يعرف الرئيس الايراني الوضع الحالي في افغانستان ولأنه يعرف تتخطى زيارته لكابول اطار العلاقات الثنائية ومجرد الابتهاج بغياب نظام "طالبان" المعادي لبلاده0 يعرف الرئيس محمد خاتمي ان حميد كارزاي لم يجد افضل من الاميركيين ليوكل اليهم امر امنه وسلامته0 وان حكومة كارزاي هي التي توفر حاليا الغطاء الشرعي للوجود العسكري الاميركي في افغانستان من دون ان ننسى ان الحرب الاميركية هي التي انجبت صيغة كارزاي0 يدرك الرئيس الايراني انه يزور بلدا ترابط فيه القوات الاميركية، وان بعض عملياتها تدور قرب حدود بلاده مع افغانستان، وان هذه القوات هي قوات البلد الذي سمته الثورة الايرانية "الشيطان الاكبر"0 كما يعرف ان الرجل الذي اطلق الحرب على الارهاب وارسل القوات الى افغانستان هو الرجل الذي ادرج اسم ايران في لائحة "محور الشر"0 يعرف خاتمي كل ذلك، لكنه يعرف في الوقت نفسه ان العالم تغير0 وليتأكد من ذلك له ان يتخيل ماذا يمكن ان يحدث لايران اليوم لو كررت ما فعلته قبل عقدين حين حولت الديبلوماسيين الاميركيين رهائن في سفارة بلادهم في طهران0ويعرف خاتمي ان بلاده التي كانت شوارعها تغص بالحشود الهاتفة "الموت لاميركا" ترى الاميركيين حولها انّى التفتت، برا وبحرا وجوا0 في لغة الايام الاولى للثورة يفترض بايران ان تكون معنية بشكل من الحرب على الوجود العسكري الاميركي في افغانستان0لكن تلك اللغة باتت بعيدة وان كان انصار الحنين اليها لا يزالون يمسكون بمفاتيح القرار في طهران ويستنزفون ما تبقى من رهان على خاتمي0 صحيح ان الرئيس الايراني انتقد في كابول "السياسة العدوانية" للادارة الاميركية الحالية0 لكن الصحيح ايضا هو انه يتحدث من بلاد ترابط فيها قوات اميركية، ما يجعل زيارته رسالة تبطن استعداد بلاده للتعايش مع الحقائق الجديدة تمهيدا للتكيف معها0لا بل ان خاتمي ارفق الرسالة هذه باخرى حين اكد في صورة حازمة ان بلاده لن تسمح ابدا بأي وجود على اراضيها ل"مجموعات ارهابية". وتزداد قيمة الرسالة الاخيرة اذا قرنت بالوفاء الميداني بالتعهدات0 وخير دليل قيام ايران بتسليم السعودية مقاتلين من تنظيم "القاعدة" فروا من افغانستان تحت وطأة ضربات "الشيطان الاكبر"0 لا تكفي الرسائل الحالية لقلب صفحة العداء بين ايرانوالولاياتالمتحدة0 وموازين القوى في طهران لا تسمح للرسائل بان تذهب بعيدا. وتسوية ملف النزاع مع الولاياتالمتحدة تستلزم استعدادا ايرانيا للبحث في مسائل اخرى عالقة مثل اسلحة الدمار الشامل ودور طهران في النزاع العربي-الاسرائيلي وعلاقاتها ب"الانتحاريين" هناك. ولعل الحرب الاميركية لاقتلاع النظام العراقي ستكون، في حال حصولها، الاستحقاق الكبير. فنجاح التغيير في العراق سيعني ايضا اكتمال الحصار الاميركي لايران، الا اذا وظفت طهران حاجة واشنطن الى مساهمتها في تلك الحرب لابرام معالم صفقة شاملة حول المستقبل. اما حصول التغيير في بغداد من دون "دور ما" لطهران في تسهيله فانه يعني ان الرسائل الايرانية اللاحقة ستكون متأخرة فعلا واقل قيمة وتأثيرا.