تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن "انماط الارهاب العالمي" يركز، مثل الكثير من التقارير الحكومية، على ايجابيات الحكومة المعنية. فالتقرير الحالي يتغنى بمديح ادارة الرئيس جورج بوش وانجازاتها منذ 11 أيلول سبتمبر الماضي، معطياً انطباعاً بأن كل شيء على ما يرام، ولو ان المسيرة لا تزال طويلة. من منظوري، وعلى رغم انني لست من الخبراء، أجد ان "الحرب على الارهاب" لا تسير لمصلحة أميركا، ذلك ان الغرب لم يكسب "القلوب والعقول" في العالم الاسلامي، لا بل تصاعدت مشاعر العداء للولايات المتحدة وحليفات لها مثل بريطانيا بسبب سياستها المنحازة في الشرق الأوسط وقضايا اخرى، فيما يتراجع الدعم ل"الحرب على الارهاب". لقد حظي الأميركيون، بالتأكيد، على تعاطف حقيقي في مختلف انحاء العالم بعد الجرائم البشعة المتمثلة بالهجمات على نيويوركوواشنطن في 11 أيلول سبتمبر الماضي. ودعم الاتحاد الأوروبي تعاطفه بخطوات عملية، مثل حملات الاعتقال والتعريف الجديد للارهاب. كما وضعت قواعد جديدة لمحاربة غسيل الأموال، أدعت واشنطن انها قطعت عن تنظيم "القاعدة" ملايين الدولارات. وسواء صح الادعاء أم لا، فليس هناك تقديرات محايدة في هذا الشأن، وهناك الكثير من الدعاية حوله. المؤسف ان اللغة التي استعملها الرئيس جورج بوش - ربما كانت موجهة الى غالبية الرأي العام الداخلي - اثارت استياء في الخارج. فقد كان من الخطأ استعمال تعبير "الحرب على الارهاب"، وأيضاً الخطاب العدواني - مثلما في حديث بوش عن "حملة صليبية"، على رغم أن السبب كما اعتقد كان الجهل - والاعلان ان أسامة بن لادن "مطلوب حيّا أو ميتا"، كما لو انه كان شريراً في واحد من أفلام "الكاوبوي". من بين الذين عبّروا في شكل جيد عن الشعور السائد في بريطانيا النائب العمالي المجرّب بيتر كليفويل، الذي قال: "يجب التعامل مع هذه الأعمال البشعة على أساس الأدلة وحكم القانون، ولا يمكن للولايات المتحدة القضاء على أشخاص دون محاكمة. وهناك خطر ان بعض الأدلة يصاغ لأهداف معينة، وأرفض الاعمال الانتقامية التي لا تفرق بين البريء والمذنب". الحملة العسكرية الأولى في أفغانستان كانت ناجحة، رغم تواتر التقارير عن أن عدد القتلى في القصف، الذي لم يكن دقيقا في حالات كثيرة، تجاوز عدد القتلى في نيويوركوواشنطن. وكان من الخطأ استعمال القنابل العنقودية وغيرها من الأسلحة الجوية الجديدة، التي ادت الى خسائر بين المدنيين كان يمكن تجنبها. من بين الأخطاء أيضا التركيز على أسامة بن لادن، وها نحن في حزيران يونيو لا نعرف حتى اين هو الآ. ويقول تقرير "أنماط الارهاب العالمي" ان تنظيم القاعدة لا يزال يملك من عشرة الاف الى ثلاثين ألف عضو موزعين على ستين بلد. وحاولت وزارة الخارجية الأميركية ربط العراق بالقاعدة، من خلال لقاء مزعوم بين الانتحاري محمد عطا ومسؤول في الاستخبارات العراق، لكن المحاولة فشلت حتى الآن. من الواضح ان اعادة اعمار افغانستان، حيث عادت تجارة الأفيون، ستسغرق عقودا طويلة. كما من الواضح ان اميركا تريد تجنب المسؤولية. وليس لحكومة حميد كارزاي سيطرة تذكر خارج كابول. ويريد الديبلوماسيون الأميركيون اعتبار أفغانستان انتصاراً كبيراً، فيما تتساءل دول اخرى، خصوصاً بريطانيا، عن المدة التي ستضطر فيها الى الاستمرار في نشر قواتها في انحاء أفغانستان. ولم يتضح بعد أن الادارة الأميركية تدرك الكارثة الاعلامية التي جلبها الاعتقال الغير قانوني لنحو 1600 شخص يشتبه في انتمائهم الى القاعدة. وسبب وصول الدفعة الأولى من ا لمعتقلين الى قاعدة غوانتانامو في كوبا صدمة لكثيرين في بريطانيا. اذ أين هي القيم التي يفترض ان أميركا تمثلها؟ واين الاحترام المفترض للقانون والعرف الدوليين؟ بعد ذلك عرفنا في آذار مارس الماضي أن ليس من بين المعتقلين من يصلح للمثول أمام محكمة عسكرية، أي انهم في أفضل الأحوال من المراتب الدنيا في التنظيم. وبدا أواخر أيار مايو أن نائب الرئيس ديك تشيني يقوم بالمهمة نيابة عن القاعدة، عندما حذر من أن "السؤال فيما يخص 11 أيلول آخر... هو ليس اذا بل متى". فيما قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ان الهجمات المتوقعة ستشمل أسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية، تقدمها للارهابيين دول مثل ايرانوالعراق وسورية. ما نستخلصه من هذه التحذيرات الطائشة أن تنظيم القاعدة لم يُهزم، وان العالم ليس أكثر أمنا مما كان عليه قبل 11 أيلول. الولاياتالمتحدة بحاجة الى تغيير سياستها والتركيز في شكل أقوى بكثير على استراتيجية لكسب القلوب والعقول. ولا بد لهذه الاستراتيجية أن تشمل خطوات قوية تجاه اسرائيل والتراجع عن اطاحة صدام حسين. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.