في مطلع القرن العشرين، صدر في احدى الصحف المنسية المقال التالي نصه تحت عنوان "الى المسلمين من شاعر مسيحي": "أنا لبناني ولي فخر بذلك، ولست بعثماني ولي فخر بذلك أيضاً. لي وطن أعتز بمحاسنه، ولي أمة أتباهى بمآتيها، وليس لي دولة أنتمي اليها وأحتمي بها. "أنا مسيحي ولي فخر بذلك ولكنني أهوى النبي العربي وأكبر اسمه وأحب مجد الإسلام وأخشى زواله. أنا شرقي ولي فخر بذلك ومهما اقصتني الأيام عن بلادي أظل شرقي الأخلاق سوري الأميال لبناني العواطف. أنا شرقي وللشرق مدنية قديمة العهد ذات هيبة سحرية ونكهة طيبة عطرية ومهما أعجب برقي الغربيين ومعارفهم، يبق الشرق موطناً لأحلامي ومسرحاً لأماني وآمالي. "في تلك البلاد الممتدة من قلب الهند الى جزائر العرب، المنبسطة من الخليج الفارسي الى جبال القوقاس، في تلك البلاد التي أنبتت الملوك والأنبياء والأبطال والشعراء، في تلك البلاد المقدسة تتراكض روحي شرقاً وغرباً وتتسارع قبلة وشمالاً مرددة أغاني المجد القديم، محدقة الى الأفق لترى طلائع المجد الجديد. "بينكم أيها الناس من يلفظ اسمي مشفوعاً بقوله: هو فتى جحود يكره الدولة العثمانية ويرجو اضمحلالها. إي والله لقد صدقوا، فأنا أكره الدولة العثمانية لأني أحب العثمانيين، أنا أكره الدولة العثمانية لأني احترق غيرة على الأمم الهاجعة في ظل العلم العثماني. أنا أكره الدولة العثمانية لأنني أحب الإسلام وعظمة الإسلام ولي رجاء برجوع مجد الإسلام. أنا لا أحب العلة، ولكنني أحب الجسد المعتل، أنا أكره الشلل ولكنني أحب الأعضاء المصابة به... و"أي منكم أيها الناس لا يكره الأيدي التي تهدم، حباً للسواعد التي تبني؟ أي بشري يرى العزم نائماً ولا يطلب ايقاظه؟ أي فتى يرى العظمة متراجعة الى الوراء ولا يخشى انحجابها؟ إذاً، ماذا يغركم أيها المسلمون بالدولة العثمانية وهي اليد التي هدمت مباني أمجادكم بل هي الموت الذي يراود وجودكم؟ أو لم يتقهقر أمراء العرب بظهور سلاطين المغول؟ "خذوها يا مسلمون، كلمة من مسيحي أسكن يسوع في شطر من حشاشته ومحمداً في الشطر الآخر! إن لم يتغلب الإسلام على الدولة العثمانية، فسوف تتغلب أمم الافرنج على الإسلام... إن لم يقم فيكم من ينصر الإسلام على عدوه الداخلي فلا ينقضي هذا الجيل إلا والشرق في قبضة ذوي الوجوه البائخة والعيون الزرقاء...". هنا توقف قلم جبران خليل جبران/ كان هذا منذ مئة عام. لكن التاريخ لا يزور، والحقيقة لا تختبئ في الأزقة النتنة. أيها الإخوة والأخوات في كافة أقطار الوطن العربي، من قال ان العروبة حكر على المسلمين؟ ألم يرد في سنة خاتم الأنبياء أن العروبة ليست لنا بأب أو بأم إنما هي لسان، فكل من تكلم العربية هو عربي؟ أنا مسيحي لبناني مؤمن بمسيحيتي، أنبتتني كروم زحلة المعطاء وأفخرتني بيروت الأبية بثقافة عربية وإسلامية. إن التاريخ يشهد بأن مسيحيي المشرق هم رواد النهضة الفكرية والثقافية والأدبية في العالم العربي، من قبل ولادة الشاعر المسيحي اللبناني المشرقي العربي العملاق وحتى يومنا هذا. ان التاريخ يشهد بأن مسيحيي المشرق تصدوا للغزوات الصليبية على غرار اخوانهم من المسلمين المشرقيين، وحاربوا العثماني الجائر، والصهيوني الغاصب، والحاكم المتغطرس والمتطرف الأعمى. لقد سئم مسيحيو المشرق سياسة الأغبياء الصغراء المتقوقعين في قلاع الانتحار والزوال، والمنضوين على أنفسهم على اعتبار انهم أقلية قلة يحلمون بالهجرة ويتلهفون لها. كما سئموا سياسات الأصوليين المتخلفين. فكفوا، أيها المسيحيون اللبنانيون، عن الانزواء في مخابئ ضيقة لا تتسع للفكر المسيحي المشرقي العربي. اخرجوا من كهوفكم المظلمة، يا أيها المسيحيون اللبنانيون. أنتم أبناء وأولياء العروبة الأجدر، فساهموا في صناعة مستقبلها واستعادة عظمتها. بيروت - المحامي نجيب ليان