جاءت الحصيلة الاجمالية للحركة السياحية في موسم 2002 لافتة في لبنان حيث بلغت نسبة الاقبال معدلات غير مسبوقة منذ مطلع التسعينات. وتظهر احصاءات وزارة السياحة اللبنانية ان الذروة في حركة تدفق السياح سُجّلت في تموز يوليو، اذ دخل 178,165 ألف سائح إلى لبنان بزيادة نسبتها عشرة في المئة عن الشهر نفسه في العام الماضي. قال رئيس وحدة الاحصاء والمعلوماتية في وزارة السياحة اللبنانية، المهندس انطوان عاصي، ل"الحياة" إن معدلات الاقبال التي شهدها لبنان خلال الصيف لم تسجل فيه منذ ربع قرن. ولفت إلى أن "هذا الرقم يتحقق للمرة الاولى منذ انتهاء الحرب، على رغم أن التحسن في الحركة شهد نمواً تصاعدياً منذ عام 1992. وهو أيضاً الأول منذ عام 1974، أي قبل الحرب التي شهدها لبنان، اذ كانت سنة الذروة وسجل حينها دخول 5،1 مليون سائح". وكما في تموز كان الارتفاع في عدد السياح ملحوظاً أيضاً في آب اغسطس، اذ سجل دخول 885،154 ألف سائح، بزيادة بلغت 23 في المئة عن آب 2001. وجاءت الحصيلة ايضاً ممتازة على مدار الشهور الثمانية الاولى من السنة، اذ بلغ عدد السياح من كل الجنسيات 979،689 ألف سائح بزيادة نسبتها تسعة في المئة عن المدة نفسها من العام الماضي، وهذا الرقم لا يشمل اللبنانيين والمواطنين السوريين الذين دخلوا الى لبنان طوال هذه الفترة، والذين وصل عددهم الى 570 الفاً. واعتبر عاصي ان "قسماً كبيراً من هؤلاء هم من السياح". ووفق الاحصاءات، لوحظ تسجيل زيادة مهمة في شباط فبراير نسبتها 34 في المئة عن الشهر نفسه من العام الماضي". وتطابقت التوقعات السابقة بموسم مزدهر "جداً"، مع ما شهده لبنان من اقبال خلال الصيف وعلى مدار السنة، وخصوصاً من السياح العرب. واستند القيمون على القطاع السياحي، بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر، إلى مؤشرات رجحت تحول وجهات سفر الرعايشا العرب من اميركا واوروبا الى المنطقة، ضمن ما أسماه البعض "الأقلمة" بدلاً من "العولمة". فكان لافتاً اكتظاظ السياح الخليجيين، وهم ليسوا غريبين عن لبنان، الآتين جواً وبراً في سياراتهم. وهم اتخذوا هذه السنة المواقع التقليدية لهم، اي مناطق الاصطياف التي اعتادوا عليها منذ ما قبل الحرب، وجذبتهم مجدداً منطقتا بحمدون وعاليه، بعد النهضة التي اطلقتهما في هذا الصيف، بعد طول غياب عن الساحة الاصطيافية وروادهما، دام ربع قرن. وأتى الرعايا العرب في طليعة السياح، كما في السنوات السابقة، اذ دخل في آب 646،95 ألف سائح، منهم وفي تموز 563،88 ألف سائح، وبلغ إجماليهم في الشهور الثمانية الاولى 064،322 ألف سائح، وهو قريب من الرقم المسجل خلال عام 2001 بأكمله، والبالغ 935،345 ألف سائح. اما السياح الاوروبيون الذين يأتون في المرتبة الثانية، فبلغ عددهم في الشهور الثمانية الأولى من السنة 649،170 ألف تلاهم الآسيويون والاميركيون. واشار عاصي الى ان الاحصاءات السنوية تظهر أن "ترتيب الجنسيات ما زال كما هو، منذ عودة لبنان الى الخارطة السياحية، أي منذ عشر سنوات". وتوقع ان "يصل عدد السياح السنة الجارية الى المليون، مقابل 837 الفاً العام الماضي، عازياً هذا النمو الى "أحداث ايلول، فضلاً عن ان الحركة كانت تصاعدية منذ عشرة اعوام الى الآن". حركة تملك للسكن والتجارة وربط خبير اقتصادي هذا النمو أيضاً بالتأثيرات التي تركتها احداث ايلول، فعلى رغم انعكاساتها السالبة على الأسواق والأوضاع العالمية والاقليمية، إلا أن هذا التأثير بحسب ما قال "جاء ايجاباً في لبنان وفي بعض المجالات، ومنها السياحي حيث كانت النتائج واضحة". ولم يغفل تأثيرات عوامل اخرى حافزة للنمو، مثل التحسن في البنية السياحية كالزيادة في عدد الفنادق 800 غرفة، وتطور نوعية الخدمات والطاقة الاستيعابية وعقلنة الاسعار. ولم ينف الخبير نفسه استفادة مناطق دون اخرى، ما يستوجب وفق ما قال، معالجة الثغرات لتوزيع اشمل، ولتنال كل المناطق حصصها من هذه الحركة. واعتبر ان الموجة السياحية التي شهدها لبنان هذه السنة وأعادت التواصل مجدداً بين مواطني الخليج واللبنانيين، تمثلت في وجهين الأول زيارات متتالية للرعايا الخليجيين في فترات عدة خلال السنة، وتطور اقامة البعض منهم بشراء مساكن دائمة لهم في لبنان. وأثبتت احصاءات "مديرية الشؤون العقارية" في وزارة المال، وبحسب قول مصدر فيها ل"الحياة"، ان لبنان استعاد دوره كمركز للاستثمارات العربية سواء بشراء المساكن للاقامة او الاراضي لاقامة مشاريع تجارية وسكنية. ولفت الى ان الحركة في هذا المجال تركزت في محافظتي جبل لبنانوبيروت. وقدّر عدد المعاملات العقارية للأجانب ب525 معاملة، منها 500 للرعايا العرب بلغت قيمتها 50 مليون دولار، متوقعاً ان تتجاوز قيمة الصفقات التي تمت أخيراً المئة مليون دولار اميركي. الفنادق استفادت...والمطلوب إطالة الموسم السياحي وصف رئيس نقابة اصحاب الفنادق في لبنان بيار اشقر موسم الاصطياف الذي امتد لشهري تموز وآب يوليو وأغسطس ب"الجيد"، مشيراً إلى أنه يخلتف من منطقة الى اخرى. لكنه اكد ان "عملاً دؤوباً يجب ان يقوم به القطاع الخاص، بمواكبة القطاع العام، لاطالة أمد الموسم ليبدأ من حزيران يونيو وينتهي في ايلول سبتمبر، اذا كنا نريد التشبه بالدول الواقعة في الاقليم السياحي الذي يقع فيه لبنان، مثل تركيا وقبرص، حيث يمتد هذا الموسم حتى تشرين الاول اكتوبر، وتفوق نسبة التشغيل خلاله 70 في المئة". واقترح اجراءات لتحقيق هذا الهدف ابرزها بدء الموسم المدرسي في تشرين الاول بدلاً من ايلول، لأن السائح العربي يأتي الى لبنان ليعيش حياة اللبناني، وافتتاح ابواب المدارس يعني نهاية موسم الاصطياف. فضلاً عن ابتكار حدث فريد له طابع عالمي يقام في حزيران مثل تنظيم سباق للسيارات او غيره من النشاطات التي من شأنها ان تجذب السياح. واكد اشقر "اننا نملك القدرات لتحقيق مثل هذه الحوافز، خصوصاً اننا حققنا العجائب في السنوات العشر الماضية". وعرض اشقر نتائج الحركة السياحية ومعدلات التشغيل في الفنادق والمناطق، فلفت الى ان "بيروت حافظت على نسبة التشغيل التي سجلتها في سنوات سابقة وهي تفوق ال 80 في المئة، مع العلم ان عدد الغرف فيها زاد السنة الجارية 800 غرفة". واشار الى منطقة برمانا التي حافظت ايضاً على حصتها مع قيام مشاريع جديدة فيها، لافتاً الى "شريحة جديدة من السياح الذين يطلبون خدمات ذات نوعية ارفع ولو كانت باهظة". اما كسروان وجونيه، فحصلتا على حصة جيدة من الحركة اذ فاقت نسبة التشغيل70 في المئة في شهري تموز وآب. وركز اشقر على الانطلاقة الجديدة التي سجلت في بحمدون وعاليه، وعزاها الى "الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير لمنطقة الجبل ورسخت عملية المصالحة فيها، ما شجع ابناء المنطقة على العودة الى متاجرهم ومنازلهم، فحققت الحركة اضعاف اضعاف ما سجل في السنوات السابقة". واشار الى "عمليات شراء الخليجيين منازل في المنطقة فضلاً عن تسجيل مبيعا ت في مناطق فالوغا وحمانا وبعلشميه". واكد اشقر "حصول نمو في السياحة البينية العربية بعد احداث 11 ايلول نال لبنان حصة جيدة منها واستعاد موقعه في المنطقة، ولكنه لم يصل الى المستوى الذي كان عليه عام 1975، وهو ليس بعيداً منه، نظراً الى الميزات التفاضلية التي يتمتع بها على مستوى الخدمات والحياة اللبنانية عموماً". مرفأ بيروت يتألق... بعدما عادت السفن السياحية لترسو فيه استعاد مرفأ بيروت هذه السنة دوره السياحي كمحطة اقليمية، للرحلات السياحية البحرية. وأمّته بواخر اعتادت الرسو فيه وأقبلت عليه أخرى جديدة، بعدما كان توقف استقبال السفن في نهاية ايلول سبتمبر من العام الماضي، نتيجة ارتفاع رسوم التأمين على البواخر. وعلى رغم أنها لم تنخفض الى المستوى الذي كانت عليه، الا ان الحركة التي استؤنفت مطلع السنة الجارية، نشطت بدءاً من حزيران يونيو، وكانت بيروت من العواصم الاقليمية التي أدرجتها شركات الرحلات البحرية على جدول رحلاتها التي تشمل أيضاً التوقف في تركيا واليونان وقبرص ومصر. ويمضي ركاب السفن السياحية القادمة من أوروبا، لدى توقفهم في مرفأ بيروت، 12 ساعة يجولون فيها على معظم المناطق اللبنانية. وتبلغ سعة هذه السفن السياحية 500 سائح حداً أدنى و1500 حداً أقصى. وتشير الاحصاءات إلى أن عدد السياح البحريين الذين وصلوا الى بيروت في الشهور الثمانية الاولى من السنة لم يتجاوز 455،16 ألف مقابل 044،36 ألف في المدة نفسها من عام 2001، والتي استقبل فيها لبنان 427،42 ألف سائح بحري، حسب احصاءات ادارة المرفأ. وقال رئيس غرفة الملاحة الدولية في المرفأ، ايلي زخور، ل "الحياة" إن ذروة الموسم هذه السنة كانت شهري تموز يوليو وآب أغسطس. ولفت الى "فئة جديدة من السياح - الى جانب السياح التقليديين، ممن زاروا بيروت هذه السنة، أقلّتهم باخرة جديدة أمّت المرفأ للمرة الاولى، في اطار رحلة لها تشمل مرافئ متوسطية". وتتسع هذه السفينة ل1500 راكب غالبيتهم من الجنسية الالمانية، وهم من فئة رجال الاعمال والمتقاعدين. وأشار زخور إلى أن "جميعهم أبدى إعجاباً كبيراً بلبنان وبمعالمه ومناخه وشعبه. وهم استغربوا عدم تسويقه بما يكفي لتعريفهم به، بعدما انتابهم التردد للاقدام على زيارته في الرحلة الاولى. واعتبروه الافضل بين الدول الاقليمية التي زاروها لجهة التسهيلات والخدمات". ولاحظ زخور ان "هذا النشاط انسحب على المنطقة الحرة في المرفأ...بعد ركود". وأوضح ان "حركة السفن الى مرفأ بيروت نشطت، على رغم استمرار فرض علاوات تأمين ضد أخطار الحرب، وإن كانت أدنى من الرسوم التي فرضت بعد احداث ايلول مباشرة". واكد زخور أنه "سيتم العام المقبل تمديد اقامة هؤلاء السياح 24 ساعة لتتسنى لهم مشاهدة لبنان ليلاً". وشدد على أن مرفأ بيروت مؤهل ليكون نقطة وصل بين البر والجو، نظراً الى قرب المسافة من المطار، ما يتيح لمن يريد الالتحاق بالباخرة، أو بالعكس، الوصول في اقرب وقت. وطالب بالعمل على تسويق لبنان في هذه المناطق من العالم لجذب السياح وترغيبهم في المجيء لتمضية العطلة فيه، سيما وأن السياح الاوروبيين يتميزون بمداخيل مرتفعة. وأشاد بتجاوب السلطات الامنية التي سمحت برسو البواخر على رصيف الحاويات ما ادى الى تسهيل وصول وسائل نقل الركاب لنقلهم الى الداخل، والى التسهيلات في منح الاذونات للسياح في أقصى سرعة من دون اي تأخير، ما ترك لدى السياح انطباعاً جيداً وشعوراً بالارتياح.