10.1 تريليونات قيمة سوق الأوراق المالية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب منتصر الزيات :"أيمن الظواهري ... كما عرفته" . هؤلاء عرفوا الظواهري وعملوا معه ... وهؤلاء اثروا فيه وصنعوا طريقه الى زعامة "الجهاد" كيف أصبح الارستقراطي ابن المعادي أصولياً وكيف انتجت هزيمة حزيران 67 هذه الحركات الاسلامية الحلقة الأولى
نشر في الحياة يوم 10 - 01 - 2002

اختار محامي "الجماعات الاسلامية" في مصر السيد منتصر الزيات أن يستعين بواحد من أقرب المقربين إليه والى زعيم جماعة "الجهاد" الدكتور ايمن الظواهري، في آن، كي يكتب مقدمة كتابه الجديد "ايمن الظواهري كما عرفته"، الذي تنشره "الحياة" في حلقات بدءاً من اليوم. ووصف مدير مركز المقريزي في لندن السيد هاني السباعي الزيات في المقدمة بأنه "خريج بيت الحركة الاسلامية وابن من ابنائها"، مؤكداً أن الزيات "كالقابض على الجمر محاصر بين مطرقة بعض إخوانه في الحركة الاسلامية وبين سندان رقيب متربص مترصد لسكناته وحركاته". وبدا السباعي، وهو لاجئ في لندن ومحكوم غيابياً من محكمة عسكرية مصرية بالاشغال الشاقة المؤبدة، راضياً عن فحوى الكتاب ومضمونه، إذ وصف الظواهري بأنه "نموذج فريد لقادة الحركات الاسلامية" و"الطبيب الجراح الماهر وفي الوقت نفسه الزاهد الورع المتقشف". وقال: "لو اتيح لهذا الرجل المناخ المناسب لظهرت قدراته". ثم خاض في توضيح وجهة نظر الزيات في سياسات الظواهري: "قضية الخلاف مع الدكتور ايمن الظواهري ليست في مشروعية العمل من عدمه، ولكن في أولوية العمل وتوقيته مع طلب المراجعة الادارية الكاملة، فقد يكون الرجل تقياً ورعاً ولكنه قد يفشل إدارياً ولا يقدح ذلك في شخصيته"، مؤكداً أن من الضروري إجراء "مراجعة شاملة لحصاد السنين في عمر الحركة الجهادية الاسلامية مع وقفة مع النفس ونقد الذات وتحمل ذلك حتى يظهر الغث من السمين"، وهي النتيجة التي وصل اليها الزيات ايضاً في كتابه الذي يضم ثمانية فصول. وستطرحه داران للنشر في آن، بدءاً من يوم 17 الجاري، الاولى دار "مصر المحروسة" والثانية "شركة النهى للانتاج الاعلامي في الامارات".
اختزلت مقدمة السباعي فحوى الفصول الثمانية للكتاب الذي يغوص في فكر الظواهري ويعرض رصداً دقيقاً لسياساته. وقال السباعي: "هناك مرحلة تاريخية أعتبرها فاصلة في فكر الدكتور ايمن وهي مرحلة التحالف والتوقيع على بيان الجبهة الاسلامية العالمية في العام 1998 من دون مشورة اعضاء المجلس التأسيسي، لدرجة أن اعضاء المجلس لم يعلموا بذلك إلا من خلال البيان في الصحف ووسائل الاعلام، وهذه كانت ضربة قوية لحدة الجماعة ولحمتها لأن التوقيع على البيان أو التحالف الجديد أخرج الجماعة من سياقها واستراتيجيتها المركزية".
واضاف: "هذا ما حير المقربين من الدكتور ايمن: لماذا يغير استراتيجيته الآن ولماذا يقبل التوسع وكان يرفض هذا المبدأ بل كان من أشد المدافعين عن قضية العدو الأقرب وحكم المرتد أغلظ من الكافر الاصلي". وأعرب السباعي عن اعتقاده بأن هناك اسباباً أدت الى ذلك الانقلاب الجزئي لدى الدكتور الظواهري منها: تغير موازين القوى وخروج السوفيات من افغانستان والمطاردات الامنية وقتل بعض افراد الجماعة والقبض على كثير منهم، وكذلك بعض التصدعات التي أثرت في كيان الجماعة والانتقال من دولة لأخرى بهجرة غير منظمة، وتفرّق اعضاء المجلس التأسيسي في بقاع الأرض وفشل العمليتين المسلحتين اللتين قامت بهما الجماعة في مصر حسب ما نشر في وسائل الاعلام، بالاضافة الى العامل المالي، اذ أن هناك مجموعة كبيرة من الاسر واليتامى والأرامل ينفق عليها ولا بد من مصدر مالي". ورأى السباعي ان ظهور حركة "طالبان" كان أحد أسباب إقدام الظواهري على تغيير استراتيجيته ايضاً، وقال: "ظهرت الحركة كقوة تطبق الشريعة وبديلاً يحترم هؤلاء المجاهدين العرب، ولأن ال"طالبان" لا يعرفون إلا الشيخ اسامة بن لادن فقد انضوى الدكتور ايمن الظواهري وبعض أفراد الجماعة معه في هذا التحالف، رغم أن هناك عدداً لا بأس به من افراد الجماعة الأساسيين ظلوا على عهدهم القديم ولم يدخلوا في هذا الحلف لأسباب ليس مجالها الآن".
في الجلسة الأولى لمحكمة أمن الدولة التي نظرت القضية التي عرفت إعلامياً باسم قضية "الجهاد الكبرى"، وعقدت في قاعة كبيرة شيّدت خصيصاً لتسع ذلك العدد الكبير من المتهمين 302 في أرض المعارض بمدينة نصر يوم 4/12/1982، تحدث الدكتور أيمن الظواهري والشهيد عصام القمري، وكانا قد وصلا لتوهما من سجن القلعة، إلى الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام الذين اكتظت بهم القاعة لتغطية الحدث الكبير ورؤية هؤلاء الذين كانوا وراء أكبر حدث هزّ مصر باغتيال رئيس البلاد. تحدثا عن المآسي التي تعرض لها أبناء الحركة الإسلامية داخل هذا السجن من التعذيب والاضطهاد واللا إنسانية التي مورست ضد المتهمين في عملية اغتيال الرئيس السابق أنور السادات من أعضاء تنظيمي "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد" اللذين كانا حتى ذلك الوقت مندمجين في تنظيم واحد منذ شكلا تحالفاً عام 1980.
اختار الظواهري يومها الحديث عن نموذج اعتبره دليلاً على استمرار المعاناة والتعذيب داخل سجن القلعة رغم مرور شهور عدة على وقوع حادثة المنصة. كان النموذج الذي اختاره الظواهري هو "منتصر الزيات" الشاب الذي يقبع في الزنزانة الانفرادية الرقم 3 داخل السجن الذي يشبهه البعض بسجن الباستيل في رمزية واضحة إلى ما كان يحدث داخله للموقوفين سياسياً. طالب الظواهري يومها، وأيده الشهيد القمري، بنقلي من هذا السجن الكئيب الذي ذاق هو مرارته لشهور عديدة قبل أن ينقل إلى أحد السجون العمومية الأخرى مع بدء المحاكمة والتي يودع بها أعضاء الجماعات الإسلامية بعد انتهاء التحقيقات معهم. وبسبب الكلمات المؤثرة التي ألقاها الظواهري في قاعة المحكمة قررت السلطات نقلي وإنهاء محنتي.
ظللت دائماً أذكر تلك الواقعة وما فعله الظواهري من أجلي رغم أني لم أكن التقيته من قبل، وحين قابلته بعدها داخل سجن طره عبرت له عن امتناني وتقديري العميق لمساندته التي خففت عني كثيراً من وعثاء الألم والوحدة القاسية بين أسوار السجن الذي يقع وسط القاهرة لكنه يحجب من يقبع داخله تماماً عن كل مظاهر الحياة.
ومنذ ذلك الوقت ظل شعور مسيطر عليّ بأن علاقتي مع الظواهري ستشهد تطورات ومحطات مهمة، وهو ما كان.
كان ارتباط الدكتور أيمن الظواهري بالطبقة الأرستقراطية ارتباطاً وثيقاً منذ ولادته في عام 1951 في حي المعادي الذي كان يقطنه عادة في ذلك الوقت وربما حتى الآن أصحاب طبقة اجتماعية مميزة. كان حرص الظواهري - سليل عائلتي الظواهري وعزام العريقتين - بادياً منذ طفولته على القراءة والإطلاع، ولاحظ أفراد أسرته ذلك منذ سن مبكرة وهو ما وضح في تفوقه الدراسي ومذاكرته لدروسه بعناية. لكن اللافت أنه حين يتعب من المذاكرة لم يكن يلجأ لمن هم في مثل سنه من الأطفال أو الصبيان للعب والترويح بمشاهدة التلفاز وإنما كان يروح عن نفسه من ملل المذاكرة بالإطلاع والقراءة في كتب الدين والفقه.
خلال سنوات طويلة كان الخيط الذي يربطني بالظواهري مشدوداً، ووجدت نفسي أبحث في تاريخه وأنقب في خفايا سنوات الطفولة والشباب الأولى عما يفسر لي وللآخرين جوانب خفية في شخصيته والتحولات التي طرأت عليه وكانت سبباً في مراحل لاحقة في أول حرب في القرن الواحد والعشرين.
كان الظواهري، ابن ضاحية المعادي الذي التحق بالمدرسة القومية فيها وحصل منها على شهادتي الابتدائية والثانوية قبل أن يحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة المعادي الثانوية، يرى في صدر شبابه وفتوته أن رياضات الملاكمة والمصارعة هي رياضات غير إنسانية، لأن احتمالية الإصابة في ممارسة مثل هذه الرياضات مرتفعة، فبدا رقيقاً لمن عايشه عن قرب ولم يكن يهوى ألعاب الأطفال المعتادة، وإنما اعتاد القراءة وكانت قراءاته متعددة ومتنوعة، كان واسع الثقافة وقرأ الشعر في سن مبكرة، كان يهوى الأدب ويشعر بسعادة غامرة أثناء مطالعته كتب الأدب والشعر. قد لا تتوافر كثيراً هذه المشاعر للأطفال أو لشباب في مثل عمره.
لم يكن الظواهري ليقبل أي رأى يفرض عليه وهو في هذه السن، والصبا وإنما كان حريصاً على النقاش لاستبيان الأمور التي تصعب عليه، لكن ذلك لا يعني حرصه على الجدل المراء بل كان يسمع بالأدب والأخلاق الكريمة من دون أن يسلم قيادته لأحد بسهولة رغم عزوفه دائماً عن الظهور وعن حب المظاهر أو الزعامة وربما فسر هذا تواضعه في فترات حياته كلها، ولذلك فإنه لم يرشح نفسه أبداً في الاتحادات الطلابية في مراحله التعليمية المختلفة رغم أن الفترة التي قضاها في جامعة القاهرة كانت فترة بالغة الثراء في العمل السياسي والدعوي الديني في الجامعات، بل ربما لهذا أيضاً عندما شرع في تأسيس "جماعة الجهاد" في عام 1987 وهو في مدينة بيشاور ترك إمارة الجماعة إلى صديقه سيد إمام عبدالعزيز، قبل أن يجمع الظواهري بالفعل كل الخيوط بين يديه عام 1992 ليعلن إمارته للجماعة، وهو أمر أثار جدلاً كبيراً حول الجماعة بأفكارها ومنهجها وعملياتها المسلحة في ظل زعامة الظواهري التي كانت كل المؤشرات يدل إلى أنه أبعد ما يكون بانتماءاته الأرستقراطية وطبيعته الإنسانية عن قيادة تنظيم سري يرمي إلى قلب نظام الحكم. لكن التطورات اللاحقة قادت الظواهري في نهاية المطاف إلى أن يكون المطلوب الثاني على مستوى العالم، مطارداً من الولايات المتحدة الأميركية عبر الكهوف والمغارات.
نشأ أيمن الظواهري في بيئة مسلمة ملتزمة دينياً، واعتاد إقامة الصلاة في مواعيدها حسب تقليد أسرته، وعرف مسجد حسين صدقي القريب من منزل أسرته فتردد عليه لأداء صلاة الجماعة، وكان من القلة التي حرصت على أداء صلاة الفجر حتى في أوقات الشتاء القارص، واعتاد حضور حلقات التفسير والفقه وتجويد وتلاوة القرآن التي كانت تُعقد في المسجد. ورث عن أبيه حب الإطلاع والقراءة والمعرفة ولكن خصوصاً حب علوم الطب والجراحة، وورث عن أمه ما كانت تحضّه عليه منذ صباه: المواظبة على الصلاة في المسجد وقراءة القرآن والكتب الدينية، ولكن تلك الدروس التي اعتاد حضورها وتلك الكتب التي داوم على قراءتها لم تكن ذات مقاصد سياسية وإنما هي ما اعتادت الأسر المصرية قراءتها أو الاحتفاظ بها في مكتباتها. وكان الدرس اليومي الذي حرص الظواهري دائما على حضوره يلقيه المستشار مصطفى كامل وصفي الذي كان في ذلك الوقت نائباً لرئيس مجلس الدولة، وهو علاّمة في علوم الإسلام التنويري. وهكذا اتسمت طبيعة الظواهري في سنوات صباه بالانطوائية ساعده على ذلك كما أوضحنا نهمه للقراءة والإطلاع في فنون المعرفة والأدب والشعر والدين. لم تعرف لأيمن "شلة" التصقت به وتروي عنه نوادر طفولية، ورغم قرب مسكنه من نادي المعادي الشهير إلا أنه لم يلتحق بعضويته ولم يمارس أي نوع من أنواع الرياضة البدنية لكنه كان محبوباً من كل زملائه سواء في المدارس التي التحق بها أو بين أبناء حي المعادي.
ومن عرفوا الظواهري في بدايات شبابه وصباه لم يرصدوا لديه سلوكاً شبابياً ربما يمر به كثير من الفتيان في مراحل المراهقة، وكانت العلاقة النسائية الوحيدة في حياته تلك التي نشأت بينه وبين زوجته السيدة عزة أحمد نوير خريجة قسم الفلسفة في كلية الآداب في جامعة القاهرة، وهو تزوجها عن حب وأقام عرسه عام 1979 في فندق الكونتننتال بميدان الأوبرا الذي كان من الفنادق الفخمة آنذاك، ورغم ذلك فإن حفلة زواجه اتسمت بالتقاليد الإسلامية المحافظة وخصصت فيها قاعة للسيدات وأخرى للرجال.
التحق الظواهري بكلية الطب في جامعة القاهرة في العام الدراسي 1968 - 1969 وتخرج منها عام 1974 بتقدير عام جيد جداً، كما حصل على الماجستير في الجراحة عام 1978 وعلى درجة الدكتوراه في الجراحة بامتياز مع مرتبة الشرف من إحدى جامعات باكستان خلال وجوده في بيشاور.
لم تشر خلفيات الظواهري الاجتماعية وبنيته الفكرية في مرحلة الطفولة الى ما ينبئ عن سعيه في وقت مبكر إلى تكوين خلية سرية تخطط للعمل الإسلامي من منظور انقلابي. ما حدث هو العكس، إذ تبين أنه أسس تنظيماً دينياً عام 1966، أي قبل أن يكمل السادسة عشرة من عمره.
وعندما ألقي القبض على أيمن الظواهري يوم 23 تشرين الأول أكتوبر سنة 1981 كانت خليته السرية، التي تبين أنه انضم إليها قبل أن يكمل السادسة عشرة وقتها، تضم 13 عضواً وأنه كان يتولى إمارة ذلك التنظيم، واضطلع بالإشراف الثقافي على بقية الأعضاء بما يضمن تثقيفهم فكرياً، ووضع أسانيد شرعية لتكفير نظام الحكم جرى تداولها سرياً بين الأعضاء، وتولى التنسيق مع المجموعات الجهادية الأخرى. أما الأعضاء الآخرون في التنظيم فكانوا:
- أمين الدميري: صيدلي ساهم في تمويل التنظيم من إيراداته الخاصة التي توفرها له صيدليته وقام بإلقاء بعض الدروس الدينية.
- سيد إمام عبدالعزيز الذي عرف بعد سنوات أثناء وجوده في أفغانستان باسم الدكتور فضل، أو عبدالقادر عبدالعزيز، وهو كان دائماً من المقربين إلى الظواهري وحضر معه لقاءات حاسمة منها لقاء مع عبود الزمر بعد حادث اغتيال السادات في 6 تشرين الأول أكتوبر 1981 لإقناعه بعدم تطوير الاغتيال ووقف أي عمليات أخرى يخطط الزمر لها. خرج عبدالعزيز من مصر سنة 1985 أي في العام نفسه الذي رحل فيه الظواهري عن مصر، وفي بيشاور تولى سيد إمام إمارة أول جماعة للجهاد وضعت لبنتها في معسكرات الجهاد في بيشاور سنة 1987.
- نبيل البرعي: صاحب مكتبة في المعادي.
- المهندس محمد عبدالرحيم الشرقاوي: وهو كان يباشر مهمات تجنيد الأفراد وضمهم للتنظيم وأسس ورشة خراطة في منطقة الجمالية وسط القاهرة لتكون نواة اقتصادية تدّر ربحاً من أعمالها للتنظيم وأيضاً لتستغل في تصنيع بعض أجزاء الأسلحة. وهذه الورشة استغلها عصام القمري كمخبأ له بعد هروبه من الجيش في آذار مارس 1981.
- خالد مدحت الفقي: الذي استغل شقته في حي المعادي كمخزن للأسلحة والذخيرة الخاصة بالتنظيم، وهو اتهم عام 1988 بالمشاركة في عملية هروب عصام القمري وخميس مسلم ومحمد الأسواني من سجن طره كما نسبت إليه قيادة مخطط لجماعة الجهاد عام 1999 مع المهندس محمد الظواهري شقيق الدكتور أيمن الظواهري لتنفيذ عمليات داخل مصر.
- خالد عبد السميع: وهو ضبط أثناء سيره على كورنيش النيل في المعادي عقب اغتيال السادات وكان يحمل حقيبة بداخلها قنابل فكان أول خيط يدل الى أيمن الظواهري.
- يوسف عبدالمجيد: عضو عادي.
- عصام هنداوي: عضو عادي.
- محمد الظواهري: شقيق الدكتور أيمن الظواهري ويعمل مهندساً مدنياً، دفعه شقيقه أيمن للسفر الى خارج البلاد عام 1981 ليدبر للتنظيم موارد مالية، وحين وقعت حادثة اغتيال السادات في تشرين الأول أكتوبر 1981 كان محمد الظواهري خارج البلاد يعمل في إحدى دول الخليج واتهم غيابياً وحصل على حكم بالبراءة كما اتهم أيضاً غيابياً عام 1998 في القضية المعروفة إعلامياً ب"العائدون من ألبانيا"، التي سنعود للحديث عنها في أكثر من موضع، وصدر الحكم ضده بالإعدام وترددت معلومات صحافية عن قيام دولة الإمارات بتسليمه إلى مصر عام 2000 لكن السلطات المصرية لم تعلق على تلك الأنباء التي لم يؤكدها أي مصدر موثوق به.
- عصام القمري: كان ضابطاً في القوات المسلحة وكان يعتبر حلقة اتصال بين تنظيم الظواهري وتنظيم آخر داخل الجيش.
- مصطفى كامل مصطفى: عضو عادي.
- عبدالهادي التونسي: عضو عادي.
شهدت الفترة التي سبقت اغتيال السادات في 6 تشرين الأول أكتوبر 1981 مخاض تنامي "جماعات الجهاد" بعد تمايز حصل بين فصائل إسلامية وأفرز اختلافاً نوعياً في التعاطي مع الوسائل والآليات اللازمة للتغيير، واستقرت خريطة العمل الإسلامي على نجاح جماعة "الإخوان المسلمين" في ضم كوادر وقيادات العمل الطلابي في القاهرة والوجه البحري إليها مطلع عام 1979 وكان أبرزهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان والدكتور إبراهيم الزعفران والمهندس أبو العلا ماضي.
في المقابل كشفت خريطة الحركات التي تبنت أفكاراً جهادية عن وجود مجموعات مختلفة ضمت:
1- مجموعة "الجماعة الإسلامية" الطلابية داخل الجامعات خصوصاً في محافظات الصعيد المنيا وبنى سويف وسوهاج وأسيوط وقنا وأسوان وبعض الكليات في جامعة القاهرة، وتمركزت قيادتها في يد كرم زهدي وكان أبرز قياداتها أسامة حافظ وصلاح هاشم وطلعت فؤاد قاسم وناجح إبراهيم وعصام درباله ورفاعي طه وحمدي عبدالرحمن. وخرج على هذا الإجماع الصعيدي المهندس محيي الدين عيسى والمهندس أبو العلا ماضي اللذان ارتبطا ب "الإخوان المسلمين".
2- مجموعة المهندس محمد عبدالسلام فرج: تمركزت في أحياء بولاق الدكرور وناهيا وكرداسة حيث نفوذ فرج القوي لكونه مقيماً هناك وزواجه من شقيقة اثنين من أبرز قادة "الجهاد" هما يحيى ومجدي غريب فايد، وكذلك حيث يتركز نفوذ عبود وطارق الزمر وهما من عائلة الزمر صاحبة الوجود التاريخي في قرية ناهيا. كذلك كان لهذه المجموعة إنتشار في بعض مناطق القاهرة مثل عين شمس حيث كان نبيل المغربي وحسين عباس وعبدالحميد عبدالسلام، وبعض محافظات الوجه البحري مثل محافظة البحيرة التي كان فيها عطا طايل حميدة رحيل.
3- مجموعة محمد سالم الرحال، وهو أردني فلسطيني كان يدرس في الأزهر الشريف استطاع أن يقوم بدور بارز في التقريب بين المجموعات الجهادية وفطنت أجهزة الأمن إلى نشاطه فألقت القبض عليه وقامت بترحيله خارج البلاد في أيار مايو 1980. وكنت قد التقيت سالم الرحال ووثقت صلتي به فكان يحضر لزيارتي في محل إقامتي بالقاهرة في شارع دوبريه وكنا نتواعد باللقاء في أماكن مختلفة وآخر موعد تواعدنا عليه في مساجد منطقة شبرا وتوجهت في الموعد المحدد من أيام عام 1980 غير أنه لم يحضر وعلمت بعدها بخبر ترحيله خارج البلاد، وتولى بعده قيادة المجموعة الأخ كمال السعيد حبيب.
4- مجموعة الدكتور أيمن الظواهري التي أسلفنا الحديث عنها.
وفي غضون عام 1979 تمكن محمد عبدالسلام فرج من توحيد كل المجموعات الجهادية، بمن فيها مجموعة الظواهري، تحت لوائه. وفي العام التالي أبرم اتفاقاً مع أمير "الجماعة الإسلامية" كرم زهدي تم بمقتضاه الاندماج بين الجماعة وتنظيم "الجهاد"، وتولى زعامة التنظيم الجديد الدكتور عمر عبدالرحمن الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط، هذا التحالف الذي نجم عنه كنتيجة مباشرة اغتيال أنور السادات أثناء احتفال القوات المسلحة بنصر أكتوبر يوم السادس من تشرين الأول أكتوبر عام 1981. اثر حادثة المنصة والمعركة التي وقعت بعدها بيومين بين أعضاء "الجماعة الإسلامية" وقوات الأمن في محافظة أسيوط تم القبض على غالبية أعضاء التنظيمين وقسمتهم السلطات إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ضم المجموعة التي باشرت مهمة اغتيال السادات داخل منطقة العرض العسكرى بقيادة خالد الإسلامبولي وعبدالحميد عبدالسلام وعطا طايل حميدة وحسين عباس ومعهم محمد عبدالسلام فرج باعتباره المخطط والمحرض لهذه المجموعة. وضمت القائمة أيضاً الشيخ عمر عبدالرحمن وكل من كانوا على علم بحادثة المنصة قبل وقوعها وساهموا بشكل أو بأخر فيها. وبلغ عدد المتهمين في هذه القضية 24 متهماً حوكموا على وقائع الاغتيال والمساعدة والتحريض أمام المحكمة العسكرية العليا برئاسة اللواء الدكتور سمير فاضل التي أصدرت حكمها بإعدام المتهمين الخمسة الأوائل، وبالسجن المؤبد لبقية المتهمين وبراءة الشيخ عمر عبدالرحمن والدكتور سيد السلاموني الأستاذ في كلية التربية في جامعة عين شمس.
القسم الثاني: مجموعة احيلت على محكمة أمن الدولة العليا في القضية التي عرفت باسم "قضية الجهاد الكبرى" وضمت 302 متهماً على رأسهم الدكتور عمر عبدالرحمن المحكوم حالياً بالسجن مدى الحياة في أحد السجون الأميركية باعتباره الزعيم العام للتنظيم، وتلاه مباشرة في الترتيب في لائحة الاتهام المقدم عبود الزمر الضابط بالمخابرات الحربية. وكان من أبرز المتهمين في هذه القضية من مجموعة الوجه القبلي كرم زهدي وناجح إبراهيم وفؤاد الدواليبي وأسامة حافظ وطلعت فؤاد قاسم ورفاعي طه وعلي الشريف وحمدي عبدالرحمن، ومن مجموعات القاهرة والوجه البحرى أيمن الظواهري وسيد إمام عبدالعزيز وثروت صلاح شحاتة ونبيل نعيم عبدالفتاح وأيمن الدميري وكمال السعيد حبيب ورفاعي سرور وغيرهم. حوكم هؤلاء عن وقائع قيادة التنظيم الذي نفذ عملية الاغتيال وعملية اقتحام مديرية الأمن في أسيوط صبيحة يوم الثامن من تشرين الأول أكتوبر 1981 وعملية اقتحام بعض محلات الذهب في نجع حمادي وشبرا الخيمة والسطو على ما فيها من ذهب.
ولم تصدر أحكام بالإعدام في هذه القضية، وإنما صدرت أحكام بالسجن المشدد على عدد محدود من المتهمين البارزين فيها، وأحكام مخففة تراوحت ما بين السجن من ثلاث الى خمس سنوات في حق عدد كبير من المتهمين، كان بينهم الظواهري الذي تمت إدانته بحيازة سلاح ناري، وأحكام بالبراءة لمصلحة 170 متهماً.
أما القسم الثالث: فضم اولئك الذين اتهموا في قضية "الانتماء لتنظيم الجهاد" وكان عددهم فيها 178 متهماً نسب اليهم الانتماء فكرياً إلى تنظيم "الجهاد"، وجاء على رأس قائمة المتهمين كاتب هذه السطور، ومن أبرز المتهمين فيها معي محمد شوقي الإسلامبولي وعبدالآخر حماد من قيادات "الجماعة الإسلامية" ومجدي سالم وعادل عبدالمجيد من قيادات "الجهاد".
واستمرت المحاكمات قرابة العامين. وقبل أسابيع من الجلسة الأخيرة لقضية الانتماء صدر الحكم في قضية "الجهاد الكبرى" وأحدث دوياً في أرجاء مصر، وبدا أن أجواء جديدة بدأت ترسم ملامحها على خريطة العمل السياسى الإسلامي في البلاد، وأن النظام اتخذ قراراً لتخفيف أسباب التوتر، فقررت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ التي تنظر قضيتنا الانتماء بناء على طلب نيابة أمن الدولة العليا تأجيل نظر الدعوى إلى أجل غير مسمى وإخلاء سبيل جميع المتهمين فيها. ودخلت القضية بعدها ملف القضايا المنسية واعتقد أنها كانت رسالة ذات مغزى من النظام السياسي لم نحسن قراءتها وقتها وضاعت فرصة مهمة مثلما ضاعت فرص أخرى مثلها تالية.
كان أيمن الظواهري تأثر مثل غيره من الشباب بصدمة الهزيمة المرة في حزيران يونيو 1967 وسقوط رموز عدة استعلت على الجماهير لسنوات طويلة. والحقيقة أن الهزيمة التي سموها نكسة أفرزت تحول أعداد كبيرة من الشباب الى تبني الافكار الجهادية. وعبر الظواهري عن تلك المعاني في كتابه "فرسان تحت راية النبي" حين قال: "أضافت الأحداث عاملاً خطيراً أثّر في مسار الحركة الجهادية في مصر ألا وهو نكسة 1967، وسقط الرمز جمال عبدالناصر الذي حاول أتباعه أن يصوروه للشعب على أنه الزعيم الخالد الذي لا يُقهر، وأدركت الحركة الجهادية أن الصنم قد نخر فيه السوس حتى أوهنه ثم مادت الأرض من تحته بزلزال النكسة فخرّ على أنفه منتكساً وسط ذهول كهنته وهلع عبّاده، فاشتد عزم الحركة الجهادية وأدركت أن خصمها اللدود كان صنماً صنعته آلة الدعاية الفخمة وحملة البطش والاستقواء على العزّل والأبرياء. وإذا كان أثر نكسة حزيران يونيو 1967 المباشر هو ارتداد جيل الشباب تحديداً إلى الهوية الأصيلة والتمسك بالنسق الحضاري للإسلام بعد هرولة تجاه الكرملين قرابة عقدين من الزمن، وقبلها هرولة مماثلة تجاه الغرب ومقر المندوب السامي البريطاني، بدأت الصحوة الإسلامية كخيار تلقائي تتبلور داخل قطاعات مختلفة من المجتمع المصري كانت أبرزها الجامعات المصرية. وحينما سعت مجموعات مختلفة الى تبني خيار الدعوة الإسلامية في محاولة لاحياء العمل الاسلامي بعد غياب طويل ومواجهة قوى الظلام والشيوعية التي كانت تسيطر على مجريات الأمور داخل كل المؤسسات الرسمية كانت الجماعة الدينية داخل الجامعات المصرية نواة سعت الى رفع الركام عن التعاليم الاسلامية الصحيحة والمبادئ الصافية وهيّئتا الفرصة للكثير من الدعاة الاسلاميين لولوج منابر الجامعات المصرية متخاطبين مع جموع الطلاب التي تدفقت حماسة واندفاعاً تجاه الإسلام وقضاياه".
كان من زعماء الحركة الطلابية الجماهيرية الذين ساهموا في نشر الفكرة الاسلامية وقتها الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان في القاهرة والدكتور ابراهيم الزعفراني في الاسكندرية وكرم زهدي وناجح ابراهيم وأبو العلا ماضي ورفاعي طه ومحمد شوقي الاسلامبولي وأسامة حافظ وصلاح هاشم وأحمد الزيات في صعيد مصر، الظواهري اختار طريقاً آخر هو العمل السري، وتأثر في ذلك بقراءات مختلفة وشخصيات متنوعة وكان على رأس هؤلاء الشهيد سيد قطب الذي كان من أهم الشخصيات التي تأثر بها الظواهري، إذ صاغت كتابات قطب عقل الظواهري وشكلت مبادئه حتى أصبح كتاب "في ظلال القرآن" - وهو أحد أهم كتب قطب في تفسير القرآن الكريم من خلال خواطر استشعرها أثناء سجنه - من أهم المنابع التي نهل منها الظواهري وصاغ من مبادئها فكره ووسائل التغيير التي انتهجها، ولا تخلو افتتاحية للظواهري في نشراته المختلفة التي أصدرها أو مقالاته التي دعم فيها وجهة نظره من اقتباس لمقولات سيد قطب رحمه الله.
وفي كتابه "فرسان تحت راية النبي" قال الظواهري عن قطب: "لقد أكد سيد قطب مدى أهمية قضية التوحيد في الإسلام وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد أو حول لمن يكون الحكم والسلطات، لمنهج الله وشرعه أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية أو لمدى الوساطة بين الخالق وخلقه". ويمضى الظواهري في إبراز إعجابه بقطب قائلاً: "على رغم أن مجموعة سيد قطب تم البطش بها والتنكيل بأفرادها على أيدي الحكم الناصري إلا أن ذلك كان أعجز من أن يحد من تأثير هذه المجموعة المتعاظمة في أوساط الشباب المسلم، فلقد كانت دعوة سيد قطب إلى إخلاص التوحيد لله ولسيادة المنهج الرباني ولا تزال شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، وما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم".
هكذا يرى الظواهري أنه بإعدام سيد قطب اكتسبت كلماته بعداً لم يكتسبه كثير من كلمات غيره، أصبحت هذه الكلمات التي سطرت بدماء صاحبها في نظر الشباب المسلم معالم طريق مجيد طويل، وظن الحكم الناصرى أن الحركة الإسلامية تلقت ضربة قاضية بقتل سيد قطب ورفاقه واعتقال الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية، ولكن الهدوء الظاهري على السطح كان يخفي تحته تفاعلاً فواراً مع أفكار سيد قطب ودعوته وبداية تشكل نواة الحركة الجهادية المعاصرة في مصر. وهكذا تكونت النواة التي انتمى إليها تنظيم "الجهاد" وأضافت الأحداث عاملاً خطيراً أثّر في مسار الحركة الجهادية المعاصرة في مصر وهو نكسة 1967.
تأثر الظواهري أيضاً بأفكار الشهيد صالح سرية الذي كان وصل إلى مصر بعد قرار السادات بالإفراج عن قادة "الإخوان المسلمين" في بداية عقد التسعينات، وراح يتصل برموزهم من أمثال السيدة زينب الغزالي والأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله ونشط في تكوين مجموعات من الشباب وحثهم على وجوب التصدي للنظام الحاكم.
ويصف الظواهري سرية بقوله "كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة واسعة من الإطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس كما كان ضليعاً في عدد من العلوم الشرعية. التقيت صالح سرية مرة واحدة أثناء أحد المعسكرات الإسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى إلقاء كلمة في الشباب وبمجرد استماعي الى كلمة هذا الزائر أدركت أن لكلامه وقعاً آخر وأنه يحمل معاني أوسع في وجوب نصرة الإسلام وقررت أن أسعى الى لقاء هذا الزائر ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح".
ويمضي الظواهري في الحديث عن أول محاولة انقلابية في عهد السادات قادها صالح سرية، وهي عرفت بحركة الفنية العسكرية: "لم تنجح محاولة الانقلاب لعدم مراعاتها الظروف الموضوعية للواقع ووجوب الإعداد الجيد له فقد كانت تلك المحاولة تفتقر إلى التدريب في جانب الشباب المكلف بالهجوم على حرس بوابة الكلية كما أن الخطة كانت تمر بعنق زجاجة في أكثر من مرحلة"، "وقد أثبتت هذه العملية أن الشباب المجاهد لا يفرق بين العهد الناصرى الروسي القديم والعهد الساداتي الجديد وأنهما في العداء سواء"، و"على رغم أن هذه العملية أجهضت في بدايتها إلا أنها كانت إرهاصاً للتغيير الجديد في المسار العام للحركة الإسلامية فقد قررت الحركة أن تحمل السلاح في وجه الحكومة".
وعلى المستوى الحركي والتنظيمي فإن يحيى هاشم كان له تأثير خاص على الظواهري الذي يصفه بأنه "رائد من رواد الجهاد في مصر وحقّ له أن يكون كذلك فقد أنعم الله عليه بنعمة عظيمة وهي نفسه العزيزة وهمته العالية التي حملته على أن يضحي بكل ما يملك غير مبال بحطام الدنيا وما يتكالب عليه الناس". كان هاشم وكيلاً للنيابة، وهو منصب يتمناه كثير من الشباب، ولكنه لم يكن يعبأ بهذا المنصب وكان دائم الاستعداد للتضحية. حصل التعارف بين الظواهري وهاشم في أعقاب نكسة 1967، وهي الفترة التي هزت مشاعر الشباب ودفعتهم إلى البحث عن طريق للنجاة والتمرد على الأوضاع والتقاليد والسياسات القائمة آنذاك. وحصل انقطاع في العلاقة بين الظواهري وهاشم لم يتضح في سرد الظواهري لمراحل حياته التي ضمنها كتابه "فرسان تحت راية النبي"، ولكن رصد تلك الفترة من مصادر مختلفة يفضي إلى أن هاشم لم يمكث في مجموعة الظواهري سوى فترة وجيزة سارع بعدها إلى توثيق صلاته بالإخوان المسلمين ثم عاد فوطد علاقته بمجموعة صالح سرية حينما بدأت تلح عليه فكرة الصدام المسلح، في الوقت الذي كانت للظواهري ملاحظات عقائدية على منهج سرية وزملائه في حركة الفنية العسكرية. اختار يحيى هاشم أن يلجأ إلى جبال المنيا يحتمي بها ويعدّ عدته للصدام المسلح أو حرب العصابات كما كان يصّورها لكن أجهزة الأمن في مصر استطاعت أن تدهم موقع هاشم ورفاقه واشتبكت معهم في معركة أسفرت عن استشهاد يحيى هاشم.
وفي رأيي أن أهم من تأثر بهم الظواهري كان عصام القمري على رغم أن الاثنين تزاملا في مرحلة مبكرة بدت لهما أعراض مشتركة في البحث عن الأصولية كهوية لازمة للأمة التي غيبت أو غابت عن هويتها الإسلامية الحقيقية. لكن الظواهري لم يخف أبداً مدى تأثره وإعجابه بالقمري، ذلك الفتى الذي دخل الكلية الحربية بدافع من عقيدته التي يؤمن بها وبحتمية التغيير بواسطة الانقلاب. وتوافق الظواهري والقمري على جدوى هذه الوسيلة لتحقيق الهدف في تمكين حكومة إسلامية تطبق شرع الله وتنحي الحكومات العلمانية حسب اعتقادهما. ولعل أهم ما أبرزه في هذا الصدد هو ما تحققه وسيلة الانقلاب من سرعة في الوصول إلى السلطة بأقل الخسائر ومن دون تعريض كثير من الناس للخطر أو إراقة الدماء التي تنتج عن الصدام مع السلطة.
كنا نلحظ ونحن داخل السجن مدى قوة شخصية القمري وسيطرته على العناصر الجهادية، بمن فيهم أيمن الظواهري نفسه. وفي معركة "ولاية الضرير" التي دارت رحاها بين جنبات عنبري التجربة والتأديب في سجن طره كان صوت القمري هو الصوت العالي المسموع من فريق المحتجين على زعامة الدكتور عبدالرحمن، وكان حاداً عنيفاً في إثارته لهذه القضية الشائكة التي كانت مقدمة حاسمة في إنهاء التحالف بين "الجماعة الإسلامية" وتنظيم "الجهاد".
كنت أحمل في نفسي تقديراً خاصاً للأخ القمري رحمه الله، وحينما بدأت أولى جلسات المحاكمة لتنظيم "الجهاد" في 4 كانون الأول ديسمبر 1982 غاب عنها القمري وكنا نتحدث عبر كوة في باب الزنزانة عن أسباب عدم ذهابه الى أولى جلسات المحكمة وحينما ذهبت في الجلسة التالية كلف القمري أيمن الظواهري بأن يتحدث في الجلسة أمام وسائل الإعلام وأمام المحكمة عن المعاملات غير الإنسانية داخل السجون وأيضاً عما أعانيه من معاملة غير طبيعية في سجن القلعة، وبالتالي اضطرت أجهزة الأمن وقتها إلى نقلي مع زملائي في السجون العمومية. وحينما كنت ألتقيه في سجن طره كان يظهر لي وداً شديداً. والحق أنني كنت أبادله وداً بود مما آثار حفيظة آخرين تجاهي في ذلك الوقت.
ويبقى بين منْ أثروا في فكر الظواهري سيد إمام عبدالعزيز: المكنى بالدكتور فضل، والمعروف أيضاً باسم عبدالقادر عبدالعزيز. لم يلتفت كثيرون إلى مدى تأثير سيد إمام في الدكتور أيمن، ووقفوا عند حدود العلاقة بينهما على النحو الذي وصفه الظواهري بأقواله من أنه ضمه الى التنظيم القديم قبل أحداث عام 1981.. وكشف تواصل العلاقة بينهما من الستينات حتى وقت قريب، قبل أن يفترقا في النصف الثاني من التسعينات، مدى العمق الذي بلغته هذه العلاقة إذا أضفنا إليها أبعاداً ليست خافية مثل اختيار الظواهري لإمام كأول أمير لجماعة "الجهاد" التي أسسها في مدينة بيشاور في باكستان، إذ قدّمه على نفسه وحافظ عليه في قيادة التنظيم حتى عام 1992 تقريباً عندما تولى الظواهري القيادة بنفسه، قبل وقوع خلاف فقهي بين الاثنين.
وأخيراً يأتي أسامة بن لادن، وقد يتصور كثيرون أن تأثر الظواهري ببن لادن كان كبيراً واستراتيجياً... لكن الحلقات التالية ستكشف من أثّر في الآخر وإلى أي مدى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.