انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «الأونروا» : النهب يفاقم مأساة غزة مع اقتراب شبح المجاعة    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    م. الرميح رئيساً لبلدية الخرج    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «الأنسنة» في تطوير الرياض رؤية حضارية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليقاً على منتصر الزيات . كيف تحولت أفكار "جماعة الجهاد" ؟
نشر في الحياة يوم 30 - 01 - 2002

يشكل كتاب الأخ الأستاذ منتصر الزيات "الظواهري... كما عرفته" إضافة مهمة للمكتبة الإسلامية والعربية ولتأريخ مرحلة مهمة من مراحل العمل الإسلامي في مصر، وهي شهادة رجل اضطلع بدور مهم وتقاطعت عنده الكثير من الخيوط والوقائع بحكم عمله كمحام، وبحكم نشأته كواحد من أبناء الحركة الإسلامية. وتعقيبي على الكتاب سينحصر في نقطتين إحداهما تاريخية والأخرى فكرية.
وانطلق من سؤال: هل كان هناك تحالف بين "الجماعة الإسلامية" و"تنظيم الجهاد"؟ ورد في الكتاب ما يشير إلى ما عرف إعلامياً بالتحالف بين "الجماعة الإسلامية" وبين "تنظيم الجهاد" قبل عام 1981، بل ذهب الأستاذ الزيات الى القول "إن محمد الإسلامبولي كان ناشطاً في "الجماعة الإسلامية" في حين كان شقيقه خالد ينتمي إلى تنظيم الجهاد" ثم استدرك بعدها فقال "أو ربما كانت له علاقة بمجموعات الجهاد اذ كان وثيق الصلة بعبدالسلام فرج وأيضاً بعبدالحميد عبدالسلام وتأثر كثيراً بالشيخ السماوي". والحقيقة أن قصة ما يعرف بالتحالف بين "الجماعة الإسلامية" و"تنظيم الجهاد" قبل عام 1981 نسجت خيوطها في الكثير من الكتب التي صدرت والمقالات التي سطرت عن اغتيال أنور السادات أو عن "تنظيم الجهاد" حتى أضحت هذه القصة وكأنها الحقيقة التي لا مراء فيها. وإن كان مقبولاً من بعض الصحافيين اطلاق مثل هذه الأقوال، كنت أتوقع أن يصوب الأستاذ منتصر الزيات هذه القصة ولا ينسج عليها. وربما كان ضيق الوقت ضاغطاً عليه، وأنا أغبطه على إنجازه هذا الكتاب في وقت قصير.
وعموماً فإنني أود هنا إجلاء هذه النقطة استناداً إلى المعلومات المستقاة مباشرة من أطرافها ومما ورد عنها في التحقيقات في قضية اغتيال السادات القضية 7 لسنة 1981 - أمن دولة عسكرية عليا أو قضية الجهاد الكبرى 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا التي كنت أحد المتهمين فيها. فالحقيقة أنه قبل عام 1981 لم يكن هناك تنظيم قط يعرف باسم "تنظيم الجهاد". و"تنظيم الجهاد" هو اسم إعلامي أطلقته الأجهزة الأمنية على مجموعات عدة سابقة قُبض عليها مثل "تنظيم الجهاد" عام 1977 وتنظيم جهاد آخر قُبض عليه في الإسكندرية عام 1979، ثم قضيتنا عام 1981 التي أطلق عليها أيضاً اسم "تنظيم الجهاد". على رغم أننا أثبتنا في المحكمة رفضنا هذا الاسم وتمسكنا باسمنا وهو "الجماعة الإسلامية". فالجهاد وإن كان فريضة وذروة سنام الدين إلا أنه ليس الآلية الإسلامية الوحيدة في التغيير. فهناك الدعوة وهناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان الأخ محمد عبدالسلام فرج - رحمه الله - على صلة بمجموعة عام 1979 الأخيرة بحكم عمله في الإسكندرية مهندساً في شركة "هايدلكو" في ذلك الوقت. إلا أنه لم يقبض عليه ضمن هذا التنظيم لأنه لم يكن من قياداته ولم يقم بأي دور فيه. وهو انتقل بعد ذلك للعيش في القاهرة والعمل مهندساً في جامعتها.
ويمكن القول انه في هذه المرحلة كانت هناك مجموعات متفرقة تؤمن بحتمية التغيير من طريق الجهاد واستخدام القوة، بعض عناصرها منظم ضمن مجموعات صغيره ومعظمهم غير منظم، وهو ما يمكن وصفه بالتيار الجهادي. ومن هذا التيار كانت مجموعة محمد سالم الرحال ومجموعة الدكتور أيمن الظواهري بشقيها المدني والعسكري. وما ساعد في نمو هذا التيار، الظروف السياسية في ذلك الوقت التي بدأت تشهد تراجع نظام السادات عن الكثير من وعوده بالحريات العامة ودولة القانون، وخصوصاً بعد أحداث الانتفاضة الشعبية في كانون الثاني يناير 1977 التي سماها "انتفاضة الحرامية" وزيارته للقدس وما تبعها من مفاوضات وتنازلات قدمها للصهاينة وفرضها على الشعب وعلى مؤسساته تُوجت بتوقيع "كامب ديفيد" إضافة الى انتشار الفساد والانفتاح الاستهلاكي والهجوم على المظاهر الإسلامية وتلاعب النظام بقضية تطبيق الشريعة الإسلامية وتقييد الأنشطة الطالبية في الجامعات وتصاعد الأنشطة الطائفية القبطية في أعقاب تولي الأنبا شنودة كرسي الكنيسة المصرية...
كل هذه العوامل جعلت المناخ مواتياً أمام اتساع رقعة هذا الفكر الجهادي الذي لم يجد له في حينه جماعة يمكن أن تحتويه، خصوصاً ان مجموعات الجهاد الصغيرة التي كانت موجودة كانت سرية ونخبوية وضيقة وقليلة العدد. ومن ناحية أخرى، فعلى صعيد العمل الإسلامي شهد عام 1979 تغيرات كبيرة مست قيادات الجماعات الإسلامية في الجامعات المصرية وانتماءاتها فانضم بعض قادتها إلى "الإخوان المسلمين" أمثال الدكتور عصام العريان وحلمي الجزار وعبدالمنعم أبو الفتوح من جامعة القاهرة، وخالد وإبراهيم الزعفراني من جامعة الإسكندرية ومحيي الدين عيسى وأبو العلا ماضي من جامعة المنيا. وتحول جزء آخر إلى العمل ضمن الجماعات والمدارس السلفية في الإسكندرية والقاهرة. وبهذا تمزقت وحدة الجماعات الإسلامية التي استطاعت قبل ذلك توحيد صفوفها والتنسيق في ما بينها وانتخاب الأخ حلمي الجزار أميراً لأمراء الجماعات الإسلامية في الجامعات والعمل باستقلالية بعيداً من الاستقطاب.
شعرت قيادة "الجماعة الإسلامية" في الصعيد بضرورة تعزيز صفوفها وتوسيع نشاطها في ظل جو اتسم بالغليان. ودفع هؤلاء القادة شعورهم بالخطر من قرب ساعة افتراس النظام لهم، وكانت ماثلة أمامهم تجربة "الإخوان" وما حل بهم فأرادوا الاستعداد لكل الاحتمالات. وبعد التعارف والتوافق الفكري الذي تعمق بتتابع الزيارات، تم في أواخر عام 1979 الاتفاق بين محمد عبدالسلام فرج والشيخ كرم زهدي على فكرة إنشاء تنظيم عسكري ل"الجماعة الإسلامية". وبعد طرح الفكرة على بقية القيادات واتفاقها تشكل مجلس شورى للتنظيم وزعت على أعضائه المهمات كل في نطاقه الإقليمي. وهكذا توزعوا على ثلاث لجان نوعية وهي اللجنة العسكرية ولجنة العدة ولجنة الدعوة. وكان المجلس يتكون من: كرم زهدي - رئيساً - وناجح إبراهيم ومحمد عبدالسلام فرج وعصام دربالة وعاصم عبدالماجد وعلي الشريف وأسامة حافظ وطلعت فؤاد قاسم وفؤاد الدواليبي وحمدي عبدالرحمن، وذلك قبل ضم المقدم في الاستخبارات الحربية عبود الزمر. وأثارت فكرة ضم الزمر الذي تعرف إليه محمد عبدالسلام من طريق ابن عمه طارق الزمر الذي كان قد انضم الى التنظيم أزمة كبيرة كادت تعصف بالتنظيم الذي كان بعض أعضائه وعلى رأسهم أسامة حافظ من أشد المعارضين لضم ضابط استخبارات. ولكن بعد مقابلات وجلسات مع عبود الزمر اطمأن إليه المجلس وتمت الموافقة في النهاية على ضمه وانتهت الأزمة. ووافق الجميع على ضمه بعد ذلك الى مجلس الشورى وأسندت إليه رئاسة اللجنة العسكرية، فيما اسندت لجنة العدة لكرة زهدي وكان محمد عبدالسلام عضواً فيها أيضاً، ولجنة الدعوة لأسامة حافظ.
مبايعة الشيخ عبدالرحمن
واتفق الجميع بعد ذلك على مبايعة الشيخ الدكتور عمر عبدالرحمن أميراً للتنظيم. نحن إذاً لسنا أمام تحالف بين مجموعتين، كانت مجموعة واحدة انضم إليها محمد عبدالسلام ولحقه عبود الزمر وتولى فيها عبدالسلام إمارة التنظيم في القاهرة والجيزة. وكل نشاط محمد عبدالسلام بعد ذلك والأعضاء الذين ضمهم كان في إطار هذا التنظيم الذي كان الشيخ كرم زهدي رئيساً لمجلسه.
كان جميع أعضاء المجلس في الأساس من قيادات "الجماعة الإسلامية" في محافظات الصعيد وزاد عليهم محمد عبدالسلام وعبود الزمر. وما حدث بعد ذلك أن القضية التي عرفت باسم "قضية الجهاد الكبرى" ضمت الكثير من المجموعات المختلفة التي تقاطعت خطوطها في لحظات معينة. ومن ذلك مجموعة الدكتور أيمن الظواهري الذي بدأت علاقته بالشيخ عبود الزمر مساء 6 تشرين الاول أكتوبر 1981 أي بعد اغتيال السادات.
وفي السجون كانت هناك مجموعات من عناصر التنظيم من القاهرة والجيزة لم يعرفوا سوى محمد عبدالسلام الذي كان أميرهم ولم يكن لهم علاقة مباشرة أو معرفة بالجماعة ككل ولم يستطيعوا التكيف والالتزام بالعمل الجماعي، خصوصاً أن "الجماعة الإسلامية" كانت تمتاز بقدر كبير من الانضباط والتنظيم. وهناك الكثير ممن ضمتهم القضية من الأفراد لم تكن لهم علاقة تنظيمية بالتنظيم بل قدموا بعض المساعدات في شكل شخصي، وهناك من لم تكن له علاقة بتاتاً بهذا التنظيم وزج به ظلماً وتلفيقاً، فبدأ بعض هؤلاء في إثارة قضية عدم التوازن في مجلس الشورى بين ما سموه بإخوة "الصعيد" وإخوة "بحري" وذلك بعد استشهاد الأخ محمد عبدالسلام. وأثار بعضهم الفتن بسبب ذلك. وفي خضم ذلك أثيرت أيضاً قضية إمارة الضرير وكان أول من أثارها الأخ عصام القمري. وبدأوا يطرحون الشيخ عبود الزمر على أنه الأقدر للقيادة. ومن هنا انفصل هؤلاء الأخوة. وبعد ذلك بفترة عاد الشيخ عبود الزمر لمجلس الشورى من جديد بعدما انجلت هذه الفتنة وتبين أن من أثاروا هذه المشكلات لم يكن من الممكن الاعتماد عليهم. أما تنظيم الدكتور أيمن الظواهري فقد تأسس في بيشاور عام 1987، أولاً باسم تنظيم الجهاد. ثم تم حل هذا التنظيم بسبب خلافات داخلية. ثم تأسس بعد ذلك بعام باسم "جماعة الجهاد".
كان الدكتور أيمن بعد دخوله السجن هو وجماعته قاموا بحل جماعتهم حيث قال الدكتور أيمن مقولته المشهورة "إننا هزمنا". ومن هذا يتبين أن "جماعة الجهاد" الجديدة هي مقطوعة الصلة بما كان قبلها من جماعات، سوى من بعض الأفراد القدامى ممن اختاروا العمل مع الدكتور أيمن، خصوصاً بعد فشل من حاولوا العمل باسم الشيخ عبود. وفي ما يخص ما ورد عن انتماء خالد الإسلامبولي فإنه لا شك كان من أبناء "الجماعة الإسلامية" في نجع حمادي ومعرفته هو وأخيه الأكبر محمد بالشيخ عبدالله السماوي كانت مرحلة عابرة مر بها الكثير غيرهم قبل أن تتكون قناعاتهم في شكل محدد. وأما تعرفه الى محمد عبدالسلام فكان بطلب من الأخ كرم زهدي. كما ذكر ذلك خالد في التحقيقات. وكما قال الأخ محمد الإسلامبولي في حوار أجرته معه مجلة "المرابطون" في العدد السادس بتاريخ تشرين الاول أكتوبر 1990. رداً على السؤال الآتي: "عرف في الكتب التي كتبت عن حادث المنصة والصحف أن الشهيد خالد لم يكن عضواً في "الجماعة الإسلامية" ولا أي تنظيم آخر وأنه قام بهذا الحادث بدافع شخصي، ولا شك في أنك أعرف الناس بخالد فما مدى صحة هذا القول؟ "بالطبع ليس هذا الكلام بصحيح بل كان عضواً في "الجماعة الإسلامية" وكان متطلعاً إلى نصرة دين الله منذ أن منّ الله عليه بالفهم الكامل للإسلام وكان يعتقد أنه لا بد له من جماعة يعمل من خلالها". ويضيف: "وكنت كأخ له جعلني الله سبباً في التزامه أترك له حرية الاختيار مع عرض فكر الجماعة عليه إلى أن كلفني الأخ كرم زهدي - رئيس مجلس شورى "الجماعة الإسلامية" في ذلك الوقت - عرض فكر الجماعة على خالد وضمه الى التنظيم وقد توافق هذا مع انتهاء رحلة بحثه، فكان أن لبى وسارع الى العمل في صفوف الجماعة فكلفه الأخ كرم زهدي الاتصال بالأخ محمد عبدالسلام أمير التنظيم في القاهرة".
ومن الثابت في التحقيقات أن محمد عبدالسلام أرسل على عجل يطلب اجتماعاً عاجلاً عقد في 28 ايلول سبتمبر 1981 في شقة في حي ألف مسكن في القاهرة. حيث حضر كل من كرم زهدي وعاصم عبدالماجد وفؤاد الدواليبي وأسامة حافظ لمناقشة أمر عاجل يخص ظافر... الذي لم يكن سوى الملازم أول خالد الإسلامبولي الضابط في الوحدة الرقم 333 مدفعية الذي ألح عليه قائده للاشتراك في العرض، فلاحت له الفكرة فعرض على المجتمعين خطته وحاجاته التي تمت الموافقة عليها.
التحولات في فكر تنظيم الجهاد
إن أخطر ما طرأ على "جماعة الجهاد" في بيشاور هو التحولات الفكرية التي لم تكن موجودة من قبل في فكر الدكتور أيمن وإخوانه. وتعود هذه التحولات التكفيرية إلى فكر الدكتور سيد إمام، وكنيته عبدالقادر بن عبدالعزيز رفيق الدرب القديم للدكتور أيمن الذي أصبح أميراً للجماعة في بيشاور وهو مؤلف كتاب العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله الذي صدر عام 1989 وأصبح مرجعاً للجماعة ومنشوراً على أنه من مطبوعات "جماعة الجهاد".
أخطر ما أشار إليه الكتاب هو حكمه بالردة على التعيين على جميع الطائفة التي تقاتل عن الحاكم المرتد. فيقول ص272، 273: "وكل من قاتل دونه فهو كافر مثله لقول الله تعالى ومن يتولهم منكم فإنه منهم" ويضيف: "فيقاتل كل هؤلاء قتال المرتدين وإن كانوا ينطقون بالشهادتين ويظهرون بعض شعائر الإسلام لإتيانهم بما ينقض أصل الإسلام". وغير ذلك من النقاط الخطيرة والمدمرة عند تطبيقها في الواقع. وحدث أنني قرأت مذكرة شرعية وزعتها "الجماعة الإسلامية" المسلحة في الجزائر" عام 1994مع نشرة الأنصار وتضمنت مقتطفات مطولة من هذا الكتاب من دون الإشارة الى مصدره - وقد عرفت على الفور مصدره - وما زلت ألون الفقرات في نسختي من الكتاب. وعندما أبلغتهم بخطورة الحكم بالكفر على التعيين على أفراد الشعب وأن هذا الفكر سيفضي الى الفوضى والفساد، جاءني الرد مكتوباً من أحد قيادييهم بأن هذا فكر "تنظيم الجهاد"! وكان ما حدث من جرائم تقشعر لها الأبدان في الجزائر على أيدي هذه الجماعة هو تطبيق عملي لهذا الفكر. وعندما أصدر أحد الإسلاميين في لندن ممن كان يتولى مهمة إصدار الفتاوى لهذه الجماعة الجزائرية في نشرة "الأنصار" فتوى خطيرة بعنوان "فتوى كبيرة الشأن حول: جواز قتل الذرية والنسوان درءاً لخطر هتك الأعراض وقتل الإخوان" في العدد 90 الصادر بتاريخ 30 آذار مارس 1995، قال: "هذا البحث شامل لمسألتين من مسائل الجهاد وهما جواز قتل الذرية والنسوان درءاً لخطر هتك الأعراض وقتل الإخوان". وأضاف: "وسبب بحث هاتين المسألتين هنا هو ما وقع من المجاهدين في الجزائر من القيام بهذه الأعمال. اذ رفع بعض المخالفين رأس الخلاف لهاتين المسألتين حيث ظن من لا خبرة له أن ما قام به المجاهدون في الجزائر ليس له وجه شرعي وهو مخالف للدين من كل وجه، فأحببت أن يطلع المحب المخالف وكذلك المؤيد على دليل ما قام به الأخوة ليطمئن بال المحبين أن ما وقع من المجاهدين هو عمل شرعي ولا ينكر عليهم. والخطاب هنا لمن آمن واعترف أن جهاد هذه الطوائف الحاكمة لبلادنا هو تحت باب قتال المرتدين وجهادهم." وهكذا فالخطاب التكفيري الذي أصله الدكتور سيد إمام ها هو يترجم عملياً على أرض الواقع، اذ أصبح كل من ليس مع "الجماعة الإسلامية" المسلحة مرتداً حلال الدم والمال والعرض.
كتاب الجامع في طلب العلم
ولا ينفع بعد ذلك أن يكون هذا المفتي "جماعة الجهاد" تبرآ عام 1997 من الجماعة المسلحة وسحبا تأييدهما لها على رغم أنها لم تخرج عن مضمون فتاواهما. وطور الدكتور سيد إمام فتاويه في كتابه الجديد الصادر في جزءين من القطع الكبير والمسمى "الجامع في طلب العلم" الذي يتكون من أكثر من ألف صفحة، إذ استدار ليكفر معظم الجماعات الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي. فيقول في الجزء الثاني من الكتاب ص 600 "والخلاصة: أن الحكم بكفر انصار الطواغيت الممتنعين على التعيين قد ثبت بإجماع الصحابة إجماعاً قطعياً ليس فيه منازع، ومثل هذا الإجماع يكفر مخالفه، فمن خالف في هذا الحكم فقد كفر واتبع غير سبيل المؤمنين وفارق جماعتهم ولا حول ولا قوة إلا بالله". وهو يفرد فصولاً للرد على "الجماعة الإسلامية" وعلى فكرها، وفي النهاية يحكم بكفر جميع مخالفيه. ف"الجماعة الإسلامية". و"الإخوان" و"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" كفار. بل حتى "جماعة الجهاد" عندما اعترضوا على هذا الهراء الفكري وحاولوا حذف بعض الأجزاء من الكتاب انشق عليهم ولعنهم وسبهم بأقذع الشتائم والاتهامات. وأصر على أن يضمن كتابه مقدمة في التحذير من جماعته التي كان أميراً ومفتياً لها. فتحت عنوان: "بيان وتحذير في شأن جماعة الجهاد المصرية فهذا بيان من الشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز إلى من يصل إليه من المسلمين، يحذرهم فيه من الكذب والتزوير والخداع الذي تقوم به جماعة الجهاد المصرية" ويضيف: ... وعلى رغم كل ما ذكرته في المقدمة فقد فوجئت بهذه الجماعة الضالة "جماعة الجهاد" المصرية تعبث بكتابي وتحرفه تحريفاً لم يفعله أحد من الزنادقة بكتب العلوم الشرعية على مر تاريخ المسلمين على ما علمته، وذلك على النحو الآتي: أولاً: وضعت هذه الجماعة الضالة عنواناً لكتابي غير الذي وضعته فسمته "الهادي إلى سبيل الرشاد في معالم الجهاد والاعتقاد" مع أنني سميته "الجامع في طلب العلم الشريف"، ووضعت تحت العنوان المفترى اسمي، وهذا كذب علي، وبهذا ثبت أن القائمين على أمر هذه الجماعة كذابون، والكذب كبيرة، ومرتكب الكبيرة فاسق عند أهل السنة، ولو كان عندهم شيء من الورع ما فعلوا ذلك. ثانياً: حذفت هذه الجماعة الضالة المقدمة التي وضعتها للكتاب وقد ذكرت مجمل ما ورد بها آنفاً، ووضعوا مقدمة أخرى للكتاب ونسبوها إليّ، وهذا كذب وافتراء وفسق، وقد قال تعالى "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون". ثالثاً: على رغم أنني ذكرت في مقدمة كتابي أنه لا يحل لأحد أن يختصره، فقد قامت هذه الجماعة الضالة باختصاره بل بتمزيقه مزق الله أوصالها، فقد اختصروا الكتاب في نصف حجمه الأصلي البالغ نحو ألف صفحة من القطع الكبير، وإنما حملهم على هذا ما ورد في الكتاب من نقد شرعي لبعض الجماعات الإسلامية، وهذا الذي فعلوه لم تفعله أشد الحكومات إجراماً وطغياناً مع كتابات مخالفيها. غاية ما تفعله تلك الحكومات أن تمنع نشر كتب مخالفيها، أما أن تحرفها وتعبث بها بالإضافة والحذف فلا أعلم حكومة طاغية فعلت ذلك. فإذا كانت هذه الجماعة الضالة تعبث بكتب العلوم الشرعية هذا العبث مع استضعافها فكيف تصنع إذا تمكنت؟ بل كيف يرجو هؤلاء الكذابون الضالون تمكيناً من الله؟ إن مسالك الناس نحو أقوال المخالفين تتنوع، فالعلماء يردون على الحجة بالحجة وبذلك يتمحص الحق، والسفهاء يردون على الحجة بالسب والشتم فذلك مبلغهم، وأما أهل الزيغ والضلال فإنهم يكتمون الحجة أو يحرفونها فيلبسون الحق بالباطل وهذا ما فعلته هذه الجماعة بكتابي، وهذا مسلك أهل الزيغ والعناد في كل زمان كما قال تعالى "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون"، وهذا يجعلهم متوعدين بلعنة الله كما قال تعالى "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" وإن اختصار كتابي هو خيانة للأمانة التي ائتمنت عليها المسلمين بنصي في مقدمته أنه لا يحل لأحد أن يختصره، فهؤلاء خانوا وكتموا الحق، ولبسوا الحق بالباطل بما افتروه من عند أنفسهم وأضافوه في كتابي، فأي ضلال بعد هذا. رابعاً: تمادت هذه الجماعة الضالة في التزوير والخداع، فأرادوا أن ينسبوا لأنفسهم علماً ليس فيهم وفضلاً ليس لهم، فوضعوا على غلاف الكتاب بعد اسمي عبارة أقرته بعد المراجعة اللجنة الشرعية بجماعة الجهاد ليوهموا الناس أن لديهم أهلية مراجعة مثل هذا الكتاب أو إقرار ما ورد فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زوراً". وقال تعالى "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، ولهم عذاب أليم". وأنا لم أطلب من أحد إقرار ما ورد في كتابي أو مراجعته، فكيف وقد ثبت عندي أن القائمين على أمر هذه الجماعة هم بالمعيار الشرعي من العوام الجهال وليست لديهم أهلية مراجعة مثل كتابي هذا، بل قد حملهم جهلهم على ما صنعوا من الكذب والتزوير والخداع والخيانة، وليعلم كل مسلم أنه لا يحل إتباع الجهال - كهؤلاء أو غيرهم - في أمر من أمور الدين أو أمور العمل الإسلامي، فإن إتباع الجهال وتقليدهم زمام قيادة المسلمين هو الضلال بعينه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" الحديث. هذا ما صنعته "جماعة الجهاد" المصرية بكتابي من الكذب والتزوير والافتراء والخداع، وبهذا يتبين أن بعض الجماعات الإسلامية تشترك مع أعداء الله في أن كليهما يحارب كلمة الحق، وأن كليهما "إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم وبئس المهاد". ولو أن مسلماً غيوراً على دينه تساءل لماذا لا ينتصر المسلمون على أعدائهم؟ ففي فعلته هذا الجماعة من الكذب والتحريف إجابة عن سؤاله، وهذه المعاصي من كبائر الذنوب التي يتسلط العدو بسببها على المسلمين، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجنوده "وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة" - إلى أن قال - "ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن ُيسلط علينا، فرُب قوم ُسلط عليهم شر منهم، كما ُسلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس جاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً". وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قوله "أيها الناس عمل صالح قبل الغزوة لا كذب وخيانة". وبعد فإن ما صنعته هذه الجماعة هي أفعال عصابة من المفسدين المستخفين بالدين، لا أفعال جماعة من المسلمين، ولا يحل لمسلم أن ينتمي لأمثال هؤلاء أو أن يعينهم ولهذا لزم البيان. انتهت مقدمة الطبعة الثانية كتبها: عبدالقادر بن عبدالعزيز.
* قيادي في "الجماعة الإسلامية" مقيم في هولندا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.