"رب ضارة نافعة". بهذه العبارة لخص البعض، وبينهم مسؤولون كبار، تفاعلات اضراب الموظفين والعمال في مؤسسة كهرباء لبنان، وتحديداً لجهة تسريب لائحة بأسماء شخصيات سياسية ونيابية واجتماعية قالت نقابة الموظفين انها تمتنع عن دفع المتوجب عليها من متأخرات فواتير استهلاكها التيار الكهربائي. وبدا ان النقابة في صراعها مع الحكومة من أجل الحفاظ على مكتسبات الموظفين بإعفائهم من التعرفة الرسمية للكهرباء التي ألغيت في قانون الموازنة، من اجل تحسين واردات الخزينة، ارادت الرد بتسريب اسماء السياسيين الذين يمتنعون عن الدفع، فانقلب الامر عليها وعلى مؤسسة كهرباء لبنان، وعلى السياسيين معاً. ففضلاً عن ان تسريب اللائحة يكشف السياسيين وغير السياسيين من الشخصيات المعروفة، الذين يمتنعون عن الدفع، فإن تأخر موظفي مؤسسة الكهرباء في ملاحقة الممتنعين واتخاذ التدابير القانونية في حقهم، وتأجيل كل ذلك يضع اللوم على الموظفين المسؤولين عن الجباية وعن الادارة، لأن القانون يفرض قطع التيار عن اي مشترك لا يسدد ما عليه. وهذا الاستنتاج جعل جبهة الموظفين في وضع الاتهام ايضاً، وطرح اسئلة هل بعضهم متواطئ مع السياسيين، ام يهمل واجباته، فيما يطبق القانون على المواطن العادي... ورأى بعض الاوساط ان النقابة كشفت اللائحة متأخرة، لابتزاز الحكومة والسياسيين من اجل الحافظ على مكتسباتها التي ألغيت، خصوصاً ان الحديث عن سوء الجباية عمره سنوات، بل هو سبب رئيس من اسباب عجز مؤسسة الكهرباء، واحدى ثغر خصخصتها التي تتجه اليها الحكومة. فلماذا لجأت الى التشهير حين وقع النزاع بينها وبين الحكومة فقط؟ بل أن سياسيين كثراً ممن وردت أسماؤهم في لائحة وزعتها النقابة اول من امس، او في لائحة اخرى سربتها، اتصلوا إما برئيس الحكومة رفيق الحريري وإما بغيره من المعنيين، فأكد هذا البعض ان لا فواتير متراكمة عليه، فيما قال البعض الآخر انه اذا كان هناك عليه متأخرات، فادارة كهرباء لبنان لم تبلغه بها. وفي كل الاحوال، سبب الامر ما يشبه الارتباك لدى الجانبين: الموظفين والسياسيين، خصوصاً ان النقابة وزعت لائحة اول من امس تضم 28 اسماً، هي التي نشرتها "الحياة" في عدد امس، وسربت لائحة اخرى نشرت في شكل محدود، تضم 41 اسماً بينها ال28 المعلنة في مؤتمر صحافي. واللائحة الموسعة فيها اسماء اضافية مثل "رئيس مجلس النواب" و"نجل الرئيس الحريري" و"ميشال المر"، والمرحوم "كمال جنبلاط" و"وليد بك جنبلاط". وثمة لائحة ثالثة سربت حصلت عليها "الحياة" امس تضم اكثر من 80 اسماً بعضها مكرر لامتلاكه ربما اكثر من عداد كهربائي.... وبين المستهلكين فيها مثلاً وزارات الداخلية والصحة والنفظ والمال والأمن العام ومؤسسات اعلامية عدة. ولم يخل الأمر من طرائف. فورود اسم "ابن" الحريري في احدى اللوائح، و"نجل" الحريري في اخرى، دفع برئيس الحكومة الى التساؤل عمن المقصود، خصوصاً ان فواتير الكهرباء مستخرجة من الكومبيوتر وعليها اسم المشترك ورقم عداده... وطلب ايضاحات، خصوصاً ان شركة اوجيه لبنان التي يملكها مكلفة منه دفع الفواتير عن منازله ومنازل ابناء عائلته ومكاتبه، شهرياً... وتبين بعد استقصاءات ان صاحب مستودع غير بعيد من منزله في بيروت على نزاع مع مؤسسة كهرباء لبنان على فواتير من العامين 1992 و1993 تبلغ زهاء 10 ملايين ليرة. ولما راجعه جابي التحصيل مرات عدة للدفع تحت طائلة قطع التيار، أجابه: "هذا المستودع لابن الحريري..." بهدف تجنب المراجعات المستمرة. وهكذا ابلغ الجابي ادارته بالجواب... ثم ورد الاسم في اللائحة الموزعة. الا ان مصادر حكومية اكدت ل"الحياة" ان ما حصل مفيد على رغم التشهير. فهو يساعد على السعي إلى ضبط العمل الاداري للمؤسسة ويدفع بسياسيين ومؤسسات رسمية كثيرة الى دفع المتوجب للدولة، حتى لو ان في اللوائح اخطاء وخلطاً بين من دفعوا ومن لم يدفعوا، ومن هم على نزاع مع مؤسسة الكهرباء على فواتيرهم. وهذا يحصل. من جهة اخرى، اوضحت ادارة مستشفى الدكتور سعيد للنائبة السابقة نهاد سعيد ان "المستحقات فواتير تقوم الادارة بايفائها مقسطة دورياً ووفق جدول زمني وبموجب فواتير، على رغم ان للمستشفى مستحقات على الدولة اضعاف ما هو مستحق عليه". واستغرب نقيب المستشفيات الدكتور فوزي عضيمي ادراج اسمه في اللائحة، مؤكداً ان "الاتفاق تم على تقسيط الفواتير المتأخرة لمستشفى سيدة لبنان مع قسم المتأخرات في المؤسسة زائداً الفائدة والغرامات". واحتفظ النائب محسن دلول بحق مقاضاة نقابة الموظفين نافياً، جملة وتفصيلاً، ما جاء عنه في اللائحة التي وزعتها. ونفى النائب محمد قباني امتناعه عن التسديد، وكذلك النواب السابقون ميشال ساسين وصلاح الحركة ورشيد الخازن وعائلة شقيقه هيكل الخازن، وعائلة الوزير الراحل عبدالله الراسي.