الزواج مشروع أساسي تبدأ الفتاة بالتخطيط له منذ صغرها. قديماً، ارتبط الزواج بمستقبل الفتاة ليشكل الخطوة الأولى التي تقدم عليها ما إن تبلغ أولى درجات النضوج. اليوم ومع تقدم العلم ومكانة المرأة في المجتمع، يتراجع الزواج ليحتل مرتبة ثالثة أو رابعة في قائمة المشاريع المتسلسلة التي تقدم الفتاة على تنفيذها. وذلك بعدما بدأت المرأة تخطط لنيل الشهادة أولاً واكتساب الخبرة العملية ثانياً. ما لفت انتباهنا اليوم هو خروج عدد من الفتيات عن القاعدة وإقدامهن على الزواج في سن مبكرة. من هذا المنطلق أحببنا الالتقاء بخمس فتيات من بيئات مختلفة أقدمن على الزواج وهنّ في المرحلة الجامعية. لا أدري إذا كان للمناطق البعيدة من العاصمة والتي تعيش فيها الفتيات تأثير في ما أقدمن عليه، إلا أننا أحببنا التحدث الى هؤلاء الفتيات مسلّطين الضوء الى أسباب إقدامهن على هذه الخطوة، متعرّفين على النواحي الإيجابية والسلبية لهذه الحالات التي قد تتطور مع الوقت إلى ظاهرة تنتقل من المناطق اللبنانية البعيدة إلى العاصمة بيروت. زواج عقل وقلب تتكلم هبة 20 سنة عن تجربتها بثقة متناهية. والناظر إليها يعرف من خلال مظهرها انها تعيش في بيئة تعطيها حجماً لا بأس به من الحرية. لباسها المتحرر وطريقة كلامها خير دليل على ذلك. تعتبر هبة المتزوجة حديثاً ان الزواج المبكر تجربة ناجحة ولكن بشروط: "تعرفت الى زوجي من طريق الصدفة. أحببته منذ النظرة الأولى. قررت الارتباط به بعد أن وجدت أن كل الإمكانات اللازمة متوافرة: ابن عائلة محترمة، وضعه المادي اكثر من ممتاز، شخصيته رائعة. فهو حنون ومتفهّم ومسؤول. أما رجولته فساحرة. أخبرت أهلي فأجروا تحريات عن الشاب. ارتحت كثيراً عند موافقتهم على ارتباطي به، إذ انني أدركت أن اختياري كان صحيحاً. لقد لعب وضع أهلي العائلي دوراً حاسماً في اختياري هذا. فهما انفصلا بعد زواج دام تسع سنوات. وهما اليوم متفقان اكثر بعد الزواج. لذا كان قراري يرتكز الى العقل اكثر من القلب. المشكلة الوحيدة التي واجهتها مع أهلي كانت الجامعة. فوالداي ربطا موافقتهما على زواجي بوضعي الأكاديمي. ذلك ان أي تراجع في تحصيلي العلمي كان سيؤدي إلى تأجيل مشروع الزواج. وأنا الآن متزوّجة وبدأت أنسّق بين الجامعة والبيت. الزواج كان النتيجة النهائية لعلاقة كهذه. فالرجل المناسب لي كان موجوداً ومحظياً بحبي واحترامي. لم يكن هناك جدوى في بقاء علاقتي به غير رسمية. ذلك أن تقاليد المجتمع لم تكن لترحمني وتعفيني من ثرثرة الناس". وعند سؤالها عمّا إذا خافت من الزواج كمسؤولية جديدة وتقييد للحرية، أجابت: "لم أخف أبداً من اخذ القرار. فأنا لن اخسر استقلاليتي. فحياتي الاجتماعية أمر خاص بي. حافظت على علاقتي بأصدقائي الشبان منهم والبنات وما زلت أخرج معهم. زوجي يتعالى عن كل هذه الأمور وعلاقتنا مبنية على التفاهم والتوافق والاحترام ومن بعدها يأتي الحب ليتوّج العلاقة. زوجي يثق بي ويعرف كم كنت محترمة قبل الزواج وكيف استمرّ احترامي لنفسي ولاسمه بعد الزواج. أما فكرة أن يتحد الزوجان ويصبحا شخصاً واحداً فتصحّ ضمن حدود معينة. فلكل منّا خصوصيته. أما بالنسبة الى الخبرة، فأنا قد اكتسبتها منذ الطفولة، من وقت ما بدأت أمي تحمّلني مسؤولية الاعتناء بشقيقتي الصغرى، وبدأت اكتسب النضوج يوم بدأت أقاوم ثرثرة الناس واستجوابهم لابنة المرأة المطلّقة". تعيش رنا 19سنة في بيئة محافظة. ويبدو من خلال حديثها أنها مقتنعة تماماً بما أقدمت عليه وان بيئتها شجعتها على الزواج المبكر وتقبّل صعاب المهمة. فزوجها قريبها والزواج المبكر بالنسبة إليها يساعد الزوجين على النضوج معاً وتفهم الآخر في شكل أفضل. وتقول رنا: "اكتسبت الخبرة في الحياة من خلال علاقتي بزوجي. وأثناء الخطبة مررنا بتجارب عدّة وتخطينا الكثير من الظروف. تشاجرنا أحياناً وتصرّفنا كالأطفال، وكنّا بمنتهى الجديّة في أحيان أخرى. لكننا كل مرة كنا نكتسب الخبرة وننضج معاً. وقد عمل أهلي على إفهامي ذلك وساعدوني على تخطي الخوف الذي راودني من الزواج في البداية. مع الوقت عرفت أنّ المسؤولية وخبرة تربية الأطفال تسهل مع وجود الحب وأنني أستطيع التحكّم بظروفي عندما أكون مقتنعة بها. ولم أخش خسارة حريتي لأنني عندما قررت الزواج كنت أعرف أن زوجي سيصبح الحبيب والصديق والرفيق وان حياتي الاجتماعية ستبنى وفق علاقتي به وانني سأصبح جزءاً من ثنائي. أنا مع الزواج المبكر إذا كان مبنياً على الوعي والخبرة. فالزواج لا يتطلب شروطاً، إذ ان من الممكن أن التقي الشخص المناسب وأنا أرفض مبدأ "أتزوج لأنه يجب أن أتزوج". فالزواج الناجح يقوم على مبدأ "أتزوج لأنني أريد ذلك". على الفتاة أن تتزوج عندما تجد من تقدر أن تعيش معه وتضحك معه وتبكي معه ويناقشها وتناقشه، تفهمه ويفهمها. وإذا وجدت الشخص المناسب في وقت مبكر يكون ذلك أفضل لأنه يساعدها على النضوج مبكراً". تغيّر جذري أما ندى 21 سنة فلها تجربة فريدة من نوعها. فعدا عن انها تزوجت باكراً، وعدا عن انها فتاة جذابة من بيئة اجتماعية منفتحة مدللة وتحصل على ما تريد، تركت الجامعة والمنطقة وذهبت للعيش في بلد آخر. اللافت في ندى هو ثقتها بما تقول. تحدثك فرحة متفاجئة لاعتبار ما قامت به فريداً: "عندما كنت في الجامعة لم أكن أفكر إلا في الدراسة. وكنت أسرع في إنهاء دراستي لأتمكن من العمل في مجال الصحافة الذي أحبه كثيراً. غير انني يوم تعرفت الى زوجي ووجدت به كل المواصفات المغرية من حب وكرم وأخلاق واحترام وثقافة وعلم واستقلالية مادية، تغيّرت كل طموحاتي. عندما أدركت أن حسام زوجها هو الشخص المناسب الذي أريد أن اكمل حياتي معه، قررت أن أتخلى عن الدراسة للذهاب والعيش مع زوجي في فيينا. ومن الصعب ممارسة العمل كصحافية هناك. قررت السفر واختيار اختصاص تكون فرصة العمل فيه هناك أكبر. قررت ذلك علماً مني بأنني سأبتعد عن أهلي وأصدقائي. ولكن علينا التضحية في أمور كثيرة، وحياتي مع زوجي تستحق مثل هذه التضحية. كما أنني لن أخسر حريتي أو حياة المرح ومشاريع التسلية التي كنت أعيشها. فزوجي يثق بي وحياتي العادية لن تكون سعيدة أو مسليّة إلا معه. أما من ناحية النضوج والخبرة والمسؤولية، فأنا اعتقد أن المسؤولية تصبح أسهل عندما يتقاسمها شخصان. أنا مع الزواج المبكر إذ انّه يعطي الزوجين الوقت الكافي لتحقيق مشاريعهما. ويجب أن يكون هذا الزواج مشروطاً بالتكافؤ والعقلانية". تجربة فاشلة كانت حنان في السابعة عشرة من العمر حين بدأت جملة معهودة تتردد على مسامعها كلّما عادت إلى المنزل: ألم تحضري العريس معك؟ ألم يعجب بك أحد بعد؟ وبقيت أسمع تلك الجمل حتى بلغت الثامنة عشرة. وفي حينه تقدّم شاب لطلب يدي. كان في التاسعة والعشرين من العمر. وافق أهلي على العريس المنتظر و"انبهرت" أنا بالهدايا والدلال والعرس. وبدأت أتحضّر لليوم الكبير. كان الجميع مبتهجين، وأنا محط انظارهم. لم أفكر بالجامعة، فقد كنت مأخوذة في حينه بحلم اعتقدته سيدوم. اليوم أنا امرأة في ال21 من العمر، تعاني الوحدة مع زوج يقضي في العمل أكثر أوقاته. قبل أن انجب بقيت سنة تقريباً أعاني من شيئيتي: كنت أجلس في المنزل ككرسي أو طاولة. فالغيرة التي أحببتها عند زوجي حبستني في المنزل. كان ممنوعاً عليّ متابعة دراستي أو زيارة صديقاتي. لم يكن امامي غير إنجاب طفل أحقق من خلاله ذاتي. فأصبح على الأقل أماً ترعى ابنتها وتحاول إثبات نفسها. اعترف بأنني ارتكبت غلطة حياتي، ولا ألوم أهلي فقط بل ألوم نفسي. أنا التي انبهرت بالزواج من دون تحقيق ذاتي. زوجي رجل جيّد على رغم كونه شرقياً، ويحبّ ان تكون زوجته "أماً تربي وزوجة تلبّي". وكنت لأقتنع به أكثر وأحبه أكثر لو سمح لي ببناء ذاتي وسمح لنفسه أن يفخر بي. الزواج المبكر أكبر غلطة ترتكبها الفتاة ليس فقط بحق كيانها كانسان بل بحق مجتمعها أيضاً. وكأن الرجل يلتهم ثمرة قبل نضوجها جهلاً منه بأنه لو انتظر لجاع أكثر ولكانت أشهى بكثير". فرصة جيّدة لا تختلف بيئة غادة 22 سنة كثيراً عن بيئة حنان. فدافع الزواج كان حماية الفتاة: "فتاة عادية من عائلة محافظة لي أصدقاء من الجنسين. تخرجت من المدرسة ودخلت الجامعة. تقدم شاب جيد يملك ثروة طائلة للزواج. تحمّس أهلي للعريس. فثروته طائلة وارتباطنا قد يخفف من حماسة فتاة جامعية جميلة تقابل كل يوم شباناً كثراً. أعترف بأن سيارته كانت المفتاح إلى قلبي. أحببته مع الوقت، خصوصاً بعدما سمح لي بمتابعة دراستي الجامعية. وفي أثناء الخطبة كنت أتباهى أمام صديقاتي وأخبرهنّ عن سعادتي التي لم أجد كلمات لوصفها. انتهت الخطبة، تزوجت وتخرجت. بعد سنة من الزواج أفلس زوجي، فذهب الحب المتأجج وتحول إلى احترام متبادل وسكون. نهارنا كله همّ وتفكير، حتى الضحكة تخرج باردة. انظر اليوم إلى صديقاتي: تخرّجن ويعملن ويحاولن إثبات أنفسهن. تعلّمن مني في حين أنا كنت مندهشة ومأخوذة بما كان يلمع أمامي. أنا نادمة بكل ما للكلمة من معنى".