يتجه غالبية الشبان الى تأجيل فكرة الزواج ريثما تتحسّن الأمور وريثما يجدون المرأة المناسبة، الكاملة والمتكاملة جمالاً، ثقافةً، ذكاءً ومالاً. ومن كان حظها كبيراً في امتلاك كل تلك الصفات. كان مصيرها الانتظار... انتظار ما يمكن أن توضحه أيام الخطوبة. وبات قرار الزواج هو القرار الأصعب عند الشاب، الذي ما أن ينتهي من الدراسة حتى يباشر العمل لشراء المنزل والمفروشات والسيارة. الى ما هنالك... ثم يبدأ التفكير بالفتاة التي ستشاركه الأيام الحلوة والمرّة. وفي مقابل هذه المواقف، تقف الفتاة الشرقية اليوم وقفة يملأها الانسجام التام وفق شروط الشاب، فهي تبحث أيضاً عن الكمال في الزواج الذي يعطيها التحرُّر من "حماتها" وأهله، فتقرّر أن تشتري مع خطيبها المنزل وتشاركه المدفوعات والأقساط، ويصبح الزواج نقطة الوصول الأخيرة وليس نقطة الانطلاق التي سلكتها الأجيال السابقة. ومع كل التحضيرات التي يتطلبها الزواج وكل المتطلبات، هل ما زال الحب هو العنوان الأول للزواج؟ وماذا عن "المصلحة" التي يتحدث عنها الناس حتى في الزواج؟ من يلجأ الى الزواج المبكر وما هي الأثمان التي يدفعها هؤلاء نتيجة هذا التسرّع؟ ولماذا أصبح الزواج في عمرُ متأخر هو المعتمد في أيامنا هذه؟ وأخيراً، أيُّ خيار يبقى الأنسب: الزواج المبكر أو الزواج المتأخر أو اللازواج؟ لا شك أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها الشباب دفعت هؤلاء الى تأجيل الموضوع ريثما تتحسّن الأمور، لكن هذه الأوضاع تبقى أكثر سهولة من متطلبات الشاب تجاه الفتاة والفتاة تجاه الشاب، فالأول لا يعجبه العجب والأخرى متمسِّكة بوظيفتها وحياتها العصرية مبتعدةً كل البعد عن المسؤوليات التي ربما تدفعها الى الجلوس في المنزل لفترة معينة. وهي لا تتقبل ذلك، وهذا ما حصل مع زوجة كريكور ايفازيان التي رفضت البقاء في المنزل على رغم حملها، فتركت البيت وذهبت الى والدتها، وما كان من كريكور إلا أن ذُهِل وتعجّب من قرار زوجته المفاجئ، وعندما ذهب اليها وسألها عن السبب، قالت له: أريد أن أعمل ولا أريد البقاء في البيت. وكريكور، الذي رفض أن يتصوّر عندما طلبنا منه ذلك بسبب المشكلة التي لم يتخطّها بعد نفسياً مع أنه تخطاها قانونياً، فهو حصل على الطلاق، لكنه كان متعاوناً جداً ومتجاوباً معنا، فأخبرنا قصته وأعلن عن ندمه لزواجه المبكر وقال: "لقد تزوجت باكراً جداً، كنت أبلغ حينها الثالثة والعشرين من العمر، تزوجتها بعد علاقة حبّ دامت نحو سنتين... أما اليوم فأنا نادم لأنني اخترتها"، وأضاف: لقد تسرّعت في الزواج بها، فهي لم تظهر على حقيقتها إلا بعد الزواج، وكانت تحاول أن تفرض شخصيتها عليّ باستمرار، لقد تغيّرت مئة في المئة عندما أصبحنا تحت سقف واحد، وكانت ترفض التضحية مطالبةً بالمساواة بيننا مع أنها كانت حامل، وقالت لي بعد شهرين من زواجنا، الحياة الزوجية لم تعجبني، أريد أن أتابع معك الحياة كصديقة وليس كزوجة، وأعلن كريكور أنه لن يتزوج مرة ثانية، مؤيداً فكرة المساكنة بين الرجل والمرأة، وقال: كنا ننتقد الغرب على تأييدهم للمساكنة، أما اليوم فأنا أؤيدهم لأن الرجل والمرأة يستطيعان أن يختبرا بعضهما البعض خلال هذه الفترة قبل الزواج وليس بعده. واعتبر كريكور أن فشّة الخلق ستترجم على ابنتهما البالغة من العمر سنة ونصف السنة، معبِّراً عن أسفه الشديد للمستقبل الذي ينتظر الطفلة الصغيرة مع والدة من هذا النوع. أما وضع فيكتور خوري فيختلف عن وضع كريكور، فهو يبلغ السابعة والثلاثين من عمره وهو ما زال يرفض الزواج مع أنه على علاقة غرامية مع فتاة منذ تسع سنوات، يقول فيكتور: بدأت علاقتنا منذ سنوات عدة، وتخلّلت هذه العلاقة عقبات كثيرة، فكنّا ننفصل أحياناً وكنا نتّحد أحياناً أخرى، لكن فكرة الزواج كانت غائبة باستمرار فأنا أخاف فعلاً من بناء المستقبل مع أي امرأة، وأتساءل دائماً عما ينتظرني بعد هذا الزواج، فربما تختلف نظرتها لي، وربما تخونني أو ربما تكرهني، وأنا غير مستعدّ لتلقّي أي صدمة من هذا النوع، لذا، فضّلت أن أبقى على علاقتي بها كما هي الآن. وعما إذا كانت الفتاة توافقه الرأي، قال: ان ارادت الزواج بغيري، فلتفعل، فأنا لن أمنعها، لكنها لن تقوم بذلك لأنها مغرمة بي، وأضاف: لن أفكر مطلقاً بالزواج كما يفعل كثيرون من الناس، فهم يتزوجون فقط لإنجاب الأولاد الذين ربما يقفون الى جانبهم عندما يصبحون مسنّين. أما أنا فلن أفعل ذلك، فهناك الكثير من دور الرعاية التي تهتم بالمسنّين. وعن الحب الذي يكنّه للفتاة التي تحدث عنها قال: أُحبُّها، لقد اعتدت عليها، لكنني ما زلت أخاف من فكرة الزواج. وإزاء التردد الواضح لدى فيكتور وخوفه من المستقبل، تقول نورما عيسى البالغة من العمر 27 سنة انها تؤيد الزواج المتأخر، وتتابع: لن أتزوج بشابٍ فقير ولن أُقدم على هذه الخطوة حتى لو وقعت في غرامه، بل أُفضل الانتظار، ولن أوافق على الزواج الا عندما يستطيع الشريك الآخر أن يكون مستقلاً عن والديه، أي أن يشتري شقة بمفرده تخوّلنا العيش بسلام، لأنني لستُ مستعدة أن أعيش مع والديه تحت سقفٍ واحد. وأضافت نورما: "ان الوضع الاقتصادي صعب جداً حيث لا يحتمل الواحد منّا الآخر، أصبح لدى كل الناس عصبية كبيرة كما أن متطلبات الفتاة تختلف عن الماضي، فقليلات الفتيات اللواتي ترتبطن أو تتزوجن بعمرٍ مبكر قبل انتهاء الدراسة الجامعية وكثيرات هن الفتيات اللواتي تعملن وتساعدن الرجال في بناء المستقبل، وأنا أكيدة أن غالبية فتيات اليوم لا تتزوجن باكراً. وقالت نورما: ورد في آخر الإحصاءات أن نسبة اقدام الفتيات على الزواج في عمرٍ مبكر ضئيلة جداً، وان غالبية الفتيات تتزوجن في عمر يتراوح بين 25 و30 سنة. أما في ما يتعلق بالرجال، فتتراوح الأعمار بين 30 و40 سنة، وهذا لا يعود فقط الى الوضع الاقتصادي بل الى اتجاه الفتيات والشباب معاً الى اقامة علاقة تعارف أشهراً عدة وربما سنوات قبل الزواج وذلك كي يعرف الواحد منهما الآخر أكثر، وقالت نورما ان هذا الأمر قد يخفّف الكثير من حالات الطلاق التي نشهدها اليوم. أما زياد عطية البالغ من العمر الرابعة والثلاثين قال: لم أتزوج بعد لأسباب منها أنني سعيد في علاقتي مع حبيبتي الآن ونحن على يقين بأن الحياة الزوجية قد تبعدنا بمسؤولياتها عن الحب والشوق الذي نعيشه الآن. نحن نحبّ بعضنا البعض منذ أربع سنوات ولم نقرّر بعد متى سنتزوج وربما لن نقرر ذلك عما قريب. وأضاف زياد: خطيبتي رفضت فكرة الزواج المبكر وطلبت مني الانتظار ريثما تتابع اختصاصها في المعلوماتية، وعندما انتهت طلبت مني الانتظار أيضاً ريثما تبدأ العمل الجديد، وها هي تعمل اليوم وأنا سعيد بها ولست متضايقاً، بل ما يضايقني حقاً هي المسؤوليات التي تنتظرنا ان قررنا الزواج اليوم. وقال زياد: في ما يتعلق باختلاف نمط الحياة بين الماضي والحاضر: نعم، لقد تغيرت الحياة، في الماضي كان يتم الارتباط الزوجي قبل أي شيء آخر، وكان ممنوعاً على الفتاة أن تقابل الشاب وحدها بل كان عليها أن تلتقيه بحضور كل العائلة وهذا سيئ جداً، كما كان عليها أن "تعضّ على جرحها" خوفاً من "القيل والقال" ان حصلت مشاكل خطيرة بعد الزواج. أما الآن فبات الوضع مختلفاً، فالفتاة تستطيع أن تقابل الشاب في أي مكان وتستطيع أن تختبره وهذا ما يفعله هو أيضاً، كما لها الحرية الكاملة في اتخاذ القرار المناسب في مواجهة الرجل السيىء والرجل الاستغلالي، خصوصاً بعد الزواج. وسناء البالغة الثلاثين من العمر تقول: لم أجد بعد الشخص المناسب، كما أنني لستُ متطلبة، لكنني أُفضل الزواج العقلاني على زواج الحب لأنه أكثر نجاحاً، وهذا ما لمسته من خلال تجربة حصلت في بيتنا، فأُختي التي تزوجت بعد علاقة حب دامت سنوات، أراها اليوم غير سعيدة وهي تتمنى لو لم ترتبط بزوجها، لذا أرى نفسي أكثر سعادة منها، وأنا حقاً لا آبه ان كنت سأتزوج أم لا، ولا شك أن تحمُّل مسؤوليتي بمفردي أسهل بكثير من تحمل مسؤوليات الرجل والأولاد. وتضيف: أريد أن أقول أمراً مهماً وخطير جداً: ان غالبية حالات الزواج التي تحصل اليوم تقوم تحت عنوان المصلحة الأعلى من قبل الطرفين، ولم يعد للحب أي وجود، فنحن نفتقد في عصرنا هذا للحب الذي كان يحارب كل من كان يقف في طريقه في سبيل الانتصار. أي انتصار الحب على كل المصالح التي كان يدبّرها بعض الأهل. وللأسف لم يعد الرجل يعرف ما هي الأدوار الرئيسية التي عليه القيام بها ولا المرأة أيضاً، فهي تفضّل العمل على الإحساس بالأمومة، أما الرجل، فبات اتكالياً مع الراتب الذي تتقاضاه زوجته. وختمت سناء تقول: صدقيني... ان الوضع خطير جداً. ومع الآراء التي عبّر عنها الشباب في الزواج، يبقى السؤال الكبير هو المطروح: لماذا يبحث الشباب عن الكمال في الزواج؟ ولماذا بات هذا الزواج متطلباً الى هذا الحدّ؟ ولماذا يغلب شعور الخوف على المستقبل في الزواج؟ أين الثقة ومن المسؤول عن غيابها؟ وبعد كل هذه التساؤلات، يبدو أن الندم يبقى سيّد الموقف في كل الحالات، في الزواج المبكر وفي الزواج المتأخر وفي عدم الزواج أيضاً. لكن أيّ ندمٍ يبقى أخفّ جرحاً في الأعماق وأكثر ضماناً للمستقبل؟