لقد سقطت كل الأقنعة عن كلماتي عندما أضاء قنديل الصمت روحي. انظروا كيف استباحت الريح حبات الزيتون وأوقعتها في طاحونة الحياة، ثم رمت بجسدها على أطراف الرمال. انظروا كيف صرنا نخطو على طريق من الضباب، لا نعرف أي سيل سيجرفنا أو ماذا ينتظرنا. لقد جنت سنون الموت الحياة من أرواحنا، والأمطار تسللت الى أعيننا كي نستطيع البكاء. فباتت المشاعر تشبه موت القرنفل الأبيض في مزهريات الحياة. كم يصعب على الحب أن يكون نهراً بين ضفتين من القسوة. على صباحات الأساطير تنسدل ضفائر الليل، فتحكي السنون قصة الهوى بصوت ترتيل الكنائس. لقد رأيت ذات مرة التقاء السماء بالأرض في اتصال مطري عظيم المعجزة حتى فقدت جهاتي ولم أحمل غيرها. لقد نمت الفطور على أسرّتنا، ونهشت الذئاب رغباتنا، فكيف الآن نسأل عن الشهوة ونحن لا نملك اجساداً؟ سالت الدماء الفرعونية على جدران الأهرامات حتى كوّنت النيل العظيم. وأما حاضرنا فتخرج شرايينه كل ليلة قطرة دم في انتظار الحب على مدى العمر، وتضيع في الصحراء، ولا تُحيي جثة الأرض. وسهت عينا القمر عن الأرض ذات مرة فاحتل النهار العمر، وأرهق الضوء شظايا البشرية، وانهالت القذارات على أسرة اللحظات الحميمة، وصار الخوف هو المحور الذي يدور حوله الجماد المعنّق بأرطال الحديد. لسقوط الخريف على صفحات الماء صوت المدافع. ولتغريد الطيور رائحة الفجائع. لم يعُد للياسمين مكان للدمار. لم يعد لعناق الشفاه نكهة الوله. كفّ النرجس عن الرقص، وصمتت حقول القمح عن العطاء. استنفدت النجوم ألقها، فبات القمر ملكاً من دون عرش ولا بطانة. انحسر البحر يا سادة، وخلّف مكانه بقعة من الفراغ، وامتداداً آخر لليباب. انحسر البحر يا سادة وربح الكون هوّة جديدة للسقوط. تدمر - رادا زهير ابراهيم جبور