منذ نشأت منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي وهي تثير الجدل حول أهدافها وآليات عملها والبُنى التنظيمية لها وارتباطاتها بالحركة العالمية، وكذلك فاعليتها وقدرتها على التأثير في مجالها الحيوي، ولا شك أن هذا الجدل يتزايد يوماً بعد يوم نتيجة لتنامي هذه الحركة وتصاعد فاعليتها على الساحتين العربية والدولية. ومن المواضيع التي كانت محل جدل بين المدافعين المصريين لحقوق الإنسان، المؤتمر الدولي الثالث لمناهضة العنصرية في ديربان في جنوب افريقيا الذي افتتح في نهاية آب أغسطس الماضي. واكتسب هذا المؤتمر أهمية قصوى لارتباطه بقضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية والممارسات العنصرية الإسرائيلية. ولا أكون مبالغاً إذ قلت إن المؤتمر بمثابة موقعة عسكرية بين الحقوقيين العرب واللوبي الصهيوني، فالمنظمات العربية سعت إلى تضمين الوثيقة الختامية للمنظمات غير الحكومية في العالم الإشارة بشكل مباشر لعنصرية الكيان الإسرائيلي تجاه العرب، سواء داخل الدولة الإسرائيلية أو في الأرض المحتلة وكذلك التأكيد على حق العودة للفلسطينيين والتعويض وإدانة الاحتلال ومصادرة الأرض ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته لتصفية آخر معاقل العنصرية، أو كما ورد في المشروع النهائي، شكل جديد من الفصل العنصري NEW FORM OF APARTHEID. في المقابل عمل اللوبي الصهيوني على مواجهة هذا التوجه وتفريغ المواثيق من إي إشارة ولو من بعيد إلى عنصرية إسرائيل. ورغم انشغال معظم فاعليات حركة حقوق الإنسان العربية بالتحضير للمؤتمر، إلا أننا فوجئنا بأصوات من خارج الحركة تنذرنا بالفشل، بإدعاء شق وحدة الصف ووحدة الحركة على خلفية استبعادهم من الأعمال التحضيرية. ولا ندري من يملك داخل الحركة تحديد من يشارك ومن لا يشارك، كما أن التعامل مع هذا المؤتمر وآلياته والتسجيل للمشاركة فيه متاح لكل من يرغب من على "الانترنت"، والأمر لا يتطلب إذناً من أحد، وإنما توافر القدرة والرغبة في المشاركة ما لم يكن فات الأوان. ومن المهم هنا عدم الوقوف كثيراً أمام هذه الإدعاءات، إلا أن المقارنة التي سيقت في هذا الإطار ما بين أداء المنظمات في مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان الذي عقد العام 1993 ومؤتمر ديربان تصح كمقاربة كاشفة لجهود الحركة العربية ونضجها وتنامي تأثيرها في الآليات الدولية. ففيما كان الحضور العربي في مؤتمر فيينا هامشياً، الأمر الذي انعكس على التأثير في فاعلياته ووثائقه الأساسية، وبالطبع لغياب الخبرة الكافية في هذا المجال، نجد أن المنظمات والمراكز العربية الفاعلة استعدت مبكراً لمؤتمر ديربان، فتم عقد مؤتمر تحضيري في عمان بين المنظمات العربية والاسيوية. ثم عقد في القاهرة بمبادرة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المؤتمر الاقليمي العربي التحضيري للمؤتمر العالمي ضد العنصرية بحضور ممثلي 65 منظمة عربية وافريقية وآسيوية ودولية، وصدر عن أعماله إعلان القاهرة الذي شكّل في مجمله الوثيقة الأساسية التي تشكل المرجعية الفكرية للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين شاركوا في المؤتمر. كما تقرر خلال المؤتمر تشكيل سكرتارية عربية وتجمع عربي كوكس عربي يسجل في الأممالمتحدة بلجنة حقوق الإنسان، وكان هذا الإنجاز الأول من نوعه في تاريخ الأنشطة التحضيرية الحقوقية العربية للمؤتمرات الدولية. كما تم تقسيم العمل بين المنظمات العربية الفاعلة لتشكيل لوبي عربي أفريقي آسيوي ودولي، وتحديد خطط المدافعين والمنظمات اثناء مؤتمر ديربان وتوفير الإمكانات اللازمة لهذه الأنشطة. وتمت دعوة تحالف منظمات غير حكومية لجنوب افريقيا باعتبارها سكرتارية المؤتمر لزيارة الأراضي الفلسطينية بدعوة من المنظمات الفلسطينية لحقوق الإنسان وكذلك لرصد الانتهاكات التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وسياسة الفصل العنصري للسلطات الإسرائيلية. وفي إطار الأعمال التحضيرية الرسمية للمؤتمر شاركت المنظمات العربية في الاجتماعات التحضيرية الثلاثة في جنيف في سويسرا وانتهت هذه الأعمال بصدور المشروع النهائي لوثيقة المنظمات غير الحكومية للمؤتمر متضمنة مطالب المنظمات العربية كاملة والتي تمثلت فيه: 1- إدانة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واعتباره مصدراً لسياسة الفصل العنصري تجاه العرب. 2- الدعوة إلى تصفية المرتكزات المؤسسية والقانونية لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي. 3- التأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض وإعادة أملاكهم المسلوبة والتعويض عنها. 4- التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في استخدام جميع أشكال النضال في مواجهة ممارسات القهر العنصري ومن أجل إنهاء الاحتلال. 5- ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته في إنهاء وتصفية آخر معاقل العنصرية الصهيونية في إسرائيل وذلك بتبني حزمة من العقوبات المماثلة لما تم تطبيقه بالنسبة إلى نظام "الابارتهيد" في جنوب افريقيا. هذا بالإضافة إلى تمكن "الكوكس العربي" من تسجيل أحد عشر عربياً كمقرر ومتحدث في إعمال المؤتمر في ديربان. بالإجمال فإن أداء المنظمات العربية لحقوق الإنسان كان مختلفاً عما قبل المؤتمر وذلك لأسباب عدة. أولاًَ: التحضير والتخطيط المبكر من جانب المنظمات والمراكز العربية لحقوق الإنسان وانفتاح الحركة على المنظمات الدولية والتجمعات الإقليمية المختلفة. ثانياً: تبني الحركة خطاباً عقلانياً حقوقياً، يتخذ موقفاً مبدئياً من قضايا العنصرية في العالم العربي والعالم كله، وليس فقط إسرائيل، وبالتالي فهو قادر على مخاطبة الضمائر الحية ووضع الأسس لتحالف دولي صلب. ثالثاً: تنامي قدرة الحركة العربية وكوادرها على التفاعل مع آليات الأممالمتحدة وتراكم الخبرات لديها في هذا الإطار. إذاً ما تم إنجازه حتى الآن يكشف أن الحركة العربية لحقوق الإنسان العام 2001 تختلف تماماً عن الشظايا العربية العام 1993. وأهمية هذه المقارنة تتمثل في كشفها عن قدرات خلاقة لمؤسسات حقوق الإنسان العربية. أما الحديث عن وحدة الصف وشقه فهذا يعكس عجز هؤلاء عن التفاعل والمشاركة والرغبة في اهالة التراب على إنجازات الآخرين. فمن منع هؤلاء من المشاركة والتفاعل والمساهمة في خدمة قضية العرب الأولى؟ وأظن أنه من الأفضل العمل بجدية على بذل الجهد والعمل على دعم هذه الجهود في المؤتمر الدولي ضد العنصرية بدلاً من لطم الخدود والبكاء على وحدة الصف التي لم تكن بهذا المستوى من الوحدة والفاعلية في أي لحظة سابقة. * الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان - نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.