعيل. واعتقل قطب ثانية واعدم مع ثلاثة من مجموعته وتم تحطيم التنظيم في العام 1966. أثار اعدام قطب الانقسام على أفكاره مرة أخرى بعد ان اخذت تنتشر في صفوف الجيل الشاب من حركة الاخوان. ويلاحظ الباحث مبارك أنه لا نجد في كتاب "معالم في الطريق" أي "أثر لحسن البنا على عكس المنهج المتبع في كتب جميع قادة الاخوان المسلمين ... وفي الواقع لا توجد نقاط تماس واضحة بين فكر سيد قطب وفكر الاخوان المسلمين في ما يتعلق بمقولات التحليل الثلاث التي اعتمدها قطب وهي الجاهلية والحاكمية ودار الحرب" صفحات 88-90. وانتهى الخلاف إلى انشطار الاخوان فوضعت الحركة سلسلة شروط للعضوية منها انه "من يخالف ما جاء في دعاة لا قضاة أن يبحث له عن جماعة أخرى ... وأصبحت الموافقة على دعاة لا قضاة شرطاً أساسياً لعودة أي من أفراد تنظيم 1965 إلى جماعة الاخوان" ص 105.
ومنذ تلك الفترة تبلورت في صفوف المجموعات الإسلامية ثلاثة تيارات أخذت تبتعد عن بعضها إلى درجة التناقض والمواجهة: الأول، خط الاخوان المعتدل البنا - الهضيبي. والثاني، خط الجهاد باتجاهاته المختلفة. والثالث، خط سيد قطب الذي بلوره "شكري مصطفى عقب خروجه من السجن" واعتمد على فكرة التكفير والهجرة، ويعتبر شكري مصطفى "أول من أسس جماعة منظمة ذات عضوية يعتد بها على أساس خط التكفير الذي برز في نهاية الستينات عقب المناقشات التي جرت لأفكار سيد قطب" مبارك، ص 106.
عرفت المجموعة باسم "التكفير والهجرة" بينما اسمها الحقيقي "جماعة المسلمين" وهي تبلورت في السجن أيضاً في العام 1969 وانطلقت تنظيمياً بعد الافراج عن شكري مصطفى في العام 1971. ونجح شكري في ضم أكثر من ألف عضو إلى أن تم اعتقاله وأعدم في العام 1977.
وفي وقت كانت أفكار الجماعات وتنظيمات الجهاد تتبلور في حركات مستقلة سياسياً، اتجهت حركة الاخوان إلى المصالحة مع النظام، فجاءت قرارات الافراج عن قياداتهم في مطلع عهد الرئيس أنور السادات بعد اتصال تولته في العام 1971 "قيادات الاخوان في المنفى" وحوار جرى "داخل السجون بين الاخوان ومسؤولين في أجهزة الأمن كان أبرزهم اللواء فؤاد علام" ص 112. واستمرت اللقاءات بين 1971 و1973 وتم الاتفاق على "ثلاثة تلتزم بها الدولة" وهي الافراج عن الاخوان واسقاط القضية ضدهم وعودتهم إلى أعمالهم، وعدم التعرض لهم في نشر الدعوة، والسماح لهم بالخطابة على المنابر ونشر الدعوة بالكلمة. و"ثلاثة يلتزم بها الاخوان" وهي نبذ العنف، وعدم محاربة الحكومة، وعدم رفع السلاح في وجه الدولة. وأقرت الحركة بالاتفاق وبدأ "الافراج عن الاخوان المسلمين على دفعات كان آخرها في 22 آذار مارس 1975" الارهابيون قادمون، صفحات 112 - 115.
خرج المرشد الثاني حسن الهضيبي من السجن في العام 1971. وعندما سافر لأداء فريضة الحج في العام 1973 "عقد أول اجتماع موسع للاخوان في الخارج، وجرى الاتفاق على تشكيل لجان للعضوية تعويضاً عن الكشوف التي ضاعت خلال الاعتقالات". ثم تطورت شبكة الاتصالات إلى أن كانت سنة 1977 وما تلاها نقطة انطلاق جديدة لحركة الاخوان.
في هذه الفترة تصاعد الخلاف بين حركة الاخوان والجماعات الإسلامية ونجحت الحركة منذ العام 1977 في استقطاب قادة الجماعة في القاهرة والاسكندرية وتمكنت من السيطرة على اجنحتها الرئيسية في العاصمة وبحري وبعض جامعات الصعيد في "حين استمر قادة الجماعة الإسلامية في اسيوط والمنيا بمفردهم ورفضوا الانضمام للاخوان" صفحة 138 - 139. كذلك أخذت مجموعة نبيل البرعي تشق طريقها المستقل بعيداً عن حركة الاخوان والجماعة الإسلامية وتؤسس لنفسها قوة تعتمد على الجهاد وحده.
اختلط في تلك الفترة الكثير من الأمور، وبات من الصعب تمييز المجموعات الجهادية المختلفة عن بعضها بعضاً. كانت هناك "مجموعات تذوب في بعضها لتظهر مجموعات أخرى، وهكذا في حركة دؤوبة" ص 142. فانشق مصطفى علوي في عام 1973 عن نبيل البرعي وأسس تنظيم الجهاد وانضم إليه الملازم عصام القمري، وانشأ وكيل النيابة يحيى هاشم تنظيماً في الاسكندرية في العام 1975، وانشأ بين 1977 و1979 مصطفى يسري تنظيماً مسلحاً في القاهرة، وانشأ أيمن الظواهري حلقة تنظيمية في العام 1975 متزعماً مجموعة نبيل البرعي. وأسس الفلسطيني صالح سرية بعد وصوله إلى القاهرة في 1971 حلقة تنظيمية مستفيداً من نشاطه في حزب التحرير الإسلامي ومن اتصالاته بالاخوان والجماعات، فاستقطب الطالب في الكلية الفنية العسكرية كارم الاناضولي والطالب في كلية الطب طلال الانصاري وبدأ يتصل بحلقة البرعي بهدف استقطابها فانضم إليه حسن الهلاوي. وهكذا انتشرت حلقات تنظيم الجهاد في جامعات القاهرة والاسكندرية والأزهر والكلية الفنية، وأصدر سرية وثيقة من تأليفه اطلق عليها "الايمان" وتعتبر أفكارها العامة من الأسس الايديولوجية لحركات الجهاد وتختلف في خطوطها عن فكر حركة الاخوان وتتميز عن افكار سيد قطب بالمزيد من التطرف مع أنها متأثرة بالكثير من آراء صاحب "معالم في الطريق". ويرى الباحث مبارك "أن تنظيم صالح سرية تأثر بشكل واضح بأفكار سيد قطب بعكس المجموعات الجهادية الأخرى مثل مجموعة الظواهري ومحمد عبدالسلام فرج" ص 150.
تعرض تنظيم صالح سرية إلى الملاحقة وتمكن أحد عناصره الأردني الجنسية سالم الرحال من الهرب إلى الاسكندرية وهناك نجح في تنظيم الطالب في كلية الهندسة محمد عبدالسلام فرج. وتمكنت الاجهزة من اكتشاف التنظيم الجديد فاعتقلت سالم الرحال وأمرت بترحيله في العام 1979 ونجح فرج في الافلات وشرع بتأسيس تنظيم جديد يقوم على فكرة الجهاد التي صاغها فرج في كتاب شهير وهو "الفريضة الغائبة" الذي تحول إلى دستور عمل لمختلف حلقات الجهاد، وفنّد فيه التجارب السابقة ونقضها خصوصاً تجارب الاخوان المسلمين وجماعة المسلمين التي تعرف باسم "التكفير والهجرة". ورفض فرج في كتابه التفكير المرحلي الاستضعاف ثم التمكن واستخدم تعبير "القلة المؤمنة" التي تستطيع وحدها قلب نظام الحكم من طريق الجهاد. وهكذا اخذت "مجموعات الجهاد وعبر حلقاتها الثلاث تبتعد خطوة خطوة عن التراث النظري والحركي لسيد قطب". ويرى مبارك ان مجموعات الجهاد التي نشأت منذ الستينات حتى تنظيم فرج في العام 1979 الذي قام بالتخطيط لاغتيال السادات في عام 1981، كانت "مستقلة عن جماعة الاخوان المسلمين". ويرد على مقولات بعض الدارسين الذي يردد أنها جاءت من "عباءة الاخوان المسلمين" ويرى أنه "لا تربطها أية صلة مع الاخوان" صفحات 150 - 156.
بعد العام 1979 حصلت متغيرات كبيرة في مصر والمنطقة تمثلت في الصلح مع إسرائيل، واندلاع الثورة في إيران، وقيام الاتحاد السوفياتي باجتياح افغانستان، وأخذت التطورات تنعكس على الجماعات الإسلامية، فانقسمت بين اتجاهين حملا الاسم نفسه "الجماعة الإسلامية"، في وقت نجح تيار الجهاد في السيطرة على جماعات الصعيد.
عانى تنظيم الصعيد ضعفاً في رؤيته الفكرية والحركية إلى أن التقى مسؤول الجماعة في محافظة المنيا كرم زهدي بمحمد عبدالسلام فرج وتم الاتفاق على دمج المجموعتين وأخذت نظرية كتاب "الفريضة الغائبة" تسود جماعة الجهاد، بينما حافظت الجماعة الإسلامية الاخرى على وثيقتها الفكرية المعروفة باسم "ميثاق العمل الإسلامي".
وبسبب سرية التنظيمات تداخلت العلاقات وتشابكت بشكل غامض فحصلت لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين مجموعات أيمن الظواهري وعبدالسلام فرج وعبود الزمر وعصام القمري وتم إعداد خطة كُلف عبود الزمر تنفيذها وصدرت في وثيقة بعنوان "مقومات الاستمرار" دعت إلى اعتماد "استراتيجية التحرك الانقلابي". وبعد ان اكتمل البناء الحركي للتنظيم توجهت المجموعة إلى استاذ التفسير في جامعة الأزهر وأقر الشيخ عمر عبدالرحمن "الخطة العامة لتنظيم الجهاد وأفتى بجواز قتل السادات". وقضت الخطة بتنفيذ الاستراتيجية على ثلاث سنوات، إلا أن إقدام السادات على اصدار قرارات أدت إلى اعتقال 1536 من السياسيين المصريين من بينهم 9 من قيادات "مجلس شورى التنظيم" عجّل بتنفيذ الخطة بعد شهور على وضعها.
اقترح الملازم خالد الاسلامبولي خطة الاغتيال والاستيلاء على السلطة ووافق عليها فرج وقيادات التنظيم فنجح في خطوته الأولى اغتيال السادات وفشل في الثانية اسقاط الحكم، إذ تمكنت الدولة في عام 1981 من إلقاء القبض على أكثر من 70 في المئة من التنظيم قدرتهم الشرطة بحوالى 1200 شخص بينما ذكرت مصادر الجهاد ان عدد المعتقلين فاق 5 آلاف ص 160 - 169.
ويرى حسنين توفيق إبراهيم أنه "بعد تسلم الرئيس حسني مبارك مقاليد السلطة، اتبع سياسة مزدوجة من التعامل مع الحركات الإسلامية المسيسة، فانتهج خطاً متسامحاً تجاه جماعة الاخوان المسلمين التي نبذت العنف وقبلت بالعمل في ظل أسس وقواعد النظام القائم ... في المقابل انتهج النظام خطاً متشدداً ازاء التنظيمات المتطرفة" شؤون الأوسط، العدد 50.
وأدى فشل التنظيم في انقلابه واعتقاله بالكامل إلى انقسام في صفوفه. وكانت المصادفة ان يحصل الخلاف في السجون والمعتقلات، كما حصل الأمر نفسه مع الاخوان في المحنتين الأولى 1954 والثانية في 1965.
ودب الانقسام بين خطين: الأول تزعّمه عبود الزمر الذي حمّله التنظيم فشل الخطة العسكرية التي وضعها، والثاني قاده الشيخ عمر عبدالرحمن المعتقل حالياً في الولايات المتحدة بتهمة التحريض على العنف.
وبسبب ذاك الخلاف واستمرار الملاحقات شهدت الثمانينات "ظهور الكثير من التنظيمات المتشددة التي كان بعضها مجرد انشقاقات عن تنظيمات أكبر، ومن هذه التنظيمات على سبيل المثال "التوقف والتبين" و "جماعة الشوقيين" و "الناجون من النار" حسنين ابراهيم، شؤون الأوسط، العدد 50.
ويذكر مبارك ان الخلافات داخل التنظيم انفجرت بعنف في سجن ليمان طرة وانقسم إلى مجموعتين واحدة كانت أقرب إلى فرج وتضم عبود الزمر وطارق الزمر ونبيل المغربي وعصام العمري وأيمن الظواهري، وأخرى أقرب إلى الشيخ عبدالرحمن وتضم كرم زهدي وناجح إبراهيم واسامة حافظ. وهكذا انتهت الوحدة بين الطرفين وعاد كل فريق إلى مجموعته الأولى. وتركزت أهم نقاط الخلاف على ثلاث: امارة التنظيم، العذر بالجهل، والسرية في العمل الإسلامي مبارك، 176 - 188.
وبانقسام تنظيم الجهاد في عام 1984 إلى تيارين: "الجماعة الإسلامية" ويقودها الشيخ عبدالرحمن وأبرز قياداتها كرم زهدي وناجح ابراهيم وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة واسامة حافظ وطلعت فؤاد قاسم وعلاء محيي الدين وصفوت عبدالغني وممدوح علي يوسف وضياء الدين فاروق وعزت السلاموني وأحمد عبده سليم ومحمود شعيب وجمال فرغلي وحسن غرباوي ورفاعة أحمد طه ومصطفى حمزة معظمهم قتل أو اعدم أو معتقل وملاحق.
والثاني "حركة الجهاد الإسلامي" بقيادة عبود الزمر وتضم عصام القمري ومحمد الاسواني قتلا في عام 1988 وأيمن الظواهري ملاحق ومطلوب دولياً. ويقال إن تنظيم "طلائع الفتح" الذي قبض على 800 شخص من أعضائه للتحقيق معهم في 1994 هو على علاقة بحركة الجهاد صفحة 192 - 193.
ويؤكد إبراهيم "باستثناء تنظيم الجهاد وتفرعاته التي ظهرت خلال التسعينات تنظيم طلائع الفتح والجماعة الإسلامية، فإن التنظيمات الأخرى انهكتها الضربات الأمنية للنظام، ولم يعد لمعظمها أي تأثير في ساحة العمل الحركي. وعموماً بقيت الجماعة الإسلامية في التنظيم الأكثر فاعلية في تحدي النظام الحاكم، والدليل على ذلك انها ارتكبت أكثر من 90 في المئة من أعمال العنف والارهاب التي استهدفت الدولة والمجتمع منذ عام 1987" شؤون الأوسط، العدد 50.
يلاحظ من السرد الزمني لحركات الاسلام السياسي وتفرعاته، ان الظاهرة ليست جديدة وان نجاح الانظمة في تطويقها والتضييق عليها ليس جديداً. فالظاهرة تعيد انتاج نفسها في كل فترة زمنية في سياقات سياسية مختلفة، الامر الذي يدل على ان مصدر "العنف الاصولي" واساسه هو "العنف الاجتماعي". وهو بالضبط ما يجب على الانظمة ان تبحث عن معالجته بأساليب السياسة والتنمية لا بادوات الضبط والقمع.
* كاتب من اسرة "الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.