بدّل أول مونديال في القرن ال21 بعض عادات الجمهور العربي. وغالباً ما ارتبطت كأس العالم لكرة القدم مع السهر على التلفزيون. وفيه تتجمع شلل الاصحاب لتمارس "عادات الليل" التي تخالطها المكسرات والمعجنات واطباق البيتزا وقناني المشروبات وغيرها. ولكن هذه الاشياء تغيب عن المونديال الحالي الذي يصل الى دول العرب في عز النهار، حين يكون معظم الناس في ذروة الانهماك في العمل والدوام. والشرق الاقصى هو "أقصى" بالنسبة الى الكثير من دول العالم. وعلى سبيل المثال، فان الفارق الزمني ليس يسيراً بين اليابان من جهة واوروبا والولايات المتحدة، التي يأتي منها معظم المنتخبات المشاركة، من جهة ثانية. أنها الوقائع القوية للجغرافيا. ولعل هذا التغيير جدير بالاهتمام والملاحظة، فكم غيرت الجغرافيا في عادات كرة القدم حول العالم؟ وعلى الانترنت، بدا فارق الوقت وكأنه حاجز تعجز الشبكة الدولية للكومبيوتر عن تخطيه. ولم يستطع اي موقع عليها ان يقدم نقلاً مباشراً أو مسجلاً للمباريات التي تجرى في أقصى الارض! جلُّ ما تقدمه تلك المواقع هو نصوص مكتوبة، وصور ثابتة، وبعض شرائط الفيديو الرقمية من نوع MPEG. ومن الواضح ان النصوص تقدم فيضاً من المعلومات. وتلبي الصور شغف الشباب في الحصول على صور ابطالهم المفضلين. وتفيد شرائط الفيديو في تقديم بعض اللقطات من المباريات. وقبل بضع سنوات، كان الحديث المفضل هو اجتياج الانترنت لكل ما عداها من وسائل اعلام، بما في ذلك التلفزيون. وكان التحكم في زمن المشاهدة من اهم وعود الشبكة الالكترونية. وأرتسمت صورة زاهية: يعود مستخدم الانترنت الى منزله ليجد كل ما بث في غيابه محفوظاً ومسجلاً، فيختار ما يشاء ليعيد مشاهدته بحسب الوقت الذي يناسبه. وسُمِي ذلك "بث غير متواقت" Asychronus Broad casting. لا شيء من هذا تحقق، على رغم مرور ست سنوات على اول بث رياضي على الانترنت وتحديداً في دورة اتلانتا الاولمبية 1996. ومن يزور الموقع الرسمي للمونديال الحالي يتأكد من مدى عجز الانترنت عن مجاراة كرة القدم من ناحية كونها "حدثاً". فلا يقدم موقع www.fifaworldcup.com اي تسجيل كامل لأي مباراة في كأس العالم. وبالطبع، لا يقدم اي بث مباشر كذلك. ومن البديهي انه يمكن ملاحظة الامر ذاته في مواقع الكرة العربية على الانترنت، مثل موقع "من هِنا كأس العالم" minhina.com. وتربك وقائع الجغرافيا وفوارق التوقيت، التلفزيون بطريقة اقل كثيراً. والى حد كبير، تماشي التلفزة وقائع الجغرافيا واختلاف الزمن في مدن الارض. وتغطي شبكات التلفزة الحدث الكروي في كثافة، و"تمشي" فيه على امتداد الكرة الارضية. وكذلك، تقدم معظم الشاشات اعادات يومية لمباريات الكرة الساحرة. ولعل ذلك نموذج عن اشياء يجدر على العلم والتكنولوجيا التفكير فيها ملياً. ترى كيف لو ان الانترنت كانت قادرة على الوفاء بوعودها، ومماشاة ما تطلبه الافئدة المشدودة الى المونديال؟ ولعل التخلف عن مواكبة الحدث هو من الامور التي يعرف الجميع اثرها السلبي. وربما قاد هذا البعض الى الحديث عن مشكلة المضمون على الانترنت، ولغة "الميديا" على شبكة الكومبيوتر والمأزق الذي يتخبط فيه "نازداك" كسوق معبِّر عن المعلوماتية. وتلك امور تحتاج الى نقاش من نوع آخر.