من طرائف الجنون الكروي اللذيذ ان السلطات الكورية الجنوبية استجابت لطلب جماعي من السجون بتزويدها بأجهزة تلفزيون لتمكين نزلائها من متابعة المونديال. ويبدو ان هؤلاء هددوا باثارة شغب عام اذا لم يستجب مطلبهم. وظهر السجناء على بعض الشاشات وقد طلوا وجوهم بألوان العلم الكوري، وبعضهم ارتدى فانيلات بلون زي المنتخب، وهتفوا وشجعوا خلال مشاهدتهم مباريات منتخب بلادهم عبر التلفزيون. لحظة حرية أم لحظة وَهم؟ لا ادري. ولكنها برهان جديد على القوة التي تملكها الشاشات الفضية راهناً. وشكل المونديال الاول في القرن الواحد والعشرين مناسبة اخرى لاعلان علو كعب التلفزة في اللحظة الحالية من التطور العام لوسائل الاعلام. والحال ان كأس العالم باتت اسيرة التلفزة منذ زمن بعيد. والمفارقة ان سطوع نجم الاسطورة بيليه ترافق مع اول بث متلفز لكأس العالم. وفي مونديال 1966، نقلت المباريات ملونة على نطاق واسع. ومنذ بطولة 1970، انفتح سوق الاعلان التلفزيوني بعد ان التقطت الشركات حقيقة ان عدد مشاهدي التلفزة يفوقون متابعيها في الملاعب بمئات آلاف المرات. وفي المونديال الحالي، يقدر العدد الكلي لمجموع مشاهدي المباريات 64 مباراة عبر التلفزيون بنحو 35 بليون مشاهد، اي ستة اضعاف عدد سكان الكرة الارضية، وبمعدل يزيد على نصف بليون مشاهد للمباراة الواحدة. ولم يستطع الانترنت ان يجاري التلفزيون في هذا الاداء القوي. وعلى رغم هذه "الهزيمة" الاعلامية الا ان الشبكة الدولية للكومبيوتر تنافس قدر الامكان، بل تقدم "عرضاً" لا يخلو من التشويق! وفي احدى لحظات التألق الالكتروني، سُجّل دخول اكثر من مئة مليون مستخدم الى الموقع الرسمي للمونديال Fifaworldcup.com اثناء المباراة الحساسة بين انكلترا والارجنتين. وبلغ عدد زوار الموقع ذاته عند نهاية المرحلة الثانية من الدور الاول، ما يزيد على 400 مليون مشاهد. ويقل هذا العدد عن عدد مشاهدي التلفزيون في مباراة واحدة، ولكنه يفوق العدد الذي حققته الانترنت خلال دورة الألعاب الشتوية الاخيرة في "سولت لايك سيتي". وكذلك فهو يزيد على أعلى رقم سجلته اي مسابقة ألعاب اخرى على الانترنت، وهو 350 مليون مشاهد. واستخدم نصف جمهور المونديال في الانترنت اللغة الانكليزية، وتليها اليابانية بنسبة 15 في المئة، ويستعمل ثمانية في المئة منهم لغات اخرى مثل الصينية والاسبانية والالمانية والفرنسية والكورية. هل تؤكد الكرة المستديرة ان المستقبل على الانترنت هو للتعدد اللغوي، وليس لهيمنة اللغة الواحدة، تماماً مثل حال الكرة ومدارسها؟ سؤال متروك للمستقبل.