تشهد الأسواق العربية حاضراً، تدفق سيول من التلفزيونات الرقمية التي بات لها مكان وطيد في محالها و «مولاتها». ويبدو أن إحدى الميزات «المسكوت» عنها في تلك الشاشات هي قدرتها على التقاط تلفزيون الانترنت Internet tv. ولا يقتضي الوصول الى التلفزة التي تُبثّ عبر الألياف الضوئية للإنترنت، سوى وصل التلفزيون الرقمي بالكومبيوتر، ثم الاتصال بالإنترنت من الكومبيوتر. واستطراداً، فإن الموجة المقبلة من تلك الشاشات عينها بإمكانها التعامل مباشرة مع الإنترنت، ولا تحتاج الى وساطة الكومبيوتر في هذا الأمر. ولعل من الصعب التغافل أيضاً عن القول إن الكلفة الفعلية لتلك الشاشات تتمثل في سعر الاتصال مع الانترنت، والذي ما زال بحاجة الى مزيد من التمحيص والتدقيق، إذا أراد أصحاب الشأن في السياسة أن تتحوّل الانترنت الى عصب فعلي في نسيج الحياة اليومية في البلاد العربية. ربما يبدو للبعض أن تلفزيون الانترنت كوعد آت من المستقبل، بمعنى أن زمانه لم يأت بعد. والارجح أن يفاجأ هذا البعض بأن هذه التلفزة باتت تمتلك أكثر من 4000 قناة رقمية تبث عبر الشبكة الالكترونية الدولية، من بينها ما يزيد عن 300 قناة تمارس البث الحيّ بصورة مباشرة. وتحوي الشبكة العنكبوتية مواقع تتخصص بتقديم لوائح عن أقنية تلفزيون الانترنت، مثل موقع «ويب تي في ليست.كوم» webtvlist.com الذي يُعطي معلومات عن برامجها، وطرق الاشتراك بها، وسبل الحصول على برمجيات الكومبيوتر التي تساعد في مشاهدتها وغيرها. ويلفت في ذلك الموقع أن تلفزيون الانترنت يساوي بين الدول والشركات، فتتساوى فيه قناة شبكية تديرها شركة «توشيبا» اليابانية مع تلك التي تديرها دولة من وزن روسيا على سبيل المثال. وفي هذا المنحى، تشبه التلفزة الرقمية نظيرتها الفضائية، التي سبقتها في إخراج الترفيه البصري - السمعي من هيمنة الدولة ومؤسساتها إلى المؤسسات الخاصة. ويوزع موقع «ويب تي في ليست.كوم» أقنية التلفزة الشبكية على أنواع مثل الترفيه والموسيقى والرياضة والدين والسياسة والتعليم والتسوّق والأفلام والعائلة والأعمال والسفر وغيرها. ويعطي هذا الملمح فكرة عن قدرة الانترنت على إعطاء المشاهد السيطرة على هذه الفرجة، إذ يستطيع التعامل مع أربعة آلاف قناة سوية. ومن المهم ملاحظة أن معظم أقنية التلفزيون على الانترنت ليست امتداداً للأقنية المتلفزة الفضائية والأرضية، على رغم أن قلة منها هي فضائيات منقولة الى الألياف الضوئية للشبكة الدولية. وتعتمد غالبيتها على بث أشرطة فيديو عبر الشبكة، ويتكل قسم آخر على البث المباشر (وكذلك المُبرمج) عبر الانترنت. ويعني ذلك أن نوعاً جديداً من الترفية يولد على الانترنت، وعبر المزاوجة بين فني التلفزة والاتصال الشبكي الرقمي. ولكن، يجدر عدم الغرق في الأوهام الوردية التي غالباً ما ترافق الحديث عن العالم الرقمي. فلحد الآن لم تسجّل هذه التلفزة اختراقاً لافتاً يؤهلها للمنافسة القوية في مجال الإعلام العام، وخصوصاً المرئي - المسموع منه. ويُذكّر الأمر بأن شركات المعلوماتية لم تستطع أن ترفع من مكانة البث الشبكي أيضاً، واكتفى معظمها ب «ابتلاع» خسائره التي نجمت عن مراهنته على النجاح السريع لهذا البث الذي انطلق في تسعينات القرن الماضي. والارجح ان تلفزيون الانترنت ما زال في انتظار حدوث «اختراق ما» يدخله الى زمن الانطلاق في المجال العام. وقد يأتي هذا الأمر من التكنولوجيا أو من معطيات أخرى مثل المحتوى أو من أشياء أخرى. وفي المقابل، ثمة منافس غير متوقع، يجب التفكير فيه جيداً: موقع «يوتيوب» وما يشبهه من المواقع المتخصصة في تبادل الأشرطة المرئية - المسموعة بين الجمهور. ومثلاً، من المستطاع القول إن تجربة التغطية المشتركة للانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة بين قناة «سي أن أن» الفضائية وموقع «يوتيوب» الشبكي، توحي بأن البُعد التلفزيوني للإنترنت يقع تحت سيطرة «يوتيوب» وأشباهه. ولم تستطع أقنية البث المتلفز عبر الإنترنت ان تنافس التلفزة الفضائية ولا مواقع الأشرطة المرئية - المسموعة على الشبكة الالكترونية الدولية. مثال أكثر جدّة: شريط سوزان بويل نجمة الغناء في مسابقة «بريطانيون يملكون موهبة 2009»، التي صارت ظاهرة في الغناء المتلفز عالمياً. وتحتاج بويل وشريطها الى نقاش مستقل، لكنها تضيف شهادة الى تمدّد مواقع مثل «يوتيوب» على المساحة التي يفترض بتلفزيون الإنترنت أن يمسك بها.