في مطلع القرن العشرين 1912 انتهى الحكم العثماني في البلقان بعد وجود طويل استمر نحو خمسة قرون، وظهرت في المنطقة الدول القومية الجديدة. ولكن على المسلمين في البلقان ان يتكيّفوا بعد ان اصبحوا خارج "الدولة الأم" الدولة العثمانية مع الظروف الجديدة، حين حاولت الدول البلقانية ان تكرس ثقافتها القومية الخاصة. وفي هذا الإطار شهدت ألبانيا، في اعتبارها الدولة الوحيدة التي تضم غالبية مسلمة، محاولات متواصلة في العشرينات للتوفيق بين الثقافة الدينية الموروثة والثقافة القومية المطلوبة. وظهر عدد من رجال الدين المتنورين علي كورتشا، ابراهيم داليو وغيرهما فأخذوا يترجمون المصادر الأساسية للاسلام الى اللغة الألبانية الحديثة بالحروف اللاتينية، وينشرون بعض المؤلفات في اللغة القومية المشتركة مع المسيحيين حتى يكون الاسلام في متناول الجميع. وفي هذا الإطار، قام العالِم علي كورتشا في مطلع العشرينات بإنجاز اول ترجمة تفسيرية لمعاني القرآن الكريم، وأخذ ينشر نماذج منها في المجلة التي اصدرها آنذاك "الصوت السامي"، التي حاول ان يوفق فيها بين التراث الاسلامي للألبان وبين النزعة القومية الجديدة. وخلال العشرينات جرت محاولتان لترجمة معاني القرآن الكريم 1921 و1929 إلا ان هذا النشاط سينتقل بعد الحرب العالمية الثانية من ألبانيا الى كوسوفو المجاورة نتيجة التضييق على الدين في ألبانيا خلال حكم أنور خوجا 1945 - 1984. وهكذا شهدت بريشتينا انجاز ترجمات عدة لمعاني القرآن الكريم كترجمة فتحي مهدي صدرت في 1985، وترجمة حسن ناهي صدرت في 1988، وترجمة شريف احمدي 1988. وبعد هذا الانجاز ولد في مطلع التسعينات توجه للانتقال الى التعريف بالمصدر الآخر للإسلام: السنّة النبوية. وتم اختيار صحيح البخاري لذلك. وتشكل فريق عمل لذلك من العاملين في قسم الاستشراق في جامعة بريشتينا، الذين كان لبعضهم تجربة في ترجمة القرآن الكريم والترجمة عموماً، من العربية الى الألبانية اضافة الى خلفيتهم الثقافية الاسلامية المساعدة على ذلك. وقام المشروع على الجمع في الصفحة الواحدة على ثلاثة امور: النص العربي الأصلي، والنص الألباني المترجم، والتعليق او التوضيح الضروري لبعض ما جاء في النص. وبسبب ذلك تضخم هذا المشروع حيث جاءت ترجمة صحيح البخاري في 13 مجلداً يحتوي كل مجلد على 400 - 450 صفحة من القطع الكبير. ونظراً الى ضخامة العمل، صدر الجزء الأول منه في 1994 ترجمة مهدي بوليس والجزء الثامن ترجمة بحري علي في عام 2000، وسيصدر الجزء التاسع ترجمة فتحي مهدي والعاشر ترجمة اسماعيل أحمدي والحادي عشر ترجمة مهدي بوليس والثاني عشر ترجمة عبدالله حميدي والثالث عشر ترجمة عيسى ممتيشي خلال 2001 - 2002. وحدث هذا التأخر في نشر اجزاء هذا المشروع الضخم نتيجة للظروف التي عاشها العاملون في هذا المشروع خلال التسعينات، حيث اغلق قسم الاستشراق وطرد اساتذته، ونتيجة لنقص التمويل إذ ترك لكل مترجم ان يتدبر امره بعد ان فشلوا في الحصول على تمويل جماعي لإصدار اجزاء هذا العمل الكبير. ويتميز الجزء الأول، لكونه الأول، بمقدمة واسعة للمترجم مهدي بوليس يستعرض فيها مكانة الحديث/ السنّة النبوية في الاسلام، باعتبارها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم، ويوضح فيها كيفية رواية الحديث وتصنيفه بحسب درجة صحته، ويتوقف اخيراً عند التعريف بالبخاري وميزات عمله في جمع الأحاديث الواردة في صحيحه. ولا شك في ان هذا المشروع يعتبر اضخم انجاز من نوعه بالنسبة الى الثقافة الاسلامية في اللغة الألبانية بعد اصدار ثلاث ترجمات لمعاني القرآن الكريم في الثمانينات، وهو اول تجربة للعمل الجماعي بهذا الحجم ستة مترجمين. وإذا كان المشروع تم في اصعب الظروف التسعينات فإنه من المأمول ان يفتح الطريق الآن لإصدارات اخرى في الظروف الجديدة التي تعيشها كوسوفو الآن. * استاذ جامعي.