نشرت جريدة "الحياة" في عددها الصادر في 13 آب اغسطس الماضي مقالاً تحت عنوان "المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية في ديربان: ضياع فرص الوحدة في صف منظمات حقوق الانسان" للأستاذ حجاج نايل مدير البرنامج العربي لناشطي حقوق الانسان. وحسناً فعل السيد نايل بفتح الموضوع للعلن بعدما ظل لفترة طويلة حبيس الصدور. وهذا الموضوع هو التنسيق والتعاون بين منظمات حقوق الانسان خصوصاً على المستوى المصري. ويضم موضوع التنسيق والتعاون بين الحركة العربية لحقوق الانسان كجزء من منظمات المجتمع المدني العربي مستويين للتنسيق والتعاون، الأول في الأوقات الطبيعية وهو ما يقوم على التعاون بين المنظمات والمؤسسات التي تعمل في مجال عمل واحد ويكون الهدف الأساس من هذا التنسيق والتعاون هو الاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين لعدم تكرار اختراع العجلة، وكذلك تنظيم بعض الأعمال المشتركة بين المنظمات، إضافة الى وضع قواعد تنظيمية للتنافس والتعاون بين المنظمات وبعضها البعض وتشبه هذه القواعد ميثاقاً أخلاقياً أو شرفاً مهنياً يضع مجموعة من المبادئ للتعامل بين المنظمات وبعضها البعض وبين المنظمات والعالم الخارجي وعادة ما يحتكم اليها في فض المنازعات أو الخلافات بين المنظمات وبعضها البعض. أما المستوى الثاني فيكون في لحظات في تاريخ الشعوب تتطلب توحيد الصفوف وتجاوز الصراعات الداخلية لمواجهة خطر خارجي يحيط بالأمة، اذ ان الاختلافات في التصورات او الآراء هو ما يعني انهيار دفاعات وتحركات هذا الشعب بتنظيماته الرسمية وغير الرسمية. وإذا عدنا الى موضوع التنسيق في ما يتعلق بالمؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية نجد ان المقال افترض أمرين، أولهما ان هناك خلافاً مبدئياً بين المنظمات المصرية والعربية العاملة في مجال حقوق الانسان حول الموقف من طرح اعادة إحياء قرار الأممالمتحدة بمساواة الصهيونية بالعنصرية كشكل من اشكال الادانة الرسمية للاعمال الوحشية، والتي تصل الى الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني الأعزل. وتجاه هذا الخلاف كان لا بد من توحيد الصف العربي وتقريب وجهات النظر للوصول الى موقف عربي موحد تجاه هذه القضية وهو الأمر غير المتحقق هنا اذ ان الموقف من الصهيونية لا يحتاج بحسب تصوري اي اتفاق مسبق، ومسألة مساندة المنظمات غير الحكومية العربية سواء العاملة في مجال حقوق الانسان او غيره من المجالات امر مسلم به لا يحتاج الى مناقشة او اتفاق. الأمر الثاني ان حركة حقوق الانسان العربية بمجرد اتفاقها كانت قادرة على فرض أجندتها وتصوراتها على المؤتمر الدولي بل على الممثلين الرسميين للدول التي ينتمي اليها اعضاء هذه الحركة. غير اننا واقعياً لا نجد الحركة العربية تمتلك مثل هذه القوة، ومن ثم فان المهمة الرئيسة لهذه الحركة هي استقطاب عدد من المنظمات الدولية والاقليمية بل المحلية النشطة من دول اخرى والتي يمكن ان تساند قضيتنا أمام المجتمع الدولي. وحسناً فعل مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان بدعوة عدد من المنظمات بما فيها منظمات من جنوب افريقيا. اذ ان ما عانته لسنوات من التمييز العنصري جعلها تمتلك من الخبرة في التعامل مع المجتمع الدولي في هذه القضايا ما يعد تراثاً وكنزاً لا بد من الاطلاع عليه والاستفادة منه. بل إن العيب الرئيس في المؤتمر التحضيري الذي نظمه مركز القاهرة كان كثافة الوجود من منظمات المجتمع المدني العربي اذ شاركت اكثر من 59 منظمة عربية غير حكومية ونحو 12 منظمة غير حكومية افريقية وآسيوية ودولية. الا انني أظن انه كان من الأفضل ان توجه هذه التكلفة لاستضافة المنظمات الغربية لضمان حشد اكبر عدد ممكن خلف المطالبة بإقرار المؤتمر بمساواة الصهيونية بالعنصرية على اساس ان المنظمات العربية لا تحتاج الى التوفيق بينها. بل إن الأمر كان يستدعي ايضاً التحرك من جانب الحركة على المستوى الرسمي اي محاولة التنسيق مع الجهات الرسمية المتمثلة في وزارة الخارجية في كل دولة ومدعم بملف وثائقي كامل كان يمكن الدفع به واستخدامه في المناقشات الرسمية للمؤتمر اذ ان المهمة الرئيسة للمنظمات غير الحكومية هي الضغط على الحكومات لتضمين مطالبها في الوثيقة الرسمية للمؤتمر. ومن ثم فلا بد من الاستفادة من ان معظم المواقف الرسمية للدول العربية من المؤتمر تتوافق مع موقف المنظمات غير الحكومية عامة وحركة حقوق الانسان العربية خاصة، وهي سابقة فريدة من نوعها. ولعل قضية التنافسية بين المنظمات وبعضها البعض هي ما تظهر بوضوح في هذا المقال وهو ما يحتاج الى مناقشة مستفيضة ليصبح السؤال: هل قيام أحد أطراف الحركة العربية لحقوق الانسان بنشاط في مجال ما يعني تقسيم الحركة الى رواد وتابعين ويحظر على أي من الأطراف الأخرى العمل في الموضوع نفسه؟ وإذا كان هذا التصور صحيحاً في بعض الحالات، فإنه بالتأكيد لا ينسلخ على قضية مثل التعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي اذ ان كثرة الأعمال والأنشطة والمناسبات هنا تجعل القضية دائماً مفتوحة ومتداولة، بل تعكس الاهتمام الشديد من قبل المنظمات بأبعاد هذه القضية المهمة كافة. وما دام الهدف هنا هو من قبيل الأهداف السامية الرامية الى الدفاع عن الحقوق العربية المسلوبة فإن قضية الترتيب لا تعني الكثير بل ان اي جهد يصبح في مصلحة القضية. ولعل هذا ما شهدناه من مشاركة جامعة الدول العربية وإن لم تكن منظمة غير حكومية بشكل رسمي في المؤتمر وإلقاء كلمة افتتاحية باسم الأمين العام لها، وكان الأجدى بهذه المنظمة العريقة الكبيرة ان تنظم بنفسها مؤتمراً خاصاً بها. الأمر الأكثر خطورة في المقال هو اللهجة التي لا تزال متأثرة بالنشأة السياسية اليسارية لبعض أعضاء الحركة والمتمركزة حول نظرية المؤامرة، وتعد الخيانة هي الاتهام الجاهز لكل مختلف. ولعل هذا هو ما يفسر الربط المريب الوارد في المقال بين الضغوط التي تمارسها الولاياتالمتحدة ضد المنظمات العربية غير الحكومية، وتصريحات ماري روبنسون المفوضة السامية لحقوق الانسان والتي شجبت فيها توجهات المنظمات العربية المصممة على الدفاع عن اعادة الاعتبار لقرار الأممالمتحدة، وبين عدم دعوة مركز القاهرة لبعض المنظمات متهماً مركز القاهرة في شق الصف الحقوقي العربي. بل انه يلزم الحاضرين بسقف سياسي ضعيف. كما يتناسى الكاتب عامداً أو عن غير قصد ان السكرتارية التي شكلها المؤتمر وجهت خطاباً شديد اللهجة الى ماري روبنسون يعتبر هذا الموقف خروجاً على دورها الوظيفي وانها تستجيب للضغوط الاميركية عليها، إضافة الى إدانة وضع المنظمات الفلسطينية تحت خانة اسرائيل في المؤتمر بسبب موقفها من المنظمات العربية وهو ما دعاها الى طلب اجتماع عاجل مع ممثلين عن السكرتارية في جنيف لتوضيح موقفها وهو ما نشر تفصيلاً في بيانين صحافيين في 29 تموز يوليو ثم 8 آب. ويدعو هذا التناقض الى الحيرة الشديدة اذ ان المقال استفاض في الحديث عن مبادئ المجتمع المدني القائمة على التعددية والقبول بالآخر، في الوقت الذي يعيد فيه المقال خطاب الدولة الشمولية بعبارات الكل في واحد والتوحد على رأي وموقف موحد فإذا كان الدخول ضمن سيطرة الحكومات ليس فيها اختيار كبير فان المنظمات غير الحكومية، الدخول فيها والتعاون معها والانضمام الى تحالفاتها طوعاً تبعاً للإرادة الحرة فهي رابطة اختيارية وليست اجبارية. ويصبح المعيار الأساسي في الانضمام مدى تناسب وتوافق توجهات وسياسات هذه التحالفات والمنظمات مع توجهاتي وأهدافي. كما ان هذه التعددية فرزت العديد من التنظيمات خصوصاً في مجال حقوق الانسان ولا تتفق هذه المنظمات على كثير من الأمور بل انها تتعدد لتشمل المنظمات التي تعرف حركة حقوق الانسان بأنها حركة علمانية الى المنظمات التي تتخذ من الرسائل السموية دستوراً لعملها مروراً بالمنظمات المستقلة، والتخريبية، والتي أنشأتها الحكومات لضرب الحركة ومن ثم فإنه مع هذا التنوع يصعب بل يستحيل ضم هذا التنوع في صوت واحد. الأمر الآخر هنا ان وحدة حركة حقوق الانسان العربية التي حمل المقال مركز القاهرة مسؤولية فشلها يتطلب من عدد من عناصر الحركة المصرية لحقوق الانسان التغاضي عن تاريخ من الخلافات والانشقاقات التي فرزتها الحركة المصرية في تعاملها مع قانون الجمعيات الذي ألغي مؤخراً بحكم المحكمة الدستورية العليا. اذ انه في الوقت الذي ينسق فيه بين اطراف الحركة المصرية كافة في معركة مصيرية مع الدولة قد تنتهي بانتهاء الحركة المصرية كلية وترك المجال الى المنظمات التي تقوم الدولة بإنشائها لتحسين صورتها امام العالم إضافة الى المنظمات المستأنسة، في هذا الوقت تحديداً التف البعض على هذا التنسيق ومن دون سابق إنذار للتحالف مع الحكومة ومقابلة مفوضة حقوق الانسان باعتبارهم ممثلي حركة حقوق الانسان المصرية في مقابل مكاسب شخصية. بل ان منهم من كان يحضر ويوقع على البيانات المشتركة في كلتا المجموعتين في آن واحد وأحسب ان كاتب المقال منهم. والطريف ان معظم هذه البيانات متضاربة، ولم تكتف بذلك بل أسهمت في شكل كبير في تخريب مركز من أفضل مراكز حقوق الانسان في مصر وهو مركز المساعدة القانونية لحقوق الانسان بشقه والدفع في اتجاه تمزيقه الى قسمين. ولنا هنا ان نتساءل ماذا يمكن ان يشق الحركة ويخربها: عدم دعوة منظمة او اثنتين في مؤتمر اقليمي ام التآمر على مستقبل قطاع كامل من المنظمات مع الحكومة، او الدخول طرفاً في خلافات داخلية في منظمة لشقها؟ وما هي القضايا التي يجب التوحد عليها وتوحيد الصفوف والمواقف من الصراع العربي الاسرائيلي الذي يحظى باجماع عام؟ ام الموقف من القانون المنظم لعمل هذه المنظمات داخل بلدها وهو ما يحتاج الى تنسيق وتفاهم وتحديد موقف معلن وواضح؟ ثم ما جدوى الاتفاق والتنسيق مع اطراف يتفقون على اجراءات ومواقف معينة ثم ينفذون عكسها تماماً بل يجتمعون ضمن اللجنة الحكومية المشكلة لصوغ قانون الجمعيات في الوقت الذي يعتقل فيه الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان بتهمة تلقي تمويل من دون ترخيص. وإذا كانت الخيانة في نظر الكاتب هي عدم دعوته وآخرين للمشاركة في المؤتمر فليس من الأمانة الاستناد الى عدم إلمام الجميع بكافة التفاصيل لكيل الاتهامات للآخرين، بل الطلب منهم ان يكونوا متسامحين ومقدّرين للمواقف القومية. * كاتب مصري وأحد ناشطي حقوق الانسان.