لا شك ان هطول الثلج مبكراً هذا الشتاء على جبال لبنان في الشهر الأخير من عام 2001 وفر لهواة التزلج فرصة مناسبة لممارسة هواياتهم. وأنعش الأمل لدى منتجعات التزلج بموسم مبكر يدوم اكثر من مواسم السنوات الثلاث الماضية التي كان الموسم يتأخر فيها عن مواعيده. وبدأ موسم 2001 - 2002 منذ نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر بعدما كان موعده يتأخر في السنوات الثلاث الماضية شهراً أو أكثر. وتتركز مناطق السياحة الشتوية، التي تعتمد على التزلج الثلجي، في المناطق الآتية: الأرز واللقلوق في شمال لبنان، وفاريا في وسط جبال صنين - من سلسلة جبال لبنان الغربية - والباروك أحد جبال منطقة الشوف الواقعة جنوب شرقي العاصمة بيروت. وتميز الموسمان السابقان بكون غالبية المتزلجين من اللبنانيين. وقلة من بينهم كانوا من العرب الآخرين أو من الاجانب، كما ان الغالبية هم من الشبان والشابات حديثي السن، ومن بينهم أطفال. اذن، هناك ما يمكن ان يوفره لبنان للسائح في "عز" موسم الشتاء وتساقط الثلج فيه. كما ان المؤسسات السياحية الشتوية تتحول في الصيف الى أماكن مقصودة يقبل عليها بعض السياح من داخل لبنان أو خارجه، على رغم بعدها عن المدن الرئيسية، ومشقة الوصول اليها، نظراً الى حرارتها المعتدلة وبعدها عن صخب المدن، وللمناظر الجميلة التي تحيط بها. أساسات وركائز ويتضافر المناخ المعتدل والطبيعة الجميلة، والأماكن التاريخية المشهورة والمميزة، وقرب الجبل من ساحل البحر وغيرها، لتكون أساسات لصناعة سياحية يمكن ان تكون ناجحة. فهل قدم موسم سياحة صيف عام 2001 الدليل على استعادة "العافية" في هذا القطاع المهم؟ الأمر الأكيد هو ان الدولة ومعها المواطنون المعنيون يسعون الى تفعيل هذا القطاع واعادة الحياة والحيوية الى قلبه وأطرافه، بعد حرب داخلية دامية، واعتداءات اسرائيلية متعددة ومتكررة عطلت دورات الحياة الطبيعية فيه في مواسم وسنين سابقة. وكانت الاعتداءات الاسرائيلية تركزت في الاعوام الماضية على ضرب بعض الجسور والطرق ومحطات الكهرباء ونفسها، وهذه البنى الأساسية الحيوية من أهم ركائز السياحة في أي بلد، اضافة الى زعزعة الأمن، مما يعطل حركة السير والطيران في شكلهما المعتاد، ويحد من حركة السفر ويثير مخاوف حقيقية على سلامة الأفراد وحياتهم. الأرقام التي سجلتها وزارة السياحة عن أعداد السياح العرب الذين قصدوا لبنان في شهور صيف عام 2001 قياساً بالفترات السابقة من الاعوام السابقة تشير الى ان تحسناً أخذ يبرز تدريجاً. فبينما وصل عدد السياح العرب في شهر تموز يوليو عام 2000 الى 98.608 ألف سائح، فإن العدد زاد في الشهر نفسه العام الماضي ليصل الى 127 ألف سائح. أما في شهر آب اغسطس من عام 2000 فإن عدد السياح كان 106.456 ألف سائح، إلا انه ارتفع في الشهر المقابل العام الماضي الى 112.435 ألف سائح. وأجمل الدكتور كرم كرم وزير السياحة اللبناني التطورات في هذا المجال، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في وزارة السياحة مع وزير البيئة ميشال موسى أخيراً بالاعلان ان سنة 2002 ستكون سنة للسياحة البيئية، وقال: "لبنان أخذ يستعيد أهميته السياحية خطوة خطوة، والأعداد التي تملكها وزارة السياحة عن السياح الذين قصدوا لبنان العام الماضي، لا سيما في الشهور القليلة الماضية، تشير الى ارتفاع في عددهم يصل الى 25 في المئة، وهذا مؤشر على ان لبنان أخذ يستعيد تدريجاً الدور السياحي المميز الذي كان له في الماضي". وذكر الوزير كرم، ان عدد السياح حتى نهاية تشرين الأول اكتوبر من عام 2001 فاق 750 ألف سائح، "وهو رقم يفوق العدد الاجمالي للسياح عام 2000". حال البنى التحتية اذا كان الأمر كذلك على صعيد الزيادة في أعداد السياح سنة تلو أخرى، فهل حصلت تطورات ايجابية في ما يتعلق "بالبنى التحتية" من طرقات وجسور وكهرباء ومياه ووسائل اتصالات حديثة وفنادق ومطاعم وغيرها، والتي هي من العناصر المهمة في انجاح "الصناعة السياحية"؟ خلال استقبال وزير السياحة كرم كرم رئيس "تجمع رجال الاعمال الكويتيين في لبنان" سعد الراشد تمنى هذا الأخير "على الوزير نقل مطالب مناطق الاصطياف عموماً، وبحمدون خصوصاً، الى الوزارات المعنية بغية تحسين أوضاع المياه والكهرباء قبل حلول الصيف المقبل، مشيراً ال ى ان اعداداً كبيرة من الكويتيين سيمضون فصل الصيف المقبل في لبنان". فهل المشكلة في مدن الاصطياف اللبنانية تتعلق بتقنين ساعات وصول التيار الكهربائي وشح المياه فقط؟ أم ان هناك شكاوى اخرى من قطاعات أخرى؟ مشاريع مهمة انجزت في مجال الطرقات في لبنان، آخرها وصلة من "الطريق العربي" التي تربط بيروت بدمشق والتي تمر بمدن الاصطياف المهمة مثل عاليه وبحمدون وصوفر والبلدات المحيطة مروراً بالمديرج وظهر البيدر وصولاً الى البقاع وبعدها الحدود السورية - اللبنانية. ومع ذلك فإن هناك مناطق ما زالت تشكو من مشاكل الطرقات، ومن صعوبة الوصول اليها. بلدة برمانا مقصد للسياح من بلدان الخليج والجزيرة العربية عموماً، والمملكة العربية السعودية خصوصاً، ومع ذلك تبقى الطرق هي المشكلة، لا سيما داخل البلدة، نظراً الى عدم وجود المرافق وضيق الشوارع ما يتسبب بزعمة خانقة في الصيف. وغير ذلك؟ في مدينة عالي على سبيل المثال فإن شكوى المواطنين والسياح انصبت على انقطاع التيار الكهربائي والافتقار الى المياه والطرق سيئة التعبيد، والإنارة السيئة. اما في بحمدون، مدينة الاصطياد المقصودة من قبل الخليجيين عموماً والكويتيين خصوصاً فإنها عانت من المشكلة نفسها: تقنين الكهرباء وشح المياه. الا ان بلديتها حلت جزءاً من مشكلة الكهرباء بشرائها مولداً كبيراً أنار قسماً من المدينة وطرقاتها ومحلاتها. ماذا هناك ايضاً من مشكلات؟ غياب الرقابة على الأسعار التي تختلف من محل الى آخر، ومن بلدة الى اخرى ما يثير شكوك السياح. وهذه قضية يتعين التصدي لها لمواكبة الاسواق السياحية المنافسة والأكثر نضجاً. هذه بالإجمال الشكاوى المتعلقة بقصور ونقص في مجال خدمات مهمة في مجال "البنى التحتية"، مع ان وعوداً ومحاولات دؤوبة بذلت من قبل الوزارات المعنية والبلديات للمعالجة وأحياناً للترقيع، أو البدء بتوفير حلول تحتاج الى وقت ومال مناسبين للوصول الى المعالجات الجذرية أو شبه الجذرية والأساسية. وتسعى الوزارات والادارات والشركات - في القطاعين العام والخاص - الى طرح مشاريع ومبادرات هدفها تحريك السياحة الداخلية والخارجية وحفزها، مثل شهر التسوق في شباط فبراير، وإقامة المسابقات - ملكة جمال أوروبا على سبيل المثال - والمهرجانات - صيفاً وشتاء - والندوات والمؤتمرات والمعارض وغيرها. كل ذلك تم ويتم في محاولة لاستعادة نصيب لبنان من السياحة العالمية والعربية أو جزء من هذه السياحة التي كان لبنان رائداً فيها قبل سنوات الحروب الداخلية أو غزو اسرائيل للبنان واعتداءاتها المتكررة عليه في سنين سابقة. ما بعد 11 ايلول ويمكن تسجيل ملاحظات مهمة في مجال السياحة في لبنان بعد احداث 11 ايلول سبتمبر في نيويورك وواشنطن، ابرزها: 1- توجه بعض الاستثمارات العربية الى لبنان، الخليجية منها خصوصاً. صحيح ان ذلك تم بشكل "خجول" وفي عمليات محدودة، لكن ذلك يمثل مؤشراً تستطيع الجهات المعنية في لبنان البناء عليه وتكبيره وتوسيعه اذا ما اتبعت السياسات المناسبة الحكيمة في هذا المجال، ولا سيما في مجال الخدمات الايوائية والسياحية. 2- ان مؤشر تحويل مئات الطلاب العرب دراساتهم من الجامعات الغربية في شكل عام الى الجامعات اللبنانية، يمكن ان يمثل تأسيساً لحالة عامة واعدة في سنوات قادمة، اذا ما تم التعامل معها بالصور والسياسات المناسبة في شكل خاص وعام. توقفت السفين السياحية عن زيارة بيروت بعد فرض رسوم مخاطر الحرب وكانت بيروت تستقبل عادة ثلاث سفن سياحية اسبوعياً. وجاءت اثنتان أو ثلاث بعد الهجمات في الولاياتالمتحدة ثم توقف قدومها. هذه الحالة لا تقتصر على لبنان وحده، بل هي حال السياحة البحرية في العالم عموماً والبحر المتوسط خصوصاً. وعلى واضع السياسات السياحية في لبنان ألا يسقط هذا القطاع من حسابه ويوالي محاولاته ويضاعف من جهوده الدعائية لمميزات السياحة في لبنان. 4- اذا كان للاعتداءات في اميركا وجهها السلبي على مجمل البنى الاقتصادية في العالم، ومن بينها السياحة، فإن هذا الجانب السلبي والذي أفرز ردود أفعال سالبة تجاه العربي أو المسلم في العالم الغربي، الا ان الوجه الايجابي تمثل في تفضيل بعض العرب التوجه الى لبنان بدلاً من التوجه الى الغرب، خوفاً من مواجهة المشاكل والتصرفات العنصرية. وهذا يقتضي من لبنان تحسين خدماته السياحية والاستشفائية والتعليمية لاستقبال هذه الحالات وتوسيع مجالاتها. السياحة في لبنان مشروع كبير، واعادته الى سكة الجذب ونيل الحصة المناسبة عربياً وعالمياً تحتاج الى جهود كبيرة وكثيرة، أهمها المال والجهد والوقت والمؤسسات والسياسات المناسبة!