صدرت في العامين الماضيين ترجمتان متتاليتان لمعاني القرآن الكريم، الأولى في اللغة المكدونية عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في 1988، والثانية في اللغة الألبانية عن دار لوغوس في سكوبيه عاصمة مكدونيا في 1999. وفي حين أن الترجمة الألبانية ليست الأولى تتميز الترجمة المكدونية بكونها الأولى من نوعها، ولذلك فهي تمثل حدثاً ثقافياً مهماً على مستوى الجمهورية. ونفترض هنا أن هذه الترجمة ليست موجهة للمسلمين فقط الذين يشكلون أقلية، وإنما كل المهتمين الذين ينتمون الى الغالبية في هذه الجمهورية التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة. ويذكر أن المسلمين في جمهورية مكدونيا ينتمون إثنياً الى أربعة أطراف/ شعوب: المكدونيون والألبان والأتراك والغجر. وعلى حين أن الألبان حوالى 25 في المئة من سكان الجمهورية لديهم ترجمات عدة في اللغة الألبانية، وكذلك الأتراك 4 في المئة من سكان الجمهورية بينما الغجر 5،2 في المئة ينتظرون قريباً صدور الترجمة الخاصة بهم، فإن هذه الترجمة المكدونية يُفترض أن تكون موجهة لفئتين: 1 - المكدونيون المسلمون الذين يتراوح عددهم بين 50 - 70 ألف نسمة، أي حوالى 3 في المئة من سكان الجمهورية. 2 - المكدونيون عموماً الذين يشكلون الغالبية في هذه الجمهورية حوالى 65 في المئة مع أن غالبيتهم من المسيحيين. ونقول هنا "ىُفترض" لأنه لا يوجد ما يميز الترجمة المكدونية عن الترجمة الألبانية التي تتوجه لغالبية ذات ثقافة مسلمة، بينما غالبية المكدونيين ذات ثقافة مسيحية ولذلك كان لا بد للمترجم الأستاذ حسن جيلو أن يأخذ هذا في الاعتبار وأن يكون له دور أكبر سواء في المقدمة أو في الخاتمة. ويذكر أن الشيخ جلو كما يرد اسمه في مقدمة هذه الترجمة تخرج من مدرسة الغازي خسروبك في ساراييفو، وعمل بعد عودته في المشيخة الاسلامية أمين مكتبة عيسى بك في سكوبيه. وتعلم خلال دراسته لغات عدة منها العربية والانكليزية: اضافة الى لغات محيطه البلقاني البوسنوية والألبانية. وبدأ اهتمامه بالثقافة الاسلامية من خلال الترجمة أولاً، إذ ترجم من الانكليزية كتاب "الاسلام والثقافة" للمرحوم اسماعيل الفاروقي سكوبيه 1986، ثم اهتم بعد ذلك بابن سينا وتفسيره للقرآن الكريم، حيث أصدر في 1996 أول كتاب له بعنوان: "رسالة ابن سينا عن السور الثلاث الأخيرة في القرآن"، بالاضافة الى العديد من المقالات التي كان ينشرها باستمرار في مجلة "الهلال" وغيرها. ولا شك في أن عمل الاستاذ جيلو الذي استغرقه في السنوات الأخيرة ترجمة معاني القرآن الكريم، لم يكن بالسهل نظراً لحداثة اللغة المكدونية، إذ صدر أول كتاب في هذه اللغة في 1945، لأن يوغسلافيا الملكية لم تكن تعترف بها وتسمح بتعلمها، وكذلك بلغاريا المجاورة التي تعتبرها مجرد لهجة بلغارية. ولذلك فإن تقاليد الترجمة خصوصاً فيما يتعلق بالثقافة الاسلامية ليست متجذرة كما في اللغات البلقانية الأخرى. ولكن من ناحية أخرى، كان مما ساعد الأستاذ جيلو في ترجمته وجود "تراث" لا بأس به من ترجمات القرآن الكريم في اللغات البلقانية البلغارية والبوسنوية والألبانية التي يعرفها وليست ببعيدة عن اللغة المكدونية، وخصوصاً البلغارية والبوسنوية. وهكذا كان لا بد أن تحظى هذه الترجمة باهتمام لأنها آخر ترجمة في اللغات البلقانية، لأن المكدونية وحدها لم تحظ بمثل هذه الترجمة، ولن تكون آخر ترجمة من المكدونية ذاتها التي يمكن أن تتسع لترجمة أخرى. تحمل هذه الترجمة في العربية، كسائر الترجمات التي صدرت عن مجمع الملك فهد، عنوان "القرآن الكريم وترجمة معانيه الى اللغة المقدونية" بينما العنوان في المكدونية مختصر ومباشر "القرآن مع ترجمته". وتتصدر هذه الترجمة مقدمة وزير الشؤون الاسلامية والأوقاف السابق معالي الدكتور عبدالله التركي التي يشير فيها الى دور المجمع بتقديم مثل هذه الترجمة "تسهيلاً لفهمه على المسلمين الناطقين بغير العربية" و"خدمة لأخواننا الناطقين باللغة المقدونية". ومن هنا كان من الضروري أن يكون هناك مقدمة اخرى للأستاذ جيلو باللغة المكدونية يفتح فيها آفاق التواصل مع بقية المكدونيين المسيحيين الذين يشكلون الغالبية في الجمهورية، إذ ان الاهتمام بمثل هذا الانجاز لا يقتصر على المسلمين فقط، لأنه حدث ثقافي مهم على مستوى الجمهورية إذ أنه للمرة الأولى أصبح في وسع المهتمين من المكدونيين أن يتعرفوا الى الكتاب الكريم لإخوانهم في لغتهم القومية المكدونية. وبعد هذه المقدمة تتوالى ترجمة معاني السوَر/ الآيات مع الحرص على وجود توازي النص العربي مع النص المكدوني في الصفحة ذاتها العمود الأيمن للنص العربي والعمود الأيسر للنص المكدوني. وفي نهاية الترجمة لدينا ست صفحات 922 - 928 تتضمن شرح بعض التعابير والأسماء التي تستعمل عند المسلمين، ثم فهرس موضوعي لأهم ما ورد في القرآن الكريم من مفاهيم وأسماء بالاستناد الى الترجمات السابقة وخصوصاً "المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم" لعبد الباقي، حيث يذكر الاسم /المفهوم مع رقم السورة/ الآية والصفحات التي ورد فيها، وأخيراً فهرس بأسماء السور في العربية والمقدونية. وفي الواقع كان من المتوقع، اضافة الى المقدمة المقترحة ان يكون دور المترجم في الفهارس أكبر مما هو موجود وأن يأخذ في الاعتبار القارئ الذي يتوجه له. فإذا كان المقصود القارئ المسلم فقط فالأمر قد يكون كافياً، ولكن نظراً لخصوصية الجمهورية حيث غالبية الناطقين بهذه اللغة من غير المسلمين، كان من المفترض أن تكون الفهارس موسعة ومنظمة أكثر لتكون مفيدة أكثر. وعلى صعيد الفهارس يبدو لنا أن ترتيب الفهارس / التعليقات / الشروحات كما وردت في الترجمة البوسنوية بسيم كركوت والألبانية اللاحقة أي المرقمة مفيد أكثر للقارئ. أما الترجمة الأخرى الألبانية صدرت بعنوان عربي "القرآن الكريم وترجمة معانيه الى اللغة الألبانية"، وآخر ألباني "القرآن وظله في الألبانية" أستاذ الدراسات العربية الاسلامية في قسم الاستشراق في جامعة بريشتينا فتحي مهدي. ومن الواضح أن هذه الترجمة ليست موجهة الى الألبان في جمهورية مكدونيا يشكلون حوالى ربع السكان، وإنما للألبان في كوسوفو وألبانيا المجاورة وهي تعبر عن التواصل الحالي بين الألبان في هذه الكيانات الثلاثة. وكانت الطبعة الأولى من هذه الترجمة صدرت في بريشتينا في 1985، وهي تصدر الآن بشكل مختلف تستحق فيه أن تدعى ترجمة جديدة. وكما هو الأمر مع الترجمة المكدونية كانت هذه أيضاً تُعتبر أول ترجمة ألبانية إذ صدرت للمرة الأولى في 1985 على رغم أنها تستند الى محاولات لترجمة معاني القرآن الكريم الى اللغة الألبانية خلال القرن العشرين انظر "الحياة" عدد 30/5/1998.أما بالنسبة للمترجم فهو من الجيل الجديد المؤسس لقسم الاستشراق في جامعة بريشتينا 1973، الذي يجمع بين الثقافة الاسلامية خريج المدرسة الشرعية في بريشتينا والثقافة العربية الحديثة خريج فرع الاستشراق في جامعة بلغراد، وتخصص في رسالته للماجستير عن ترجمات القرآن الكريم في يوغسلافيا. وخلال عمله المتواصل في قسم الاستشراق ترجم الى الألبانية بعض الأعمال الابداعية من الأدب العربي الحديث، ثم توجه الى مشروعه الأهم: ترجمة معاني القرآن الكريم. ونظراً لأنها الترجمة الأولى الكاملة والمباشرة من اللغة العربية الى الألبانية حظيت باهتمام كبير ونفذت بسرعة. ولكن من ناحية أخرى، كما يعترف المترجم في الطبعة الجديدة، جاءته الكثير من الملاحظات والتعليقات والاقتراحات التي أخذ ببعضها خلال عمله لإصدار الطبعة الجديدة من الترجمة. ويلاحظ أولاً على الطبعة الجديدة العنوان، إذ أن العنوان الخارجي على الغلاف الفخم "القرآن وظلّه في الألبانية". وحول هذا العنوان غير المألوف يوضح مهدي في مقدمته للطبعة الجديدة "ان القرآن الكريم لا يكون قرآناً إلا في لغته الأصلية، العربية، وأن كل ترجمة له تمثل ظلاّ له في اللغة التي يُترجم إليها". ولكن العنوان في الغلاف الداخلي بقي كما كان في الطبعة الأولى "القرآن مع ترجمة وشروحات في الألبانية"، وهو الأقرب الى العمل الذي بين أيدينا. أما التغيير الآخر الأهم كان بوضع الأصل العربي، إذ تعذّر في الطبعة الأولى لاعتبارات تقنية ومادية وضع الأصل العربي، بينما جاء هذه المرة يمثل إنجازاً جديداً إذ وضع في كل صفحة مقابل النص الألباني بالآيات ذاتها، وهكذا أصبح بوسع القارئ المطلع أن يقارن كل اية بما يقابلها في الصفحة المواجهة. وهنا تختلف هذه الترجمة مع الترجمات الألبانية الأخرى التي تعتمد على التوسع في ترجمة الآيات بالشروح والتفاسير سواء داخل الصفحة، أو في هوامش أسفل الصفحة. أما في هذه الترجمة ترك مهدي للقارئ الألباني أن يتواصل مع معاني القرآن الكريم بشكل مباشر، آية بعد آية، وكلمة بعد كلمة بالمقارنة مع النص الأصلي، مع إقراره كما رأينا ان هذه الآيات المترجمة هي معاني القرآن في الألبانية. ويتمثل التغيير الثالث في هذه الترجمة في حذف الدراسة التي كانت في الطبعة الأولى عن القرآن الكريم للمستشرق المرحوم حسن كلشي، التي يبدو أنها أدت دورها في ظروف النظام السابق الشيوعي ولم يعد لها حاجة بعد صدور دراسات كثيرة في الألبانية عن هذا الموضوع، ولا شك في أن حذف هذه الدراسة ساهم بدوره في دفع القارئ للتواصل المباشر مع النص الأصلي / المترجم. الى ذلك أضيف الى هذه الترجمة/ الطبعة الجديدة فهرس بأسماء الأشخاص والأماكن والقبائل والشعوب التي وردت في القرآن الكريم مع الصفحات التي جاءت فيها، مما يساعد القارئ على التوصل الى ما يريد. أما ما بقي من الترجمة/ الطبعة الأولى فهو الشروحات التي جاءت في نهاية الكتابة المتسلسلة من رقم 1 الى رقم 258، إذ يضع المترجم في النص الألباني الأرقام / الاحالات في المواقع التي يراها ضرورية، وجاءت في نهاية الكتاب للحفاظ على التواصل المباشر/ التواجه المتوازي بين النص العربي والنص الألباني. ويذكر أن هذه الشروحات جاءت في الأصل لترجمة معاني القرآن الكريم في اللغة الصربوكرواتية، التي أنجزها المستشرق البوسنوي بسيم كركوت وصدرت في 1977، وهي تعكس ما هو مشترك بين المسلمين في يوغسلافيا السابقة. وأخيراً لا بد من القول إن الترجمة/ الطبعة الأولى لاقت رواجاً باعتبارها الترجمة الأولى الكاملة الموجهة لأكبر شعب مسلم في البلقان كان نصفه الأول في يوغسلافيا يحظى بحق الحصول على نسخة منها بينما كان نصفه الآخر في ألبانيا لا يسمح له بذلك. ولكن بعد صدور الترجمات الألبانية الأخرى ترجمة حسن ناهي في 1988 وترجمة شريف أحمدي في 1988 أيضاً. وبسبب التواصل الجديد بين الألبان في البلقان، الذي لم تعد الحدود تعوقه، كان لا بد لهذه الترجمه/ الطبعة الجديدة أن تأخذ في الاعتبار هذه المتغيرات الجديدة لكي تكون جذابة أكثر للقارئ. * مدير معهد بيت الحكمة، جامعة آل البيت - الاردن.