منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزو العراق كان هدية ل«القاعدة» وسمح لها بإعادة تنظيم صفوفها (2)
نشر في الحياة يوم 24 - 08 - 2011

في هذه الحلقة من كتاب فواز جرجس «صعود القاعدة وهبوطها» الذي خص «الحياة» بفصول منه، يجادل الكاتب بأن اتساع نطاق الحرب على الإرهاب التي اطلقها جورج بوش، قد أطال من بقاء «القاعدة»، فلو لم تكن الحرب في العراق، لكانت الحرب ضد بن لادن ورجاله أقصر وأقل تكلفة وأكثر حسماً.
ويقول جرجس إن الهجمات الإرهابية التي شنها ابو مصعب الزرقاوي في العراق ساهمت في تدني الثقة ب «القاعدة» في معظم البلدان الاسلامية.
وهنا الحلقة الثانية:
على مستوى العمليات العسكرية، وبعد طرد بن لادن وجماعته من ملاذهم الآمن في أفغانستان عام 2001، فإن «القاعدة» و «طالبان» معاً ضُربا في مقتل من الناحية الفعلية. كانت القيادة في حالة ملاحقة او أسر، تشتتوا بطريقة عشوائية في بلدان مختلفة، وكانت معظم تلك البلدان غير مرحِّبة بهم، وحوصر رجال بن لادن من قبل اجهزة الامن لبلدان العالم اليقظة، التي تنافست بعضها مع بعض لإظهار التعاون مع الأميركيين في مواجهة «القاعدة».
من اليمن إلى سورية، ومن الإمارات العربية المتحدة إلى باكستان، أسفرت عملية مطاردة عناصر «القاعدة» عن القبض على عدد كبير منهم. على سبيل المثال، قامت ايران بترحيل المئات من رجال بن لادن الذين هربوا الى هناك، بما في ذلك قيادات في التنظيم وأعضاء من عائلة بن لادن. وحاصر اليمن المئات من الجهاديين السابقين وأودعهم السجون، وقد سافر علي عبدالله صالح، الرئيس اليمني، إلى واشنطن وأعلن دعمه لأميركا من خلال السماح لوكالة الاستخبارات الاميركية باستخدام طائرات من دون طيار لقتل أبو علي الحريثي، وكان قائد «القاعدة» في اليمن في ذلك الوقت، مع خمسة أعضاء آخرين مشتبه بانتمائهم ل «القاعدة» في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2002.
منذ دخول أوباما إلى البيت الأبيض، شهدت العلاقات الأميركية الباكستانية تدهوراً ملحوظاً، وكانت قمة التدهور قتل بن لادن في عملية خاصة في معقله في أبوت أباد قرب العاصمة إسلام أباد، بأوامر من اوباما. بالرغم من المنهجية المزدوجة التي اتبعتها باكستان إزاء «طالبان» في افغانستان -تعقُّبهم ودعمهم في آن واحد-، فقد قدمت السلطات الباكستانية في أعقاب أحداث سبتمبر مساعدة ملموسة وهامة للولايات المتحدة، وساعدتها في القبض على اكثر من 400 من كبار مساعدي وعناصر تنظيم بن لادن، مثل خالد شيخ محمد وأبو زبيدة، الذي يعتبره البعض الشخصية الثالثة في «القاعدة». هناك دليل واضح بعد عامين من هجمات سبتمبر، على ان بن لادن والظواهري كانا في حالة ضعف، وكانا في حالة تحرك مستمرة بحثاً عن ملاذ آمن في المناطق الريفية بين باكستان وأفغانستان، وذلك خوفاً من إلقاء القبض عليهما.
كانت هناك فرصة للقضاء على «القاعدة» بين عامي 2001 و2003، تمثلت في ان «القاعدة» كانت في حالة عدم توازن، وكان هناك تعاطف عالمي تجاه الولايات المتحدة بعد أحداث سبتمبر 2001، فقد كانت الفترة بين 11 سبتمبر حتى غزو العراق واحتلاله، غنيةً بالاحتمالات والفرص بخصوص الحملة ضد جماعة بن لادن، فقد أسفر افتقادهم لأي دعم اسلامي شعبي وقلة الملاذات الآمنة، عن تضييق الخناق عليهم. واجهت «القاعدة» مستقبلاً قاتماً جداً، لانها كانت في حالة مطاردة وملاحقة، وبدلاً من الاستفادة من ذلك وبناء تحالف عبر القوميات، وبصورة خاصة من مجتمعات إسلامية للقبض على بقايا «القاعدة»، فقد قررت إدارة بوش شن حرب عالمية على الارهاب على اوسع نطاق.
غزو العراق
كان قرار بوش غزو العراق واحتلاله هديةً ل «القاعدة» سمحت لها بإعادة تجميع نفسها وإعادة تنظيم نفسها عسكرياً، وبدء عملية لامركزية صنع القرار. إن اتساع نطاق الحرب على الإرهاب قد أطال من بقاء «القاعدة». لو لم تكن الحرب في العراق، لكانت الحرب ضد بن لادن ورجاله أقصر وأقل تكلفة وأكثر حسماً. بالتأكيد، احتلال اميركا للعراق، وهو يقع في قلب الإسلام العربي، أغضب الملايين من العرب والمسلمين، الذي تحول حيادهم السلبي إلى عداوة شديدة. اصبح العراق الصوت المجمع للجهاد بكافة اطيافه ضد اميركا.
نظر العرب والمسلمون الى احتلال العراق من خلال منظور الإرث الاستعماري، الذي لم يُنسَ أو يُغفر، ولم يرحبوا بالقوات الغربية والاميركية كقوات محرّرة، ولولا العقبات اللوجستية والعملياتية لكان هناك مئات الآلاف من شباب المسلمين مستعدين للسفر الى العراق لمحاربة المحتلين الأجانب. قابلت في أسفاري بين عامي 2003 و2006 مئات الشباب العرب من ليبيا والمغرب والجزائر واليمن ولبنان والأردن وأماكن أخرى، والكثيرون منهم أخبروني أنهم حاولوا بكل وسيلة السفر الى العراق والانضمام الي الجهاد هناك، بينما معظم هولاء ليسوا اعضاء في «القاعدة»، وقد بدا عليهم الاقتناع برسالتها للدفاع عن الأمة ضد الاحتلال الاجنبي.
إن اشتباكاً محدوداً ضد «القاعدة» المنحسرة والمضطربة تحول الى صراع أكبر مع العالم الاسلامي، وهو تماماً ما كان يأمل فيه بن لادن والظواهري. وفَّرت الحرب في العراق بيئة غنية لتجنيد أعضاء جدد ل «القاعدة»، وفرصة لكسب مصداقية في عيون المسلمين، وينظر الى «القاعدة» على أنها الطليعة المحاربة للأمة.
بعد عدة أشهر من الغزو، قامت جماعة صغيرة من ثلاثين من المحاربين العرب الأفغان بقيادة ابومصعب الزرقاوي، بتكوين منظمة الموت «التوحيد والجهاد»، وقد شُكلت على غرار «القاعدة». في ذروة قوة تلك المنظمة، التي فاقت في القوة والعدد منظمة بن لادن بين عامي 2004 و2006 وزادت عليها في وحشية عملياتها وخاصة ضد المدنيين العراقيين، قام الزرقاوي بتجنيد أكبر عدد من الانتحاريين في التاريخ، وقام بتوزيعهم بطريقة عشوائية. كان هدفه قتل أكبر عدد من العراقيين وبصورة خاصة الشيعة.
«قاعدة» الزرقاوي
وقد أعلن الزرقاوي في تشرين الاول (اكتوبر) 2004 تغييرَ اسم جماعته الى «القاعدة في بلاد الرافدين»، وأعلن ولاءه لبن لادن، وقد بارك بن لادن الزرقاوي وأعلنه أميراً ل «القاعدة» في العراق، وامتدح عملياته الضاربة ضد الأميركيين.
كانت العلاقة بين «قاعدة» بن لادن والزرقاوي معقدة، وكل منهما لديه أجندة مختلفة وطبائع مختلفة، فقد انتقد الزرقاوي كلاًّ من بن لادن والظواهري لكونهما غير عنيفين بالقدر الكافي مع العدو في أواخر التسعينات، وقد ورد أن بن لادن في البداية كان متردداً بخصوص الموافقة على الدمج بين «القاعدة» وجماعة الزرقاوي بسبب عنف الاخير وطائفيته المفرطة التوتر تجاه الشيعة التي قد تحول الانتباه عن المواجهة مع العدو الابعد.
ولكن مع نهاية عام 2004، وضع بن لادن تحفظاته جانباً واحتضن الزرقاوي، الذي فاق نجمه بن لادن. وسَّع الزرقاوي حرب «القاعدة» في العراق، وتجمَّع الآلاف من المتطوعين الشباب خلف دعوته. وفي الوقت الذي كان بن لادن يختبئ في باكستان وأكثر تهميشاً وعزلة، تصدرت العمليات الانتحارية للزرقاوي عناوين الصحف العالمية. لقد منحه تحالفه مع الزرقاوي فرصة فريدة وذهبية لمد جبهة المواجهة مع الولايات المتحدة وإقناع جماعته الجهادية والمسلمين بصورة عامة، ان منظمته لا تزال هامة بالرغم من التراجعات التي عانتها في افغانستان وباكستان والسعودية واليمن وأماكن اخرى.
اثبتت مراهنة بن لادن على الزرقاوي أنها مكلفة للغاية. هاجم الزرقاوي المدنيين العراقيين، بمن فيهم النساء والأطفال، وتآمر لقتل جماعي للشيعة. وبالرغم من دعوات قيادات «القاعدة» لضرب الاميركيين فقط، وجَّهَ الزرقاوي مجموعات من الانتحاريين ضد الشيعة. لم يقف شيء في طريقه، سواء بن لادن اوالظواهري او حتى العرب السنة، وهو قطاع قدم الملجأ والدعم للزرقاوي في بداية المواجهة ضد الاميركيين. عندما تحدى القادة القبليون السنة تكتيكاته ومحاولاته لفرض نظام شبيه بنظام «طالبان» على اراضيهم، ردَّ الزرقاوي بإصدار أوامر باغتيال سياسيين سنة تجرأوا على المشاركة في النظام السياسي الوليد. ومع حلول عام 2005، حولت مئات التفجيرات وعمليات الخطف والذبح الدفة ضد «القاعدة» في العراق و «القاعدة» الأم من قبل الاغلبية الساحقة من العراقيين والمسلمين.
وقد وبخه علانية أستاذه الروحي أبو محمد المقدسي، وهو أحد رموز التيار السلفي الجهادي، بخصوص إرهابه ضد المدنيين. وقال المقدسي في مقابلات عديدة إن استهداف المدنيين خطأ. لقد اضرت التكتيكات المتطرفة بمصالح الأمة وأساءت لصورة الاسلام. وذكَّر المقدسي تلميذَه السابق بأن ما يُطلق عليه العمليات الاستشهادية تنفذ فقط في ظروف استثنائية وضيقة، وحذره من تنفير العراقيين، وحقيقة ان العراقيين يعرفون الأفضل لبلدهم.
انتقد الظواهري ما يقوم به الزرقاوي في خطاب ارسله له في تموز (يوليو) 2005، قائلاً إن العنف المفرط الذي يقوم به قد نفّرعامة المسلمين وحولهم ليكونوا ضد «القاعدة».
وأكد كلٌّ من المقدسي والظواهري للزرقاوي، أن مهاجمة الشيعة كانت مدمِّرة للهدف الأعظم، وهو طرد الأميركيين من اراضي المسلمين.
لم يستجب الزرقاوي لتلك الندءات، وأحاط نفسه بالمتطرفين الذين قدموا له الولاء التام ونفذوا أوامره. وقد نفّر الزرقاوي المقاتلين السنة وانقلبوا ضده في النهاية، وانضم الكثيرون منهم الى ما اطلق عليه «مجالس الصحوة» برعاية الولايات المتحدة، وقامت تلك المجالس بطرد رجال الزرقاوي من مناطقهم. وعندما قُتل الزرقاوي، كانت «القاعدة» في العراق قوة منهكة.
كان الزرقاوي في عيون المسلمين رجل بن لادن في العراق. لأول مرة على الإطلاق، قدَّم بن لادن اعتذاراً علنياً للأخطاء التي ارتكبها رجاله في العراق، وطلب العفو والمغفرة، ولكن كانت تلك الخطوة غير مؤثرة، ومتأخرة جداً، فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام والمسوح في العراق والبلدان الاسلامية، انحداراً شديداً وعدم ثقة كبيرة في توجهات المسلمين إزاء «القاعدة».
فقدت «القاعدة» في العراق اكثر من معركة وبلد، لقد فقدت فرصة تاريخية لدمج نفسها في مجتمع سني يعاني ويتسامح مع وجودها في البداية، وفقدت فرصة التوغل في البلدان العربية المجاورة.
تقبع الفرصة الضائعة في صميم التركيبة البنيوية ل «القاعدة»: فهي ليست حركة اجتماعية متماسكة مؤسسياً، ولكنها تجمُّع فضفاض لمجموعات وأجنحة صغيرة تميل للانصياع لشخصيات كارزمية. مثّل الزرقاوي «القاعدة»، وليس هو الاستثناء، تجاهل مجلسه الكبار والقادة، مضحياً بمستقبل الدولة الاسلامية في العراق على مذبح تعصبه. إن عدم قدرة «القاعدة» على ثني حلفائها المحليين عن مهاجمة العدو القريب قد هدد مستقبل الحركات الجهادية علي مختلف مشاربها.
قد تكون «القاعدة» تسيطر على افكار وعناوين الصحف الاميركية، ولكن يشكل أعضاؤها قلة قليلة.
تواجه القيادة الجديدة ل «القاعدة» نقصاً هائلاً في تجنيد عناصر ذات مهارات في العالم الاسلامي. تأتي المعلومات الاستخباراتية عن العناصر المشتبه بانتمائها ل «القاعدة»، من أقارب وأصدقاء وليس من خلال اجهزة الرقابة والاستخبارات في السعودية والعراق ولبنان والأردن وأندونيسيا وأماكن اخرى، وهو تأكيد على تغير الفضاء الاجتماعي والسياسي والتحرر من الوهم المتعلق برجال بن لادن. تمثل «القاعدة» بالنسبة الى الكثيرين من المسلمين عبئاً، ووجودها يسبب عدم استقرار وانعداماً للأمن، ولا يقدم بن لادن والظواهري أيَّ حلول للتحديات السياسية والاجتماعية الملحّة، ولكنهم يسببون سفك الدماء وذرف الدموع.
قلق المسلمين
أوضحت استطلاعات للرأي العام في بلدان اسلامية، مدى قلق المواطنين من خلفيات مختلفة من الارهاب وصورة الاسلام في الخارج. تنظر أغلبية متزايدة من المسلمين الى «القاعدة» بصورة سلبية وتؤيد اتخاذ اجراءات فعالة لتحجيم انشطتها في مجتمعاتهم. على سبيل المثال، اجرى معهد غالوب بين عامي 2001 و2007 عشرات الآلاف من المقابلات وجهاً لوجه لمدة ساعة مع المقيمين في اكثر من 35 بلداً اغلبيتها من المسلمين. توصلت الى نتيجة هي عكس التصور السائد في الغرب، الذي يرى ان اعمال «القاعدة» تتمتع بدعم واسع في العالم الاسلامي، فقد دان 93% من الذين تمت مقابلتهم قتل غير المحاربين، وذلك لاسباب انسانية ودينية. ووفقاً لمسح للرأي العام تم في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) واوائل كانون الاول (ديسمبر) 2007، قامت به منظمة غير ربحية يطلق عليها «غد خالٍ من الإرهاب» بحثاً عن الأسباب التي تدفع الناس إلى دعم أو معارضة التطرف، أقل من عشر السعوديين كان مؤيداً ل «القاعدة»، ووافق 88% على ان السلطات السعودية يجب ان تطارد وتلاحق عناصر «القاعدة».
وبالرغم من الحرب في المناطق القبلية في باكستان وصحوة «طالبان»، يقول معظم الباكستانيين العاديين إنهم لا يثقون ب «طالبان» او «القاعدة». على عكس ما تقوله تقارير الارهاب في الغرب، فإن باكستان لا تواجه تهديداً وشيكاً من «طالبان» او «القاعدة». وخلص مسح «بو» العالمي للاتجاهات عام 2009 عن الرأي العام الباكستاني، إلى ان 9% فقط من العينة لديها نظرة ايجابية إزاء «القاعدة».
تدنت الثقة في «القاعدة» في معظم البلدان الاسلامية في السنوات الاخيرة، وأظهر استطلاع للرأي في السعودية في كانون الاول (ديسمبر) 2007، أن السعوديين انقلبوا على بن لادن ومنظمته والمتطوعين السعوديين في العراق والارهاب بصفة عامة، ووفقاً لأحد تقارير الاستخبارات في السعودية، فان 70% من المعلومات حول المشتبه بانتمائهم الى «القاعدة» مصدرها الأقارب والأصدقاء والجيران وليس وكالات المراقبة والامن.
بدأت جاذبية «القاعدة» تخبو في اندونيسيا بعد ذبول الجماعة الاسلامية والتي كانت منتسبة بصورة رخوة ل «القاعدة». تدعم تلك المؤشرات الخلاصة التي تقول ان القطاع الرئيسي للمسلمين يظهر على انه السلاح الاكثر فاعلية في الحرب على الارهاب.
ووفقاً للظواهري، فإن أحد الدروس التي تعلمها في كفاحه طوال حياته لإقامة دولة تحكم بالقرآن، أنه من دون الدعم الشعبي من المسلمين، فإن الجهاد سيُسحق من قبل الحكام الكفرة العلمانيين.
اكثر من ذلك، تواجه «القاعدة» ثورة من داخلها، فقد ألقت قيادات كبيرة سابقة في «القاعدة» اللوم على بن لادن مباشرة بخصوص الاضطراب والحروب التي تعصف بالعالم الاسلامي، وقام سلمان بن عودة بانتقاد بن لادن على الموقع الالكتروني الخاص به، ووصل نقده الى انه مدح كل القلوب الشجاعة والعقول المقدامة التي انشقت عن «القاعدة» وابتعدت عن الارهاب الذي ترتكبه. وقال العودة إن الكثيرين من الإخوة في مصر والجزائر وأماكن اخرى، رأوا نهاية طريق ايديولوجية «القاعدة»، وهم يدركون الآن أن «القاعدة» هي منظمة مدمرة وخطيرة.
وقد اعترف بن لادن بالأخطاء التي ارتكبها شركاؤه واعتذر عنها وقدم النصيحة لنفسه وللمسلمين بصفة عامة والإخوة في «القاعدة» في كل مكان، ان يتجنبوا التطرف. ومن خلال ذلك الخروج العلني لبن لادن، فهو يعترف بصورة ضمنية بغياب سلطته على تلك الفروع المحلية، والتي قد تثبت أنها أسوأ عدو ل «القاعدة».
وقد انتقد الجهادي المخضرم وأحد الآباء المؤسسين لتنظيم «القاعدة»، الدكتور فضل (سيد امام الشريف)، التنظيمَ بقوله إن 11 سبتمبر كان فشلاً مدمراً، وفي مقالاته المعنونة «ترشيد الجهاد»، انتقد فضل الإستراتيجيةَ والأيديولوجيةَ العابرةَ للقوميات التي تتبناها «القاعدة»، وقال فضل عن بن لادن والظواهري إنهما «نبيان كاذبان». br /
وردَّ عليه الظواهري باتهامه بأنه يخدم الاستخبارات الاميركية وبأنه خائن للدعوة، وأضاف الظواهري أن الجهاديين ارتكبوا اخطاء، وقد ارتكب القادة المسلمون ايام النبي اخطاء، ولكن يستمر الجهاد.
واضاف الظواهري في رسالة مسجلة في الذكرى التاسعة لأحداث سبتمبر: إننا نتبرأ من اي عملية تقوم بها مجموعة جهادية لا تُظهر فيها الحرص على سلامة المسلمين»
إن امل القاعدة هو ان يقوم واحد او اكثر من الشباب الاسلاميين المتطرفين الذين خيبت آمالهم في الغرب بعمليات كمحاولة تفجير قنبلة يوم عيد الميلاد او التآمر لتفجير حافلة في ساحة تايمز سكوير، وذلك بهدف اظهار ان تنظيم القاعدة مازال موجوداً.
(غداً حلقة ثالثة)
- قدرة «القاعدة» على تنفيذ هجمات مثل 11 أيلول ضعفت إلى حد الشلل (1)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.