أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلة العنف الاجتماعي بالعنف الاصولي . نشوء تنظيمات الجهاد والجماعات الإسلامية
نشر في الحياة يوم 23 - 05 - 2000

} عم الحديث في الفترة الاخيرة عن نهاية ما يسمى بحركات العنف الاصولي وتراجع دور الاسلام السياسي.
ويستند الكلام على مراقبة انحسار ردود فعل تلك المنظمات على التطورات الجارية في المنطقة بسبب الحصار المضروب حولها ونجاح الانظمة في تضييق المجال الحيوي لتحرك تلك الاتجاهات المتطرفة.
لا شك في ان الانظمة المضادة لتلك الحركات نجحت من طريق القوة في كسر شوكة ظاهره العنف من دون ان تنجح في الغاء اسبابه المتمثلة في استمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية واتساع الفجوة الاجتماعية وازدياد الخلل في توزيع الثروة الوطنية.
والسؤال متى بدأت ظاهرة العنف الاجتماعي التي عبّرت عنها حركات الاسلام السياسي او "العنف الاصولي" باسلوبها الخاص الذي مزج بين القلق الفكري والتوتر السياسي.
تختلف الآراء في تحديد الفترة الزمنية التي نشأت فيها تنظيمات الجماعات الإسلامية، فهناك من يعود بها إلى الخمسينات، وهناك من يحددها في مطلع الستينات، وهناك من يؤخرها إلى السبعينات.
يرجح الباحث هشام مبارك في كتابه "الارهابيون قادمون" أن أولى حلقات خط الجهاد نشأت في مصر عام 1960 "بتشكيل مجموعة من الشباب المسلم الذي تأثر بكتاب الفتاوى للفقيه الإسلامي ابن تيمية، وترجع النشأة إلى محاولات الشاب نبيل البرعي ... لاقناع المحيطين به من الشباب المتدين بأفكار معلمه ابن تيمية وفتاويه". وتمحورت فكرته حول موضوعة الجهاد ص 141. ونجح في تنظيم حلقة ضمت مجموعة من الطلاب أبرزهم طلال الانصاري واسماعيل طنطاوي وأيمن الظواهري واقتصر نشاطها على التعمق في الفكر الإسلامي ولم تنشط سياسياً إلا في مطلع السبعينات.
ويرجح استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسنين توفيق إبراهيم أن بدايات "التطرف الديني" ظهرت في "السجون والمعتقلات خلال الستينات، وذلك نظراً لعمليات التعذيب الجسدي والمعنوي التي تعرض لها المعتقلون من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين في تلك الفترة التي دفعت بعض شباب الجماعة إلى تبني أفكار سيد قطب عن الجاهلية والتكفير والعنف والجيل القرآني" شؤون الأوسط، العدد 50 آذار/ مارس 1996. بعدها تطورت الأفكار وتبلورت في تنظيمات متخاصمة في مطلع السبعينات. وأخذ التيار المتشدد يعلن عن نفسه "بشكل سافر اعتباراً من عام 1974 عندما قامت في ذلك العام الجماعة المعروفة اعلامياً بجماعة الفنية العسكرية بمحاولة لقلب نظام الحكم عن طريق اقتحام الكلية الفنية العسكرية. وعام 1977 قامت جماعة "المسلمون" المعروفة اعلامياً ب"جماعة التكفير والهجرة" باختطاف الشيخ الذهبي وقتله" شؤون الأوسط، العدد 50.
وتكاد تجمع معظم الدراسات على أن بداية فكرة العنف تأسست وسط الجماعات في السجون المصرية في مطلع الستينات خلال فترة ما يعرف بالمحنة الثانية التي بدأت في العام 1965 عندما تعرضت حركة الاخوان إلى حملة اعتقالات انتهت باعدام سيد قطب. وهناك من يعتبر أن النواة الأولى لفكرة العنف تأسست قبل ذلك، عندما ألف قطب كتابه "معالم في الطريق" في فترة المحنة الأولى وتسربت فصوله من السجن في العام 1962.
وعندما افرج الرئيس جمال عبدالناصر عن قطب بعد وساطة قام بها الرئيس العراقي عبدالسلام عارف عن العام 1964 باشر قطب بتأسيس تنظيم مستقل عن حركة الاخوان. ويقال إن بداية فكرة التنظيم الجديد انطلقت من السجن أيضاً في العام 1957 عندما "التقى أحمد عبدالمجيد مع علي عشماوي واتفقا على ضرورة تجميع الاخوان مرة أخرى" مبارك، صفحة 65. آنذاك لم تكن أفكار قطب الخاصة تبلورت في صيغة بديلة أو مناقضة لأفكار المؤسس حسن البنا لكنه أخذ يغيّر من برنامج القراءات التربوي الذي كانت تتبعه حركة الاخوان فحذف رسائل حسن البنا وأبقى على واحدة فقط وهي "رسالة العقائد" وأضاف إلى البرنامج رسالة العبودية وكتاب "الايمان" لابن تيمية، واربعة كتب لأبي الأعلى المودودي، وستة كتب لسيد قطب، وخمسة تتحدث عن مخاطر الصهيونية والاستعمار.
آنذاك تطور الانقسام على أفكار سيد قطب، ورد تيار المرشد العام حسن الهضيبي على أفكاره وبلورها في كتاب مضاد صدر تحت عنوان "دعاة لا قضاة". وأهم ما في الأمر ان افكار الهضيبي كتبت في السجن أيضاً.
بعد خروج قطب من السجن 1964 عمد إلى تأسيس مجموعة مستقلة عرفت لاحقاً باسم "تنظيم 1965" أشرف على تربيتها بالتعاون مع علي عشماوي والشيخ عبدالفتاح إسماعيل. واعتقل قطب ثانية واعدم مع ثلاثة من مجموعته وتم تحطيم التنظيم في العام 1966. أثار اعدام قطب الانقسام على أفكاره مرة أخرى بعد ان اخذت تنتشر في صفوف الجيل الشاب من حركة الاخوان. ويلاحظ الباحث مبارك أنه لا نجد في كتاب "معالم في الطريق" أي "أثر لحسن البنا على عكس المنهج المتبع في كتب جميع قادة الاخوان المسلمين ... وفي الواقع لا توجد نقاط تماس واضحة بين فكر سيد قطب وفكر الاخوان المسلمين في ما يتعلق بمقولات التحليل الثلاث التي اعتمدها قطب وهي الجاهلية والحاكمية ودار الحرب" صفحات 88-90. وانتهى الخلاف إلى انشطار الاخوان فوضعت الحركة سلسلة شروط للعضوية منها انه "من يخالف ما جاء في دعاة لا قضاة أن يبحث له عن جماعة أخرى ... وأصبحت الموافقة على دعاة لا قضاة شرطاً أساسياً لعودة أي من أفراد تنظيم 1965 إلى جماعة الاخوان" ص 105.
ومنذ تلك الفترة تبلورت في صفوف المجموعات الإسلامية ثلاثة تيارات أخذت تبتعد عن بعضها إلى درجة التناقض والمواجهة: الأول، خط الاخوان المعتدل البنا - الهضيبي. والثاني، خط الجهاد باتجاهاته المختلفة. والثالث، خط سيد قطب الذي بلوره "شكري مصطفى عقب خروجه من السجن" واعتمد على فكرة التكفير والهجرة، ويعتبر شكري مصطفى "أول من أسس جماعة منظمة ذات عضوية يعتد بها على أساس خط التكفير الذي برز في نهاية الستينات عقب المناقشات التي جرت لأفكار سيد قطب" مبارك، ص 106.
عرفت المجموعة باسم "التكفير والهجرة" بينما اسمها الحقيقي "جماعة المسلمين" وهي تبلورت في السجن أيضاً في العام 1969 وانطلقت تنظيمياً بعد الافراج عن شكري مصطفى في العام 1971. ونجح شكري في ضم أكثر من ألف عضو إلى أن تم اعتقاله وأعدم في العام 1977.
وفي وقت كانت أفكار الجماعات وتنظيمات الجهاد تتبلور في حركات مستقلة سياسياً، اتجهت حركة الاخوان إلى المصالحة مع النظام، فجاءت قرارات الافراج عن قياداتهم في مطلع عهد الرئيس أنور السادات بعد اتصال تولته في العام 1971 "قيادات الاخوان في المنفى" وحوار جرى "داخل السجون بين الاخوان ومسؤولين في أجهزة الأمن كان أبرزهم اللواء فؤاد علام" ص 112. واستمرت اللقاءات بين 1971 و1973 وتم الاتفاق على "ثلاثة تلتزم بها الدولة" وهي الافراج عن الاخوان واسقاط القضية ضدهم وعودتهم إلى أعمالهم، وعدم التعرض لهم في نشر الدعوة، والسماح لهم بالخطابة على المنابر ونشر الدعوة بالكلمة. و"ثلاثة يلتزم بها الاخوان" وهي نبذ العنف، وعدم محاربة الحكومة، وعدم رفع السلاح في وجه الدولة. وأقرت الحركة بالاتفاق وبدأ "الافراج عن الاخوان المسلمين على دفعات كان آخرها في 22 آذار مارس 1975" الارهابيون قادمون، صفحات 112 - 115.
خرج المرشد الثاني حسن الهضيبي من السجن في العام 1971. وعندما سافر لأداء فريضة الحج في العام 1973 "عقد أول اجتماع موسع للاخوان في الخارج، وجرى الاتفاق على تشكيل لجان للعضوية تعويضاً عن الكشوف التي ضاعت خلال الاعتقالات". ثم تطورت شبكة الاتصالات إلى أن كانت سنة 1977 وما تلاها نقطة انطلاق جديدة لحركة الاخوان.
في هذه الفترة تصاعد الخلاف بين حركة الاخوان والجماعات الإسلامية ونجحت الحركة منذ العام 1977 في استقطاب قادة الجماعة في القاهرة والاسكندرية وتمكنت من السيطرة على اجنحتها الرئيسية في العاصمة وبحري وبعض جامعات الصعيد في "حين استمر قادة الجماعة الإسلامية في اسيوط والمنيا بمفردهم ورفضوا الانضمام للاخوان" صفحة 138 - 139. كذلك أخذت مجموعة نبيل البرعي تشق طريقها المستقل بعيداً عن حركة الاخوان والجماعة الإسلامية وتؤسس لنفسها قوة تعتمد على الجهاد وحده.
اختلط في تلك الفترة الكثير من الأمور، وبات من الصعب تمييز المجموعات الجهادية المختلفة عن بعضها بعضاً. كانت هناك "مجموعات تذوب في بعضها لتظهر مجموعات أخرى، وهكذا في حركة دؤوبة" ص 142. فانشق مصطفى علوي في عام 1973 عن نبيل البرعي وأسس تنظيم الجهاد وانضم إليه الملازم عصام القمري، وانشأ وكيل النيابة يحيى هاشم تنظيماً في الاسكندرية في العام 1975، وانشأ بين 1977 و1979 مصطفى يسري تنظيماً مسلحاً في القاهرة، وانشأ أيمن الظواهري حلقة تنظيمية في العام 1975 متزعماً مجموعة نبيل البرعي. وأسس الفلسطيني صالح سرية بعد وصوله إلى القاهرة في 1971 حلقة تنظيمية مستفيداً من نشاطه في حزب التحرير الإسلامي ومن اتصالاته بالاخوان والجماعات، فاستقطب الطالب في الكلية الفنية العسكرية كارم الاناضولي والطالب في كلية الطب طلال الانصاري وبدأ يتصل بحلقة البرعي بهدف استقطابها فانضم إليه حسن الهلاوي. وهكذا انتشرت حلقات تنظيم الجهاد في جامعات القاهرة والاسكندرية والأزهر والكلية الفنية، وأصدر سرية وثيقة من تأليفه اطلق عليها "الايمان" وتعتبر أفكارها العامة من الأسس الايديولوجية لحركات الجهاد وتختلف في خطوطها عن فكر حركة الاخوان وتتميز عن افكار سيد قطب بالمزيد من التطرف مع أنها متأثرة بالكثير من آراء صاحب "معالم في الطريق". ويرى الباحث مبارك "أن تنظيم صالح سرية تأثر بشكل واضح بأفكار سيد قطب بعكس المجموعات الجهادية الأخرى مثل مجموعة الظواهري ومحمد عبدالسلام فرج" ص 150.
تعرض تنظيم صالح سرية إلى الملاحقة وتمكن أحد عناصره الأردني الجنسية سالم الرحال من الهرب إلى الاسكندرية وهناك نجح في تنظيم الطالب في كلية الهندسة محمد عبدالسلام فرج. وتمكنت الاجهزة من اكتشاف التنظيم الجديد فاعتقلت سالم الرحال وأمرت بترحيله في العام 1979 ونجح فرج في الافلات وشرع بتأسيس تنظيم جديد يقوم على فكرة الجهاد التي صاغها فرج في كتاب شهير وهو "الفريضة الغائبة" الذي تحول إلى دستور عمل لمختلف حلقات الجهاد، وفنّد فيه التجارب السابقة ونقضها خصوصاً تجارب الاخوان المسلمين وجماعة المسلمين التي تعرف باسم "التكفير والهجرة". ورفض فرج في كتابه التفكير المرحلي الاستضعاف ثم التمكن واستخدم تعبير "القلة المؤمنة" التي تستطيع وحدها قلب نظام الحكم من طريق الجهاد. وهكذا اخذت "مجموعات الجهاد وعبر حلقاتها الثلاث تبتعد خطوة خطوة عن التراث النظري والحركي لسيد قطب". ويرى مبارك ان مجموعات الجهاد التي نشأت منذ الستينات حتى تنظيم فرج في العام 1979 الذي قام بالتخطيط لاغتيال السادات في عام 1981، كانت "مستقلة عن جماعة الاخوان المسلمين". ويرد على مقولات بعض الدارسين الذي يردد أنها جاءت من "عباءة الاخوان المسلمين" ويرى أنه "لا تربطها أية صلة مع الاخوان" صفحات 150 - 156.
بعد العام 1979 حصلت متغيرات كبيرة في مصر والمنطقة تمثلت في الصلح مع إسرائيل، واندلاع الثورة في إيران، وقيام الاتحاد السوفياتي باجتياح افغانستان، وأخذت التطورات تنعكس على الجماعات الإسلامية، فانقسمت بين اتجاهين حملا الاسم نفسه "الجماعة الإسلامية"، في وقت نجح تيار الجهاد في السيطرة على جماعات الصعيد.
عانى تنظيم الصعيد ضعفاً في رؤيته الفكرية والحركية إلى أن التقى مسؤول الجماعة في محافظة المنيا كرم زهدي بمحمد عبدالسلام فرج وتم الاتفاق على دمج المجموعتين وأخذت نظرية كتاب "الفريضة الغائبة" تسود جماعة الجهاد، بينما حافظت الجماعة الإسلامية الاخرى على وثيقتها الفكرية المعروفة باسم "ميثاق العمل الإسلامي".
وبسبب سرية التنظيمات تداخلت العلاقات وتشابكت بشكل غامض فحصلت لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين مجموعات أيمن الظواهري وعبدالسلام فرج وعبود الزمر وعصام القمري وتم إعداد خطة كُلف عبود الزمر تنفيذها وصدرت في وثيقة بعنوان "مقومات الاستمرار" دعت إلى اعتماد "استراتيجية التحرك الانقلابي". وبعد ان اكتمل البناء الحركي للتنظيم توجهت المجموعة إلى استاذ التفسير في جامعة الأزهر وأقر الشيخ عمر عبدالرحمن "الخطة العامة لتنظيم الجهاد وأفتى بجواز قتل السادات". وقضت الخطة بتنفيذ الاستراتيجية على ثلاث سنوات، إلا أن إقدام السادات على اصدار قرارات أدت إلى اعتقال 1536 من السياسيين المصريين من بينهم 9 من قيادات "مجلس شورى التنظيم" عجّل بتنفيذ الخطة بعد شهور على وضعها.
اقترح الملازم خالد الاسلامبولي خطة الاغتيال والاستيلاء على السلطة ووافق عليها فرج وقيادات التنظيم فنجح في خطوته الأولى اغتيال السادات وفشل في الثانية اسقاط الحكم، إذ تمكنت الدولة في عام 1981 من إلقاء القبض على أكثر من 70 في المئة من التنظيم قدرتهم الشرطة بحوالى 1200 شخص بينما ذكرت مصادر الجهاد ان عدد المعتقلين فاق 5 آلاف ص 160 - 169.
ويرى حسنين توفيق إبراهيم أنه "بعد تسلم الرئيس حسني مبارك مقاليد السلطة، اتبع سياسة مزدوجة من التعامل مع الحركات الإسلامية المسيسة، فانتهج خطاً متسامحاً تجاه جماعة الاخوان المسلمين التي نبذت العنف وقبلت بالعمل في ظل أسس وقواعد النظام القائم ... في المقابل انتهج النظام خطاً متشدداً ازاء التنظيمات المتطرفة" شؤون الأوسط، العدد 50.
وأدى فشل التنظيم في انقلابه واعتقاله بالكامل إلى انقسام في صفوفه. وكانت المصادفة ان يحصل الخلاف في السجون والمعتقلات، كما حصل الأمر نفسه مع الاخوان في المحنتين الأولى 1954 والثانية في 1965.
ودب الانقسام بين خطين: الأول تزعّمه عبود الزمر الذي حمّله التنظيم فشل الخطة العسكرية التي وضعها، والثاني قاده الشيخ عمر عبدالرحمن المعتقل حالياً في الولايات المتحدة بتهمة التحريض على العنف.
وبسبب ذاك الخلاف واستمرار الملاحقات شهدت الثمانينات "ظهور الكثير من التنظيمات المتشددة التي كان بعضها مجرد انشقاقات عن تنظيمات أكبر، ومن هذه التنظيمات على سبيل المثال "التوقف والتبين" و "جماعة الشوقيين" و "الناجون من النار" حسنين ابراهيم، شؤون الأوسط، العدد 50.
ويذكر مبارك ان الخلافات داخل التنظيم انفجرت بعنف في سجن ليمان طرة وانقسم إلى مجموعتين واحدة كانت أقرب إلى فرج وتضم عبود الزمر وطارق الزمر ونبيل المغربي وعصام العمري وأيمن الظواهري، وأخرى أقرب إلى الشيخ عبدالرحمن وتضم كرم زهدي وناجح إبراهيم واسامة حافظ. وهكذا انتهت الوحدة بين الطرفين وعاد كل فريق إلى مجموعته الأولى. وتركزت أهم نقاط الخلاف على ثلاث: امارة التنظيم، العذر بالجهل، والسرية في العمل الإسلامي مبارك، 176 - 188.
وبانقسام تنظيم الجهاد في عام 1984 إلى تيارين: "الجماعة الإسلامية" ويقودها الشيخ عبدالرحمن وأبرز قياداتها كرم زهدي وناجح ابراهيم وعاصم عبدالماجد وعصام دربالة واسامة حافظ وطلعت فؤاد قاسم وعلاء محيي الدين وصفوت عبدالغني وممدوح علي يوسف وضياء الدين فاروق وعزت السلاموني وأحمد عبده سليم ومحمود شعيب وجمال فرغلي وحسن غرباوي ورفاعة أحمد طه ومصطفى حمزة معظمهم قتل أو اعدم أو معتقل وملاحق.
والثاني "حركة الجهاد الإسلامي" بقيادة عبود الزمر وتضم عصام القمري ومحمد الاسواني قتلا في عام 1988 وأيمن الظواهري ملاحق ومطلوب دولياً. ويقال إن تنظيم "طلائع الفتح" الذي قبض على 800 شخص من أعضائه للتحقيق معهم في 1994 هو على علاقة بحركة الجهاد صفحة 192 - 193.
ويؤكد إبراهيم "باستثناء تنظيم الجهاد وتفرعاته التي ظهرت خلال التسعينات تنظيم طلائع الفتح والجماعة الإسلامية، فإن التنظيمات الأخرى انهكتها الضربات الأمنية للنظام، ولم يعد لمعظمها أي تأثير في ساحة العمل الحركي. وعموماً بقيت الجماعة الإسلامية في التنظيم الأكثر فاعلية في تحدي النظام الحاكم، والدليل على ذلك انها ارتكبت أكثر من 90 في المئة من أعمال العنف والارهاب التي استهدفت الدولة والمجتمع منذ عام 1987" شؤون الأوسط، العدد 50.
يلاحظ من السرد الزمني لحركات الاسلام السياسي وتفرعاته، ان الظاهرة ليست جديدة وان نجاح الانظمة في تطويقها والتضييق عليها ليس جديداً. فالظاهرة تعيد انتاج نفسها في كل فترة زمنية في سياقات سياسية مختلفة، الامر الذي يدل على ان مصدر "العنف الاصولي" واساسه هو "العنف الاجتماعي". وهو بالضبط ما يجب على الانظمة ان تبحث عن معالجته بأساليب السياسة والتنمية لا بادوات الضبط والقمع.
* كاتب من اسرة "الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.