إذا قارنا العلاقة بين العروبة والإسلام كما هي مفهومة عند العرب بالعلاقة بين الترك والاسلام في نظر الأتراك، والعلاقة بين الفرس والاسلام في نظر الفرس لوجدنا أن العلاقة بين العروبة والاسلام هي الأكثر استقراراً، والأكثر اعتدالاً في الوقت نفسه فيما الغلو هو السائد في كل من إيران وتركيا إزاء الاسلام سواء ضد أو مع. لا غلو في الدين، تلك هي الوصية التي يحملها ويطبقها الكثرة من العرب. يتذكر الكثير من المسنين العرب ردة الفعل السلبية التي أحدثتها عند المصريين وعند العرب أجمعين تلك الأغنية التي أنشدها المطرب المصري محمد عبدالوهاب في عرس فوزية شقيقة الملك فاروق وشاه العجم قائلاً: أين في الناس أب مثل أبي سؤدد الفرس ودين العرب. إن الحرارة الشعبية التواقة للعمل موجودة عند فئات واسعة من الاسلاميين الواعين، والعروبيين النهضويين والمسيحيين الشرقيين فهل تتحول المشاورات الى التطبيق، أم يطوي التردد وحس العجز غير المبرر تطلعات الأجيال الجديدة التواقة الى العمل ؟ وعندما سجن الأمير عبدالقادر الجزائري في سجن باب توما في دمشق أطلق للمرة الأولى بكامل بهائها ظاهرة العروبة الواحدة الرابطة بين المغرب العربي والمشرق العربي، والتي تمتد بحسب قصيدة لسعيد عقل من الهند الى الأندلس. لعل أول ظاهرة من ظواهر الوحدة الجغرافية للوطن العربي الكبير كما نسميه اليوم هي تلك الصحوة التي عاشتها سورية والجزائر على الرابطة بهما عندما اعتقلت السلطات في دمشق الأمير عبدالقادر الجزائري وأدخلته السجن في حي باب توما بناء على طلب من القنصل الفرنسي فيها حيث ما كاد الخبر يصل الى بلاد المغرب حتى قامت قيامة المغاربة على هذا الاجراء خصوصاً وأنه حصل في وطن مشرقي له كل التقدير في نفوسهم. كانت ردة الفعل الشعبية في الجزائر على حبس عبدالقادر الجزائري في دمشق أقوى من كل تصور فدمشق في عيونهم أسمى من أن تقوم بمثل هذا العمل المسيء للمغرب. هكذا أيضاً دمشق التي ترى في المغرب أخاً لها شقيقاً يذكّرها بالعز الذي كان لها في العصر الأموي حين كانت دمشق عاصمة الامبراطورية الاسلامية الأولى قبل العصر العباسي وقبل أن ترتسم خريطة الدولة العثمانية المفتوحة شمالاً وغرباً على أوروبا، وجنوباً على الأبيض المتوسط وأفريقيا وآسيا وصولاً الى الهند، وهو عزّ كان العرب أول من تمتع به في امبراطورية تغزل بها الشاعر اللبناني سعيد عقل واصفاً إياها بأنها تمتد من الهند الى الأندلس. والواقع أن هذه الامبراطورية سواء سميت أموية أو عباسية أو عثمانية فإنها بشكل أو بآخر كانت عربية أيضاً مهما أطلقوا عليها من أسماء. فكل عز للاسلام هو عز للعرب أيضاً تماماً كما أن كل عز للعرب هو للاسلام ايضا، والفاصل بين الاثنين كالداخل بين الشجرة ولحاها. وقد كان الزعيم المصري مكرم عبيد يقول: أنا مسيحي ديناً ومسلم وطناً، ولا شك أن في كل مسيحي شرقي ، بإقرار منه أو غير إقرار، شيئاً من الاسلام. والوقائع تقول منذ زمن بعيد إن كل محاولة أجنبية للتفريق سياسياً ووطنياً بين المسيحيين العرب وعروبتهم باءت بالفشل، بل إن كل محاولة أجنبية للتفريق بين العرب على أساس ديني كانت خاسرة أيضاً. لقد دفع الاستعمار الغربي في البلدان العربية سواء أكان فرنسياً أم انكليزياً أم إيطالياً ثمناً باهظاً من مصالحه نتيجة مقاربته الخاطئة للمواطنين العرب غير المسلمين وبحيث ظهر كما لو أنه يقول لهم: أنتم قوم بلا وطن فتعالوا إليَّ وإلا كنتم يتامى في هذا العالم لا لكم هوية، ولا لكم حساب. إن فشل الاستعمار الأكبر في كل مكان استهدفه جاء معظمه نتيجة اعتقاده أنه يستطيع أن يعرّي المواطنين من وطنيتهم لقاء جوده عليهم بشرف العبودية له. لقد فشل الاستعمار منذ أن توهم انه يقوم ويبقى في أي بلد من بلدان العالم لأنه جاء يساوم الناس على كرامتهم وكأنه يقول للواحد منهم: أعطني كرامتك أي كن لي عبداً أولاً ، وانتظر مني بعد ذلك أن أحسب لك حساباً بين البشر. صحيح أن هناك أمكنة في هذا العالم ولو قليلة تجاوزت فيها الانسانية هذه المرحلة وهذا النوع من المنطق، إلا أن عقل الاستعباد ومؤسسة الاستعباد لم يغيبا كلياً في هذا العالم، بل ان قارات في هذا العالم تكاد لا تزال تعيش كما كان أجدادها يعيشون. بل إن هناك بيئات واسعة في هذا العالم تأخذ بالمقولة: إن بقاء كل شيء أساسي على حاله هو حقيقة ولو مطموسة تحت التراب في الكثير من البلدان والكثير من الشعوب والكثير من الطبقات. ولكن مع ذلك فهناك من يعتقد أن للشرق وخصوصاً للعروبة والاسلام كثنائية دوراً ينتظرهما، ولم يقوما به بعد، هو تحريك العالم الثالث عالم آسيا وأفريقيا في اتجاه تسلم الدعوة الى عالم جديد يتعاون فيه ثلاثة هم: العروبة والاسلام والمسيحية الشرقية على نصرة الشعوب المغلوبة على أمرها في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. العروبة والاسلام والمسيحية الشرقية هي الثلاثية الطبيعية صاحبة الحق والقدرة والمسؤولية في لعب دور تغييري في مصلحة شعوب العالم ومظلوميه حيثما كانوا. إن تحرك هذه القوى الثلاث بات الضامن الوحيد لإمكان انطلاق حركة تغييرية جادة تسير بشعوب العالم ونخبه المخلصة نحو أهداف مشتركة. إن نداء التغيير على أيدي هذه القوى الثلاث إما أن يستجاب وينطلق الى دنيا التحقق الوجودي أو يهمل ويتراجع نتيجة تراكم العجز والخطوات الناقصة. إن الحرارة الشعبية التواقة للعمل موجودة عند فئات واسعة من الاسلاميين الواعين، والعروبيين النهضويين والمسيحيين الشرقيين فهل تتحول المشاورات الى التطبيق، أم يطوي التردد وحس العجز غير المبرر تطلعات الأجيال الجديدة التواقة الى العمل تحت راية العروبة والاسلام والمسيحية الشرقية! وهنا قد يكون مفيداً أن مترجم الالياذة سليمان البستاني كان أكبر العرب مقاماً في العصر العثماني وأن مسيحيته لم تحرمه من أن يكون متقدماً في الزمن العثماني على كل الزعامات العربية وغير العربية في تلك الحقبة، بل إن السلطان عبدالحميد وقبله السلطان عبدالعزيز كانا فخورين بأن يكون صاحب أفضل ترجمة في العالم للالياذة وزيراً لمعارف السلطنة اسمه سليمان البستاني فذلك كما قال السلطان العثماني يومذاك ليس فخراً للعرب وحدهم، ولا للمسيحيين منهم بل فخر أيضاً لكل العثمانيين المسلمين منهم والمسيحيين. ويحفظ للسلطان العثماني يومذاك أنه قال: إن هذا الانجاز هو مفخرة للعرب والترك ولكل مسيحيي الشرق. والمعروف عن سليمان البستاني أنه كان عثمانياً جيداً وأنه بالعقيدة والهوى كان باراً بالعروبة والعثمانية معاً وهو يقول في إحدى قصائده: وما الترك إلا أسود الحروب.