فيما يرصد مسلسل "زمان الوصل" فترة مزدهرة من تاريخ الأندلس باستحضار زمن صقر قريش، وعباس بن فرناس صاحب اول محاولة للطيران في تاريخ البشرية، تجرى في مواقع التصوير ذاتها تقريباً، احداث مسلسل آخر بعنوان "هولاكو". وإذا كان المسلسل الأول، يستعيد امجاد الأندلس وليالي زرياب في حدائق قصر الحمراء في مملكة قرطبة، فإن العمل الثاني يرصد اجتياح المغول بغداد وبلاد الشام في القرن الثالث عشر، لحظة غزو "هولاكو" الشرق المفكك على رأس قوة عسكرية ذات طابع همجي توسعي، وإذا ببغداد تغرق في بحر من الخراب، ويتحول دجلة الى مقبرة للكتب والمخطوطات النفيسة. ويحاكي العمل الذي كتبه رياض عصمت، ويحمل توقيع المخرج باسل الخطيب اللحظة التاريخية الراهنة بكل ابعادها، استناداً الى مقولة "ما اشبه اليوم بالبارحة". ففي القرن الثالث عشر الذي شهد تفتت الامبراطوريات القديمة، وهيمنة امبراطورية واحدة، كان الجيش المغولي يجتاح الامبراطوريات الأخرى، الواحدة تلو الأخرى، بسطوة القوة العسكرية وبطش المحاربين الأشداء، واختلال ميزان القوى. وفي ظل هذا التفكك، كان السؤال الذي يتردد في ذهن الجميع: "هل نسلّم مفاتيح المدينة؟". لكن العمل الذي جاء في 30 حلقة، ينتهي ببارقة امل، تتمثل بموقعة "عين جالوت" في فلسطين، هذه المعركة الفاصلة التي انتهت بهزيمة المغول وانتصار العرب. ويوضح رياض عصمت انه كان يفضّل الكتابة عن "جنكيز خان" او "تيمورلنك" نظراً للغنى الدرامي الذي يحيط بحياة هاتين الشخصيتين، "لكن عناصر التطرف والغرابة والوحشية غير المبررة عند هولاكو، أغرتني باستعادة زمن هذه الشخصية الإشكالية، فهذا الرجل الذي يبطش بالناس ويرتمي بعد ذلك في احضان النساء هو نفسه الذي كان يحتضن العلماء ويقيم مرصداً فلكياً، وهو نفسه ايضاً الذي أحرق التراث الإسلامي في بغداد". ويضيف: "على رغم ندرة المراجع عن هولاكو وتاريخ المغول، إلا انني نبشت كل ما يتعلق بهذه الحقبة التاريخية، فبدأت تتكشف امامي عوالم مبهرة بصرياً ودرامياً، اضافة الى ابعاد فكرية ذات اسقاطات تاريخية معاصرة". واعتبر رياض عصمت الذي سبق وقدم مسلسلاً مقتبساً من اعمال شكسبير بعنوان "تاج من شوك"، أن احداث التاريخ بمفردها ستبقى جافة، ولا تكفي الوثائق وحدها لبناء عمل درامي مشوّق، فكان لا بد من تخيّل مواقف درامية حساسة، تضفي جاذبية وإيقاعاً على الحدث التاريخي، ومن هنا كان المسلسل حافلاً بالشخصيات المعروفة في تلك الحقبة، امثال المعتصم والطوسي وابن العلقمي، وبعض قصص الحب التي كانت تجرى جنباً الى جنب مع الأحداث التاريخية والمعارك. ويجرى تصوير المسلسل في نحو 60 موقعاً تتشابه في اجوائها وديكوراتها مع المواقع الأصلية للأحداث، كقلعة الحصن وقلعة المرقب وقلعة صلاح الدين وجبال الساحل السوري. اما شخصية "هولاكو" فيلعبها ايمن زيدان، بمشاركة كوكبة من الفنانين العرب والسوريين ابرزهم: عبدالرحمن آل رشي جنكيز خان، وخالد تاجا ونورمان اسعد وجيانا عيد. ومن المتوقع ان يكون هذا العمل جاهزاً للعرض في شهر رمضان المقبل.